شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

على هامش المشهد

 

دراسة إسرائيلية جديدة: تنظيمات القاعدة والجهاد العالمي تستغل الهزات السياسية في المنطقة وحل الصراعات يلجمها

 

 

 

تواجه إسرائيل تهديدا أمنيا عند حدودها مع مصر وعند خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان السورية المحتلة من جانب تنظيمات الجهاد العالمي، التي تدور في فلك تنظيم القاعدة. ويقول مسؤولون في جهاز الأمن الإسرائيلي إن هذه التهديدات ما زالت ضعيفة وفي بدايتها فقط، ولا تشكل، حاليا، خطرا على إسرائيل وحدودها. رغم ذلك فإنها تثير قلقا لدى المسؤولين في إسرائيل من تعاظم هذا الخطر في المستقبل.

 

وفي هذا الإطار، أصدر "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، مؤخرا، دراسة حول تنظيم القاعدة وتنظيمات الجهاد العالمي التي تدور في فلكه، أعدها الباحثان في المعهد يورام شفايتسر وأفيف أوريغ. وأشار الباحثان إلى تزايد الوعي العام في العالم لخطر تنظيم القاعدة وتهديده للاستقرار والأمن القومي لدول كثيرة في أعقاب هجمات 11 أيلول العام 2001.

 

ومنذ ذلك الحين، ما زالت الحرب العالمية ضد إرهاب القاعدة والجهاد العالمي مستمرة حتى اليوم، وكلّفت العديد من دول العالم الكثير من الدماء المسفوكة ومئات مليارات الدولارات. كذلك فإن التدخل الغربي، وخاصة الأميركي، في دول آسيا الإسلامية والشرق الأوسط، أدى إلى فتح "صندوق باندورا"، الذي خرجت منه الشرور، في إطار صراعات محلية ذات طابع عرقي وطائفي وديني.

 

وأشارت الدراسة إلى أنه "على هذا النحو وجدت الولايات المتحدة وحليفاتها أنفسها تطارد مجموعات ومنظمات وشبكات، وأحيانا نشطاء إرهابيين فرديين، نجحوا في أن يصرفوا نحوهم موارد هائلة من الوقت والمال والقوى البشرية [للدول] بشكل غير تناسبي مع التهديد المحدد والواقعي لهذه التنظيمات". ونجاح القاعدة في تشويش مجرى الحياة في الغرب وإرغام دول كثيرة على استحداث أنظمة أمنية نابع من عدة أمور:

 

أولا: تحدى تنظيم القاعدة زعامة وقوض أمن الدولة العظمى الأقوى في العالم من خلال جرأته على مهاجمتها في أراضيها بصورة مباشرة وغير مسبوقة من حيث الشجاعة والتسبب بالأضرار.

 

ثانيا: التسبب بتشويش الحياة العادية في الحيز العام وفي وسائل النقل المحلية والدولية في دول عديدة في العالم في أعقاب أنشطة وتهديدات القاعدة بمواصلة الهجمات الإرهابية.

 

ثالثا: القاعدة حول نفسه إلى "علامة تجارية" دولية، وزعيمه أسامة بن لادن، أصبح قدوة لدب الرعب وشخصية سيئة السمعة من جهة، ورمزا محبوبا على الكثير من الشبان المسلمين بفضل نضاله ضد الغرب من الجهة الأخرى.

 

رابعا: أفكار القاعدة جرّت خلفها عددا غير قليل من الشبان المسلمين من أنحاء العالم، رغم أن عددهم قياسا بمجمل المسلمين في العالم ضئيل للغاية.

 

خامسا: القاعدة يشكل محركا يوجه حركة ذات انتشار عالمي باتت تعرف باسم "الجهاد العالمي".

 

سادسا: نجح هذا التنظيم بالبقاء على الرغم من الحرب المكثفة التي تشنها دول العالم ضده منذ أكثر من عقد، ورغم الإمكانيات والجهود الهائلة التي تستثمرها دول كثيرة في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة من أجل هزمه من دون تحقيق نجاح حتى الآن.

