تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

على هامش المشهد

 

تقرير "مركز أدفا" حول اتساع الفجوات الاجتماعية: أوضاع العرب ازدادت سوءاً مقابل تحسنها لدى اليهود

 

 

 

 

 

 

 

*معدلات رواتب اليهود في ارتفاع مقابل تراجعها لدى العرب *الفجوة اتسعت أيضا بين اليهود الغربيين والشرقيين *تقلص فجوة الرواتب بين الرجال والنساء ولكنها لا تزال كبيرة*

 

 

 

 

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

أكد تقرير "مركز أدفا للقضايا الاقتصادية الاجتماعية" السنوي "صورة الوضع الاجتماعي 2013"، اتساع الفجوات الاجتماعية بين الشرائح المختلفة، وتبقى الفجوة الأكبر بين العرب واليهود، إذ أن أوضاع اليهود ارتفعت، بينما تردت أوضاع العرب، وأن الفجوة اتسعت بشكل كبير في السنوات الـ 11 الأخيرة، وهذا يبرز بشكل واضح في معدلات الرواتب، التي أبقت أيضا على فجوة كبيرة بين اليهود الغربيين "الأشكناز" واليهود الشرقيين، وبين الرجال والنساء.

 

ويستعرض التقرير سلسلة من الجوانب، التي تعكس الصورة الاجتماعية في إسرائيل، على المستوى العام، ومستوى الشرائح، ويستند التقرير إلى معطيات العام 2012، التي تضمنتها سلسلة من التقارير الرسمية الصادرة عن عدة مؤسسات، مثل مكتب الإحصاء المركزي ووزارة المالية وسلطة التشغيل ومؤسسة الضمان الاجتماعي ووزارتي التعليم والرفاه وغيرها.

 

النمو الاقتصادي

 

يخصص التقرير بندا حول النمو الاقتصادي في إسرائيل في السنوات الأخيرة، وجاء فيه أن إسرائيل واجهت الأزمة الاقتصادية بنجاح، مقارنة مع الدول الأوروبية، إذ أن معدل النمو الاقتصادي في إسرائيل ما بين العام 2006 والعام 2012، بلغ 15ر4% سنويا، مقابل نسبة تقل عن 7ر0% سنويا في دول اليورو في نفس الفترة.

 

ويتوقع التقرير أن تكون نسب النمو الاقتصادي في إسرائيل في السنوات المقبلة أعلى مما هي عليه في دول اليورو، إذ أن النمو في 2013 من المتوقع أن يكون قد ارتفع بنسبة 7ر3%، وفي العام الجاري 2014 بنسبة 4ر3% ونسبة شبيهة في العام المقبل 2015، شرط أن لا تكون قلاقل أمنية، حسب ما جاء في التقرير، مقابل نسب في السنوات الثلاث على التوالي في دور اليورو تراجع بـ 4ر0% وارتفاع بـ 1% و6ر1%.

 

ورغم هذه الفجوة في نسب النمو، فإن معدل الناتج للفرد الواحد في إسرائيل أقل بكثير مما هو عليه في غالبية دول اليورو. ويؤكد التقرير حاجة إسرائيل إلى نسب نمو شبيهة بتلك التي في الشرق الأقصى مثل الصين والهند وغيرهما، إذ أرادت الاقتراب من معدل الناتج للفرد في الدول الأوروبية المتطورة. ويشير التقرير إلى أن معدل الارتفاع السنوي للناتج للفرد في إسرائيل ما بين العامين 2006 و2012 كان 5ر2%، مقابل 5ر9% في الصين و5ر5% في الهند.

 

ويشير التقرير إلى أنه في فترات القلاقل الأمنية في داخل إسرائيل، مثل الانتفاضتين الأولى والثانية، كان النمو الاقتصادي يتقلص، ويُصدر مركز أدفا مرّة كل عامين، تقريرا تحت عنوان "ثمن الاحتلال"، ومن المفترض أن يصدر التقرير الجديد حتى نهاية النصف الأول من العام المقبل، وقد أشار التقرير السابق إلى أن السلام سيرفع النمو الاقتصادي في إسرائيل سنويا بما بين 1% إلى 5ر2%.

