الجيش الإسرائيلي يتحسب من رفض ثلث جنوده أوامر عسكرية لإخلاء بؤر استيطانية

على هامش المشهد

 

شولاميت ألوني: إدراك الرأي العام الإسرائيلي مفهوم العدالة من شأنه أن يؤجج الكفاح ضد الاحتلال

 

 

 

*إسرائيل "ديمقراطية" شاذة*

 

 

 

 

توفيت في نهاية الأسبوع الماضي عضو الكنيست والوزيرة الإسرائيلية السابقة شولاميت ألوني عن عمر يناهز الـ 85 عاماً.

 

وكانت ألوني على رأس مؤسسي حزب ميرتس اليساري الصهيوني وتولت رئاسته أعواماً طويلة. كما كانت من أشد أنصار السلام وحقوق الإنسان.

 

ونشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" نص مقابلة أجراها مع ألوني نجلها السينمائي أودي وذلك بالتزامن مع اندلاع حملة الاحتجاج الاجتماعية في إسرائيل في صيف 2011، وتعتبر من آخر المقابلات التي أدلت بها.

 

وفيما يلي مقاطع واسعة منها:

 

س: هل هذه الحملة ثورة؟!

 

ألوني: إنها ثورة في الوعي، وهي ليست ثورة بمفهوم الثورة الفرنسية أو الروسية، لكنها ثورة بمعناها ومفهومها العقلي. لقد تحدثوا في إسرائيل سنوات طوال عن أن أبناء الجيل الشاب لامبالين وأنانيون، غير أنه جرت هنا نشاطات وعمليات حشد وتنظيم مدهشة.

 

س: ما الذي شعرت به حين تجولت بين خيام المحتجين المعتصمين؟

 

ألوني: شعرت بفرح يغمرني، أسفت فقط لكوني لم أعرف المحتجين من قبل، ولم ألتق قادة الاحتجاج لأباركهم، وقد بدا لي أنهم يشكلون زعامة ممتازة قامت بعملية تنظيم رائعة. شعرت بالغبطة والسرور أيضاً إزاء كون حركات الشبيبة المشاركة كانت مختلطة من مختلف التيارات، إذ أن ذلك، من جهة يعطي احتجاجهم مغزى، ومن جهة أخرى يتيح لهم إكساب الاحتجاج مضموناً أيديولوجياً. كما أن نشطاء حركات الشبيبة يجتازون في جادة الاحتجاج نوعاً من التأهيل من أجل الاستمرارية، حتى لا يكون النضال لمرة واحدة أو عابراً وغير متكرر.

 

س: ولكن أية حركة شبيبة لم تنجح في عمل وإنجاز ما استطاعوا القيام به؟!

 

ألوني: هذا صحيح تماماً، لا أذكر شيئاً كهذا. لقد جرت في الماضي مسيرات شارك فيها أناس كبار في السن، وأقيمت "كومونات"، لكن شيئاً كهذا لم يحصل من قبل.

 

س: هل يذكرك ذلك بشيء من ماضيك؟!

 

ألوني: إن كل هذا الخليط الإنساني المتنوع (الذي شارك في الاحتجاج) لا يمكن له أن يتنظم أو يتوحد في حزب واحد، لأن من شأن ذلك أن يتسبب بنزاع وخلافات ومشاحنات، غير أن في مقدورهم أن يكونوا حَمَلَةِ الرسالة الأيديولوجية. أتمنى أن يحافظوا على قيادتهم حتى يستمر الحراك الاحتجاجي، وكي يواصل الناس النضال ضد انعدام العدالة.

 

س: وهل تعتقدين أن من الأفضل أن يبقوا منفتحين على استيعاب الجميع، اليمين واليسار والمتدينين والعلمانيين على حد سواء؟ّ

 

ألوني: أعتقد أنه شيء جيد وإيجابي كون الأمر يجري على هذا النحو. هم ليسوا مضطرين لأن يتحولوا إلى متدينين، وما جرى يشكل بادرة طيبة تجاه اليهودية والجماعية، والفارق أو التباين بين ناخبي اليسار واليمين في إسرائيل لم يعد حالياً كبيرا أو أيديولوجيا. الجميع يريدون العيش بكرامة.

 

س: هل هذا تعريف لإسرائيلية جديدة؟!

 

ألوني: السؤال هو فقط إلى متى سيستمر ذلك، وإلى أي مدى ستتحلى القيادة التي أقامت حركة الاحتجاج، أو على الأدق حَرَّكتهُ، بالمواظبة والاستمرارية. أعتقد أنه يمكن لذلك أن يولد وينتج موجة مختلفة تماماً عن التجمعات والتحالفات وحشد الصفوف حول أفكار مختلفة. ومن المهم أيضاً، في هذا السياق، أن يبدأ أعضاء الكنيست بالإصغاء لهؤلاء النشطاء والتحدث معهم. ويمكن لأعضاء الكنيست أن يتعلموا الكثير من مثل هذه الأحاديث.