 

ووفقا للدراسة فإنه "على الرغم من النجاح الكبير، إلا أن تطلع القاعدة إلى طرد التواجد العسكري للدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وتدخلها في الشرق الأوسط لم يحقق نجاحا. بل إن العكس صحيح. فنشاط هذا التنظيم وشركائه عمّق تدخل الولايات المتحدة وحليفاتها في الدول الإسلامية في أنحاء العالم. ووقفت دول كثيرة إلى جانب الولايات المتحدة التي تتعرض لهجمات، وتجندت للحرب ضد القاعدة وشريكاته تحسبا من تهديدها الإرهابي على أمن مواطنيها الذي تحول إلى مشكلة إستراتيجية تتجاوز الحدود وينبغي رصد موارد كبيرة من أجل اقتلاع هذا الإرهاب من جذوره ومحاربته بشدة بالغة".

 

وأضافت الدراسة أن القاعدة لم ينجح في تحقيق تطلعاته إلى إقامة أنظمة إسلامية تعمل بموجب الشريعة الإسلامية وفقا للأفكار السلفية، وأنه "من الناحية الفعلية تسبب نشاط القاعدة بالإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان، وكان هذا أول نظام في العصر الحديث طبق النظام الذي يدعو القاعدة إلى انتهاجه".

 

 

استغلال الهزات السياسية في العالم العربي

 

أشارت الدراسة إلى أن الطريق التي سلكها القاعدة منذ أن كان تنظيما صغيرا يضم عددا صغيرا من النشطاء وحتى وصوله إلى مكانته الدولية الحالية، مرت عبر عقبات على مدار 25 عاما، وشملت ثلاث مراحل أساسية. ووفقا للتحليل الذي تضمنته الدراسة، وخلافا للتقديرات المختلفة التي تم طرحها في السنوات الأخيرة بأن التنظيم مُني بهزيمة ساحقة وأنه تم القضاء عليه تقريبا، فإنه "من وجهة نظرنا، نجحت قيادة القاعدة وشركاؤها، قادة الجهاد العالمي، في استغلال الأحداث في العالم وفي مقدمتها الهزات السياسية في الدول العربية، من أجل دفع غاياتهم".

 

وأضافت الدراسة أنه بين النجاحات التي حققها القاعدة والتنظيمات المقربة منه "نجح التنظيم في توسيع دائرة شركائه الأيديولوجيين في الشرق الأوسط والمغرب العربي، وهؤلاء يساعدونه في مواصلة جهوده العنيفة من أجل تطبيق وتحقيق رؤيته المحلية والعالمية. إضافة إلى ذلك، فإنه يتوقع تخفيف الضغوط عن القاعدة وشركائه: بعد انسحاب قوات الولايات المتحدة والناتو من مناطق ذات أهمية إستراتيجية، مثل العراق [وقد تم هذا الانسحاب] وأفغانستان [انسحاب متوقع في العام الحالي]؛ وعلى أثر الهزات السياسية في الشرق الأوسط والمغرب العربي؛ وبسبب أيديولوجية هذه التنظيمات التي تساوم وتتمتع بليونة تنظيمية في الوقت نفسه؛ وبسبب بقاء قياديين قدامى ينادون بإستراتيجية عدوانية بادر إليها ابن لادن، سوية مع ظهور قادة جدد اكتسبوا خبرة قتالية في مناطق القتال المختلفة. وجميع هذه الأمور تدل على نشوء فرص جديدة بالنسبة للقاعدة وشركائه".

