عرض ونقد لخطة "إسرائيل 2028"

على هامش المشهد


رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون : شارون هو تعبير صارخ عن مفهوم الجدار الحديدي

 

كتب بلال ضـاهر:

 

بدأت إسرائيل، وخاصة إعلامها، تصور رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أريئيل شارون، في أعقاب وفاته، يوم السبت الماضي، وكأنه كان رجل سلام أو كان يعتزم التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، بعد أن نفذ خطة الانفصال عن قطاع غزة، في خريف العام 2005، وأن الجلطة الدماغية التي أصابته، في مطلع العام 2006، منعت تسوية كهذه. حتى أن صحيفة "هآرتس" شاركت في هذه الحملة التي تشوه حقيقة شارون، ونشرت، أمس الاثنين، عن وثيقة أميركية قالت إن شارون عبر فيها عن استعداده للتسوية في القدس، لكن تبين أنه كان مستعدا للانسحاب من أحياء فلسطينية في أطراف القدس الشرقية وحسب.

 

وأجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة مع المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط ورئيس "مركز دراسات الشرق الأوسط" في "جامعة بن غوريون" في بئر السبع، البروفسور يورام ميتال، حول سياسة شارون تجاه الفلسطينيين ومفهومه للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولكون البروفسور ميتال باحثا متخصصا في الشؤون المصرية، تم التطرق إلى الاستفتاء الشعبي الذي سيصوت فيه المصريون على الدستور الجديد، اليوم الثلاثاء وغدا الأربعاء.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تلخص، كمؤرخ ومستشرق، أداء شارون تجاه الفلسطينيين والصراع؟ بماذا آمن؟

ميتال: "كان شارون تعبيرا صارخا عن مفهوم ’الجدار الحديدي’، الذي أوجده زئيف جابوتينسكي، قبل أكثر من تسعين عاما. وقد أصبح جابوتينسكي الزعيم الروحي لليمين والوسط السياسي في إسرائيل. وهذا المفهوم هو مزيج من موقف أيديولوجي وأمني. والتعبير الأيديولوجي لـ ’الجدار الحديدي’ هو أن الحق على أرض إسرائيل هو للشعب اليهودي، مع استعداد للاعتراف بحقيقة أنه يوجد شعب آخر في جزء من أرض إسرائيل، وقد أسموه في حينه الشعب العربي، والمقصود طبعا هو الشعب الفلسطيني. وهذا يعني أن براغماتية شارون، التي يتحدثون عنها كثيرا الآن بعد وفاته، ويقصدون أداءه في السنوات 2004 – 2006، لا تتناقض، برأيي، مع مفهوم ’الجدار الحديدي’ وإنما تؤكد عليه. وفي تلك الفترة، عندما نفذ خطة الانفصال عن غزة وعقد لقاءات مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تحدث فيها عن احتمال تنفيذ خطوات في الضفة الغربية، كان شارون يميّز بين حق الشعب اليهودي على البلاد وبين الاعتراف بحقيقة وجود شعب آخر في قسم من البلاد. وتعبير آخر لذلك هو مفهوم شارون بتنفيذ خطوات أحادية الجانب. فهذه الخطوات لم تأت من خلال الاعتراف بالحقوق القومية والشرعية للفلسطينيين، وإنما العكس، أي من خلال تجاهل الحقوق القومية الفلسطينية، وحتى من خلال تجاهل تاريخ البلاد. وتم التعبير عن هذا التجاهل من خلال مفهوم سياسي بتنفيذ خطوات أحادية الجانب. وخطة الانفصال عن قطاع غزة، التي يهلل لها معسكر السلام في إسرائيل، هي ليست أكثر من خطوة أحادية الجانب، ولا تعبر عن سياسة سلام من جانب شارون كزعيم، وتعبر بشكل دقيق عن مفهوم ’الجدار الحديدي’ الذي يقول إني سأبني جدارا أو سورا حول قطاع غزة، وكأني أنفصل عن القطاع، وأنفذ خطوات في الأراضي الفلسطينية بهدف منع قيام دولة فلسطينية مستقلة. وعمليا كان شارون مستعدا للاعتراف بحقوق للفلسطينيين داخل إسرائيل وفي الضفة، لكن علينا ألا نعتقد أنه كان شريكا لحل يستند إلى تسوية تاريخية. وبرأيي، هذا نابع من مفهومه الأيديولوجي. ولذلك فإن الادعاء في إسرائيل الآن، بعد وفاته، بأنه لم يكن لدى شارون أساس أيديولوجي وأنه كان براغماتيا، هو ادعاء لا أساس له من الناحية التاريخية، وليس صحيحا".