 

س: هل تعتقدين أن أشخاصاً مثلي، ممن يحاولون دفع تحقيق العدل لفلسطين والفلسطينيين كجزء من الحركة، يتعين عليهم مع ذلك الانتظار قليلاً؟!

 

ألوني: كلا لا يتعين عليهم الانتظار، ولكن لا داعي أيضاً لأن يدفعوا ويضغطوا في هذا الاتجاه، لأن ذلك يعني تنحية شيء آخر جانباً. ينبغي لهم الاندماج والانخراط والانتشار داخل الحوارات والمجموعات القائمة. ينبغي القول ببساطة بأنه إذا كان الحديث يدور على عدالة، فإنه لا يمكن ولا يجوز ترك الجمهور العربي خارج هذا الإطار.

 

س: مع ذلك أنت تقولين بأنه يجب الانتظار قليلاً؟!

 

ألوني: لا، ليس الانتظار، وإنما التداول والتحاور مع المجموعة التي تقود الاحتجاج، حول السبيل الذي يمكن بواسطته لجميع المواطنين الاندماج في العدالة الجديدة والمساواة أمام القانون، ومن ضمن ذلك الفلسطينيون والدروز والبدو، جميعاً، وأن يتمكنوا من إيجاد مكان لهم بحيث لا ينظرون إليهم من الخارج.

 

س: وماذا عن الاحتلال؟

 

ألوني: لم أتحدث عن الاحتلال، لأن هذا الموضوع ليس ذا صلة في هذه اللحظة. إن تحقيق العدالة للعرب مواطني الدولة، والناس المعدومين من الحماية، هو الموضوع المطروح ذو الصلة، أما الاحتلال فهو موضوع آخر، لكن آمل أن يجد مكانه بعد أن يدرك الناس مفهوم العدالة.

 

س: هل هناك حاجة لزعيم؟

 

ألوني: الزعامة موجودة، ويتعين عليهم فتحها أمام انخراط أشخاص آخرين يتمتعون بكاريزما. استبدالهم أو تغييرهم سيكون ضرباً من الغباء والإثم، فقد أثبتوا أنفسهم بصورة رائعة حتى الآن، وإذا كانت تتوفر لديهم الطاقة والإمكانية للاستمرار فيجب أن يواصلوا.. لقد شقوا طرقاً ودروباً جديدة، وأطاحوا بآراء وقناعات مسبقة، قديمة، ولا يمكن لأحد الآن الإدعاء بأن أبناء الجيل الشاب يتسمون باللامبالاة وعدم الاكتراث. وأعتقد بالمناسبة بأنه ما من مشكلة في الذهاب إلى الحانة واحتساء شيء من الكحول والعمل في الوقت ذاته على دفع وتحريك ثورة.

 

س: هل تشعرين بالسرور إزاء كون قيادة الاحتجاج قيادة نسائية؟!

 

ألوني: أي سؤال؟ إن حقيقة كون النساء يثبتن جدارتهن كقائدات، هي حقيقة بديهية بالنسبة إلي.

 

س: هل تشعرين بأن هذه حركة تشبه حركة "راتس" أو "ميرتس" (أسستهما شولاميت ألوني)، ولكن دون التبجح والتكبر الذي وسم تلك الحركتين، وأن ذلك نوعاً من الاستمرارية لما بدأتم به؟

 

ألوني: لا. فقد أخفقت "ميرتس" في الوصول إلى جماهير عريضة.

 

 

 

"اليمين ضد المواطنين"

كما نشر الموقع الإلكتروني نفسه واحداً من آخر المقالات التي كتبتها شولاميت ألوني فيه تحت العنوان أعلاه، وجاء فيه:

 

حقاً إن إسرائيل "ديمقراطية" شاذة، يسيء فيها الكنيست، عوضاً عن الإشادة والمباركة، إلى نشاطات المحافل المدنية، العاملة من أجل حقوق الإنسان، ويشوه سمعتها ويقرر التحقيق معها. ربما كان ذلك يحدث نظراً لأن جزءاً من أعضاء الكنيست لم يفكر ملياً بمعنى مصطلح "حقوق الإنسان" ولم يفهم أن الفقراء هم بشر، وكذلك البدو والنساء أيضاً. إن العملية الجارية في الكنيست الإسرائيلي، على هذا الصعيد، عملية مثيرة للرعب و الجزع.

