سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

 

 

 

الكنيست بدأ دورة صيفية جديدة

 

مجموعة قوانين عنصرية جديدة ومعارك "شد عضلات" بين شركاء الائتلاف!

 

 

 

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

افتتح الكنيست في الأسبوع الماضي دورته الصيفية، التي ستستمر 12 أسبوعا، وما يميز هذه الدورة القصيرة، وفق الملامح التي ظهرت في أسبوعها الأول، أنها دورة ستناقش قوانين ذات طابع عنصري خطير، وأخطرها قانون "دولة القومية اليهودية"، وفي المقابل بدأ "شد عضلات" بين شركاء الائتلاف، بعد مضي عام على تشكيل الحكومة، والتأقلم في العمل البرلماني والحكومة، كما بات واضحا أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان قد بدأ معركته المتوقعة لاسترداد قسم من صلاحيات وزارته التي تتناثر بين ست جهات حكومية أخرى غير وزارته.

 

في اليوم الأول للدورة، اضطر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى سحب مشروعه الداعي إلى إلغاء نظام منصب رئيس الدولة، قبل انتهاء ولاية شمعون بيريس بعد شهرين، بعد أن وجد معارضة واسعة في أوساط نواب حزبه الليكود، الذين أعلنوا اعتراضهم الشديد على مبادرة نتنياهو لإلغاء منصب الرئاسة، وتحويل النظام إلى نظام جمهوري، وهذا أمر يجري التداول به في إسرائيل منذ نحو 20 عاما، إلا أن نتنياهو ظهر فجأة بالمبادرة، التي يحتاج تشريعها إلى وقت طويل، الأمر الذي حذا بالرئيس بيريس للإعلان عن رفضه للبقاء في منصبه ليوم واحد اضافي بعد انتهاء المدّة القانونية.

 

والانطباع السائد في الحلبة السياسية أن دافع نتنياهو للإسراع بهذه المبادرة، التي لم يعلن عنها على الأقل قبل عام، هو دافع شخصي، ورفضه للمرشح الأوفر حظا للفوز بمنصب الرئيس، وهو رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين.

 

وتبين لنتنياهو أنه لا يحظى بدعم شريكه الأكبر رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، كما أن وزيرة العدل تسيبي ليفني لم تتحمس إلى هذه المبادرة.

 

لكن الأمر الابرز في هذه الدورة سيتمحور حول قوانين عنصرية جديدة يبادر لها نتنياهو والائتلاف الحاكم، وأبرزها قانون "دولة القومية اليهودية"، الذي أعلن عنه نتنياهو قبل ثلاثة أسابيع، وهو عمليا قانون "يهودية الدولة"، الذي يمنح امتيازات لليهود في كافة مجالات الحياة، ويعمق التمييز ضد فلسطينيي 48، ويجعل العديد من السياسات الممارسة على مدى عقود، إن كان على مستوى الوزارات أو في الحياة العامة، قانونا رسميا.

 

ولا يبدو حتى الآن الموعد الذي سيطرح فيه نتنياهو القانون لإقراره بالقراءة الأولى في الكنيست، إذ أن القانون يلقى معارضة من حزب "الحركة" برئاسة الوزيرة تسيبي ليفني، كما أن القانون قد يلقى معارضة لدى عدد من نواب حزب "يوجد مستقبل" الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم.

 

كذلك أقرت اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات، مع بدء الدورة، مشروع قانون يهدف إلى منع تحرير أسرى من فلسطينيي 48، في اطار صفقات سياسية، إلا أن القانون الذي يثير جدلا في الائتلاف الحاكم، سيسري على من تتم ادانتهم بقضايا قتل مستقبلا، وينص مشروع القانون على "منح صلاحية" للمحكمة، بأن تفرض الحكم مدى الحياة على من تتم ادانته بالقتل في قضايا على خلفية قومية، وأن تضيف إلى الحكم بندا يمنع رئيس الدولة من منح الشخص ذاته العفو أو تخفيف الحكم، في قصد واضح لمنع تحرير هؤلاء في اطار صفقات سياسية مستقبلية.

 

ويسري هذا القانون عمليا، على الفلسطينيين مواطني إسرائيل، وفلسطينيي القدس المحتلة، وأيضا على فلسطينيين من الضفة الغربية تتم محاكمتهم في "محاكم مدنية"، وليس محاكم عسكرية، لأن أحكام المحاكم العسكرية يبقى مصيرها بيد جيش الاحتلال، وليس الرئيس الإسرائيلي.

 

واعترض على القانون حزبا "يوجد مستقبل" و"الحركة"، الأمر الذي أدى إلى سحبه للبحث به مجددا في الحكومة، وقد يتلكأ نتنياهو في طرح القانون للتصويت، كما فعل مع قوانين خلافية اخرى، من باب الحفاظ على سلامة ائتلافه.

 

إلى ذلك، فقد أعلن وزير المالية يائير لبيد عن اجراء عنصري، كان قد حاول فرضه قبل شهرين، وهو منح اعفاء ضريبي على شراء البيوت، لليهود الذين يخدمون في جيش الاحتلال، وهذا يعني استثناء العرب، والمتدينين المتزمتين "الحريديم".

