مصادر في مكتب أولمرت: إسرائيل تبحث في عقد قمة خماسية

على هامش المشهد

 

عن الفساد في الحكم المحلي في إسرائيل

 

 

 

بقلم : د. دورون نفوت (*)

 

توطئة

 

سأحاول في هذا المقال المقتضب مناقشة مسألة ما إذا كانت السلطات المحلية في إسرائيل تعاني أيضاً من مشكلة الفساد، وذلك من خلال تجزئة المسألة إلى سؤالين فرعيين، والتركيز على مناقشة السؤال الثاني.

 

 

أولاً: هل يعتبر تواتر وحجم أعمال الفساد في السلطات المحلية الإسرائيلية أشد وأكبر مما هي عليه الحال في أجهزة حكم أخرى في إسرائيل، أو في دول أخرى في العالم؟

 

ثانيا: هل تساهم بنية وهيكلية السلطات المحلية والحكم المحلي في تشجيع أعمال الفساد، سواء كانت مثل هذه الأعمال قائمة وموجودة فعلاً في الواقع أو غير موجودة؟

 

 

إيضاحات ضرورية

 

أود قبل الخوض في هذه الأسئلة، تقديم ثلاثة إيضاحات.

 

الإيضاح الأول يتعلق بتعريف ماهية أعمال الفساد: "استخدام غير ملائم لمنصب الوظيفة العامة بهدف دفع وتحقيق مصالح شخصية للموظف العام". ولا بد من التأكيد هنا أن الفرق بين "ملائم" و"غير ملائم" لا يماثل بالضرورة الفرق بين ما هو "قانوني" و"غير قانوني". فقد يكون "يقاس" على سبيل المثال بموجب أخلاق أو نظرية سياسية معيارية، أو وفقاً للمصلحة العامة. وكأي تعريف، يتعين علينا أحيانا، حتى لو وافقنا على معايير التمييز بين ما هو "ملائم" و "غير ملائم"، أن نلجأ للحكم العملي على الممارسات، كي نحدد ما إذا كان هذا التعريف ينطبق على الحالة الملموسة. ولأن الأحكام لا تكون مماثلة دائماً، فمن الممكن أن تنشأ خلافات حول مسألة ما إذا كان سلوك معين يعتبر فاسداً أم لا، حتى بين المتفقين على نفس التعريف ونفس المعايير. وبما أن الفساد لا يترك دائماً آثاراً أو دلائل على وجوده، لأن المتورطين فيه يحرصون بصورة عامة على عدم معرفة الجمهور الواسع بأعمالهم، لذلك فإن الصورة المتوفرة لدينا فيما يتعلق بحجم الفساد، هي صورة جزئية فقط. ولا بد من التأكيد أن كل ما ورد في هذا المقال، لا يقتصر، ولا يرتبط بالحكم المحلي وحسب، وإنما يتناول الفساد السلطوي بشكل عام، والانشغال البحثي والاهتمام العام بهذا الموضوع. عموماً وحتى لا نجعل مقولة الفساد وتعريفه واسعين أكثر من اللازم، سأحاول حصر النقاش في الأعمال والسلوكيات التي تنطوي على ما يشي على الأقل بوجود شبهة بأنها غير قانونية. وسأركز في هذا السياق على تلقى الرشى في أثناء حملة الانتخابات، وتلقي الرشى لأهداف شخصية غير سياسية، ومنح المنافع والامتيازات للمقربين خلافاً للقوانين والأنظمة، وتعيين المقربين خلافاً للاحتياجات والقواعد الوظيفية للسلطة، وكل ذلك بهدف تعزيز مكانة ومركز رئيس السلطة المحلية، أو خدمة للمقربين منه. كما سأتطرق لمخالفات البناء - في السلطات المحلية - والمرتبطة بالرغبة في جني مكاسب وأرباح مالية.

 

الإيضاح الثاني يتعلق بالنقاش ذاته لموضوع الفساد في الحكم المحلي، والفرضية القائلة، ظاهريا، بأن ثمة هنا حقا مشكلة خطيرة في هذا المجال. وإذا شئنا التحدث على نحو أكثر تحديدا وملموسية، فقد ازدادت في السنوات الأخيرة الانتقادات العلنية الموجهة للذين ينادون بوجوب الحد من الفساد، وخاصة للحراس المؤسسيين الذين يقودون النضال ضد المسلكيات الفاسدة غير القانونية. بالإضافة إلى هذه الانتقادات العامة، هناك أيضا انتقادات ملموسة أكثر تجاه الحديث عن وجود فساد في الحكم المحلي. وبحسب أصحاب هذا النقد فإن الحديث عن الفساد في السلطات المحلية والمحاولات الرامية إلى تقليص ما يوصف بأعمال الفساد، ليست بريئة كما تدعي في الظاهر، وإنما هي نابعة من ميول عناصر قوة ونفوذ نحو تطبيق معايير نموذجية غير ممكنة على موضوع بحثهم، أو أنهم يستخدمونها بصورة غير منطقية وغير نزيهة، وأن دافع المنتقدين هو الرغبة في الاحتفاظ بنفوذهم ومراكزهم، وكبح التغييرات السياسية الجارية في الحكم المحلي عن طريق تصوير هذا الأخير بأنه فاسد.

