شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

على هامش المشهد

 

اليهود "المرتدون" دينيا هم أكثر مجموعة إسرائيلية تفكر بالانتحار

 

 

*الدولة تموّل "التوبة الدينية" بمئات ملايين الشيكلات سنويا وتكاد لا تستثمر شيئا في دعم "المرتدين" لأنها "تخاف من الأحزاب الحريدية"*

 

 

 

تشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة المنتحرين بين الحريديم، أي اليهود المتزمتين دينيا، الذين قرروا الخروج من العالم الحريدي، ويوصفون بـ "المرتدين"، ولكنهم لم يجدوا طريقهم في العالم العلماني.

 

وأشارت تقارير صحافية حول هذه الظاهرة، تم نشرها خلال شهر كانون الثاني الحالي، إلى أن تزايد عدد المنتحرين بين "المرتدين" يضطر المجتمعات اليهودية في إسرائيل، الحريدية والمتدينة والعلمانية، إلى معالجة هذه الظاهرة من أجل منع إقدام آخرين على الانتحار.

 

وأجرت جمعية "بشفيل هَحاييم" (من أجل الحياة)، التي تقدم المساعدات لعائلات انتحر أحد أفرادها، بحثا تبين منه أن "المرتدين" هم مجموعة سكانية موجودة في خطر كبير للانتحار وأن نسبة أفرادها الذين يعانون من حالات كآبة قد تدفعهم إلى الانتحار تصل إلى 40%. وقد أجرت الجمعية البحث قبل عام تقريبا، ونشرت صحيفة "هآرتس" نتائجه، قبل أسبوعين، بعد إقدام اثنين من "المرتدين" على الانتحار في بداية الشهر الحالي.

 

ووجد البحث أن 40% من "المرتدين" عبروا عن ميول انتحارية، بينما هذه النسبة هي 12% لدى العلمانيين، و10% لدى المحافظين اليهود، و6% لدى المتدينين وبضمنهم الحريديم. وترتفع هذه النسبة عندما يكون الشبان خلال عملية "الارتداد" وتصل إلى 45% منهم. وفي المقابل، فإن 90% من "المرتدين" قالوا إنهم يتلقون دعما بمستوى متدن جدا من المجتمع، بينما هذه النسبة لا تتعدى 17% في المجموعات التي تتعرض لانتقادات اجتماعية.

 

 

"المرتدون" منبوذون في المجتمع الحريدي

 

ونشر موقع "واللا" الالكتروني، قبل أسبوعين أيضا، تقريرا حول ظاهرة الانتحار بين "المرتدين". وقال الموقع إن شولاميت ليفي (وهذا اسم مستعار، وجميع الأسماء في التقرير مستعارة) كانت في الرابعة والعشرين من عمرها عندما قررت الانتحار، في الرابع من كانون الثاني الحالي. وقد قفزت من الطابق الـ11 في فندق في تل أبيب. وقبل ذلك بساعات قليلة بحثت عن حاضنة لطفلتها ابنة الثلاثة أعوام. كذلك فإن شلومو كوهين، 24 عاما، أقدم على الانتحار في مطلع الشهر الحالي. وفي الثاني من تشرين الأول الماضي أقدم يسرائيل مالخيئيل، 26 عاما، على الانتحار.

 

ويبدو أن حالات الانتحار هذه هي لشبان "مرتدين" لم يوفقوا في طريقهم إلى الحياة العلمانية. لكن موقع "واللا" أفاد بأنه قبل دفن كل واحد منهم، ثار نقاش عاصف حول الظروف التي أدت إلى انتحارهم.

 

وحاول يائير هس، مدير عام جمعية "هيلل" التي تقدم مساعدات "للمرتدين"، تسليط الضوء على تزايد حالات الانتحار هذه في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن سبعة "مرتدين" أقدموا على الانتحار خلال العامين الماضيين. ونوّه إلى أن "هذه ظاهرة أوسع مما كانت عليه في الماضي".