 

ويبلغ معدل الناتج للفرد في إسرائيل قرابة 33 ألف دولار، مقابل 42 ألف دولار في ألمانيا و52 ألف دولار في الولايات المتحدة، إلا أن في إسرائيل ما بين 25% إلى 30% من الناتج هو ناتج عسكري، ما يعني أنه من دون هذا الناتج، فإن معدل الناتج المدني يكون أقل مما ينشر رسميا، كذلك يشار إلى أن توزيع الناتج من حيث القدرة على الوصول إلى الموارد والميزانيات والمستوى المعيشي، ليس متساويا في إسرائيل، وقد أشارت أبحاث سابقة إلى أن معدل الناتج للفرد العربي في إسرائيل ما بين 10 آلاف إلى 11 ألف دولار، ما يرفع معدل الناتج للفرد اليهودي إلى ما فوق 36 ألف دولار.

 

 

العرب: بؤس الرواتب والبطالة

 

يظهر من التقرير أن الفجوات التاريخية في أوضاع العرب واليهود اتسعت بشكل كبير في العام قبل الماضي 2012، ففي حين تحسنت أوضاع اليهود بقليل، فقد ساءت أوضاع العرب. ويؤكد التقرير معدلات البطالة، ففي حين أن نسبة البطالة العامة في إسرائيل في حدود 5ر6%، فإنها بين اليهود تقل بشكل دائم عن 5%، بينما النسبة لدى العرب تتراوح ما بين 23% إلى 25%، وأسوأ نسب البطالة نجدها في بلدات الجنوب (صحراء النقب)، إذ تتراوح البطالة في تلك البلدات وفق معطيات شهر تشرين الأول الماضي ما بين 31% إلى 37% بالمعدل، إذ أن هناك بلدات منكوبة بنسبة اعلى مثل قرية اللقية التي تصل فيها النسبة إلى أكثر من 42%، بينما البطالة في مدينة راهط، ثاني المدن العربية من حيث عدد السكان (55 ألفا)، تصل فيها البطالة إلى 5ر32%، كما نجد نسبا عالية في بلدات الوسط والشمال، إذ تصل البطالة في مدينة إم الفحم، ثالث المدن العربية، إلى نسبة 30% في المعدل وفي بلدات الشمال، تتراوح ما بين 22% وحتى 27%، وفي مدينة الناصرة، كبرى المدن العربية، تتجاوز البطالة نسبة 14% بقليل.

 

واستعرض التقرير معدلات الرواتب منذ العام 2002 وحتى العام 2012، وتبين أن معدل رواتب اليهود الأشكناز في العام 2002، كان يعادل 126% من معدل الرواتب في حينه، ولدى اليهود الشرقيين 100% من معدل الرواتب العام، أما بين العرب فقد كان المعدل 71%، إلا أنه منذ ذلك الحين بدأت الأمور تزداد سوءا لدى العرب، إذ هبط معدل الرواتب بينهم إلى 66% من معدل الرواتب العام، بينما ارتفع معدل الرواتب لدى اليهود الأشكناز إلى 142% واليهود الشرقيين إلى 109%.

 

وهذه المعطيات تعني أن معدل رواتب العرب يصل إلى 4ر46% من معدل رواتب الأشكناز، و60% من رواتب اليهود الشرقيين.

 

وكان تقرير الفقر الرسمي في إسرائيل، الصادر في نهاية 2013، عن العام 2012، قد دلّ على أن الفقر بين العرب ما زال عميقا، وبنسبة تصل إلى أربعة أضعاف الفقر بين اليهود، وحتى في حساب ما يصل الفارق إلى ستة أضعاف. فقد قال التقرير إن الفقر شهد في العام 2012 تراجعا طفيفا من 24% في العام 2011 إلى 5ر23% في العام 2012، وعلى الرغم من أن الفقر تراجع بشكل طفيف، ولأول مرّة بين العرب، إلا أن الفجوة بقيت كبيرة جدا بين العرب واليهود، فنسبة الفقر على مستوى الأفراد بين اليهود في حدود 6ر15%، بينما بين العرب ترتفع إلى 5ر50%، أما بين الأطفال فإن نسبة الفقر العام في حدود 33%، وبين أطفال اليهود وحدهم، نحو 5ر21%، لترتفع بين أطفال العرب إلى 5ر59%.

