المؤتمر السنوي لـ"المركز العربي للتخطيط البديل": إسرائيل تتعامل مع مواطنيها العرب بانعدام حس إنساني

على هامش المشهد

 

مراسل "هآرتس" للشؤون السياسية والدبلوماسية: الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني سيتعرضان لضغوط دولية كبيرة من أجل استئناف المفاوضات

 

 

 

*في حال عدم استئناف المفاوضات فإن العالم سيحاول طرح تسوية للصراع من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي*

 

 

 

 

كتب بلال ضاهر:

 

 

 

بعد أن قررت الحكومة الإسرائيلية وقف المفاوضات مع الفلسطينيين، في أعقاب اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، صعّد رئيسها، بنيامين نتنياهو، من تهجماته ضد الفلسطينيين، وحتى أنه اعتبر إحياء ذكرى النكبة "تحريضا" ضد إسرائيل وشبّه الفلسطينيين بالنازيين، بزعمه أن الفلسطينيين "يشوهون صورة دولة إسرائيل وصورة الشعب اليهودي، كما شهدنا في أماكن أخرى خلال تاريخنا".

 

وقال نتنياهو لدى افتتاح الاجتماع الأسبوعي لحكومته، أول من أمس الأحد، إنه "نشرت الأسبوع الماضي رابطة مكافحة التشهير (ADL) تقريرا حول نسبة المعاداة للسامية عند البالغين في دول مختلفة بالعالم وقد اتضح أن المكان الذي يتصدر القائمة هو السلطة الفلسطينية حيث أن 93% من البالغين يتمسكون بمواقف معادية للسامية. وتأتي هذه النتيجة المؤسفة على خلفية التحريض المستمر الذي تمارسه السلطة الفلسطينية دون هوادة والذي يشوه صورة دولة إسرائيل وصورة الشعب اليهودي، كما شهدنا في أماكن أخرى خلال تاريخنا. وهذا التحريض يمارس بمسيرات حداد تحيي ذكرى ما يسميه الفلسطينيون بالنكبة. إنهم يعتبرون وجود دولة إسرائيل وتأسيسها مأساة يجب تصحيحها وهذا يتمثل أيضا بأن السلطة الفلسطينية تسمح حاليا لحماس – التي تدعو بشكل مباشر وواضح إلى تدميرنا - بالقيام بأنشطة متزايدة في يهودا والسامرة. ومن يعتبر إقامة دولة إسرائيل ومواصلة وجودها مأساةً لا يريد السلام".

 

في غضون ذلك التقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، بوزيرة العدل الإسرائيلية ورئيسة طاقم المفاوضات مع الفلسطينيين، تسيبي ليفني، في لندن في نهاية الأسبوع الماضي. وأعلن نتنياهو أن ليفني لم تمثل حكومة إسرائيل في هذا اللقاء.

 

وحول هذه المواضيع واحتمالات استئناف المفاوضات بين الجانبين، أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة مع مراسل صحيفة "هآرتس" للشؤون السياسية والدبلوماسية، باراك رافيد.

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل حكومة إسرائيل ورئيسها بنيامين نتنياهو معنيان باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين؟

 

رافيد: "هذا سؤال معقد جدا. واضح أن حكومة إسرائيل معنية بعملية سياسية ومفاوضات ولقاءات بين الجانبين، فإذا لا يكون هناك جمود في العملية السياسية فإن العالم سيعتقد أن كل شيء يسير على ما يرام. لكن هل توجد رغبة حقيقية لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية بالتوصل إلى اتفاق، أو التوصل إلى تسويات وأمور كهذه، فإني لا أعتقد أنه توجد رغبة كهذه".

 

(*) ربما السؤال الأصح في هذه الحالة هو ماذا سيحدث لإسرائيل في حال لم يتم استئناف المفاوضات؟

 

