تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

على هامش المشهد

 

 

 

اتساع ظاهرة "هروب الأدمغة" بين ضباط الجيش الإسرائيلي

 

 

 

 

سجلت السنوات الثلاث الأخيرة ارتفاعا كبيرا وغير مسبوق في عدد الضباط في الخدمة الدائمة في الجيش الإسرائيلي الذين تسرحوا من الخدمة العسكرية بناء على طلبهم. ويصف الجيش الإسرائيلي هذه الظاهرة بأنها "هروب أدمغة"، إذ يعتبر هؤلاء الضباط أنهم "لبّ" الجيش، أي أولئك الذين يرغب الجيش ببقائهم في صفوفه، لكنهم يتسرحون ويتجهون إلى العمل في القطاع المدني.

 

وتشير المعطيات، التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخرا، إلى أن عدد الذين يخدمون في الخدمة العسكرية الدائمة في الوحدات التكنولوجية، ويرغب الجيش ببقائهم في صفوفه ولكنهم يختارون تسريحهم من الخدمة لصالح العمل في القطاع المدني، قد تضاعف خلال السنتين الماضيتين. ووفقا لهذه المعطيات، فإن نسبة هؤلاء الضباط قد ارتفعت من 2ر12% في العام 2011 إلى 3ر17% في العام 2012 ووصلت إلى 21% في العام 2013. ويدور الحديث عن ضباط يخدمون في وحدات السايبر، أي الحرب في الفضاء الالكتروني، وفي الوحدة 8200 المتخصصة في جمع المعلومات الاستخباراتية، والوحدة التكنولوجية الخاضعة لشعبة الاستخبارات العسكرية وفي سلاح التصنت، الذين يتلقون عروض عمل مغرية في السوق المدنية.

 

ولا تنحصر هذه الظاهرة في الوحدات التكنولوجية وإنما هي موجودة، وبصورة أوسع، في الوحدات القتالية. ووفقا للمعطيات، فإن نسبة الضباط الذين تسرحوا من الخدمة في الوحدات القتالية، رغم أنهم كانوا هدفا للترقية في الرتب العسكرية، ارتفع من 3ر29% في العام 2011 إلى 5ر32% في العام 2012 ووصلت هذه النسبة إلى 7ر39% في العام 2013.

 

وتثير هذه المعطيات قلقا في صفوف قيادة الجيش الإسرائيلي. ويتبين من المعطيات التي استعرضتها رئيسة دائرة طاقم العاملين في شعبة القوى البشرية في الجيش، العميد ميخال بن موفحار، خلال مداولات جرت مؤخرا، أنه على مدار سنين ماضية استقرت نسبة الضباط في الخدمة الدائمة الذين طلبوا تسريحهم من الجيش على 15%، بينما ارتفعت في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل كبير ووصلت في العام 2012 إلى 18% وفي العام 2013 إلى أكثر من 23%.

 

وقال قائد الوحدة 8200، وهو ضابط برتبة عقيد، إن هذه الظاهرة "تؤرقني، لأن الأشخاص ذوي القدرات المتوسطة لا يمكنهم تنفيذ المهمات، وبالإمكان إغلاق الوحدة. ويوجد شعور خاطئ بأنه إذا غادرنا الضباط الجيدون، فإن بإمكاننا أن نستخدم أشخاصا ذوي قدرات متوسطة وسنتدبر أمرنا. ولذلك عليّ أن أوضح أن الدولة لن تتدبر أمرها. من دون المعلومات الاستخباراتية التي نجلبها فإن الدولة لن تتدبر أمرها".

 

ويعود السبب الرئيس لخروج الضباط من الخدمة العسكرية الدائمة إلى الأجر الذي يتقاضونه في الجيش مقابل الأجر الذي يتقاضونه في القطاع المدني. ومعظم الضباط الذين يغادرون صفوف الجيش هم مهندسون أو تقنيون في مجال الحوسبة والبرمجة الالكترونية. وقال قائد الوحدة 8200 إن "الأجر الذي يتقاضاه ضباط برتب متدنية عندنا هو خمسة أو ستة آلاف شيكل شهريا، بينما خارج الجيش وعندما يقومون بالعمل نفسه فإن راتبهم هو 13 ألف شيكل. وهذا من دون أن نتحدث عن الفرص الكامنة في شركات الستارت أب [إطلاق برامج الكترونية جديدة]... وكل من يقطع الشارع من قاعدة غليلوت [في شمال تل أبيب] إلى منطقة صناعة الهايتك في هرتسيليا سيحصل على راتب أكبر بكثير من الذي يتقاضاه في الجيش".

 

وأضاف الضابط نفسه أن ظروف العمل في الجيش أصعب بكثير من ظروف العمل في شركات الهايتك المدنية. وقال إنه "كلما ارتفعت الرتبة العسكرية يصبح الأمر أصعب، ويطالب الضباط بالعمل 12 أو 14 ساعة يوميا، بينما الراتب يكون نصف ما يمكن أن يتقاضاه في الخارج. في الخارج سيكسب 40 – 50 ألف شيكل شهريا. وكل واحد من الضباط في الوحدة 8200 بإمكانه إدارة ستارت أب بنفسه. ويتوقون في الخارج لأن يشغلوا أشخاصا كهؤلاء".