 

وقال هس إن وجود ظاهرة الانتحار بشكل أوسع بين "المرتدين"، وهي بين أولئك "المنبوذين من عائلاتهم [الحريدية] أو من تنكيل يبرره الحاخامون الحريديم". وأضاف أنه رغم ذلك فإن الكثيرين يصمدون ويتجاوزون الصعوبات ويتقدمون في حياتهم ويندمجون في المجتمع الإسرائيلي، لكن عندما يتزايد عدد "المرتدين" فإنه يزداد عدد المنتحرين بينهم أيضا. ولفت إلى أن "المجتمع الحريدي يمر بعملية تغيير معينة في التعامل مع المرتدين. وإذا كانوا يتهموننا، قبل ثلاثة أعوام، بأننا المذنبون في قتل المرتد الذي انتحر، فإنهم أصبحوا يتهموننا اليوم بأننا لم نساعده بالقدر الكافي".

 

وتطرق هس إلى استغلال جمعيته لمثل هذه التغيرات في المجتمع الحريدي، وقال "إننا نستغل هذا الزخم من أجل إثارة نقاش مع المجتمع الحريدي. والمرتدون ليسوا وحدهم الضحايا وإنما ذووهم الحريديم يكونون ضحايا أحيانا. فهم يعرفون أنهم سيصبحون منبوذين في المجتمع الحريدي في حال تقبلوا بمحبة ابنهم الذي بات مختلفا عنهم. ولذلك يتعين على الحاخامين عمل كل ما في استطاعتهم من أجل وقف هذا التنكيل، وإلا فإنهم لن يتمكنوا من القول إن ’يدنا لم تسفك هذا الدم’".

 

وفي مقابل توجيه هس إصبع الاتهام باتجاه قيادة الحريديم، فإن الشارع الحريدي يواصل انتقاداته، المستمرة منذ سنوات، ضد جمعية "هيلل". ويتعالى الادعاء في أوساط الحريديم بأن هذه الجمعية لا تفعل ما فيه الكفاية من أجل تقديم المساعدة النفسية والاقتصادية "للمرتدين" وحتى أنها تعمل بصورة معاكسة أحيانا. وكتب أحد الحريديم في منتدى حريدي على شبكة الانترنت، أن "هذه الجمعية هي التي تتسبب بهذه الحالات [أي الانتحار]. فبعد أن ارتد الفتى أو الفتاة وخرجا وحدهما من العالم الحريدي إلى العالم العلماني، فإنهم [في جمعية "هيلل"] لا يفعلون شيئا. وهم يخدعون العالم بأنهم يساعدون ويساندون".

 

العالم العلماني لا يفتح أبوابه أمام "المرتدين"

 

أوضح الباحث في اليهودية الحريدية، البروفسور مناحيم فريدمان، أن "المرتدين" موجودون في حالة نفسية صعبة من شأنها أن تقود إلى الرغبة في الانتحار "فهم ليسوا جاهزين للعالم الآخر. والعالم العلماني الذي يريدون الدخول إليه لا يفتح أبوابه. إضافة إلى ذلك هناك الصعوبات الاقتصادية التي تؤدي إلى العزلة. والارتداد يكشف أمامهم عالما قاسيا يشعرون فيه بالوحدة. وعندما نتحدث عن فتى أو فتاة مرا بمشاكل اجتماعية في الماضي، فإن الطريق نحو الانتحار تكون قصيرة جدا".

 

ويقترح فريدمان إجراء تغييرات في المجتمعين الحريدي والعلماني من أجل منع انتحار "مرتدين"، لكنه يؤكد أن "هذا ليس قرارا نتخذه نحن، إذ أنه لا يوجد حل سهل للتحولات الاجتماعية، وأحيانا لا يكون هناك حل أبدا".

 

من جهة ثانية، دعت جمعية "حدوش - من أجل الحرية الدينية والمساواة" الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بمسؤوليتها في مساعدة "المرتدين" وليس فقط مساعدة المنظمات التي تشجع اليهود على التدين والدخول إلى المجتمع الحريدي.

 

وقال نائب مدير عام جمعية "حدوش"، شاحر إيلان، إن الدولة تمول "التوبة الدينية" بمئات ملايين الشيكلات سنويا، وتكاد لا تستثمر شيئا في دعم "المرتدين". وأضاف أن عدم تقديم أية مساعدة "للمرتدين" نابع من حقيقة أن "الحكومة تخاف من الأحزاب الحريدية".

