حكومة إسرائيل مُطالبة بتقليص ثلاثة مليارات دولار في ميزانية العام المقبل

على هامش المشهد

 

الدكتور ثابت أبو راس لـ "المشهد الإسرائيلي": حكومة إسرائيل جمدت مخطط برافر بعدما فوجئت من ردة الفعل المحلية والدولية

 

 

 

 

*حكومة إسرائيل تخطط اليوم لإقامة 15 مستوطنة يهودية جديدة في النقب وهذه المستوطنات موجودة في مراحل تخطيط مختلفة*

 

 

 

كتب بلال ضـاهر:

 

أعلن الوزير الإسرائيلي السابق، بيني بيغن، المكلف من قبل الحكومة بدفع مشروع "قانون برافر"، يوم الخميس الماضي، عن وقف إجراءات سنه في الكنيست. وقال بيغن في مؤتمر صحافي خاص، عقده في تل أبيب، إن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وافق على توصيته بسحب القانون بصيغته الحالية. وتعتبر أحزاب اليمين أن المخطط يمنح أراضي لعرب النقب، أي سكان القرى العربية غير المعترف بها والمهددة أراضيها بالمصادرة وسكانها بالترحيل، أكثر مما يستحقون وحتى أنهم "غزاة" رغم أنهم يسكنون في قراهم قبل قيام إسرائيل. وتسود التقديرات في إسرائيل أن اليمين سيستمر في طرح مخططات مشابهة لـ "مخطط برافر".

 

وجاء إعلان بيغن في أعقاب "يوم الغضب"، في 30 تشرين الثاني الفائت، الذي شهد مظاهرات ومواجهات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومواطنين عرب احتجوا على "مخطط برافر" وطالبوا بإلغائه. واعتقلت الشرطة خلال هذه الاحتجاجات خصوصا المظاهرات في بلدة حورة في النقب ومدينة حيفا، عشرات المتظاهرين وأصابت عشرات آخرين بجروح واختناقات جراء استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع.

 

حول قرار حكومة إسرائيل وقف إجراءات سن مشروع "قانون برافر" والنضال ضده والمخططات لحل قضية القرى العربية غير المعترف بها في النقب، أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع مدير مكتب مركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل في النقب والناشط والخبير في قضايا عرب النقب، الدكتور ثابت أبو راس.

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هي الأسباب التي جعلت نتنياهو يوافق على سحب مشروع "قانون برافر" من جدول أعمال الكنيست؟

 

أبو راس: "واضح جدا أن تجميد تشريع ’مخطط برافر’ وسنه كقانون في الكنيست جاء، أولا وقبل أي شيء آخر، نتيجة صمود الأهل في أراضيهم. ففي الفترة الأخيرة رأت حكومة إسرائيل أن الأغلبية الساحقة من عرب النقب ترفض المخطط، وقد اعترف بذلك بيغن نفسه. وكانت الحكومة قد حاولت تزوير إرادة عرب النقب بالادعاء أن 80% منهم يوافقون على المخطط. والحكومة فوجئت بتصعيد الحملة ضد ’مخطط برافر’، من النواحي الخطابية أو على أرض الواقع من خلال الاحتجاجات والمظاهرات والمواجهات مع الشرطة، وخاصة المظاهرات الأخيرة في حيفا وقرية حورة، اللتين شكلتا علامة فارقة في صمود الأهل وإصرارهم على البقاء في أرضهم، وإرسال رسالة واضحة للحكومة الإسرائيلية أن عرب النقب، ليس فقط أنهم لا يتعاونون، وإنما هم يتصدون له. وجاء هذا الأمر في موازاة دعم قوي جدا تمثل بالمرافعة الدولية، وقد أصبحنا نشعر أن العالم يقف إلى جانبنا. فقد قرر الاتحاد الأوروبي أن ’مخطط برافر’ هو مخطط عنصري، وكذلك فعلت الأمم المتحدة. وأصبح الكثير من وسائل الإعلام العالمية ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية وحتى السياسيين في دول العالم يزورون النقب بشكل متواصل ويعبرون عن استغرابهم من تعامل حكومة إسرائيل مع عرب النقب، خاصة وأنهم أدركوا أن ’مخطط برافر’ لا يهدف لمصادرة أراضي العرب واقتلاعهم من أراضيهم فقط، وإنما المخطط يشمل إقامة مستوطنات يهودية على أنقاض قرى عرب النقب. وأعتقد أن العمل الموحد، الذي تقوده ’لجنة التوجيه العليا لعرب النقب’ بمشاركة ’الحراك الشبابي’ والتنسيق مع هذا الحراك الجديد في النقب وإلى جانب المرافعة الدولية، جعل السلطة تخاف وتتحسب. فقد اعترف قائد الشرطة في منطقة الجنوب بأن المظاهرات الأخيرة، وشراسة مقاومة الشباب العرب في النقب للمخطط، كانت ’حدثا مؤسسا’".

