الطب الإسرائيلي بين تدني المستوى وانتشار السوق السوداء

على هامش المشهد

 

تقرير منظمة حقوقية إسرائيلية: الشرطة أغلقت معظم ملفات التحقيق في اعتداءات المستوطنين على الأشجار في الضفة الغربية

 

 

 

*هذه النتيجة تمثل "فشلا ذريعا" في عمل الشرطة (في "لواء يهودا والسامرة") وتنصلا من مسؤوليتها عن التحقيق في هذه "المخالفات" وتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة، سيما وأن هذه الاعتداءات التي تستهدف أشجارا مثمرة، غالبيتها أشجار زيتون إلى جانب أشجار اللوز والليمون والتين وغيرها، "قد أصبحت خلال السنوات الأخيرة أحد أبرز رموز الاحتلال"!*

 

 

كتب سليم سلامة:

 

الاعتداءات المتجددة التي نفذها المستوطنون على قريتي قصرة ومادما وأهاليهما في محافظة نابلس خلال الأيام الأخيرة تشكل حلقة أخرى جديدة في سلسلة متواصلة، لم تتوقف أبدا، من الاعتداءات العنصرية التي ينفذها المستوطنون المستعمرون على البشر والشجر والحجر في مختلف قرى ومدن الضفة الغربية منذ بدء الاحتلال وانطلاق مشروع الاستيطان الكولونيالي في المناطق الفلسطينية.

 

ومن المعروف أن هذه الاعتداءات لم تكن لتجري لولا تواطؤ السلطات الإسرائيلية المختصة، وفي مقدمتها قوات جيش الاحتلال والشرطة ووسائل الإعلام، ناهيك عن النيابة العامة، بل والمحاكم الإسرائيلية وتقديمها الدعم المباشر لهؤلاء المستوطنين في اعتداءاتهم الفاشية المتواصلة، سواء بتوفير الحماية الميدانية لهم أو بالصمت حيال اعتداءاتهم وممارساتهم أو بالتعامل معهم ومع اعتداءاتهم بقفازات من حرير.

 

ولم يكن استثناء أو سابقة هروع قوات الجيش لتأمين الحراسة والحماية للمستوطنين المعتدين، بل وتوفير "مظلة" لهم لتنفيذ اعتداءاتهم، كما نشرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، قبل أن يقوم الجنود "بتخليص" مجموعة المستوطنين المعتدين الذين احتجزهم الأهالي في قصرة.

 

وهذا ما عادت إلى تأكيده، مجددا، منظمة "يش دين" الإسرائيلية (منظمة متطوعين لحقوق الإنسان) حين قالت، في أعقاب ما جرى في قرية قصرة: "إذا كنتم تسألون أنفسكم ماذا فعل الجيش لدى اكتشافه تحرك المستوطنين الملثمين يهبطون نحو قرية قصرة؟ فإن الجواب هو ـ لا شيء!"!

 

وكانت منظمة "يش دين" قد أصدرت، في أواخر العام المنتهي 2013، ورقة معطيات محدثة حول اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على أشجار الزيتون وأشجار أخرى في قرى الضفة الغربية تؤكد حقيقة التواطؤ السلطوي الرسمي المتعدد الرؤوس مع هؤلاء المعتدين وتوفير مظلة الحماية الواسعة لهم، مما يعني تشجيعهم على مواصلة هذه الجرائم، وليس فقط عدم محاربتها ومحاولة لجمها.

 

الشرطة تغلق 4ر97% من ملفات التحقيق

 

وتضمنت الورقة، التي صدرت يوم 21 تشرين الأول 2013، معطيات محدثة عن "فشل" الشرطة الإسرائيلية في "لواء يهودا والسامرة" ("لواء شاي") في التحقيق في اعتداءات المستوطنين التي تم خلالها قطع، إحراق، إتلاف وسرقة أشجار زيتون وأشجار فاكهة أخرى تابعة للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد جاء نشر هذه المعطيات الجديدة على خلفية موسم قطف الزيتون، بعد أن تم خلال الأسابيع الأخيرة توثيق الكثير من حالات استهداف الأشجار في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية.

 

وأكدت الورقة، استنادا إلى المعطيات التي تم توثيقها، أن 4ر97% من ملفات التحقيق التي فتحتها الشرطة الإسرائيلية في "لواء يهودا والسامرة" في أعقاب استهداف أشجار الزيتون التابعة لمواطنين فلسطينيين في الضفة الغربية قد تم إغلاقها!! معتبرة أن هذه النتيجة تمثل "فشلا ذريعا" في عمل الشرطة ومسؤوليتها عن التحقيق في هذه "المخالفات" وتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة، سيما وأن هذه الاعتداءات التي تستهدف أشجارا مثمرة، غالبيتها أشجار زيتون إلى جانب أشجار اللوز والليمون والتين وغيرها، "قد أصبحت، خلال السنوات الأخيرة، أحد أبرز رموز الاحتلال"!