 

لا مجال هنا للخوض في نقاش مسهب حول النقد الموجه لمكافحة الفساد، لا سيما إذا اكتفيت بالقول إن هذا النقد لا يستند تقريبا إلى إثباتات وأدلة فيما يتعلق بحالة الفساد، فضلاً عن أن هذا النقد يميل إلى المبالغة في تصوير نفوذ وتأثير المنشغلين في مكافحة الفساد.

 

يقودني النقد تجاه الانشغال في موضوع الفساد في الحكم المحلي، إلى الإيضاح الثالث. فالبحث في الفساد مرتبط بمفهوم الفساد وتعريفه، وأي مفهوم أو تعريف له يرتبط بدوره بوجهة نظر معيارية معينة. وتعكس وجهة النظر هذه بالضرورة اختياراً قيميا، ومن هذه الناحية فإن من يرفض الرؤية القيمية، المبدئية، للباحث في موضوع الفساد، لن يوافق على الأقل، على عدد من ادعاءات واستنتاجات هذا الباحث.

 

إن وجهة النظر أو الرؤية المعيارية التي توجهني، ترتكز على فكرة أن لكل مواطن الحق في أن يكون سيد مصيره، بمعنى أن لا يكون خاضعاً لإرادة ورغبة شخص آخر (سواء كانت حسنة أو سيئة). هذا التوجه يقتضي علاقات تقوم على الاحترام المتبادل بين المواطنين أنفسهم، وبين سلطات الحكم والمواطنين والسكان. وهو يستوجب وجود مؤسسات سلطوية تعمل بموجب مبدأ "عدم الاستبداد أو الهيمنة". ووفقاً لهذا الموقف، فكما أنه من غير المبرر أو المشروع أن يكون هناك تمييز بين مجموعات مختلفة في المجتمع (وهو ما يوصف بـ "العدالة الاجتماعية")، فإنه من غير المبرر أيضا أن ترهن سلطات الحكم المواطنين أو السكان لمصالح شخصية.

 

بعد هذه المقدمة، سأعرض الإدعاء القائل بأن بنية الحكم المحلي، المنبثقة، من ضمن أشياء أخرى، عن هدفها أو غايتها الخاصة، بالإضافة إلى عدد من النظم والتسويات المؤسسية المتبعة في الكثير من السلطات المحلية، تشجع السلوك الفاسد بمعزل عن مسألة ما إذا كانت طاقة الفساد تجد تجسيداً لها في نهاية المطاف.

 

 

طبيعة الحكم المحلي في إسرائيل وقابلية الفساد فيه

 

يعتبر الحكم المحلي - مجمل السلطات المحلية في إسرائيل - كياناً سياسياً وسلطويا مركبا.. فمن جهة، تعتبر السلطة المحلية هيئة إدارية تعنى بشؤون يومية محضة، كجمع القمامة؛ ومن جهة أخرى، من المفروض أن تكون السلطة المحلية جسماً أو إطاراً سياسياً وتمثيلياً.

 

ويمكن القول إن التناقض في السلطة المحلية بين الطابع التنفيذي - البيروقراطي وبين الطابع الديمقراطي، والقائم في مؤسسات سياسية أخرى، تناقض شديد في شكل خاص. وهذا التناقض له عدة انعكاسات، فهو أحد العوامل المسببة لانعدام الوضوح حول طابع الزعامة المطلوبة في هذا الميدان؛ كما أنه يثير تساؤلات حول درجة شرعية منتخبي الجمهور في اتخاذ قرارات تتعلق بمنطقة نفوذ السلطة المحلية، فضلا عن أنه يشكل أحد العوامل التي تجعل السلطة المحلية لا تدار كما يجب أحيانا، مما يتسبب في عدم تحقق غايات وأهداف حيوية وضرورية لرفاهية الفرد. كما يؤدي هذا التناقض في غير مرة إلى حدوث عجز وأزمات مالية في السلطة المحلية.