 

ووفقا للدراسة فإن الهدف الإستراتيجي لزعيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري، هو البقاء التنظيمي للقاعدة، استقرار صفوف التنظيم، ترسيخ قيادته الشخصية واستغلال الفرص من أجل انتعاش التنظيم وقيادة التنظيم والحركة الجهادية العالمية مجددا نحو تحقيق حلمه ومفهومه الإستراتيجي. ويسعى الظواهري إلى استغلال "الربيع العربي" وتحويله إلى "ربيع إسلامي"، من خلال تفضيل الجهاد الداخلي على الجهاد العالمي في هذه المرحلة. وأضافت الدراسة أن "الهدف هو ترسيخ أنظمة إسلامية تسير بموجب الشريعة في الدول المركزية في الشرق الأوسط وإفريقيا، فيما تدعمه منظمات وجهات تنتمي إلى حركة الجهاد العالمي من أجل تحقيق هدفه".

 

ورأت الدراسة أن "القاعدة سيشجع وينمي أنشطة كهذه من أجل تغذية انعدام الاستقرار السلطوي في دول ذات سيادة بحيث يصبح بالإمكان تأسيس مناطق تسيطر فيها جهات سلفية – جهادية، مثلما فعل حتى اليوم. ولا ينبغي تجاهل تبلور قوى جديدة في مناطق القتال النشطة، في أفغانستان وباكستان والشرق الأوسط والمغرب العربي ودول إفريقية، تتكون من نشطاء ذوي خبرة عسكرية، والتي يتوقع أن توسع مخزون مقاتلي التنظيم وحركة الجهاد. ويضاف إليهم نشطاء من دول غربية سيستخدمهم التنظيم من أجل بناء بنية تحتية لتنفيذ هجمات إرهابية في أنحاء العالم".

 

وتورد الدراسة مثالا على ذلك الحرب الدائرة في سورية، التي تشكل بالنسبة لتنظيم القاعدة وحركة الجهاد العالمي "فرصة تاريخية من الدرجة الأولى"، وكذلك انعدام الاستقرار في مصر "حيث يسمح تغير الحكم فيها بتحريض السكان المحليين المعارضين على النظام الجديد – القديم. وقد عزل هذا النظام الإخوان المسلمين ’البراغماتيين’ من الحكم، بعد أن اعتقدوا [الإخوان] أنه بإمكانهم استغلال الطريق الديمقراطية من أجل صعود الإسلام إلى الحكم وفشلوا، الأمر الذي عزز عمليا ادعاءات القاعدة بأنه فقط بواسطة الجهاد العسكري العنيف ضد النظام المحلي الفاسد وشركائه الغربيين سيكون بالإمكان إعادة العصر الذهبي الإسلامي إلى سابق عهده وفرض الإسلام السلفي".

 

 

"المعضلة في سورية"

 

أضافت الدراسة أن "الجبهة السورية يتوقع أن تشكل بقعة مركزية لأنشطة تنظيمات الجهاد العالمي بتشجيع ودعم نشط من القاعدة، بواسطة شركائه المحليين والإقليميين ومتطوعين عرب من الدول الغربية يأتون من أنحاء العالم إلى سورية. وستؤثر نتائج الحرب في سورية على استقرار الدول المحيطة بها. والغاية من سورية بنظر القاعدة أن تشكل دفيئة لنمو كوادر جديدة من النشطاء الإرهابيين ذوي الخبرة العسكرية والعلاقة القوية بأفكار القاعدة. كما أن التنظيم مهتم بأن يضم قسما منهم إلى صفوفه، وتشجيع قسم آخر على الانضمام إلى القتال في مناطق تجري فيها نزاعات على خلفية عرقية – دينية، وتأهيل قسم آخر لتشكيل خلايا وشبكات إرهابية لتنفيذ هجمات كأفراد في دول مختلفة وبالأساس غربية".