(*) عندما كان شارون رئيسا للحكومة كان يتحدث عن كيان فلسطيني مكون من كانتونات.

ميتال: "هذا صحيح. وهذا تعبير عما قلته سابقا، بأنه كان معارضا شديدا لقيام دولة فلسطينية في حدود حزيران العام 1967 وعاصمتها القدس. وقد رأى شارون طوال حياته بدولة كهذه تهديدا كبيرا على وجود إسرائيل. وفي أوج استعداده للتحدث مع السلطة الفلسطينية، كان شارون مستعدا للتحدث مع محمود عباس حول نوع من الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية. وما كان يهمه هو أن الكيان الفلسطيني، وليس الدولة الفلسطينية، يكون حكما ذاتيا خاضعا للسيطرة والمراقبة الإسرائيلية، خاصة في مجالي الأمن والموارد الطبيعية. ولذلك كان شارون يتحدث عن سيطرة إسرائيل ووجود عسكري لها في منطقتين في الضفة، وهما منطقة الجبال، أي من منطقة جنين في الشمال وحتى القدس في الجنوب، ومنطقة غور الأردن، وبين هاتين المنطقتين، أو الخطين المتوازيين، تقام الكانتونات. وكان يعارض بشدة إقامة عاصمة فلسطينية في القدس".

(*) هل كان هدف شارون، عندما نفذ خطة الانفصال، منح "شرعية" للمستوطنات في الضفة؟

ميتال: "نعم بالتأكيد. وبمفهوم شارون فإن المستوطنات والاستيطان جزء من حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل. وإضافة إلى ذلك فإن مفهوم ’الجدار الحديدي’ هو أيديولوجيا وعدوانية. ولذلك فإن المستوطنات هي جزء من الحق في البلاد، كما أن المستوطنات كانت جزءا لا يتجزأ من مفهوم شارون الأمني، وخاصة بشأن السيطرة على الجبل وغور الأردن. وهذا مفهوم لا يفرق بين الاستيطان والأمن".

(*) هل يمكن القول إن هذا هو الإرث الذي تركه شارون للإسرائيليين؟

ميتال: "أنا أدعي أن شارون وضع أساسين كان لهما تأثير، وما زالا يؤثران، على الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. الأساس الأول هو أنه بواسطة مفهوم ’الجدار الحديدي’، أي الخطوات الأحادية الجانب والمشروع الاستيطاني، فإنه فكك من الأساس وأكثر من أي زعيم آخر الاحتمال النسبي الذي كان موجودا في عملية أوسلو للتوصل إلى تسوية. وقد أحبط بشكل كامل هذه العملية السلامية. والأساس الثاني الذي أورثه شارون لنا، هو أنه سوية مع ايهود باراك، الذي خلفه شارون في رئاسة الحكومة، صنعوا الرواية المشوهة فيما يتعلق بالمفاوضات في كامب ديفيد بأنه لا يوجد شريك للسلام في الجانب الفلسطيني. وهذا يعني أن شارون، وباراك قبله، نظرا إلى الرئيس الفلسطيني في حينه، ياسر عرفات، وبقيادته أنه تهديد وعدو لإسرائيل، رغم أنهما كانا مستعدان للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين وفقا لمفهوم شارون، الذي تحدثت عنه أعلاه، وليس لتسوية حل الدولتين وفقا لحدود 1967، ومن دون الحديث عن القدس وقضية اللاجئين".