 

وتشير الورقة، في باب "الخلفية"، إلى أن إتلاف أشجار الزيتون وأشجار أخرى تابعة للفلسطينيين يشكل "مسا قاسيا بممتلكاتهم ويمس بصورة مباشرة برفاهيتهم، نظرا لكون الغالبية العظمى من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية يعتمدون في معيشتهم على الزراعة كمصدر دخل رئيس، وفي مقدمة ذلك قطاع أشجار الزيتون الذي يوفر الدخل والعمل لحوالي 100 ألف عائلة"، فضلا عن أن "المواطنين الفلسطينيين يعتبرون أشجار الزيتون بمثابة رمز وطني وثقافي، ولهذا فإن الهدف منها، من بين أشياء أخرى، هو المس بهويتهم وثقافتهم"!

 

وتعرض "يش دين" معطياتها الجديدة هذه وفق توزيعة جغرافية، بواسطة خارطة تكشف عن "مناطق الاحتكاك" التي تم فيها توثيق عدد كبير بشكل خاص من الاعتداءات على الأشجار، سواء بإلحاق ضرر جزئي بها أو إتلافها كليا. وهذه المناطق معروفة جيدا للجيش وللشرطة الإسرائيليين، وهي تشكل بؤرا للأعمال الجنائية التي يقترفها "مواطنون إسرائيليون" بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم بصورة يومية وعلى مدار أيام السنة كلها. وتشير معطيات "يش دين" إلى أن القرية الفلسطينية التي عانت من العدد الأكبر من الاعتداءات على أشجارها المثمرة هي قرية بورين (في محافظة نابلس).

 

وفي الأرقام، وثـّقت منظمة "يش دين" في الفترة الواقعة بين العام 2005 وحتى حزيران من العام 2013، 211 اعتداء تم في أعقابها فتح ملفات تحقيق في الشرطة في أعقاب الاستهداف المتعمد لأشجار مثمرة في قرى مختلفة في أنحاء الضفة الغربية، وتثبت الورقة تفاصيل عينية عن هذه الحالات جميعا. وهذا، علاوة على عشرات الاعتداءات الأخرى التي تم خلالها إتلاف محاصيل زراعية، مثل اقتلاع أشتال الخضروات، حرق حقول الحنطة والشعير، إتلاف الدفيئات الزراعية وإلحاق الضرر بمحاصيل أخرى. وتشمل المعطيات، كذلك، 15 حادثة اعتداء أخرى تم توثيقها من قبل باحثي "يش دين" وتم خلالها إحراق حقول زيتون، لكن لم تتوفر أدلة قاطعة على أن الحديث يدور عن حرق واستهداف متعمدين.

 

لكن المنظمة تؤكد، من جانب آخر، أن "هذه المعطيات تشمل فقط الاعتداءات التي تم توثيقها من جانب "يش دين" نفسها، ولذا فهي لا تشمل جميع الاعتداءات التي تعرضت لها الأشجار في الضفة الغربية خلال تلك الفترة، والتي يزيد عددها عما ورد بكثير بالطبع"! وإلى جانب ذلك، لا تشمل هذه المعطيات، أيضا، الحالات التي قامت منظمة " يش دين" بتوثيقها غير أن المشتكين اختاروا، لأسباب شتى، عدم تقديم شكاوى في الشرطة.

 

 

تنصل تام من المسؤولية!

 

ومع ذلك، ترى "يش دين" أن هذه المعطيات، وإن تكن غير شاملة، تقدم صورة واسعة تتيح مسؤولية وجدية الشرطة الإسرائيلية (في "لواء يهودا والسامرة") في التحقيق في هذه الاعتداءات وتقديم مقترفيها إلى المحاكمات. فمن بين الملفات الـ 211 التي تم فتحها، كما ورد، قامت الشرطة بإغلاق 183 ملفا، بينما لم تنته سوى 4 ملفات فقط بتقديم لوائح اتهام ضد المعتدين. ويعني هذا أن ما نسبته 4ر97% من تلك الملفات تم إغلاقها، بسبب تقصير الشرطة و/ أو تواطئها مما حال دون نجاحها في العثور على المعتدين وإلقاء القبض عليهم و/ أو إخفاقها في جمع ما يكفي من الأدلة لتقديم الجناة إلى المحاكمة. وتشير المنظمة، هنا، إلى حقيقة كون هذه النسبة بارزة واستثنائية بوجه خاص بالنظر إلى كونها أعلى حتى من "نسبة الفشل" العامة التي "حققتها" شرطة "لواء شاي" في مجال التحقيق في الاعتداءات المختلفة التي نفذها "مواطنون إسرائيليون" (المستوطنون) ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية خلال الفترة ذاتها، والتي بلغت في الإجمال 84%!

