المؤتمر السنوي لـ"المركز العربي للتخطيط البديل": إسرائيل تتعامل مع مواطنيها العرب بانعدام حس إنساني

على هامش المشهد

 

ضابط شرطة إسرائيلي سابق: الفاسدون وزعماء العصابات في إسرائيل لا يصنفون كمجرمين

 

 

 

في موازاة تصاعد حجم الجريمة المنظمة في إسرائيل، احتل زعماء العصابات الكبرى مكانة تشبه مكانة "النجوم"، في وقت لم تعد فيه هذه العصابات ترتدع عن ارتكاب أية جريمة، وخاصة تنفيذ عمليات تفجير سيارات وقتل خصوم في العالم السفلي، وصولا إلى تفجير سيارة أحد كبار المدعين في النيابة العامة.

 

 

ومن الجهة الأخرى، فإن ظاهرة الفساد السلطوي في إسرائيل آخذة في الاتساع، ويلاحظ "تسامح" سلطات القضاء تجاهها. وبعد تبرئة ساحة رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، تتعالى أصوات، بينها صوت المدعي العام الإسرائيلي، موشيه لادور، المطالبة بالاستئناف على حكم البراءة والتأكيد على وجود أدلة لإدانة ليبرمان بتهم نسبت إليه. كذلك فإن المحكمة سمحت لثلاثة رؤساء بلديات متهمين بتلقي رشى بخوض انتخابات السلطات المحلية، التي جرت في 22 تشرين الأول الماضي، والتي حقق فيها المتهمون الثلاثة فوزا ساحقا على خصومهم.

 

ويرسم عضو الكنيست موشيه مزراحي، من حزب العمل الإسرائيلي، صورة أسوأ للفساد الذي أخذ يستشري في إسرائيل، وذلك لأن المجتمع أخذ يتقبل هذا الفساد. وقال مزراحي لصحيفة "غلوبس" في نهاية الأسبوع الماضي، إن "المشكلة في دولتنا هي أن الردع أصبح مفقودا. والمجتمع والحكومة والجمهور يوجهون الإطراءات للفاسدين، ولا يصنفون سلوكا فاسدا على أنه سلوك مرفوض وبشع ولا ينددون به. فإذن كيف يمكن التوقع ألا يكون هناك فساد في إسرائيل؟ ولا أحد يكلف نفسه كي يقول للفاسدين إنهم يفعلون شيئا ما ليس جيدا، والنتيجة هي أنك ترى المزيد والمزيد من الفساد، في كافة المجالات والطبقات، لأن هؤلاء الأشخاص يعلمون أنه لن يحدث لهم شيء جراء سلوكهم المقرف".

 

ويشار إلى أن مزراحي هو ضابط شرطة كبير سابق، وقبل أن يدخل المعترك السياسي، عشية الانتخابات العامة للكنيست، في بداية العام الحالي، كان نشطا في الحرب ضد الفساد والجريمة المنظمة في إطار عمله في الشرطة. وقد أقام في العام 1997 وحدة خاصة في الشرطة، هي الوحدة القطرية للتحقيقات الدولية، وترأسها حتى العام 2003، من أجل محاربة الفساد والجريمة، التي كانت توصف في حينه أنها "تهديد إستراتيجي على المجتمع الإسرائيلي".

 

وإلى جانب اتساع الفساد والجريمة تكاثرت، في السنوات القليلة الفائتة، التحقيقات التي أعلنت الشرطة عن فتحها ضد إعلاميين وفنانين إسرائيليين، من الصف الأول، بشبهة ارتكاب مخالفات جنسية، بدءا بالتحرش الجنسي وحتى الاغتصاب، واستغلال جنسي بشع لفتيات قاصرات، مثلما تحوم الشبهات حاليا حول إيال غولان، وهو أبرز المغنين الإسرائيليين. ومعظم هذه القضايا انتهى بإغلاق ملف التحقيق بسبب "عدم توفر قاعدة أدلة لارتكاب أعمال جنائية".

 

وقال مزراحي إن "عدم توفر أدلة تثبت ارتكاب أعمال جنائية لا يعني أن السلوك كان مقبولاً. وهذه الشخصيات الرفيعة [المشتبه بها] خدعت الجمهور، وأساءت استخدام مكانتها وارتكبت أفعالا ممنوعة، وخرجت من دون أن يلحق بها أي ضرر أو حتى عار. بل على العكس، فهي تحصل على إطراءات وتُمنح لها الشرعية. ماذا يوحي هذا لجمهور يكون منتخبوه وسلطاته القانونية غير قادرين على انتزاع هذه الشخصيات من المجتمع؟ إن هذا يوحي بالعجز والجمهور خائب الأمل مرة تلو الأخرى".