 

وقال إيلان إن "هؤلاء ["المرتدين"] بقوا لوحدهم مقابل كل صعوبات كسب الرزق، الوحدة وصعوبات استيعابهم في العالم الخارجي [العلماني]. وتنكر عائلاتهم لهم وانعدام المؤهلات لديهم من أجل استيعابهم في المجتمع العام يساهمان في القرار أو التفكير بالانتحار. وثمة مكان لوجود جهاز مساعدة من مؤسسات المرتدين، ويشمل المساعدة النفسية والمساعدة في توفير السكن وكل ما يمكن منحه لإنسان يقرّر التوبة".

 

وأضاف إيلان أن المجتمع الحريدي لا يقترح حلولا "للمرتدين" بينما في المجتمع العلماني تغلغل الإدراك بأن معانقة شخص "تائب" أفضل من الانفصال عنه. وتابع أن "المجتمع الحريدي لا يطرح حلولا للآخر ويصر على تحويل حياة كل من يخرج منه إلى كابوس. وثمة أهمية كبيرة لأن يجري الحاخامون حسابا للذات ويمرروا رسالة إلى العائلات الحريدية مفادها عدم قطع الاتصال مع المرتدين. إذ ليس ممكنا أن يكون هناك وضع بأن العقوبة ضد من اختار "الارتداد" هي الإعدام. والمجتمع الحريدي يعرف كيف يعترف ويدعم شخصا تائبا، وهكذا ينبغي أن يفعل عندما يرتد شخص آخر".

 

وأشار موقع "واللا" إلى "إسحاق" وهو "مرتد" حاول الانتحار عدة مرات خلال العام ونصف العام الأخيرين. وكتب في صفحته على "فيسبوك": "كتبت وصية لأولادي وحتى اليوم لم أتشجع على محو الوصية من حاسوبي". وقال إن بؤسه بدأ من "قسوة الحياة، وما زلت أشعر بالاختناق، وأشم النهاية التي في الأفق وهذا هو الأمل الوحيد". وتحدث عن فترة صعبة تخللتها أزمات "وحافز ليس بالإمكان السيطرة عليه لليد الممتدة نحو الحبوب بانتظار الحصول على مسدس من صديق".

 

وقال "إسحاق" إنه كتب ذلك من أجل أن يوضح "للمرتدين" أن بالإمكان الخروج من حالة نفسية كهذه. وأضاف "صدقوني أن هذا ممكن. بالإمكان الخروج من الظلام إلى النور. لكن هذا ليس سهلا، ويحتاج إلى دعم كبير. فقد عانينا كثيرا لكن يوجد أمل وعلينا وقف ذلك".

 

وقال الكاتب والمربي الحريدي، حاييم فالدر، إن كمية "المرتدين" صغيرة، علما أن تقارير تتحدث عن أنهم يشكلون ربع الحريديم في إسرائيل. لكن فالدر يرى أن تزايد حالات الانتحار، مؤخرا، يمكن منعه من خلال الاهتمام أكثر والتدخل في عملية "الارتداد". وأشار إلى أن "الحواجز النفسية لديهم، النابع من الخوف من أن ينبذهم المجتمع الحريدي أو من مشاكل مثل رفض تزويجهم، زالت وأصبحت هناك شرعية أكثر من قبل لتقبلهم ومنحهم الدفء والمحبة، كما تم فتح أطر للفتية المتسربين الذين يتجهون أحيانا نحو العالم العلماني، وبواسطة هذه الأطر هم يبقون في العالم الحريدي".

 

كذلك رفض فالدر الانتقادات ضد المجتمع الحريدي، معتبرا أن أي عملية خروج من المجتمع، سواء العلماني أو الحريدي، هو أمر مأساوي. وقال "لن أسارع إلى اتهام الحريديم بالتسبب بحالات الانتحار، وربما يتعين أن ندقق في نسب الانتحار في المجتمع العلماني مقابل نسبها في المجتمع الحريدي. وفي جميع الأحوال، فإن العائلات الحريدية تتلقى إرشادا حول تقبل وتقريب الأولاد الذين ارتدوا، لكن توجد حالات نادرة لا تعرف فيها العائلات كيف تواجه ذلك أو أن الفتى موجود في حالة تمرد لا تسمح باستمرار العلاقة بينه وبين عائلته".