 

هذه الأسئلة تصب في نهاية المطاف في السؤال المتعلق بماهية الفساد في الحكم المحلي، وربما أيضا في الخلافات الشديدة فيما يتعلق بتقدير سلوك منتخبي الجمهور في السلطات المحلية. وبما أن مصطلح "فساد ال..."، أو "فساد في ..." يرتبط إلى هذا الحد أو ذاك بمفهوم ما هو الحكم المحلي النقي من الفساد، فإن انعدام الوضوح في هذا الموضوع يشجع طائفة من الممارسات والسلوكيات المثيرة للجدل، ويجعل من الصعب تحديد ماهيتها وطبيعتها، وهل هي بمثابة إفساد للحكم المحلي.

 

 

الحكم المحلي والحكم المركزي - توزيع الصلاحيات

 

هناك أيضا تناقض تام، فيما يتعلق بمجالات الصلاحية والمسؤولية، بين الحكم المحلي وبين الحكم المركزي. ويرتبط هذا التناقض، أو التضارب، بالتوزيع الوظيفي لمجالات عمل ونشاط المستويين. فمن جهة، هناك الدولة، المسؤولة عن النظام العام في جميع المناطق الخاضعة لسيادتها، وهناك في الجهة الأخرى، السلطة المحلية، التي يفترض أن تقوم بعدد من وظائف الدولة. ويكمن مصدر هذه المسؤولية في عدد من سمات السلطة المحلية: مسؤوليتها الشاملة تجاه رفاهية السكان؛ أفضليتها التنفيذية بحكم قربها من السكان؛ إضافة إلى كونها هيئة منتخبة وتمثيلية، يمكن أن تتخذ قرارات تعبر بشكل أفضل عن رغبات وأولويات السكان. وعلى سبيل المثال فإن الدولة تتحمل المسؤولية الكاملة عن الأمن العام في حين تتولى السلطة المحلية المسؤولية عن ترتيبات الحماية المطلوبة في الملاجئ.

 

غير أن السلطة المحلية يمكن أن تستغل أحيانا الميزانيات التي تحولها الدولة إليها لتمويل غرض محدد - كصيانة الملاجئ مثلا - لغرض آخر. ويمكن القول إنه تنشأ هنا "مشكلة وكيل" مركبة: فالسلطة المحلية تعمل كممثل للدولة وكممثل لجمهور السكان في ذات الوقت، غير أن هاتين المهمتين لا تنسجمان معاً بالضرورة. فضلا عن ذلك، فإن من الممكن أن تكون هناك أيضا لكلا السلطتين (السلطة المحلية والدولة) مصالح متضاربة وغير سليمة.

 

إلى ذلك، فإن لعلاقة التمويل المالي بين الحكم المحلي والحكم المركزي بعداً إضافيا: فإذا ألقت الدولة على السلطة المحلية مهمات معينة دون تزويدها بالتمويل المالي الملائم، وعملت في الوقت ذاته على الحد من قدرتها (أي قدرة السلطة المحلية) في الحصول على مدخولات ذاتية (مثلا عن طريق الحد من نسب ضريبة السكن - الأرنونا) فإن السلطة المحلية ستواجه صعوبة عندئذٍ في النهوض بالمهام والأهداف الموكلة إليها. ولكن، إذا كانت الدولة لا تتيح لها تزويد السكان بالخدمات التي يطالبون بها، فمن الممكن أن تنشأ في الكثير من الأحيان، مخالفات قانونية مؤسسية. علاوة على ذلك، ونظراً لأن الحكومة ذاتها ترتاب في أعمال وإدارة السلطة المحلية، فمن الممكن أن لا تقوم الحكومة بتحويل ميزانيات كافية لتمويل مهام وأنشطة السلطة المحلية، ومثل هذا الوضع يؤدي إلى خرق منهجي للقانون ويصعب القدرة المؤسسية على المطالبة بكشف حساب وتحمل مسؤولية عن أنشطة في مجال السلطة البلدية.