 

لكن في حال تم فصل اليهود المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين يعيشون حياة تقشفية اختيارية، ويرفضون الانخراط كليا في سوق العمل، عن سائر اليهود، فإن نسبة الفقر بين اليهود تنخفض إلى ما دون 11%، والحال نفسه بين أطفال اليهود، إذ أن نسبة الفقر بين اليهود من دون الحريديم تنخفض هي أيضا إلى 11%.

 

ويقول مركز "أدفا" في تقريره إن الفقر بين العائلات في إسرائيل ارتفع منذ العام 2002 إلى العام 2012 بنسبة 1ر7%، ولكن بين العائلات اليهودية وحدها ارتفع بنسبة 4ر1%، أما بين العائلات العربية فقد ارتفع بنسبة 14%.

 

ونرى أن الفقر على مستوى العائلات في إسرائيل كان في العام 2002 بنسبة 1ر18% وارتفع في العام 2012 إلى 4ر19%، وبين العائلات العربية وحدها، كان الفقر في العام 2002 بنسبة 6ر47% ليرتفع في العام 2012 إلى 3ر54%، وبين العائلات اليهودية 9ر13% في العام 2002 ليرتفع إلى 1ر14% في العام 2012.

 

فجوات الرواتب وحال النساء

 

الفجوات في الرواتب لا تتوقف عند جوانب القومية والطائفية والجنس، بل أيضا على المستوى العام، إذ أن 73% من الأجيرين في إسرائيل يتقاضون من معدل الرواتب وما دون، مقابل 27% يتقاضون من معدل الرواتب وأعلى، وهذا ما يجعل معدل الرواتب في إسرائيل مجرد أرقام، ولا يعكس واقع الحال. ولهذا نرى في إسرائيل معدل الأجور الرسمي، الذي يصل في هذه المرحلة إلى 9400 شيكل وما يعادل 2680 دولار، ومعدل الأجور الفعلي الذي يصل إلى نحو 66% من معدل الأجور الرسمي.

 

وبيّن التقرير، واستنادا إلى معطيات 2011، أن أقل من 31% من الأجيرين في إسرائيل يحصلون على راتب الحد الأدنى وما دون، وأقل من 11% يحصلون على ما بين راتب الحد الأدنى وحتى نصف معدل الأجور، وأقرب إلى 20% يحصلون على ما بين 50% من معدل الأجور إلى 75% من معدل الأجور، وأقل من 12% من الأجيرين يحصلون على معدل الأجور.

 

وهذا يعني أن 7ر72% من الأجيرين في إسرائيل يحصلون على معدل الأجور وما دون، وهذه نسبة أعلى مما كانت عليه في العام 2002، حينما كانت النسبة 9ر71%، بينما 1ر28% حصلوا على راتب أعلى من المعدل العام، مقابل 4ر27% في العام 2011.

 

ويقول التقرير إن الفجوة بين رواتب الرجال والنساء قد تقلصت من العام 2002 إلى 2011، ولكنها لا تزال واسعة، ففي حين كان معدل رواتب النساء في العام 2002 نحو 5ر61% من معدل رواتب الرجال، فقد ارتفعت هذه النسبة في العام 2012 إلى أكثر بقليل من 66%، وفي هذا الباب أيضا، فإن الفجوة كبيرة جدا بين معدل رواتب النساء اليهوديات، ورواتب النساء العربيات، رغم أن انخراط الأخيرات في سوق العمل لا يتعدى 30% مقابل 55% من النساء اليهوديات، بفعل سياسة التمييز، وحسب تقارير سابقة، فإن معدل أجور النساء العربيات في حدود 45% من معدل الأجور العام، وترتفع هذه النسبة لدى النساء اليهوديات إلى 72%، أي أعلى من نسبة رواتب الرجال العرب بشكل عام.

