خبير أكاديمي إسرائيلي يطرح خطة لتبادل أراض وسكان وإقامة جيوب إسرائيلية في فلسطين وبالعكس
أعلن رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الأسبوع الماضي، أنه لن يؤيد تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين لا تشمل تبادل أراض وسكان، معتبرا أن يجب نقل منطقة المثلث، التي يسكنها العرب، إلى سيادة الدولة الفلسطينية بعد قيامها، مقابل ضم المستوطنات إلى إسرائيل. وتعرض ليبرمان لانتقادات بعد تصريحه هذا وجهها إليه سياسيون من داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها ورفضها الفلسطينيون، علما أنه يطرح هذا الموضوع منذ قرابة عشر سنوات.
رغم هذه الانتقادات، إلا أنه يتبين الآن أن باحثين متخصصين في الأكاديميا الإسرائيلية أعدوا مخططات كهذه التي يطرحها ليبرمان، ولكنها أوسع بكثير، وتشمل نقل تجمعات سكانية عربية، ليس في المثلث فقط، وإنما في الجليل أيضا، إلى سيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية، وذلك من أجل تطهير إسرائيل عرقياً من العرب.
أحد هذه المخططات وضعها الخبير الجغرافي والباحث في موضوع الحدود من جامعة تل أبيب، البروفيسور غدعون بايغر. وبايغر ليس مجرد أكاديمي معزول عن الواقع السياسي في إسرائيل والمنطقة. فقد شارك بايغر في المحادثات الإسرائيلية – السورية في شيفردستاون في العام 2000، حيث تم ضمه إلى الوفد الإسرائيلي بصفته خبيرا في موضوع الحدود، كما أنه كان ضمن الوفد الإسرائيلي في محادثات كامب ديفيد، في العام نفسه.
ويعتبر بايغر أن خطة ليبرمان لتبادل الأراضي والسكان هي "خطوة أولى في الاتجاه الصحيح ولكنها ليست كافية".
واستعرض بايغر "خطة الجيوب" في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس" ونشرتها يوم الجمعة الماضي. وقد وضع هذه الخطة من أجل امتناع إسرائيل عن إخلاء مستوطنات، حتى تلك الواقعة شرقي الجدار الفاصل. وقال إن "الفرق الأساس بين الخطتين هو أن ليبرمان اقترح نقل مناطق، لكنه لم يوضح أية مناطق [في الضفة الغربية] سيتم نقلها إلينا في المقابل، وربما بسبب تخوفه من أنه إذا كان أكثر تحديدا فإن من سيبقى خارج هذه المناطق سيطلق صرخة احتجاج. بينما يتناول اقتراحي مصير المستوطنات البعيدة عن الكتل الاستيطانية، والمبدأ الذي يوجهه هو أقل ما يمكن من الأفراد [أي المستوطنين] الذين سيقتلعون من بيوتهم".
إدارة ذاتية لمستوطنات ومدن عربية
تقضي خطة بايغر، مثل خطة ليبرمان، بنقل السيادة على المناطق في الضفة الغربية التي تقع فيها الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، مقابل نقل مدن وبلدات عربية في المثلث، المحاذية للخط الأخضر، إلى الدولة الفلسطينية. لكن الأمر الجديد الذي يضيفه بايغر في خطته، هو أن المستوطنات الموجودة خلف "الخط الحدودي الجديد"، أي الجدار الفاصل، ستبقى على حالها "كجيوب إقليمية تتمتع بحكم ذاتي". ويقصد بذلك المستوطنات الكبيرة نسبيا، مثل "أريئيل" و"معاليه أدوميم" و"كريات أربع" و"إفرات" المقامة على مساحة 7700 دونم ويسكنها اليوم حوالي 69 ألف مستوطن. ووفقا لهذه الخطة، فإن التنقل بين إسرائيل وهذه الجيوب يكون حرا ومن دون إشراف خارجي ومن خلال شوارع تخضع للحراسة وتستأجرها إسرائيل من فلسطين.