 

(*) اليمين الإسرائيلي أعلن عن معارضته لـ"مخطط برافر"، لأن المخطط كان، برأي اليمين، "سخيا" مع عرب النقب. كذلك فإن وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن نتنياهو سحب مشروع القانون لأنه أدرك أن أحزاب اليسار والأحزاب العربية وقسم كبير من أحزاب اليمين، وكل لأسبابه ودوافعه، سيعارضون مشروع "قانون برافر" في حال طرحه في الكنيست.

 

أبو راس: "أعتقد أن هذه مجرد حجة، لأنه لو أراد نتنياهو أن يمرر المخطط وسنه كقانون لاستطاع القيام بذلك. وكان بإمكانه إقناع أحزاب، حتى من المعارضة، بتأييده. وحكومة إسرائيل نفسها تتخبط، وهناك خلاف حول المخطط حتى داخل حزب الليكود. ونحن نجري اتصالات مع أعضاء كنيست يهود، من خلال دعوتهم إلى جولات في النقب وإطلاعهم على الوضع. كذلك فإن المخطط نفسه معقد وشائك وغامض، وحتى أن أعضاء كنيست يطالبون بمعرفة ما وراء المخطط، وهي معلومات تم إخفاؤها عن أعضاء الكنيست".

 

(*) ما هو سبب هذا الغموض؟

 

أبو راس: "حكومة إسرائيل خجلة من نفسها بالكشف عن كل ما وراء المخطط. مثلا، لم نكن نعرف حتى نحن، الذين نتابع المخطط عن كثب، أن حكومة إسرائيل تنوي بناء مستوطنات، باستثناء أنها تنوي إقامة مستوطنة ’حيران’ على أنقاض قرية أم الحيران العربية. لم نكن نعرف أن هناك مخططا لبناء خمس مستوطنات في خط بئر السبع - ديمونا، على أنقاض قرى عربية أخرى قائمة قبل قيام دولة إسرائيل. هذا يعني أن ’مخطط برافر’ هو مخطط رهيب وعنيف وشرس ولم نتوقع أنه سيكون بهذه الشراسة. وأعتقد أنه عندما يتم كشف المخطط بأكمله، فإنه ستكون داخل أوساط يهودية، وحتى في حزب الليكود، معارضة له. وأعد هذا المخطط كمشروع قانون الجنرال يعقوب عميدرور، رئيس مجلس الأمن القومي السابق، بعد أن عدّل المخطط الأصلي الذي وضعه بيغن. من جهة ثانية فإن بيغن أعلن أنه لا يوافق على المخطط مثلما تم طرحه. وفي المقابل فإن عرب النقب يرفضون كافة المخططات التي وضعتها حكومة إسرائيل في هذا السياق، خاصة وأن جميعها غامض ويخفي أمورا كثيرة. وقد حاول اليمين أن يعرف حجم مساحة الأراضي التي ستُعطى لعرب النقب. واليمين لا يوافق على المسودة الأولى للمخطط التي تحدثت عن منح عرب النقب 183 ألف دونم كتعويض عن مصادرة أراضيهم، ولا يوافق على المسودة الثانية التي وضعها عميدرور وتحدثت عن تعويض بمساحة يبلغ حجمها 96 ألف دونم، وهم لا يوافقون أيضا على اقتراح وسطي طرحه بيغن ويمنح عرب النقب 146 ألف دونم إلى جانب تعويض مالي. لكن عرب النقب مستمرون في المطالبة بحقهم في 800 ألف دونم. كذلك فإن جميع سفارات إسرائيل في العالم تشكو من الأسئلة الكثيرة التي توجه لها حول ’مخطط برافر’. وهذا بفضل المرافعة الدولية أيضا. ونحن نستقبل هنا في النقب باستمرار سفراء ووزراء أجانب ونشرح لهم الأوضاع، كما أننا نزور دولا أجنبية ونشرح أهداف المخطط. ومؤخرا، على سبيل المثال، زرنا هولندا والتقينا مع رئيس حكومتها وعبر عن دهشته من خطورة هذا المخطط. وكما قلت فإن حكومة إسرائيل لم تكن تتوقع مثل هذا النشاط المناهض لمخططها. وربما أن ما جعل حكومة إسرائيل تجمد ’مخطط برافر’ هو الحملة الدولية، وخاصة من جانب الاتحاد الأوروبي، ضد المستوطنات في الضفة الغربية. وعلى ما يبدو أن حكومة إسرائيل اعتبرت أن العالم العربي منشغل في مشاكله الداخلية وأن الشعب الفلسطيني مشرذم، وأن بإمكانها في وضع كهذا أن تمرر المخطط. وأعتقد أن إرغام حكومة إسرائيل على سحب المخطط هو علامة فارقة وحدث تاريخي ومهم في تاريخ الجماهير العربية في إسرائيل. وهذا لا يعني أننا سنستكين، فهذه حكومة مجنونة وهناك مخططات أخرى. وحتى بدون وجود مخططات، فإن السلطات الإسرائيلية تقوم بممارسات ضد عرب النقب، وتستخدم قوة بوليسية خاصة اسمها وحدة ’يوءاف’، من أجل هدم بيوت يوميا وتتصرف بشكل وحشي مع المواطنين. وعقدنا قبل أيام اجتماعا للجنة التوجيه العليا لعرب النقب وغيرنا الشعار بشأن المخطط ليصبح ’ضد هدم البيوت ومن أجل الاعتراف بقرانا’. كذلك طالبنا نتنياهو بالاجتماع مع وفد يمثل عرب النقب من أجل طرح المخطط البديل الذي وضعناه".