 

"الفاسدون يعودون إلى مناصبهم الرفيعة"

 

إحدى القضايا التي أثارت الرأي العام في إسرائيل مؤخرا، هي قضية الانتخابات لبلدية نتيفوت وسرقة نتائجها، ويشتبه فيها سياسيون محليون وعصابة كبيرة وحاخام. وقد اعتقلت الشرطة زعيم ثاني أكبر عصابة إسرائيلية، وهو شالوم دومراني، وستة من "جنوده"، بشبهة الابتزاز والتهديد باستخدام العنف من أجل ضمان فوز المرشح لرئاسة البلدية، يحيئيل زوهار. كذلك اعتقلت الشرطة الحاخام يورام أبرجيل، وحققت معه في سياق هذه القضية.

 

وقال مزراحي "إنني مؤمن بأنه هذه المرة توجد قاعدة أدلة كافية لتوجيه لائحة اتهام... لكن بدون علاقة بالأدلة العينية في هذا الملف، فإنني أعتقد أن المطلوب هو إجراء إصلاح أساس وإعادة تنظيم في الحرب ضد المنظمات الإجرامية. والشرطة تبذل جهودا ولكنها لا تحقق نجاحا لأن قدرتها محدودة. وقد ضعفت قدرة الشرطة على السيطرة على هذا الموضوع في الفترة الأخيرة، ونحن نشهد سلسلة أحداث مقلقة. ففي كل يوم تجري محاولة تصفية [قتل]ٍ كهذه أو تلك، تفجير سيارة مدع عام، وغير ذلك. لا يوجد رب لهؤلاء الأشخاص، وهم لا يخافون الشرطة، وهذا أمر مقلق".

 

ورأى مزراحي أن "ثمة حاجة هنا إلى انتهاج طريقة مواجهة مختلفة، إذ ليس كافيا أن يتم اعتقال جندي [في العصابات] هنا أو هناك، أو زعيم عصابة كهذا أو ذاك. يجب المس بقاعدتهم المالية، وهذا ما سيوقفهم. وينبغي أن يكون هناك نشاط مشترك لكافة السلطات في هذا الموضوع، الشرطة وسلطة الضرائب وسلطة منع تبييض الأموال وغيرها. وفقط بنشاط صارم جدا ومشترك ضدهم يمكن تحقيق نجاح في وقف الأنشطة الإجرامية. وعلى الحكومة أن تدرك أن الشرطة وحدها لا يمكنها أن تنجح في الحرب ضد المنظمات الإجرامية، خاصة إذا تم تقييد يديها خلف ظهرها. ثمة حاجة لشيء ما أكبر من ذلك".

 

واعتبر مزراحي أن "كل شظايا المعلومات التي تنتشر في الفضاء الإعلامي أحيانا تساعد المتهمين، لأن الشرطة تفقد بذلك عامل المفاجأة ضدهم. إذ أن الكثير من التفاصيل يتم كشفها وتزود المتهم ومحاميه بأدوات للتعامل مع تحقيقات الشرطة". وأشار إلى أن المعلومات حول الشبهات ضد المغني غولان، المشتبه بإخفاء مداخيل عن سلطة الضرائب أيضا، تم تداولها في وسائل الإعلام قبل أن تبدأ الشرطة تحقيقاتها في القضية.

 

وقال مزراحي إن "هذا الأمر مرتبط بثقافتنا الرهيبة في إسرائيل، والتي تتمثل بعدم تصنيف المجرمين على أنهم مجرمون، ويتم السماح لهم بمواصلة أدائهم وسلوكهم في وسط المسرح. وترى مغنين متهمين بإخفاء ضرائب بصورة جنائية، ويستمرون في منحهم الشرعية. ليس فقط أنه لا تتم إدانتهم وشجبهم والتعامل معهم مثل أي مجرم آخر، وإنما الإعجاب بهم يبقى في ذروة مستواه ويبقون في برامج الترفيه التلفزيونية".

 

وأضاف أن "هذا يعيدنا إلى حديث سابق حول الحكومة. الفاسدون يعودون إلى مناصبهم السياسية الرفيعة [في إشارة إلى ليبرمان] رغم أنه واضح للجميع أنهم ارتكبوا أفعالا لا يجوز أن يرتكبوها. ورؤساء بلديات تم توجيه لوائح اتهام ضدهم ينافسون على ولايات أخرى ويفوزون بالانتخابات وهم يبولون على الجميع. ومغنون أخفوا ملايين الشواكل يبقون في مركز المسرح، وتمنح الشرعية لجميع هؤلاء. فكيف إذن يمكن أن نتوقع أن يكون هناك ردع؟".