وفي مقابل ذلك، تضيف خطة بايغر، تكون تجمعات عربية في إسرائيل "جيوبا إقليمية تابعة للدولة الفلسطينية". ويقصد بايغر بذلك ثلاثة تجمعات سكانية عربية كبيرة في منطقة الجليل وهي: مدينة سخنين والقرى الواقعة شرقها وهي عرابة ودير حنا؛ الناصرة وقضاها، أي قرى يافة الناصرة والرينة والمشهد ودبورية وإكسال وكفر كنا، بينما يوصل شارع خاص إلى مدينة نتسيرت عيليت الملاصقة للناصرة ومحاطة بالقرى العربية لكي تبقى داخل إسرائيل؛ والتجمع الثالث هو مدينة شفاعمرو والبلدات العربية القريبة منها، عبلين وطمرة وكابول.
وتتطرق خطة بايغر إلى عشر مستوطنات من الحجم المتوسط، وهي "بيت إيل" و"عوفرا" و"عمانوئيل" و"كفار أدوميم" و"كوخاف يعقوب" و"عيلي" و"كدوميم" و"طلمون" و"كرني شومرون" و"شيلو"، ويسكنها قرابة 40 ألف مستوطن. ووفقا للخطة فإن بايغر يقترح نقل هذه المستوطنات إلى السيادة الفلسطينية، لكن المستوطنين سيحتفظون بجنسيتهم الإسرائيلية وسيتمتعون بإدارة ذاتية بكل ما يتعلق بمجالات التعليم والصحة والشرطة والبناء داخل المستوطنات وما إلى ذلك.
وتتابع خطة بايغر أن المبدأ نفسه سيطبق على القرى العربية التي ليست مرتبطة بالتجمعات العربية الثلاثة المذكورة أعلاه، وهذه القرى هي عيلبون والمغار ومعليا وبسمة طبعون. وستكون السيادة العليا على هذه القرى إسرائيلية، لكن سيكون بإمكان سكانها إدارة شؤونهم الداخلية كمشيئتهم.
وفيما يتعلق بحوالي 65 مستوطنة صغيرة ومعزولة ويسكنها حوالي 36 ألف مستوطن، فإن خطة بايغر تعتبر أنها ستكون تحت سيادة فلسطينية كاملة وأن بإمكان المستوطنين فيها الحفاظ على جنسيتهم الإسرائيلية والحصول على الجنسية الفلسطينية أيضا. كذلك تقضي الخطة أن يحافظ المستوطنون في هذه المستوطنات على "حقهم" في الملكية الخاصة على "أراضيهم".
وفي محاولة للإقناع بأن ظاهرة الجيوب ليست خيالية، استخدم بايغر أمثلة من أنحاء العالم تمت من خلالها إقامة جيوب في إطار تسويات إقليمية. ويقول بايغر إن قسما من الجيوب لا يوجد تواصل بري بينه وبين الدولة الأم لكن بالإمكان الوصول إليه عن طريق البحر، مثل ألاسكا كجيب تابع للولايات المتحدة وفصلت عنها من قبل كندا، وجيب مثل لينينغراد المفصول عن روسيا من قبل بولندا وليتوانيا، وجيب دوفروفنيك المفصول عن كرواتيا من قبل البوسنة. ويضيف بايغر أنه هناك جيوبا في أوروبا الغربية، مثل بلدة ليفييه الإسبانية الواقعة داخل فرنسا وتبعد كيلومترين عن الحدود بين الدولتين، وهناك جيوب أخرى، علما أن الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي قد تم محوها تقريبا. كذلك يشير إلى جيب تابع لبنغلاديش في الهند وبالعكس.
معارضة "خطة الجيوب"
كان بايغر قد نشر مقالا قبل عام ونصف العام بالاشتراك مع المحامي غلعاد شير، الذي يعتبر أحد رموز معسكر السلام في إسرائيل، ودعيا من خلاله إلى إمكانية تطبيق خطة لإقامة جيب يهودي في أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. لكن بايغر أضاف بعد ذلك تفاصيل أخرى إلى هذه الخطة وشملت تبادل أراض وسكان.