(*) كونك خبيرا في الشؤون المصرية، ما هو الأمر الأكثر أهمية في الدستور المصري، الذي سيتم التصويت عليه باستفتاء شعبي، اليوم وغدا؟

ميتال: "الأمر الأساس الذي يحاول هذا الدستور القيام به هو الحفاظ على الوضع القائم، السياسي بالأساس، الناشئ في أعقاب تدخل الجيش وعزل مرسي [الرئيس محمد مرسي] عن الحكم في شهر تموز الماضي. ونقطة الضعف في هذا الدستور شبيهة جدا بنقطة ضعف الدستور الذي تم طرحه في العام 2012 الفائت. أي أنه في كل مرة جرى فيها طرح دستور كانت الجهة الحاكمة، الإخوان المسلمون في العام الماضي والحكم الحالي المدعوم من الجيش، تخرج مصالح الطرف الآخر من الدستور. وعندما كتب الإسلاميون الدستور في العام الماضي لم يشارك فيه المعسكر غير المتدين، والدستور الحالي أبقى المعسكر الإسلامي خارجه. ولذلك أعتقد أن الدستور الحالي، الذي يتوقع أن يصدق الاستفتاء عليه، لن يصمد لفترة طويلة، لأنه على الدستور أن يحتوي جميع الجهات وألا يخدم أو يستبعد جهة دون أخرى. إضافة إلى ذلك فإنه يوجد في الدستور الحالي تعبير كبير للدفاع عن حريات المواطن المصري، ولكن من الجهة الأخرى يتضمن أمورا تهدد هذه الحريات، مثل المكانة الخاصة التي بقيت لقوات الأمن وخاصة الجيش".

(*) وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، عبد الرحمن السيسي، دعا في الأيام الأخيرة الشعب المصري إلى النزول والتصويت في الاستفتاء، وقال في الخطاب نفسه إنه إذا كان الشعب المصري يريده أن يكون رئيسا فإن عليه (الشعب) أن يقول ذلك، أي من خلال مظاهرات مؤيدة للسيسي...

ميتال: "هذا مرتبط بالسؤال السابق أيضا. هذا الاستفتاء حول الدستور هو ليس استفتاء فقط على مضمون الدستور، وإنما كذلك استفتاء على الثورة وإسقاط حكم الإخوان المسلمين. أي أن هذا استفتاء ليس على مضمون الدستور فقط، وإنما أيضا استفتاء على شرعية تدخل الجيش من أجل إسقاط مرسي والإخوان عن الحكم. والتعبير العملي لدعوة السيسي للجمهور بالتصويت على الاستفتاء هو منح شرعية لاحتمال أن يكون مرشحا للرئاسة. أي أنه توجد هنا عملية سياسية معقدة جدا، وهي أنه يتم التصويت على دستور، لكن عمليا يجري الحديث عن أمور تتعدى الدستور. وأعتقد أنه في حال ترشح السيسي، فإن السؤال المهم هو ما إذا كان سينافسه مرشحان آخران، ويعبران عن أجندة مختلفة كليا عن أجندة السيسي. وهذا المرشحان هما حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح. والأخير يمثل التيار الإسلامي، بينما صباحي يمثل الثورة الناجحة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. وأعتقد أن تنافس الجنرال السيسي لوحده في هذه الانتخابات سيكون أمرا سلبيا جدا فيما يتعلق بالتطورات في مصر. وهذا لا يعني أنه في حال شارك المرشحان الآخران فإنهما سيفوزان ولكن مجرد ترشحهما سيعكس توجها في مصر ولا يريد العودة إلى الأنظمة السابقة منذ جمال عبد الناصر ومرورا بأنور السادات وحتى مبارك".