 

فأعضاء الكنيست من أحزاب اليمين لم يهبوا ولم يغضبوا أو يطالبوا بالتحقيق عندما قام قادة حركة الاستيطان بجمع تبرعات مالية من مسيحيين متعصبين أصوليين، يعتقدون بأن أنشطة وجهود المستوطنين لبناء "الهيكل - المعبد اليهودي - المقدس" ستعجّل في قدوم المسيح، ويؤمنون بأن يسوع أبو المسيحية. هذه الحقيقة لا تزعج المستوطنين، الذين يستطيبون تجاهل حقيقة أن مشروعهم يعتبر، رغم ذلك، غريباً بعض الشيء، في ضوء حقيقة أن هذا التعاون من شأنه أن يفضي عموماً إلى إضفاء الصبغة المسيحية على مشروعهم الاستيطاني ذاته.

 

يبدو لي أن أعضاء الكنيست من حزبي "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" لا يدركون طابع الأسلوب الذي يعملون وفقه ضد منظمات حقوق الإنسان، التي يسمونها " يسارا". ويخيل لي أحياناً، أثناء استماعي لملاحظات رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين، بأنه بات الديمقراطي الأخير في السلطة الحالية. ربما كان هناك بضعة ديمقراطيين آخرين في "اليمين"، لكنهم يؤثرون الصمت.

 

في سائر دول العالم ناضل الديمقراطيون ونجحوا في الإطاحة بالفاشية والحكم الاستبدادي بينما في الكنيست الإسرائيلي الحالي تتغلب غريزة تصفية الآخر، غريزة تكريس وتسيّد نظامنا وسيطرتنا وسلطتنا بكوننا الأغلبية (التي تعبر عن غياب الفهم لماهية الديمقراطية) على المنطق وتنتصر على الديمقراطية. و"نحن السلطة، نحن الأغلبية! من أنتم حتى تدافعوا عن حقوق الإنسان والمواطن" و"من أنتم حتى تنتقدوا السلطة المنتخبة أو اليمين" و"نحن الصهيونيون الحقيقيون، نعرف ما هو الجيد وما هو الصحيح والملائم لمواطني إسرائيل"، نحن الذين نؤمن بـ "الحرية" و"التحرر" و"الديمقراطية"..

 

فهل حقاً الأمر كذلك؟!

 

إن من يهين ويحقر أفراداً وجمعيات يعملون من أجل حقوق المواطن وحقوق المرأة وحقوق اللاجئين لا يمكن أن يكون مناضلاً من أجل الحرية والتحرر والديمقراطية إنما هو حفار قبورها.

 

في الدول الديمقراطية السوية يشجعون المواطن على أن يكون يقظاً، واعياً ونشيطاً من أجل المجموعات الضعيفة في المجتمع، ولا يستغلون النفوذ البرلماني من أجل اجتثاث ووأد النشاط المدني من أجل المواطنين، كما يحدث لدينا. إن أعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي وشركاءهم الصامتين في المعارضة، يصارعون ويعملون فقط من أجل الاحتفاظ بمقاعدهم وبقائهم أعضاء في الكنيست.

 

أي مجتمع هو مجتمعنا إذا كان التسول في العالم من أجل أحزاب في السلطة يعتبر سليماً ومشروعاً ولا غبار عليه، بينما جمع أموال التبرعات والاهتمام بتقديم العون للضعفاء والفقراء في المجتمع يعتبر "يسارية" يجب القضاء عليها؟! كم هو عار ومخزٍ إذا كان الاتجار بالأسلحة في إسرائيل يشكل مصدراً للافتخار، بينما المساعدة المتبادلة والاحترام الإنساني تجاه كل مواطن يعتبران "يساراً يجب القضاء عليه".

 

إن في الكنيست الحالي أكثرية تتوقع وتنتظر من المواطن تنفيذ الأوامر والتعليمات بصمت وإذعان. وإذا ما تجرأ المواطنون على توجيه النقد أو التمرد، هناك أعضاء كنيست جاهزون للفحص والتحقيق في سلوك المواطنين وأعمالهم. لقد حان الوقت لأن يهب ويستيقظ جميع المتهمين بـ "اليسارية". لقد حُقنت أوردة الديمقراطية الإسرائيلية بالكثير من السم على أيدي حاخامين من رجالات ونساء الدين والتدين، ومستوطنين وشتى أنواع الانتهازيين.

 

يتعين علينا العودة إلى المبادئ الأساس، فهناك الكثير من القوة والطاقة والحكمة في صفوف ذلك اليسار ذاته، الذي يتأهب أعضاء الكنيست (من اليمين) للانقضاض عليه و"افتراسه". لذا من الضروري أن يهب كل أنصار ودعاة حقوق الإنسان، ليعلنوا ويخبروا الكنيست: نحن السيد والسيادة!.