 

وتقدم هذه المعطيات، في نظر منظمة "يش دين"، دليلا صارخا على أن "قدرة شرطة لواء شاي على الكشف عن الجناة في مجال استهداف أشجار الفلسطينيين، إلقاء القبض عليهم ثم تقديمهم إلى المحاكمة، هي قدرة متدنية جدا، بل تكاد تكون معدومة"! وتسند المنظمة حُكمها هذا، فضلا عن الأرقام الإجمالية، إلى التسويغات التي اعتمدتها الشرطة لإغلاق تلك الملفات: فقد أغلقت 166 ملفاً بحجة أن "المخالف غير معروف"، وأغلقت 20 ملفا بحجة "عدم توفر أدلة كافية"، وأغلقت ملفين اثنين بحجة "انعدام التهمة الجنائية" (قامت "يش دين" بتقديم استئناف على القرار بشأن أحدهما بعد أن بيّن فحص أجرته أن إجراءات التحقيق فيه لم تستكمل!). وأغلقت الشرطة 3 ملفات دون الإبلاغ عن علة الإغلاق، بينما أعلنت أن ملفين اثنين قد "ضاعا" ولم يتم استكمال التحقيق بشأنهما!!

وسجّلت المنظمة أنه حتى موعد نشر ورقة المعطيات هذه، لا يزال لدى الشرطة 14 ملفا عن اعتداءات مختلفة على الأشجار، في مراحل مختلفة من التحقيق، 5 ملفات من بينها تم فتحها إثر اعتداءات وقعت في العام 2013 و8 ملفات أخرى إثر اعتداءات وقعت في العام 2012 وملف واحد لا يزال قيد التحقيق منذ العام 2009، بانتظار الحصول على رأي استشاري من دائرة الأراضي في "الإدارة المدنية" بخصوص "مكانة الأرض"!!

 

وتعقيبا على معطيات هذه الورقة، قالت نوعا كوهن، من قسم الأبحاث في "يش دين"، إن "مناطق الاحتكاك معروفة جيدا للجيش وللشرطة، وعلى الرغم من ذلك يترك الجيش الإسرائيلي المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في هذه المناطق عرضة لاعتداءات عنيفة ومتكررة من جانب المستوطنين. وزيادة على هذا، ثمة دلالة واضحة لما يتعلق بإخفاق الشرطة المتواصل في التحقيق وتقديم المعتدين إلى العدالة: التنصل التام من المسؤولية وترك هذه المناطق وسكانها رهينة لنزعات جهات متطرفة وعنيفة"!

 

القانون، ظاهريا فقط!

 

منظمة "يش دين" التي تعالج، بالتوثيق والتحقيق والمتابعة، اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، كانت أصدرت في شهر أيلول العام 2006، تقريرا خاصا بعنوان "القانون، ظاهريا فقط - تطبيق القانون على مواطنين إسرائيليين في الضفة الغربية"، تضمن ما رسمته المنظمة من صورة قاسية حول تقاعس وإحجام سلطات الاحتلال المختلفة عن تطبيق القانون على المستوطنين إسرائيليين الذين يقومون بالاعتداء على حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية ويعتدون على ممتلكاتهم بصورة منهجية.

 

وقد كشف التقرير إياه النقاب عن الديناميكية التي تؤدي إلى عدم تطبيق القانون بصورة ناجعة على المستوطنين ("المواطنين الإسرائيليين") في الضفة الغربية والذين يرتكبون مخالفات ضدّ الفلسطينيين، بما يشمل إخفاقات خطيرة في جميع مراحل عملية تطبيق القانون. وقد أكد التقرير، الذي أعدّ استنادا إلى فحص أساس ومعمق لعشرات ملفات التحقيق، أن التقاعس، بل التواطؤ، يبدأ منذ لحظات تنفيذ الاعتداء، إذ أن الجنود الذين يتواجدون في موقع الاعتداء يغضون الطرف عنه في غالبية الحالات؛ ثم في مرحلة تقديم الشكوى يتم وضع العديد من العراقيل، الطبيعية والبيروقراطية، أمام الفلسطينيين الذين يبغون تقديم شكاوى ضدّ المعتدين عليهم، ثم "المشاكل" التي تواجه عملية التحقيق في الشكاوى المقدمة. وأظهر التقرير العديد من القصورات المتكررة في أساليب التحقيق، وخاصة عدم استنفاد جميع إجراءات التحقيق المطلوبة، بل عدم إجراء أي تحقيق أصلا في كثير من الحالات، ولو بصورة ظاهرية وشكلية!