رافيد: "أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال مشابهة إلى حد بعيد لسؤال حول ماذا سيحدث للسلطة الفلسطينية. لأن كلا الجانبين سيدخلان خلال نصف السنة أو التسعة شهور المقبلة إلى وضع لا توجد فيه مفاوضات ونوع من الجمود السياسي، الأمر الذي سيحدث فراغا. ويتوقع أن تحدث أمور في ظل هذا الفراغ السياسي، مثل خطوات تنفذها السلطة الفلسطينية تتمثل بالتوجه إلى المنظمات الدولية، وإسرائيل ستكثف أعمال البناء في المستوطنات، وستكون ردود فعل من كلا الجانبين على خطوات ينفذها الجانب الآخر، أو ربما يحدث تصعيد ميداني مثلما حدث في رام الله قبل عدة أيام عندما قُتل فلسطينيان. أي أن الأمر الواضح في حالة الفراغ السياسي هو أنه توجد احتمالات كبيرة لحدوث تصعيد. وأعتقد أنه في حال عدم وجود مفاوضات أو عدم استئناف العملية السياسية، فإنه سيلحق ضرر كبير بالجانبين، بحيث ستتعرض إسرائيل لانتقادات دولية واسعة جدا بينما سيواجه الفلسطينيون حالة استياء دولية جراء عدم حل الصراع وهذا الأمر سيؤثر على التبرع بالأموال للسلطة. وأعتقد أن كلا الجانبين سيصلان إلى وضع يكون فيه العالم قد سئمهما. وعندها قد يتحول الوضع إلى صراع لا يكترث به أحد في العالم، ولا تكون هناك محاولات لكبحه وستكون هناك مواجهة إسرائيلية – فلسطينية تودي بحياة الكثير من الأشخاص. لكن في المقابل قد ينشأ وضع يقول فيه العالم للجانبين إنهما لم ينجحا في التوصل إلى التسوية وأن العالم سيطرح تسوية من خلال مجلس الأمن الدولي، تقضي بإقامة دولة فلسطينية في حدود العام 1967 مع تبادل أراض وتكون عاصمتها القدس الشرقية. وسيقول العالم للفلسطينيين إن إسرائيل هي دولة يهودية ولن يتم تطبيق حق العودة للاجئين فيها. وسيطالب العالم إسرائيل والفلسطينيين بالتعامل مع قرار كهذا صادر عن مجلس الأمن الدولي".

 

(*) هل ستؤيد الولايات المتحدة موقفا دوليا كهذا، وما هو انطباعك حيال الموقف الأميركي في هذا السياق؟

 

رافيد: "أعتقد أن الأميركيين يريدون في هذه المرحلة منح الجانبين مهلة تتراوح مدتها ما بين نصف سنة إلى سنة، لا يتم خلالها القيام بمجهود زائد من أجل دفع العملية السياسية. وعمليا، سيحاول الأميركيون جعل الجانبين ينضجان من تلقاء نفسيهما، على أمل أن يرى أبو مازن ونتنياهو أن لا أحد يكترث بهما. وعندها سيضطر أبو مازن إلى الانشغال في مواضيع تهمه أقل من المواضيع السياسية، مثل الأمور الداخلية وحل مشاكل في الموازنة ودفع رواتب الموظفين وحل مشاكل بينه وبين حماس، وهذه أمور أصعب من السفر إلى عواصم العالم والتحدث عن عملية السلام. وفي المقابل فإن نتنياهو لن يتمكن من الاستمرار بالقول إنه توجد عملية سلام وإنما سيضطر إلى مواجهة ضغوط دولية. وأعتقد أن الأميركيين يأملون أن هذا الوضع سيجعل نتنياهو وأبو مازن يعتقدان أن مصلحتهما هي عودة الأميركيين إلى التدخل في العملية السلمية، حتى لو كان هذا الأمر يعني أن عليهما اتخاذ قرارات صعبة بدلا من إبقاء الوضع كما هو وفيما تمارس عليهما ضغوط من جميع الاتجاهات".

 

(*) هل ستكون إسرائيل مستعدة لاستئناف المفاوضات فيما تتواصل الخطوات من أجل إنجاح المصالحة الفلسطينية، بين حركتي فتح وحماس، ويتم تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية؟

 

رافيد: "هذا منوط بتركيبة الحكومة الفلسطينية وبرنامجها السياسي. إسرائيل تقول، حتى الآن، إنها لن تعترف ولن تتعاون مع أية حكومة سيتم تشكيلها حتى توافق حماس على شروط الرباعية الدولية، وهي الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة. لكن هذا لن يحدث وواضح أن حماس لن تنفذ هذه الشروط. ومن الجهة الأخرى فإنه إذا أعلنت الحكومة الفلسطينية الجديدة أنها توافق على شروط الرباعية الدولية، فإني أعتقد أنه ستمارس ضغوط كبيرة على إسرائيل من أجل التعاون معها. إذ أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يجريا تحقيقا حول كل واحد من وزراء الحكومة الجديدة وما إذا كان ينتمي إلى حماس أو فتح أو غيرهما. وبالنسبة لهما فإنه إذا كانت الحكومة الجديدة تعترف بإسرائيل وتحترم اتفاقيات أوسلو ولا تمارس العنف فإنه سيتم قبولها. وفي تقديري أن إسرائيل ستضطر إلى التعاون مع حكومة كهذه وتتراجع في نهاية الأمر عن موقفها الحالي".

