بعد ليفني، بيرتس أيضًا يدفع خطة سياسية جديدة

على هامش المشهد

 

معلومات جديدة عن التاريخ السري للترانسفير

 

مخططات إسرائيلية لتوطين اللاجئين وتهجير عرب 48!

 

 

 

حاكت القيادة الإسرائيلية، في سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي، مخططات عديدة، معظمها سري، لمواصلة عمليات الترانسفير بحق الفلسطينيين، التي نفذتها في نهاية العام 1947 وخلال العام 1948. وقضى قسم من هذه المخططات بنقل مواطنين عرب في إسرائيل إلى دول أخرى بينها الأرجنتين والبرازيل وليبيا ومصر ولبنان وتونس والجزائر، ومحاولات لتوطين لاجئي الـ48 في دول عديدة بينها ألمانيا وفرنسا ودول عربية.

 

ووضعت القيادة الإسرائيلية هذه المخططات بسبب العامل الديمغرافي، أي بحجة التخوف من تزايد نسبة العرب في الدولة. وكان ثمة سبب آخر يتعلق بالضغوط الدولية التي مورست على إسرائيل من أجل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومطالبة إسرائيل بالمشاركة في حل كهذا، من خلال عودة جزء، ولو صغير جدا بالكاد يصل إلى 10%، إلى موطنه تحت الحكم الإسرائيلي.

 

وكتب المحاضر في قسم العلوم السياسية في كلية "عيمق يزراعيل" (مرج بن عامر)، الدكتور أريك أريئيل، بالاستناد إلى أطروحة الدكتوراه التي قدمها إلى جامعة حيفا العام الماضي حول قضية اللاجئين، مقالا مطولا نشره في صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، أن اللاجئين تركوا وراءهم أملاكا شملت أراضي بلغت مساحتها أكثر من أربعة ملايين دونم، و73 ألف غرفة، و8000 حانوت ومكتب.

 

وأضاف أريئيل أن "فراغ البلاد من سكانها العرب والقدرة على إقامة دولة ذات أغلبية يهودية ساحقة اعتبر أنه الإنجاز الأكبر للحركة الصهيونية، وحتى أنه أهم من إقامة الدولة، برأي قسم من قيادتها، ولذلك سارعت إسرائيل منذ منتصف العام 1948 إلى بلورة سياستها، والتي بموجبها لن تسمح بأي شكل بعودة اللاجئين إلى أراضيها". وأشار إلى أن إسرائيل أرادت بذلك "تخليد الستاتوس - كوو [أي الوضع القائم] الديمغرافي إلى جانب الستاتوس - كوو الجغرافي الحاصل لدى انتهاء المعارك وتوقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار".

 

وفي شهر كانون الأول من العام 1948 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194، المعروف بـ "قرار حق العودة"، ونص البند 11 فيه على "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم". وأشار أريئيل إلى أنه منذ اتخاذ هذا القرار بدأت تُمارس على إسرائيل ضغوط مكثفة من أجل استيعاب جزء من اللاجئين. كذلك فإنه تم طرح هذه القضية على جدول أعمال الجمعية العامة سنة بعد أخرى، وفي المؤتمرات الدولية، مثل مؤتمر لوزان لحل الصراع في الشرق الأوسط الذي عقد في أيار 1949.

 

ووفقا لأريئيل، فإن الرئيس الأميركي هاري ترومان، كان أول من بعث برسالة تحذير شديدة إلى إسرائيل، وقال فيها إن رفض إسرائيل استيعاب لاجئين "يشكل خطرا على السلام ويتجاهل قرارات الأمم المتحدة".

 

وأضاف الباحث أن إسرائيل كانت قد وافقت خلال مؤتمر لوزان على استيعاب لاجئين من خلال ضم قطاع غزة، معتقدة أنه يسكن فيه 150 ألف لاجئ. لكن تبين لاحقا أنه يسكن في القطاع ما بين 150 - 200 ألف لاجئ إضافة إلى حوالي 80 ألفا من سكان القطاع الأصليين. وبعد تصاعد الضغوط الدولية عليها أعلنت إسرائيل أنها بشروط معينة ستوافق على استيعاب 100 ألف لاجئ. لكنها تراجعت عن إعلانها هذا، في تموز العام 1950، بادعاء أن الدول العربية رفضت هذا الاقتراح.

