محللون: أولمرت ليس قادرا على إبرام اتفاقات سياسية

وثائق وتقارير

المؤسسة العربية لحقوق الإنسان في تقرير غير مسبوق:وسيلة الإبادة تمثلت في رش المحاصيل الزراعية بمادة كيماوية من الجو وهي عملية غير قانونية بتاتاً بسبب الأذى البالغ المترتب على استعمال هذه المادة

تحت عنوان "كل الوسائل شرعيّة" أصدرت المؤسسة العربية لحقوق الإنسان (الناصرة)، أخيرًا، تقريرًا مفصلاً غير مسبوق عن إبادة محاصيل زراعية للمواطنين البدو في النقب من قبل الدولة، بواسطة رشها بمواد كيماوية من الجو.

 واشتمل التقرير، الذي أعده المحامي طارق إبراهيم، على مدخل وعلى ستة أبواب هي: النزاع حول الأراضي في النقب بين الدولة والمواطنين البدو في مرآة التاريخ، الحقائق حول تنفيذ عمليات الرش من قبل دائرة أراضي اسرائيل، المخاطر المترتبة على استعمال المادة الكيماوية "راوند أب" عن طريق رشها من الجو، صلاحية دائرة الأراضي في رش المحاصيل الزراعية التابعة للمواطنين البدو بالمواد الكيماوية من الجو كوسيلة لاخلائهم من أراضيهم، انتهاكات حقوق الانسان نتيجة القيام بعمليات الرش، تلخيص واستنتاجات وتوصيات.

 

وجاء في مدخل هذا التقرير:

منذ عام 2002 وحتى عام 2004 أبادت دائرة أراضي إسرائيل ("المنهال") نحو 29,7 ألف دونم من الأراضي الزراعية في النقب. وكانت هذه الأراضي مزروعة بالقمح والشعير من قبل المواطنين العرب البدو في النقب، الذين يسكنون في القرى "غير المعترف بها"، وهي تشكل بالنسبة لهم مصدرا أساسيا ووحيدا للرزق.

تمت عملية إبادة المحاصيل خلال سبعة تواريخ مختلفة، فقد تم رشها بمادة كيماوية باسم "راوند-أب" (Round up) بواسطة طائرات إستأجرتها دائرة أراضي إسرائيل، وقامت هذه الطائرات، بالتعاون مع مفتشي "الدوريات الخضراء" ترافقها قوات كبيرة من الشرطة، بالتحليق فوق الأراضي الزراعية - وفي بعض الحالات حتى فوق المراكز السكنية البدوية القريبة من الأراضي الزراعية – ورشت المواد الكيماوية.

ومن الشهادات التي جبتها المؤسسة العربية لحقوق الانسان من المواطنين البدو، الذين تم رش أراضيهم بمواد كيماوية، يتضح أن عمليات الرش تمت على النحو التالي:

(1)   بشكل مفاجئ ودون تحذير المواطنين مسبقا؛

(2)   دون اللجوء الى الاجراء القانوني الذي يمنحهم حق الاستماع الى طعوناتهم قبل تنفيذ عملية الرش؛

(3)   دون منحهم أية امكانية للتوجه الى القضاء مسبقا لمنع تنفيذ عملية الرش، أو فحص مدى قانونيتها على الأقل؛

(4)   دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود نزاع بينهم وبين دائرة الأراضي، منذ عدة سنوات، حول ملكية الأراضي الزراعية التي تم رشها ولم يتم حسمه بعد؛

(5)   دون مراعاة حقيقة تواجد بعض المواطنين العرب في المناطق الزراعية، في بعض الحالات التي تمت فيها عمليات الرش، الأمر الذي أدى عمليا الى تساقط المواد الكيماوية عليهم واستنشاقهم لها، وهو ما أدى الى صعوبات في التنفس، الصداع، الدوخان والشعور بضعف عام في الجسم، واضطر بعضهم الى تلقي العلاج الطبي؛