 

(*) وضع نتنياهو صعوبات وعراقيل كثيرة أمام مفاوضات التسعة شهور الماضية. واعتبر في مستهل اجتماع حكومته الأسبوعي، أول من أمس، أن إحياء الفلسطينيين لذكرى النكبة هو "تحريض" ضد إسرائيل، أي أنه ينفي النكبة. كيف بإمكان نتنياهو، الذي يحمل أفكارا كهذه تنفي تاريخ الفلسطينيين، أن يبحث في حق الفلسطينيين بدولة؟

 

رافيد: "توجد هنا مشكلة كبيرة جدا، في الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني على حد سواء. وهي أن كل واحد من الجانبين يحاول أن يثبت أن روايته التاريخية هي الرواية الصحيحة وأن الرواية الأخرى كاذبة. والجانب الإسرائيلي يرى، كما يقول نتنياهو، أن النكبة هي محاولة تحريض ضد إسرائيل، بينما الجانب الفلسطيني يقول إنه لا يوجد أمر اسمه شعب يهودي وإنه لا يوجد لليهود حق في تقرير المصير. وإزاء هذا الوضع فإنه يوجد حلان: إما أن يقول كلا الجانبين إن الأحلام والروايات التاريخية يجب أن تكون في القلب وليس بالدماغ، ويجب وضعهما جانبا وكل طرف يستمر في أحلامه، ولكن يجب التقدم وفقا للواقع، أو أن يقولا إنهما مستعدان للاعتراف، بعد مئة عام من الصراع، بوجود حقوق للجانبين. والمشكلة الآن هي أن الجانبين لا يعترفان بحقوق بعضهما في البلاد. وهذا ينطبق على عباس ونتنياهو. هذه مأساة. وهي أحد الأمور التي تسد الطريق أمام التقدم نحو تسوية".

 

(*) التقى الرئيس عباس مع ليفني في لندن في نهاية الأسبوع الماضي. هل نتج شيء عن هذا اللقاء؟

 

رافيد: "لا أعتقد أن ثمة أهمية لهذا اللقاء من الناحية السياسية. لكني أعتقد أنه حدث مثير للاهتمام، لأن هذه المرة الأولى منذ سنة ونصف السنة التي يلتقي فيها أبو مازن مع وزير في حكومة إسرائيل. وهذا اللقاء جاء ليخدم الاحتياجات السياسية لأبو مازن وليفني، اللذين أرادا وضع نتنياهو في حالة عزلة وقد نجحا في ذلك".

 

(*) لماذا يريد نتنياهو إلغاء مؤسسة الرئاسة في إسرائيل ودفع قانون "الحزب الأكبر"؟

 

رافيد: "الدافع الأساسي هو شخصي، وهو أن نتنياهو يعارض انتخاب عضو الكنيست من حزبه، رؤوفين ريفلين، رئيسا للدولة. وقد أصبح ريفلين عدوا سياسيا لنتنياهو بعد أن ادعى أن الأخير يتخذ قرارات بموجب رغبات زوجته. ويبذل نتنياهو وزوجته جهودا كبيرة الآن من أجل منع انتخاب ريفلين رئيسا للدولة. وفي هذه الأثناء يتمتع ريفلين بأكبر تأييد بين أعضاء الكنيست لانتخابه رئيسا، ولذلك حاول نتنياهو إلغاء مؤسسة الرئاسة. لكن هذه المحاولة فشلت. ويخشى نتنياهو من أنه إذا أصبح ريفلين رئيسا فإنه لن يكون أول رئيس حزب سيكلفه بتشكيل الحكومة وعمليا سيسقطه عن الحكم، إذ إن القانون الإسرائيلي ينص على أن رئيس الدولة يكلف أحد رؤساء الأحزاب بتشكيل الحكومة. ولذلك يسعى نتنياهو إلى سن قانون يأخذ هذه الصلاحية من رئيس الدولة ويلزمه بتكليف رئيس أكبر حزب بتشكيل الحكومة".