 

لجان التنظيم والبناء وترخيص الأشغال

 

إن التوزيع المعقد لمجالات الصلاحيات والمسؤوليات بين الحكم المحلي والحكم المركزي قائم أيضا في مجال التخطيط والبناء. فاللجان المحلية للتنظيم والبناء، التابعة للسلطات المحلية، تحسم إلى حد كبير قيمة أي عقار ذي طاقة اقتصادية. وتولد هذه البنية التنظيمية بطبيعتها طاقة وقابلية للفساد في اللجان المحلية (للتنظيم والبناء)، بغض النظر عن النظم الملموسة. كذلك فإن الأنظمة المتبعة في إسرائيل، أي القرار بأن يترأس هذه اللجان منتخبون محليون من قبل الجمهور، تؤثر بدورها على حجم الفساد: فمن جهة، من المشكوك فيه أن يكون موظفو الدولة هم المفترض أن يتخذوا القرارات المتعلقة بالتخطيط على المستوى المحلي، ذلك لأن مثل هذه القرارات، التي تؤثر على واقع البلدة أو المدينة، من المهم أن تتخذ من قبل سكان المكان أنفسهم. فضلا عن ذلك، فإنه من غير الواضح إذا ما كان القرار بتعيين موظفي الدولة، أي موظفي الحكم المركزي، يساهم في الحد من الفساد.

 

من جهة أخرى، فإن لجان التخطيط والتنظيم المحلية، التي يشغل عضويتها ممثلون للجمهور على المستوى البلدي، عرضة لضغوط محلية، وتتأثر أحيانا بمصالح شخصية لأعضاء المجلس البلدي أو المحلي. فسهولة إمكانية أن ينتخب شخص ما لعضوية المجلس، إلى جانب حجم الصلاحيات التي تتمتع بها لجان التخطيط المحلية، تحول هذه الأخيرة إلى مركز جذب لذوي المصالح. ففي يوم دراسي حول موضوع التخطيط والبناء، عقد في شهر شباط من العام 2008، قال وزير الداخلية في حينه، مئير شطريت، "إن ما يحدث اليوم في اللجان المحلية، شيء مخز بكل بساطة. هناك شعور بوجود الكثير من الفساد وعدم الاستقامة في عمل هذه اللجان".

 

كذلك فإن الرقابة وتطبيق القوانين في مجالات ترخيص الأعمال والبناء، يخضعان أيضا لمسؤولية السلطات المحلية. ومثلما أن الدولة غير معنية أو غير قادرة على تولي مسؤولية اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بالتخطيط، فإنها غير معنية أيضا، وربما غير قادرة أو مؤهلة، لمراقبة كافة أنواع مخالفات البناء على المستوى المحلي. وفي الظاهر، فإن مفتشا يقظا في بلدة ما، يستطيع أن يشخص ويرصد مخالفات أو تجاوزات في أعمال البناء بصورة أفضل من موظف تابع للدولة. كذلك فإن الشرطة تواجه صعوبة في تحري ومراقبة مخالفات البناء وترخيص الأعمال التي ترتكب على المستوى المحلي، ومن هنا فإن جل جهود وأعمال الكشف والتحقيق (التحري) ملقاة على عاتق وحدة المراقبة والتفتيش القطرية التابعة لوزارة الداخلية، وعلى المفتشين التابعين للسلطة المحلية، والذين يخضعون لمسؤولية مهندس السلطة البلدية. غير أن الأولى (الوحدة القطرية) تخضع لتأثير اعتبارات سياسية لوزير الداخلية، فيما تتأثر تلك الاعتبارات بدورها باعتبارات من هذا النوع أو ذاك، لرئيس السلطة المحلية. وفي المحصلة فإن التحقيقات في هذه المواضيع تتأثر باعتبارات سياسية، غير مشروعة بالضرورة.

 

مشاكل إضافية تعزز طاقة الفساد

 

تعتبر السلطة المحلية مركزا للتشغيل.

 

ففي السلطات المحلية التي تعاني من تفشي البطالة، تشكل السلطة المحلية أحد مصادر التشغيل الكبرى. ويولد هذا الأمر ضغوطا على رئيس السلطة المحلية من أجل زيادة عدد العاملين في سلطته بشكل غير قانوني، وتعيين مقربين في وظائف ومناصب في السلطة، وما شابه. كذلك فإن لحملة الانتخابات وطريقة الانتخابات تأثيرا على الفساد في الحكم المحلي. فالقانون لا يجيز تمويل حملة انتخابات رئيس السلطة المحلية، إلا بموجب عدد المقاعد التي تحصل عليها قائمته في الانتخابات. وهذا الأمر يمكن أن يشجع رؤساء السلطات على الحصول على تمويل بطرق غير سليمة وخلق شبكة علاقات غير سوية بين المتبرعين والمتنافسين. كذلك فإن رئيس السلطة يحتاج إلى إقامة ائتلاف والى تأييد و دعم المجلس المحلي، وهو ما يظهر في الكثير من الأحيان كمهمة صعبة جداً، تشجع على أعمال غير مقبولة.