 

ورغم أن الضغوط الدولية على إسرائيل قد تراجعت في بداية سنوات الخمسين، وبدأت الجهود الدولية تركز على دفع حل لقضية اللاجئين من خلال حلول اقتصادية إقليمية ومحاولات التوطين في الدول العربية، إلا أن مسألة عودة قسم من اللاجئين إلى موطنهم تحت الحكم الإسرائيلي بقيت طوال الوقت نقطة مركزية في كافة الحلول التي اقترحت حينذاك.

 

 

"لجنة الترانسفير" ومخططات تهجير عرب 48

 

 

كلما تزايد الإدراك أن إسرائيل قد تضطر مرغمة ونتيجة للضغوط الدولية في سنوات الخمسين والستين إلى استيعاب قسم من اللاجئين، أخذت القيادة الإسرائيلية في البحث عن حلول لإجراء "توازن ديمغرافي". ووفقا لأريئيل فإن القيادة الإسرائيلية تداولت في كيفية خفض عدد السكان العرب في إسرائيل إزاء احتمال استيعاب لاجئين، الذين نسبة الولادة لديهم ولدى العرب في إسرائيل أعلى من النسبة لدى اليهود.

 

وفي أوج حرب العام 1948، وفي الوقت الذي تم فيه تهجير أكثر من 400 ألف لاجئ، شكلت حكومة إسرائيل "لجنة الترانسفير"، وفوضتها بوضع توصيات بشأن السياسة تجاه اللاجئين. وترأس اللجنة يوسف فايتس، أحد رموز الحركة الصهيونية في طرد عرب الجليل والمسؤول في "كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل)، والذي وصفه أريئيل بأنه "الروح الحية من وراء تشكيل اللجنة".

 

وبين التوصيات التي وضعتها "لجنة الترانسفير" أنه ينبغي النظر إلى "هجرة" اللاجئين على أنها حقيقة نهائية، وينبغي تأييد استيعابهم في أماكن أخرى خارج إسرائيل.

 

وأوصت اللجنة بتشجيع هجرة العرب الذي بقوا في البلد، وشراء الأراضي من العرب الذين يوافقون على الهجرة، وهدم قرى عربية ومنع زراعة الأراضي وجمع الحصاد وقطف الزيتون. وأشار الباحث إلى أنه في تلك الفترة كانت هناك محاولات من جانب لاجئين للعودة إلى قراهم وأراضيهم من خلال التسلل عبر الحدود.

 

وأضاف أريئيل أنه بعد أن أيقنت حكومة إسرائيل خلال مداولات في "الغرف المغلقة" أن لا مفر من عودة قسم من اللاجئين، أقرت "لجنة الترانسفير" أنه يحظر أن يصل عدد السكان العرب إلى أكثر من 15% من سكان إسرائيل. وأشار الباحث إلى أن "هذه التوصيات، التي تم تقديمها خطيا، لم تتبناها الحكومة بشكل رسمي، لكن على ضوئها تعمق الإدراك أنه ينبغي العمل على الستاتوس- كوو الديمغرافي".

 

وقد شارك رئيس حكومة إسرائيل، دافيد بن غوريون، ومستشاره للشؤون العربية، يهوشع فلمون، في عدة اجتماعات لـ "لجنة الترانسفير"، التي جرى فيها البحث في تشجيع هجرة العرب. وقال قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي في حينه، موشيه دايّان، في حزيران العام 1950، إنه "ينبغي التعامل مع 170 ألف عربي بقوا في البلاد وكأنه لم يُحسم مصيرهم بعد. وآمل أن تكون هناك إمكانية في السنوات المقبلة لتنفيذ ترانسفير لهؤلاء العرب من أرض إسرائيل".