 

وأشارت الدراسة إلى وجود معضلة في سورية بالنسبة لإسرائيل والغرب، وإلى "كيف ينبغي التعامل مع الحرب الدائرة ضد نظام الأسد المدعوم من المحور الراديكالي بقيادة إيران وحزب الله ونشاطه ضد المتمردين من أبناء شعبه؟ فالإجابة على ذلك معقدة وليست واضحة، إذ أنه تنتمي إلى المتمردين تنظيمات الجهاد العالمي المدعومة من القاعدة بصورة علنية. وفي تقديرنا يتعين على الولايات المتحدة وشريكاتها في الغرب الاستمرار في محاولة تغيير حكم الأسد من دون القيام بخطوات عسكرية وإنما كجزء من المجهود الدبلوماسي الدولي بالتعاون مع روسيا، التي نجحت في تفكيك سورية من السلاح الكيميائي. والهدف هو الحفاظ على وحدة سورية واستقرارها على أيدي جهة براغماتية ذات قدرة فعالة على الحكم في هذه الدولة ومنع تنظيمات الجهاد العالمي وفي مقدمتها شركاء القاعدة من السيطرة على أجزاء منها وتحويلها إلى قاعدة وممر لعبور نشطاء إرهابيين من أجل دفع أهداف الجهاد العالمي". وأضافت الدراسة أن تدخلا عسكريا غربيا في سورية "سيكون مطلوبا في حال سيطرة تنظيمات الجهاد العالمي على سورية أو أجزاء منها".

 

وفيما يتعلق بمصر، رأت الدراسة أنه "على الرغم من الانتقادات التي وجهها مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة الأميركية وتعليق المساعدات العسكرية في أعقاب عزل الجيش المصري لرجل الإخوان المسلمين، الرئيس محمد مرسي، إلا أن من شأن ذلك أن يمنع النظام الحالي في مصر من القدرة على فرض الاستقرار في الدولة، وبذلك مساعدة الجهات الإرهابية للجهاد العالمي في مواصلة توسيع نشاطها في مصر وشبه جزيرة سيناء".

 

ورأت الدراسة أن "الجهود التي تبذل في مصر لإجراء انتخابات جديدة رئاسية وبرلمانية إلى جانب القتال العنيد ضد الجهات الإرهابية في سيناء، وفتح حوار مع رؤساء القبائل هناك، والاستثمار في تطوير البنية التحتية في سيناء التي تم إهمالها طوال سنوات، من شأن كل ذلك أن يساعد في لجم نوايا القاعدة وشركائه في استغلال انعدام الاستقرار في هذه الدولة المركزية، ومنع التقدم في غاياتهم في منطقة المشرق".

 

 

حل الصراعات يلجم تأييد القاعدة

 

لفتت الدراسة إلى أن ثمة "ميدان قتال مركزياً ضد القاعدة وتنظيمات الجهاد العالمي ويستوجب اهتماما وبذل جهود فكرية مبتكرة يتمثل بمحاربة الأيديولوجيا السلفية - الجهادية التي تحرّك القاعدة وشركاءه. ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي الاستثمار في إدارة معركة علنية وسرية هدفها نزع الشرعية عن هذه الأيديولوجيا. ويتعين على الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة أن تعمل بشجاعة واستقامة وإصرار من أجل تحييد توترات وصراعات موجودة في حلبة العلاقات الدولية وبين دول غربية ودول إسلامية وعربية. فهذه النزاعات تشكل وقودا دائما للأفكار السلفية - الجهادية ويستخدمها القاعدة وشركاؤه من أجل الحصول على الشرعية في نظر أجزاء من السكان المسلمين، ومصدر جذب لنشطاء ومجندين جدد".

 

وخلصت الدراسة إلى أن "نشاطا مثابراً ومتواصلاً من أجل التوصل إلى حل من خلال الاتفاق لنزاعات إقليمية ضالعة فيها مجموعات سكانية مسلمة، مثل النزاعين في الشيشان وكشمير، والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، من شأنه أن يساعد في تهدئة التوترات القائمة وأن يضع صعوبات كبيرة أمام إمكان أن يحظى القاعدة وتنظيمات الجهاد العالمي بتأييد واسع".