 

(*) من هي الجهات التي خططت ونظمت ونفذت الحملة ضد "مخطط برافر"، وهل كان هناك دور للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية؟

 

أبو راس: "أقول بكل تواضع إن أول حملة دولية ضد ’مخطط برافر’ قام بها مركز ’عدالة’، قبل عام ونصف العام. وتصاعدت الحملة بعد ذلك، وشاركت فيها مؤسسات أخرى من النقب وغير النقب. و’الحراك الشبابي’ يثلج الصدر، وإن كان تحركه قد بدأ قبل ثلاثة أشهر فقط، لكن له دوره ونتائجه وانعكاساته. وليس صدفة أن الشباب تظاهروا في أكثر من أربعين مدينة في أنحاء العالم. وأصبحت شعارات مثل ’لا لبرافر’ و’برافر لن يمر’ شعارات عالمية. ونتوخى من لجنة المتابعة ليس فقط دعم نضالنا وإنما أن تكون جزءا من النضال. وتواصل عرب الشمال في الجليل والمثلث مع النقب يزداد مع مرور الوقت. وقد وصلت قضية النقب إلى شمال البلاد، ولم نعد ننتظر أن يصل الشمال إلى النقب. وأعتقد أن قضية النقب أصبحت على رأس أجندة لجنة المتابعة، وباتت قضية كل الفلسطينيين. وقد طالبنا بأن تفتح لجنة المتابعة مكتبا لها في النقب، لأننا بحاجة إلى هذه المظلة. وقد اتخذت لجنة المتابعة، خلال اجتماعها الأخير في الناصرة، يوم السبت الماضي، قرارا بأن تعقد اجتماعها الشهر المقبل في النقب".

 

(*) مجلس القرى العربية غير المعترف بها في النقب طرح مخططا بديلا لـ "مخطط برافر". ما هي الخطوط العريضة لهذا المخطط البديل؟

 

أبو راس: "في موازاة ’مخطط برافر’ وضعنا مخططا بديلا، وبادر إليه المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها ومؤسسات وهيئات ومختصون مهنيون في مجال التخطيط. ونحن نطالب حكومة إسرائيل بأن تعطينا الفرصة لكي نشرح المخطط البديل أمام رئيس الحكومة ووزير الداخلية من أجل أن نثبت أمامهما أن الاعتراف بالقرى غير المعترف بها لن يؤثر على مخططات الحكومة في النقب. فالنقب فارغ، ومساحته تعادل 60% من مساحة إسرائيل، ويسكنه 8% فقط من سكان إسرائيل. كذلك فإن 95% من أراضي النقب معرفة كأراضي دولة. وعندما تتحدث إسرائيل عن تطوير النقب، تريد الحصول على الـ 5% التي يملكها عرب النقب، علما أن حكومة إسرائيل تستطيع أن تفعل بأراضي الدولة في هذه المنطقة كل ما تشاء من معسكرات جيش ومستوطنات، ولكن لن يكون هذا على أنقاض قرى عربية. وحكومة إسرائيل تحاول تركيز عرب النقب في بلدات، بينما عرب النقب يطالبون بتنظيم قراهم كقرى زراعية والمحافظة على نسيج حياتهم".

 

(*) هل تعلمون ما هو عدد المستوطنات الجديدة المخطط إقامتها في النقب؟

 

أبو راس: "نعم. حكومة إسرائيل تخطط اليوم لإقامة 15 مستوطنة يهودية جديدة في النقب. وهذه المستوطنات موجودة في مراحل تخطيط مختلفة. وتم إقرار إقامة سبع قرى يهودية على أنقاض وأراضي عرب النقب. وتحت ضغوط الإعلام ومناهضة عرب النقب لمشاريع الترحيل هذه، تم الكشف عن خارطة جديدة هي ’خارطة برافر’. ونرى في هذه الخارطة، كما كنا نتوقع، أن حكومة إسرائيل تريد منع عرب النقب من التواجد غربي شارع 40 وإغلاق مناطق معينة في شمال - غرب النقب أمام عرب النقب، على خلفية قومية، أي لأنهم عرب وحسب. وهذه السياسة يسمونها في دول الغرب ’أبارتهايد’. واكتشفنا من هذه الخارطة الجديدة، التي كشف النقاب عنها مؤخرا فقط، أن مناطق التعويض لعرب النقب، وهي أقل من 20% من المساحة التي يطالب العرب بها، هي مناطق مقفرة وقاحلة، وهي أراض تقع بين بلدتي ديمونا وعراد، أي الأراضي القاحلة في السفوح المؤدية إلى البحر الميت، ولن يستطيع عرب النقب الاستفادة منها أبدا بينما هم يعيشون الآن في أراض زراعية".