 

وقال أريئيل إن قيادة حزبي مباي و"أحدوت هَعَفودا" وقادة الحكم العسكري آمنوا، خلال العقد الأول بعد قيام إسرائيل، بأن يستخلص قسم من العرب على الأقل العبر من نتائج حرب 48 وبأن يفكروا بالهجرة من البلاد طواعية. وكتب فلمون مذكرة وجهها إلى وزير الخارجية الإسرائيلي، موشيه شاريت، في العام 1950، قال فيها إن "معظم أصحاب الأملاك بين عرب إسرائيل يرغبون بمغادرة البلاد إذا تمكنوا من إخراج أملاكهم. والمسيحيون سيختارون الانتقال إلى لبنان، والمسلمون إلى مصر". وأقر فلمون بأنه بحث إمكانية إجراء تبادل أملاك بين العرب من إسرائيل واليهود من مصر ولبنان ووجد أن بالإمكان التوصل إلى اتفاق.

 

لكن خطة التهجير الأكبر والأشمل التي وضعتها "لجنة الترانسفير" كانت تقضي بنقل آلاف العرب المسيحيين من الجليل إلى الأرجنتين والبرازيل، وأطلق عليها اسم سري هو "عملية يوحنان". وأشار أريئيل إلى أنه تم وضع هذه الخطة بسرية بالغة في ديوان رئيس الحكومة ومكتب وزير الخارجية بمساعدة فايتس. وقد شجع شاريت وضع هذه الخطة رغم أنه خشي من موقف الكنيسة عندما يتضح أن قسما كبيرا من المهجرين هم مسيحيون.

 

وفي شهر آذار العام 1952 سلم فايتس وزارة الخارجية تقريرا مفصلا حول إمكانية توطين عرب مسيحيين من الجليل الأعلى في الأرجنتين والبرازيل. وقال في التقرير إن السلطات الأرجنتينية تشجع هجرة مزارعين إليها، وإن 35 عائلة من قرية الجش، قرب صفد، أبدوا اهتماما بالخطة. ووفقا للخطة فإنه تعين أن تمول "كيرن كييمت" بالسر هذه العائلات بواسطة شركة تقام باسم أشخاص غير يهود. وقال شاريت إنه بالإمكان الإعلان عن هذه الخطة على أنها مبادرة لعرب من إسرائيل، وأنها شبيهة بهجرة مسيحيين موارنة من لبنان. وأصدر تعليمات بأنه إذا تم الكشف عن "عملية يوحنان" فإن على إسرائيل أن تنفي بشكل قاطع أنها عملية بمبادرة حكومة إسرائيل.

 

وأبلغ شاريت فايتس، في تشرين الثاني العام 1952، أن بن غوريون صادق على "عملية يوحنان"، وشدد على وجوب الحفاظ عليها بسرية مطلقة. إلا أنه تم إلغاء هذه الخطة، في بداية العام 1953. ويرجح أريئيل أن السبب يعود إلى أن الأرجنتين سحبت يدها من الموضوع.

 

 

مخططات توطين اللاجئين في ليبيا

 

في موازاة ذلك كانت دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية تعمل، منذ إقامتها، على وضع خطط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين خارج إسرائيل، وتجنيد تمويل لذلك والحصول على تأييد دولي لمخططات كهذه. وفي ربيع العام 1950 اقترح مدير دائرة المؤسسات الدولية في وزارة الخارجية، يحزقئيل غوردون، بحث إمكانية توطين لاجئين فلسطينيين في الصومال وليبيا، مكان 17 إلى 18 ألف يهودي هاجروا من ليبيا إلى إسرائيل، ومن دون السماح لليهود بإخراج ممتلكات من ليبيا.