 

 

تدني شأن الخدمة العسكرية

 

هناك أسباب أخرى تدفع الضباط إلى مغادرة صفوف الجيش، إلى جانب الراتب المتدني، وبينها إلغاء منح مكافآت مالية، ورفع سن التقاعد من الجيش وظروف العمل كضابط. وقال قائد فرقة عسكرية لقوات الاحتياط إنه "بدأت تنشأ مشكلة في صفوف القوات القتالية والمناورة. وعلى سبيل المثال، لدي قائد كتيبة رائع في لواء المظليين، الذي من جهة تقول له زوجته ’كيف يمكن تربية الأولاد هكذا؟’، ومن الجهة الأخرى ينظر إلى حالي ولا يريد أن يكون مثلي. وأنا أكبره بـ15 عاما وما زلت أدفع ثمنا شخصيا. فالظروف قاسية في الخدمة الدائمة، إذ أنك لا تبيت في البيت، وتعيش في الميدان العسكري، وتدفع ثمنا عائليا هائلا، وفي الماضي كانوا يقدرون ذلك، لكن اليوم بدأوا يبحثون في جيبي ويتساءلون كم أتقاضى أجرا".

 

وأضاف أنه "سمعنا مؤخرا تصريحات، حتى من جانب مسؤولين في الحكومة، حول رواتب الضباط ويعبرون عن ادعاءات قاسية تحد التحريض على الضباط. كذلك فإنه عندما أعلنت شركة ’طيفع’ [لصناعة الأدوية] عن فصل 700 من العمل حدثت ضجة كبيرة. وانشغل الإعلام بذلك عدة أيام. وهذا الأمر جعل ’طيفع’ تتراجع. بينما الجيش الإسرائيلي يفصل 4000 من الضباط في الخدمة الدائمة وقد مر ذلك كأن شيئا لم يحدث. لم تسمع صرخة واحدة، لا في الإعلام ولا في الحكومة".

 

وحاول الضابط تفسير ذلك بأنه "ربما لأنه توجد ذاكرة قصيرة لدى شعب إسرائيل. فهذه سنوات آمنة نسبيا، لا توجد عمليات ولا تفجير حافلات، والحدود هادئة نسبيا. صحيح أن ثمة احتمالا لتفجر الأوضاع لكن الوضع هادئ الآن. وقد تنقلب الأمور مرة واحدة، وعندها سيكون هناك تعاطف مع أفراد الجيش".

 

وقبل عشر سنوات بدأ الجيش عملية تهدف إلى رفع سن الضباط في الوحدات القتالية، وأصبح يتم ترقية ضباط في قيادة ألوية عسكرية، أي الحصول على رتبة عقيد، في سن 42 عاما، علما أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، حصل على رتبة لواء في سن كهذه. وهذا الأمر هو أحد الأسباب التي تدفع عسكريين إلى الخروج من الجيش.

 

من جانبه قال رئيس شعبة القوى البشرية السابق غي الجيش، عضو الكنيست إليعازر شتيرن، إن ظاهرة التسرح من الخدمة العسكرية أقل بروزا بين الضباط المتدينين الذين يعتمرون القلنسوة، ويشكلون 30% من خريجي دورات الضباط. وأوضح أنه "من السهل أكثر إبقاء قائد سرية متدين في الجيش. وهو يتلقى الدعم من البيت والزوجة والمجتمع والحاخامين. لكن لهذا السبب بالذات، ثمة خطر بأن يشعر الشبان العلمانيون بأنهم معفيون، وسيقولون لأنفسهم إنه إذا كان الجيش يتدبر أمره مع الضباط المتدينين، فإن بإمكاننا الذهاب إلى أماكن أخرى".

 

بدوره قال غانتس إن "موظفي وزارة المالية لا يدركون أنه ليس بالإمكان ذبح بقرات مقدسة بسبب نقاش حول الميزانية. إنهم يحبون توجيه الضربات لنا، وهذا هو الثمن. وفي نهاية المطاف من يحارب في غزة؟ ومن سيحارب في لبنان؟ ثمة حاجة إلى جيش نوعي ويحقق نتائج. وأنا لا أريد جيشا مسكينا. فجيش كهذا سيخسر. إما أنهم يريدون جيشا قويا ومدربا وإما لا. عليهم أن يقرروا وحسب".

 

وعزا شتيرن ظاهرة "هروب الأدمغة"من الجيش الإسرائيلي إلى التغيرات في "سلم القيم" في المجتمع الإسرائيلي. وأضاف أن "النجاح الاقتصادي تجاوز النجاح الأخلاقي أو الرسالة الوطنية. ولأسفي فإن المجتمع ينمي أشخاصا جنوا أرباحا من الستارت أب أو من صناديق رأس المال الموجودة في خطر أكثر مما ينمي أشخاصا يخاطرون بحياتهم. وعندما يكون رد فعل المجتمع ليس إيجابيا [تجاه العسكريين]، فإنه لا يوجد سبب لكي يفضلوا البقاء في الخدمة الدائمة".