وقال شير إنه "نشأت الحاجة إلى البحث في أفكار أخرى، من شأنها تقليص عدد الإسرائيليين الذين كان ينبغي إخلاؤهم فعليا ونتيجة لذلك تخفيف حجم الصدمة القومية في أعقاب إخلاء ضروري. وعلى هذه الخلفية ولدت فكرة البحث في إمكانية بقاء مستوطنات يهودية في مناطق الدولة الفلسطينية عندما تقوم، وشريطة أن الحديث يدور عن اتفاق دائم يقود إلى نهاية الصراع".
وأكد شير أنه خلافا للمواقف التي يعبر عنها بايغر بصورة مستقلة، وتستند إلى خطة تبادل سكان، فإنه "في الورقة المشتركة لا يوجد أي ذكر للاقتراح بنقل مواطنين عرب إلى دولة فلسطين، لأن المبدأ الذي يوجهنا هو تنفيذ هذه الأمور بالاتفاق، ومن خلال الحفاظ على حقوق المواطنين في كلا جانبي الحدود التي سيتم الاتفاق حولها. كما أنه تم إرساء حقوق الأقلية غير اليهودية في دولة إسرائيل في وثيقة الاستقلال وبقوانين وقرارات المحاكم منذ نشوء الدولة". وأضاف شير أنه "يجب التمسك بغاية تقسيم البلاد إلى دولتين قوميتين، وأن تتم إقامة الدولة الفلسطينية في مساحة 22% من البلاد".
من جانبه، عبر الخبير في العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل والمحاضر في قسم العلوم الاجتماعية في جامعة حيفا، البروفسور سامي سموحة، عن تخوفه من "تحول هذه الجيوب إلى دمامل ومراكز احتكاك، ستؤدي إلى حدوث خلافات أخرى بدلا من الوصول إلى نهاية الصراع. والعرب في المثلث لن يوافقوا بأي شكل من الأشكال على أن يكونوا جزءا من فلسطين، وعرب الجليل يرفضون ذلك بشكل أكبر. ولا شك لدي في أن القيادة العربية في إسرائيل، وهي قيادة أيديولوجية، لن توافق على ذلك، وسترفضها تماما مثلما رفضت خطة ليبرمان. وصحيح أن عرب إسرائيل يمرون بعملية فلسطنة، لكن هذا مواز لعملية أسرلة، وهم يحاولون إيجاد التوازن. وتحويلهم إلى جيب فلسطيني هو خطوة كاسرة ولن تحدث توازنا".
وقال مدير عام "مبادرة جنيف" لسلام إسرائيلي - فلسطيني، غادي بلتيانسكي، إنه "حتى من يختار تجاهل الجوانب الأخلاقية والقانونية الخطيرة الموجودة في اقتراح بايغر، فإنه عمليا يتنازل عن حدود العام 1967 ويعود إلى قرار التقسيم، الذي رسم الحدود على أساس اعتبارات ديمغرافية".
وأضاف أن "جيوبا إسرائيلية داخل الدولة الفلسطينية، خلافا للكتل الاستيطانية، هي كابوس أمني وقد تعتبر استفزازا يجر أعمال عنف. وفيما يتعلق بالجيوب الفلسطينية في إسرائيل، فإنها ستشعل نيرانا داخلية من دون أن تكون هناك أية نتيجة عملية. وبما أنه ليس بالإمكان سلب مواطنة عرب إسرائيل، فإنهم بكل بساطة سينتقلون إلى يافا، الرملة، حيفا أو اللد. ولن نحقق بهذا أية أفضلية ديمغرافية، لأن عدد عرب إسرائيل الذين سيكونون جزءا من تسوية كهذه هو عدد تافه، إضافة إلى أنه سنكون قد حولنا خاصرة إسرائيل الضيقة إلى أكثر ضيقا مما هي عليه الآن".