 

وبعد حصول ليبيا على استقلالها، في كانون الثاني من العام 1952، عرض المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية، موشيه ساسون، اقتراح سريا يقضي بتوطين لاجئين ومواطنين عرب من إسرائيل في ليبيا، ودمج ذلك مع "إنقاذ أملاك يهود ليبيا". وفي حزيران العام 1955، سافر فايتس من باريس إلى تونس والجزائر بهدف البحث في إمكانية توطين لاجئين وعرب من إسرائيل في هاتين الدولتين، وذلك في موازاة هجرة يهود منهما إلى إسرائيل.

 

وجرت محاولة أخرى، كان فلمون ضالعا فيها، وقضت بشراء 100 ألف دونم في منطقة دراس الأخضر في ليبيا من أجل توطين اللاجئين فيها. وفشلت هذه الخطة بعد تسربها إلى وسائل الإعلام، وفي أعقاب ذلك تمت ممارسة ضغوط كبيرة على ليبيا لرفضها. وخلال العامين 1956 و1957 حاكت إسرائيل خطة أخرى، قضت بشراء مزارع قرب طرابلس الغرب وتوطين نواة من اللاجئين مؤلفة من 50 إلى 75 عائلة. وتم إطلاق تسمية "عوري" عليها. وشملت هذه الخطة إقامة شركة تطوير وبناء وتسجيلها في سويسرا، وأن يكون أحد أصحاب أسهمها بنكا سويسريا. وألغيت هذه الخطة أيضا بعد تسربها إلى وسائل الإعلام.

 

ووضعت إسرائيل خطة أخرى، في أيلول العام 1959، لتوطين 2000 عائلة من اللاجئين في ليبيا وتشغيلهم في شركة تطوير. وتم الاهتمام من خلال هذه الخطة بأن لا يشكل اللاجئون عبئا على الاقتصاد الليبي.

 

ووفقا لأريئيل فإن إسرائيل أجرت بواسطة فلمون اتصالات في باريس مع الرئيس السوري في حينه، أديب الشيشكلي، من أجل توطين لاجئين في دول عربية. وفي العام 1955 بحث شاريت في إمكانية توطين 100 ألف لاجئ في البرازيل، وإمكانية شراء أراض في قبرص لتشكل بديلا عن أملاك مواطنين عرب في إسرائيل في حال وافقوا على الهجرة منها.

 

وفي النصف الأول من سنوات الستين استمرت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بحث مخططات لتشجيع هجرة لاجئين فلسطينيين وتوطينهم في أوروبا، وخاصة في ألمانيا وفرنسا، وإيجاد عمل لهم في ألمانيا والنمسا وسويسرا. وأطلقت على هذه الخطة تسمية "عملية العامل"، وتم الحفاظ على سريتها المطلقة. لكن وزيرة الخارجية الإسرائيلية في حينه، غولدا مئير، تحفظت من هذه الخطة واعتبرت أن من شأن "إغراق ألمانيا بلاجئين عرب أن يؤثر على محيطهم الألماني". وبعد فشل هذه الخطة بحثت إسرائيل في خطة أخرى، في العام 1966، وقضت بنقل لاجئين من الأردن إلى فرنسا وتوطينهم هناك.

 

وأشار أريئيل إلى أن إسرائيل استمرت في وضع خطط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين وراء البحار، بعد حرب حزيران العام 1967، لكن تنفيذ هذه الخطط فشل "مثلما فشلت أفكار واقتراحات طرحها آخرون، وبينهم الرئيس السوري، حسني الزعيم، ورئيس حكومة العراق، نوري السعيد، في العام 1949. وقد تحفظ شاريت من اقتراح رئيس الحكومة العراقية بمبادلة اللاجئين بيهود العراق، الذي بلغ عددهم 140 ألف نسمة. وقد خشي شاريت وآخرون من احتمال مطالبة يهود العراق بتعويضات على أملاكهم وأن يقدم بعد ذلك طلبات كهذه يهود هاجروا إلى إسرائيل من دول أخرى. وهكذا ارتبطت قضية اللاجئين بأملاك المهاجرين [اليهود] من الدول العربية".