(6)   دون الأخذ بعين الاعتبار ان عمليات الرش أدت في بعض الحالات الى نفوق بعض الحيوانات؛

(7)   دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود العديد من الأبحاث التي تشير الى وجود مخاطر عديدة على صحة الانسان والحيوان جراء استعمال هذه المواد الكيماوية، التي تستعمل منذ عدة سنوات لابادة الأعشاب السائبة وغيرها من النباتات الضارة. كما أن تعليمات استعمال هذه المواد المرفقة بها تمنع استعمالها عن طريق الرش جوا، ناهيك عن الاستعمال قرب أماكن السكن.

ويمضي المدخل قائلاً:

تدعي دائرة الأراضي بأن المواد التي استعملت للرش ("راوند-أب")، مصادق عليها من وزارة الزراعة، قسم حماية النباتات، وهي ليست سامة وغير مضرة للانسان والحيوان. غير أن في حوزة المؤسسة العربية رأيين خبيرين من مختصين – أحدهما مختص بالكيمياء والثاني في الطب – تدحض هذه الادعاءات، أو تشكك بصدقيتها وصحتها على الأقل. على كل حال، بناء على رأي المختصين، وبناء على تعليمات الاستعمال المرفقة مع المواد الكيماوية، فإنه يمنع رش هذه المواد من الجو، فكم بالحري رشها بالقرب من المراكز السكنية.

خلفية ابادة المحاصيل تعود الى نزاع بين الدولة – ممثلة بدائرة الأراضي– والمواطنين العرب البدو، حول ملكية الأراضي في النقب. وبدأ هذا النزاع منذ إقامة دولة إسرائيل، وما زال مستمرا حتى يومنا هذا. تدعي دائرة الأراضي بأن الأراضي التي يزرعها المواطنون العرب البدو هي أراضي دولة، وأن المواطنين البدو استولوا عليها وزرعوها بدون إذن وبشكل غير قانوني، لذلك فإن أعمال الرش هي أعمال قانونية تهدف الى إخلائهم ومنع استيلائهم عليها مجددا. وبالمقابل، يدعي المواطنون العرب أنهم يملكون هذه الأراضي ويفلحونها منذ القدم – منذ عهد الحكم العثماني في فلسطين، أو قبل قيام دولة إسرائيل على الأقل – لذلك فان ملكيتها تعود لهم، ومن حقهم مواصلة زراعتها الآن أيضا.

تركزت التغطية الاعلامية لعمليات الرش، والنقاش الجماهيري حولها، غالبا، حول مسألة النزاع على الأراضي في النقب بين الدولة والمواطنين العرب البدو. وبكلمات اخرى، التعامل مع عمليات الرش والنقاش حولها كان عبر مرآة هذا النزاع فقط. وفي الحقيقة فقد كتب القليل جدا عن قانونية استعمال هذه الوسيلة، خاصة حول تبعات استعمال هذه المواد بالقرب من مراكز السكان، وحول المس الخطير بالحقوق الأساسية للمواطنين البدو.

يتناول هذا التقرير مسألة قانونية استعمال المواد الكيماوية لرش الأراضي الزراعية للمواطنين البدو من الجو، وكل ما يتعلق بها، دون علاقة بمسألة النزاع على ملكية الأراضي. وترى المؤسسة العربية أن هذه الوسيلة غير قانونية بشكل قاطع، وتمس بحقوق الانسان للمواطنين البدو بشكل صارخ، مثل: الحق في الصحة وفي بيئة صحية، الحق في العيش وفي توفر الحد الأدنى للمعيشة الانسانية، الحق في العمل واختيار نوع العمل والحق في الملكية. لذلك يمنع كليا استعمال هذه الوسيلة، حتى لو افترضنا أن مكلية هذه الأراضي تعود للدولة وأن المواطنين البدو استولوا عليها وزرعوها بدون إذن وبشكل غير قانوني، كما تدعي دائرة الأراضي.