 

هناك مجموعة أخرى من المشاكل مرتبطة بقوة ونفوذ رئيس السلطة وغياب التوازنات والكوابح. وبالإضافة إلى أن رئيس السلطة المحلية يتمتع بصلاحيات واسعة، فإنه لا توجد حالياً قيود على عدد الولايات (الفترات) التي يمكن له إشغالها. إلى ذلك، لا يوجد فصل بين السلطات على المستوى المحلي، كما أنه لا تتوفر رقابة فعالة وناجعة على قراراته وأعماله. وبصورة عامة فإن المجلس المحلي لا يعمل كسلطة رقابة فعالة، وذلك على الأقل بحكم أن معظم أعضاء المجلس لا يتلقون أجرا مقابل عملهم. هذا الأمر يحد بطبيعة الحال من حجم ومستوى الرقابة، ولعل الشيء الذي لا يقل خطورة، يتمثل في كون حراس القانون - المستشار القانوني ومراقب الداخلية ومحاسب البلدية - يتبعون إدارياً لرئيس السلطة المحلية، وبالتالي فإن بقاءهم في مناصبهم مرهون برغبة ومشيئة رئيس السلطة في مواصلة تشغيلهم. ومما لا ريب فيه أن تبعيتهم هذه للشخص الرئيسي المفروض أن يخضع لمراقبتهم، يمس بقدرتهم على أداء مهمتهم وعملهم، وينتقص بطبيعة الحال من فعالية ونجاعة ردع رئيس السلطة وموظفين كبار آخرين في السلطة المحلية عن التورط في أعمال فساد.

 

 

البيروقراطية

 

تحتاج منظومة القوانين ومجمل اللوائح والأنظمة الرسمية في الحكم المحلي إلى مراجعة وإنعاش ومواءمة للواقع. ويقول مراقب الدولة إن هناك معطيات تشير إلى وجود "علاقة بين البقرطة وبين انعدام النجاعة وذلك نتيجة كثرة القوانين والأوامر والإجراءات والتعليمات الصارمة، والتي يمكن أن تكون في الظاهر وظيفية، غير أنها تحول عمليا دون قيام القطاع البلدي بتنفيذ المهام الموكلة إليه". بالإضافة إلى ذلك فإن "عدم التلاؤم بين القواعد والأعراف وبين الواقع الذي نشأ على امتداد السنوات يؤدي إلى عدم تطبيق القواعد، وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بإجراء عرض الميزانية لمصادقة وزارة المالية" (من تقرير مراقب الدولة، للعام 2007) .

 

وإذا افترضنا أن سلطة القانون بمفهومها الرسمي تساهم في الحد من الفساد، فإن الخرق الممنهج للقانون يمكن أن يؤدي إلى زيادة هذا الفساد.

 

أخيراً، لا بد من التأكيد أن غياب اهتمام الجمهور، والاهتمام المحدود من جانب وسائل الإعلام القطرية، بما يحدث في الحكم المحلي، يؤثر بدوره أيضا على حجم الفساد في السلطات المحلية.

 

وفي لقاء خاص عقد في مقر الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في كانون الثاني 2008، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، قال المستشار القانوني للحكومة إن: "السلطات المحلية تشكل إحدى البؤر الأكثر جلاء لأعمال الفساد بأنواعه وأشكاله المختلفة، رشى، تعيينات مخالفة للأصول والقواعد، وتلاعب في العطاءات، وغير ذلك. وأود التذكير بأنه جرى خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فتح حوالي 50 تحقيقاً ضد رؤساء سلطات محلية، ناهيكم عن التحقيقات التي فتحت ضد موظفين آخرين ...".

 

أخيراً فإن المعرفة والمعطيات المتاحة فيما يتعلق بالفساد السلطوي بشكل عام، والفساد في الحكم المحلي بشكل خاص، لا يتيحان إصدار أحكام قاطعة ورسم صورة شاملة وواضحة في هذا الصدد. ومع ذلك فإن التحليل البنيوي يشير إلى وجود طاقة عالية للفساد في الكثير من السلطات المحلية. وحتى نتمكن من معالجة هذه الآفة، يتعين علينا بادئ ذي بدء أن نقر بوجود المشكلة وليس أقل من ذلك، وتشخيص وتحديد الأسباب التي تقبع خلفها.

 

______________________

 

(*) أستاذ جامعي. هذا المقال ظهر في العدد الأخير من نشرة "برلمانت" (برلمان) الإلكترونية الدورية التي يصدرها "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" – القدس. ترجمة خاصة.