 

إلا أن هذا الاجراء يجد معارضة، من حزب "البيت اليهودي"، كونه يضر أكثر بالحريديم من العرب، لأن الحكومة أصلا لا تبني مشاريع اسكانية في البلدات العربية، باستثناء مدينة الناصرة، وبشكل ضئيل جدا. كما أن الوزيرة تسيبي ليفني تبدي معارضة على القانون، من جوانب حقوقية، ويجري البحث عن صيغة تخفف من حدة عنصرية القانون.

 

وتطرح على جدول أعمال الحكومة في الايام الأخيرة سلسلة قوانين أخرى، لها ارتباط بمسألة "الدين والدولة"، إن كان على مستوى الزواج والطلاق، وعلاقة المحاكم المدنية بها، أو في قضايا الحلال، وهي مبادرات تثير تحفظ حزب "البيت اليهودي" الذي يسيطر عليه التيار "الديني الصهيوني".

 

وكل هذا يقول إنه بعد أن أنجز الائتلاف الحاكم حتى نهاية الدورة الشتوية، التي انتهت في منتصف آذار الماضي، أكبر القوانين المركزية، التي سعى اليها كل واحد من شركاء الائتلاف الحاكم، من قوانين تغيير النظام الانتخابي، وحتى قانون الاستفتاء العام، الذي يعرقل اي حل مستقبلي للصراع، يبدأ شركاء الائتلاف الآن، في استعراض "شد عضلات"، إن صح التعبير، من باب اثبات الوجود والتأثير على الحلبة البرلمانية وبالذات، قرارات الحكومة.

 

 

ليبرمان يبدأ المعركة على الخارجية

 

كما كان متوقعا فقد بدأ وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في الأيام الأخيرة معركته على مكانة وزارة الخارجية، وكان الأمر منتظرا منذ أن عاد ليبرمان إلى الوزارة، بعد 8 أشهر على بدء عمل الحكومة، إذ لدى توزيع الحقائب البرلمانية جرى توزيع بعض من صلاحيات الوزارة على مؤسسات ووزارات مختلفة، منها ما هو قائم منذ سنوات، ولكن تزايد توزيع صلاحيات الوزارة، كان لافتا، كما أنه كان واضحا أن ليبرمان لن يرضى بوزارة تنتشر صلاحياتها على ست وزارات.

 

وقد جاهر ليبرمان مباشرة بمعركته، في تقرير دوري له أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، في الأسبوع الماضي، ولكنه ركّز "جام غضبه" على مستشار الأمن القومين يوسي كوهين، إذ ادعى ليبرمان أن كوهين يسعى إلى اقامة وزارة خارجية "موازية"، بسبب اتصالاته المباشرة مع السلك الدبلوماسي والحلبة الدولية، وكانت القشة التي "قصمت ظهر الجمل" من ناحية ليبرمان، هي الرسالة التي بعث بها كوهين إلى سفراء الاتحاد الأوروبي والسفير الأميركي في إسرائيل، حول رؤية حكومة بنيامين نتنياهو لمسألة وقف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، دون أي تنسيق مع وزارة الخارجية، وفي الحال أصدر ليبرمان أوامر لجميع العاملين في وزارته بعدم التعاون مع مجلس الأمن القومي والمستشار كوهين.

 

وهذه ليست المرّة الأولى التي يصطدم فيها ليبرمان مع مستشار الأمن القومي، بل حصل هذا في فترة مستشارين آخرين، في حكومة نتنياهو السابقة، وما يقلق ليبرمان أكثر هو عدة مناصب وزارية يتعلق عملها بالعلاقات الخارجية والسلك الدبلوماسي، وقد عددها ليبرمان في تقريره، وهي اضافة إلى مجلس الأمن القومي:

 

*وزارة "التهديدات الاستراتيجية"، ويتولاها حاليا الوزير يوفال شتاينيتس، والغريب أن ليبرمان تكلم بتهكم على هذه الوزارة متسائلا: "ما اسم هذه الوزارة؟"، وتكمن الغرابة في أن هذه الوزارة قامت أصلا، في حكومة إيهود أولمرت، كي يشغلها ليبرمان ذاته، وكانت تظهر لأول مرّة في حكومات إسرائيل، وبقيت هذه الوزارة قائمة في الحكومتين التاليتين، إذ تولاها في حكومة نتنياهو السابقة الوزير موشيه يعلون، وحاليا شتاينيتس، والآن يصف ليبرمان "مؤسس" هذه الوزارة، بأنها "وزارة زائدة ولا حاجة لها".

 

*القسم السياسي الأمني في وزارة الدفاع، وهذا القسم قائم منذ أن قامت الوزارة، إلا أن ليبرمان يدعي أن نشاط هذا القسم، بدأ يتوغل هو أيضا في صلاحيات وزارة الخارجية، ويعمل بشكل مواز للوزارة.