ويستعرض الباب الأول من هذا التقرير، بشكل موجز، مسألة النزاع على الأراضي بين الدولة والمواطنين البدو من وجهة نظر تاريخية، أي: منذ فترة الحكم العثماني في فلسطين وحتى يومنا هذا. يهدف هذا الاستعراض إلى تقديم خلفية كافية لفهم التوترات القائمة بين الدولة والمواطنين البدو، التي أدت الى تنفيذ عمليات الرش من قبل الدولة. أما الباب الثاني فيعرض وصفا لعمليات الرش من قبل الدولة، منذ عام 2002 وحتى كتابة هذا التقرير، وكذلك إدعاءات الدولة وتسويغاتها لاستعمال تلك الوسيلة. ويشمل الباب الثالث تلخيصا لرأيين اختصاصيين - أحدهما مختص بالكيمياء والثاني مختص بالطب – المتوفرين لدى المؤسسة العربية، حول المخاطر المترتبة على استعمال مادة "راوند-أب" ورشها من الجو. في الباب الرابع يتناول التقرير مسألة صلاحية دائرة الأراضي في رش المحاصيل الزراعية للمواطنين البدو بواسطة مواد كيماوية من الجو كوسيلة لإخلائهم منها. الباب الخامس يتناول الحقوق الأساسية للمواطنين البدو التي انتهكت من الدولة عن طريق استعمال عمليات الرش. والباب السادس والختامي يشمل تلخيصا للفصول السابقة واستنتاجات. كما يشمل توصيات مستقبلية حول استعمال وسيلة رش المحاصيل الزراعية من الجو بمواد كيماوية.  

وترى المؤسسة العربية أن قيام إسرائيل بعمليات الرش يمس مساً خطيراً بعدد من حقوق المواطنين البدو الأساسية. وفيما يلي عرض مقتضب لهذه الحقوق:

أ) الحق بالتمتع بالصحة والعيش في بيئة صحية

ترى المؤسسة العربية أن عمليات الرش تمس بحق المواطنين البدو في الحفاظ على صحتهم والعيش في بيئة صحية، إذ هناك تأثير سلبي للمادة الكيماوية المستعملة ("راوند-أب") في عمليات الرش على البشر (من الناحية الصحية) وكذلك على البيئة.

وحسب ما تراه المؤسسة العربية، فإن حق التمتع بالصحة وحق العيش في بيئة صحية هما حقان محفوظان ضمن قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته. تنص المادة 2 من قانون الأساس هذا أنه "لا يجوز المس بحياة الإنسان أو بجسمه أو بكرامته أياً كان ذلك الإنسان". وتنص المادة 4 على أنه "يحق لكل إنسان أن يدافع عن حياته وعن جسده وكرامته". المفاهيم الأساسية السائدة في مجتمع متنور تعترف بحق أي إنسان كان في العيش. ويعتمد حق الإنسان في العيش على مبدأ كرامة الإنسان.

إضافة لذلك، تمس البيئة الملوثة بالصحة ومن شأنها أن تؤدي إلى المس بالحياة. يُستدل من ذلك أن كل إنسان يملك الحق في العيش في بيئة صحية كجزء من حقه في العيش. الحق بالتمتع بالصحة وحق العيش في بيئة صحية هي حقوق معترف بها ضمن القانون الدولي.

(ب) الحق في المعيشة والحق في الحصول على الحد الأدنى من الحياة الإنسانية

ترى المؤسسة العربية ان القيام بعمليات الرش يمس بحقوق المواطنين البدو في الإعتياش والحصول على أدنى متطلبات المعيشة الإنسانية، إذ اعتاش المواطنون البدو الذين رُشت محاصيلهم بالمادة الكيماوية من فلاحة الأرض فقط، وفلاحة الأرض هي مصدر رزقهم الوحيد. وعليه، فإن إبادة محاصيلهم الزراعية تبقيهم بدون أي مصدر رزق بديل.