 

اليهود الشرقيون

 

إن نظرة متعمقة أكثر في حيثيات هذا التقرير تجعلنا نعرف إلى أين وصلت إسرائيل بعد 65 عاما، في ما تدعي بأن عهد الاحتراب والفوارق الطائفية قد ولى، إذ ظهر جليا استمرار تدني أوضاع اليهود الشرقيين مقارنة باليهود الغربيين "الأشكناز"، وبفجوات واسعة في كافة مجالات الحياة.

 

وأظهر تقرير مركز "أدفا" الفوارق الكبيرة في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية بين اليهود الأشكناز واليهود الشرقيين، فمثلا، يصل معدل رواتب اليهود الأشكناز إلى 142% من معدل الأجور العام، بينما تهبط هذه النسبة بين اليهود الشرقيين إلى 109%، ما يعني أن معدل رواتب اليهود الشرقيين يعادل 76% من معدل رواتب الأشكناز، وهذه فجوة توسعت عما كانت عليه في العام 2002، إذ كان معدل أجور الشرقيين في حدود 80% من معدل أجور الأشكناز، وكان معدل أجور العرب أيضا في ذلك العام أكثر مما هو عليه اليوم، إذ كان يشكل 71% من معدل الأجور العام وأجور الشرقيين، و56% من أجور الأشكناز، بدلا من 46% في العام 2011.

 

والأمر ذاته نجده في البطالة، فقد استعرضنا معطيات البطالة الرهيبة بين العرب، ولكن في الدرجة الثانية يحل اليهود الشرقيون، ففي حين أن معدل البطالة هو 5ر6%، فإنه حسب معطيات تشرين الأول الماضي، التي يستعرضها تقرير "أدفا"، كل البلدات اليهودية، التي فيها نسبة البطالة من 9% وما فوق، هي بلدات اليهود الشرقيين، واكثرها في الجنوب يروحام- 4ر17% وديمونا- 6ر16% وأوفكيم- 2ر14% وكريات ملاخي- 2ر13% وكريات جات- 2ر11%، كما نرى في الشمال مدينة عكا، التي فيها نسبة البطالة 5ر15%، وهذا ليس لأن نسبة العرب فيها 27%، بل لأن اليهود فيها بالأساس من اليهود الشرقيين.

 

في المقابل، فإن نسب البطالة في منطقة حيفا، حيث غالبية يهودية من الغربيين، تصل إلى 2ر5%، وفي منطقة تل أبيب الكبرى تقل عن 5ر3%.

 

وتسري أوضاع اليهود الشرقيين على مجالات أخرى خاصة التعليم وتدني معدلات التحصيل العلمي على المستويين المدرسي والجامعي.

 

وقد تحدثت تقارير كثيرة في إسرائيل عن أن الارتقاء في التدريج الوظيفي وتسلم وظائف ومناصب عليا ما زال صعبا في وجه اليهود الشرقيين، مقارنة بما هي الحال لليهود الغربيين. فمثلا، لم يكن في إسرائيل أي رئيس وزراء شرقي، مقابل رئيسي دولة من أصل ثمانية أحدهما يقبع في السجن، أما الوزارات الرفيعة، مثل خارجية وأمن ومالية وتعليم، فقد كان مرور الشرقيين فيها مرورا عابرا وهي حالات قليلة جدا، وكذا الأمر بالنسبة للوظائف الحكومية الرفيعة، وقيادات الأجهزة العسكرية والأمنية.

 

كما واجه اليهود الشرقيون سياسة تحقير وإهانة ونظرة الاستعلائية من الشارع الإسرائيلي وحتى أعلى هرم المؤسسة الحاكمة بأذرعها، وجرى تجميعهم في أحياء طغى عليه الفقر والبؤس، وحتى اليوم فإن مصطلحي "أحياء الفقر" و"بلدات الفقر" مرادفان لليهود الشرقيين.