 

*وزارة التعاون الاقليمي، وهي وزارة يشغلها الوزير سيلفان شالوم، الذين يشغل أيضا وزارة "تطوير الجليل والنقب"، القائمة أصلا على مشروع تهويد هاتين المنطقتين. وأقيمت ووزارة التعاون الاقليمي لأول مرة في حكومة إيهود باراك في العام 1999، وكان يشغلها شمعون بيريس، واستمر وجود هذه الوزارة، في ظل كل الحكومات التالية، وهي كوزارة "التهديدات الاستراتيجية"، تم تفصيلها لإرضاء شخصيات كبيرة في الحكومة، لم تنل حقائب رفيعة.

 

*وزارة يهود المهجر، وهي أحيانا تكون وزارة، وأحيانا ملفا في مكتب رئيس الحكومة يتولاه نائب وزير، وتهتم في شؤون علاقة أبناء الديانة اليهودية في العالم بإسرائيل، وهذه مهمة تتقاطع مع وزارة الهجرة والاستيعاب، ووزارة الخارجية.

 

*ملف المفاوضات، وهذا الملف الأكبر الذي صودر من أيدي وزارة الخارجية، وتتولاه وزيرة العدل تسيبي ليفني، بموجب اتفاق الائتلاف بين حزبي الليكود و"الحركة"، وعمليا هذا الملف لم يكن في يد وزارة الخارجية أيضا في حكومة نتنياهو السابقة، إذ كان بمسؤولية نتنياهو شخصيا، ولكن لوحظ في الأشهر الأخيرة أن ليبرمان يضيق ذرعا بهذه الحال، ورأيناه يحاول التقرب من الإدارة الأميركية وخاصة وزير الخارجية جون كيري، رغم أن ليبرمان لم يغير مواقفه الجوهر من مسألة الصراع والقضية الفلسطينية.

وعمليا فإن ليبرمان بدأ يعد العدّة لتعزيز مكانته في الحكومة، ومن ثم في الحلبة السياسية، خاصة وأن الاتجاه القائم حاليا هو فض الشراكة البرلمانية بين الحزب الذي يتزعمه "إسرائيل بيتنا" وبين الليكود. ويرى ليبرمان أن وضعيته البرلمانية في أي انتخابات مقبلة ليست مضمونة، من حيث أن يكون حزبه من الكتل الكبيرة في الكنيست، ولهذا فإن الفرضية القائمة أن ليبرمان سيصعّد بشكل مدروس، خطواته في الحكومة، ولكن ليس إلى حد التفجير، إذ لا يوجد مبرر سياسي لذلك من ناحيته، ولهذا سيكتفي ببعض "الأزمات العابرة"، من باب مقولة "نحن هنا".

 

 

الخيوط متماسكة

 

رغم ما يظهر من "توترات" أو "أزمات"، فإن خيوط الائتلاف ما تزال متماسكة، ولا يبدو أنها قد تتراخى أو تنحل في الوقت القريب، وهذا من منطلق المصالح الحزبية الآنية، إذ أن حزب "يوجد مستقبل" يثبت من يوم إلى آخر، أن لا مصلحة له في ترك الحكومة، وهو ليس لديه أجندة واضحة، بل يؤقلم ذاته مع سياسة الحكومة، حتى لو كانت سياسة اليمين الأشد تطرفا. كما أن هذا الحزب لا يواجه خطر الانشقاق، لأن كل النواب فيه حديثو العهد، وفازوا بعضوية الكنيست بشكل مفاجئ بالنسبة لغالبيتهم الساحقة، ولهذا فهم يريدون استغلال الأمر والبقاء في واجهة السياسة الإسرائيلية، من باب أنها "تجربة قد لا تتكرر" بالنسبة لهم.

 

أما حزب "الحركة" فكل الرهان على توجهات رئيسة الحزب تسيبي ليفني تبدو حتى الآن خاسرة، فهي لا تسارع إلى ترك الحكومة بسبب جمود المفاوضات، وهذا لأنها ألقت بمسؤولية الفشل على الجانب الفلسطيني، إذ أنها لم تجاهر بأي اعتراض على سياسة الاستيطان، التي لا تعارضها من حيث الجوهر، خاصة في القدس والكتل الاستيطانية الكبرى، وأيضا من باب الادعاء بأنها طالما هي في الحكومة فستكون لاجمة لسياستها، مع "أمل استئناف المفاوضات في كل وقت"، ولكن على أرض الواقع فإنه في هذه المرحلة لا تجد ليفني وشركاؤها في الحزب مكانا لهم في صفوف المعارضة، إلا إذا بدأت تعد العدّة للانتخابات المقبلة، وتقرر أن تجد لها "مأوى سياسيا" جديدا، أو شراكة سياسية جديدة، لا تلوح في الأفق حتى الآن.

 

وهذه الحال تسري على باقي شركاء الليكود، حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان الذي يرى أن سياسته ومخططاته تتطبق على أرض الواقع، وكذا بالنسبة لحزب المستوطنين "البيت اليهودي".