ترى المؤسسة العربية أن الحق في المعيشة والحق في الحصول على أدنى متطلبات الحياة الإنسانية، هما حقان محفوظان ضمن قانون أساس: حرية الإنسان وكرامته. يدافع البندان 2 و 4 من قانون الأساس هذا عن الحق في العيش والجسد والكرامة. وينبع الحق في الحصول على أدنى متطلبات الحياة الإنسانية من هذه التعاليم الواردة في القانون، إذ أن الحق في العيش بكرامة يفترض ضمناً توفر أدنى شروط المعيشة الإنسانية.

الحق في المعيشة والحق في الحصول على أدنى متطلبات الحياة الإنسانية هما حقان مُعترف بهما ضمن القانون الدولي.

(ج) الحق في العمل وحرية إختيار العمل

ترى المؤسسة العربية أن القيام بأعمال الرش يمس بحق المواطنين البدو في العمل وبحريتهم في اختيار العمل الذين يزاولونه، ذلك أن المواطنين البدو الذين رُشت أراضيهم بالمادة الكيماوية يعملون في الزراعة، وتحول إبادة محاصيلهم دون ذلك.

ترى المؤسسة العربية أن الحق في العمل وحرية إختيار العمل هما حقان محفوظان ضمن قانون أساس: حرية العمل. تُقر المادة 3 من قانون الأساس أن "من حق كل مواطن أو مقيم في الدولة أن يزاول أي عمل أو مهنة أو حرفة". بل أكثر من ذلك، أُقر مبدأ حق الإنسان في اختيار العمل أو الحرفة التي يريدها من خلال عدد كبير من أحكام محكمة العدل العليا، طالما أن مزاولة ذلك العمل أو الحرفة ليست محظورة بموجب القانون.

الحق في العمل واختيار العمل هما حقان معترف بهما ضمن القانون الدولي أيضاً.

(د) الحق في التملك

ترى المؤسسة العربية أن القيام بعمليات الرش يمس بحق المواطنين البدو في التملك، حيث تحول عمليات الرش دون إمكانية استغلالهم واستعمالهم للأرض التي تقع في حوزتهم كما يشاؤون.

ترى المؤسسة العربية أن حق التملك هو حق محفوظ ضمن قانون أساس: حرية الإنسان وكرامته. تُقر المادة 3 من قانون الأساس أنه "لا يجوز المس بملك الإنسان".

حق التملك هو حق معترف به ضمن القانون الدولي، حيث تنص المادة 17 من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان منذ سنة 1948 على ما يلي:

"1. لكل فرد حق في التملك، بمفرده أو بالإشتراك مع غيره

  1. لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً".

في نهاية التقرير تعود المؤسسة العربية لتؤكد من جديد أنه يترتب على تنفيذ عمليات الرش، بالطريقة التي تم تنفيذها بها، مس خطير وعنيف بحقوق المواطنين البدوالأساسية، مس بحقهم في الصحة والبيئة الصحية، مس بحقهم في المعيشة والحصول على الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الإنسانية، مس بحقهم في العمل وإختيار العمل ومس بحقهم في التملك. ويعترف القانون الدولي بهذه الحقوق الأساسية كما يعترف بها كذلك القضاء الإسرائيلي الداخلي وتحظى بمكانة مرموقة فيه.

وعلى ضوء ما تقدم، ترى المؤسسة العربية لحقوق الانسان أن وسيلة رش المحاصيل الزراعية بمادة كيماوية من الجو هي عملية غير قانونية بتاتاً بسبب الأذى البالغ المترتب على استعمالها. لذا، توصي المؤسسة بالامتناع كلياً عن استعمالها في المستقبل وتقديم المسؤولين عن تنفيذها إلى القضاء. كذلك توصي المؤسسة بدفع التعويضات للمواطنين البدو الذين رُشت أراضيهم لقاء إبادة محاصيلهم في الماضي.