الشكاوى المحقة ضد المؤسسات الرسمية في إسرائيل تعادل أضعاف ما هو مقبول في دول العالم

على هامش المشهد

 

مبادرة الرئيس كنيدي لحل قضية اللاجئين

 

 

تصاعدت المخاوف الإسرائيلية من قضية اللاجئين بعد انتخاب الرئيس الأميركي جون كنيدي، إذ تبين، في خريف العام 1961، أن إدارته مصرة على العمل من أجل إيجاد حل لنحو مليون لاجئ على الأقل يعيشون في مخيمات تمتد من سورية ولبنان في الشمال، ومرورا بالأردن والضفة الغربية وحتى قطاع غزة جنوبا.

 

 

وشدد المحاضر في قسم العلوم السياسية في كلية "عيمق يزراعيل" (مرج بن عامر)، الدكتور أريك أريئيل، بالاستناد إلى أطروحة الدكتوراه التي قدمها إلى جامعة حيفا العام الماضي حول قضية اللاجئين، في مقاله المنشور في "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، على أنه ليس وضع اللاجئين البائس، ولا الصراع في الشرق الأوسط ولا الحرب الباردة، كانت الدافع للمبادرة الجديدة التي طرحتها واشنطن.

 

وأشار إلى أن الكونغرس هو الذي مارس ضغوطا كبيرة على وزارة الخارجية الأميركية من أجل وضع حل لقضية اللاجئين. والسبب هو أن ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، "الأونروا"، أخذت ترتفع، فيما 70% منها تمولها الولايات المتحدة. وجاءت هذه الضغوط الأميركية في الوقت الذي اعتقدوا فيه في إسرائيل أن قضية اللاجئين أخذت تختفي. إذ أعلن رئيس حكومة إسرائيل في حينه، دافيد بن غوريون" أن "عرب إسرائيل خرجوا من اللعبة"، وأن "قرار التاسع والعشرين من تشرين الثاني [قرار التقسيم] قد مات".

 

لكن منذ نهاية سنوات الخمسين بدأت كرة الثلج هذه تتدحرج في الاتجاه المعاكس لإرادة إسرائيل. وبعث سفير إسرائيل في روما، إلياهو ساسون، برسالة إلى وزيرة الخارجية، غولدا مئير، في نهاية العام 1961، حذر فيها من أن "الوقت يعمل ضد مصلحة إسرائيل". ورأى أريئيل أن إسرائيل، في تلك السنوات، لم تنتبه إلى التطورات التي أدت لاحقا إلى أن "يؤسس اللاجئون هيئة رسمية تمثلهم وتتحدث باسمهم" في إشارة إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

 

وأثارت المبادرة الجديدة لإدارة كنيدي واقتراب انعقاد مداولات دورة الجمعية العامة الـ 16 قلقا في إسرائيل، خاصة وأنه في الدورة السابقة للجمعية العامة طرأ تراجع على مكانة إسرائيل بسبب قضية اللاجئين. وكان السؤال المركزي بالنسبة لإسرائيل: "ما هو عدد اللاجئين الذين بإمكان إسرائيل أن تستوعبهم من دون تشكيل خطر على بقائها ووجودها كدولة يهودية؟".

 

وقالت غولدا مئير في اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، في العام 1961، إن إسرائيل مطالبة بإعادة لاجئين مسنين. وأضافت أن 10% من سكان إسرائيل هم عرب. كذلك عقدت قيادة وزارة الخارجية الإسرائيلية سلسلة اجتماعات، وُصفت بأنها سرية للغاية، وبحثت مسألة "الثمن" الذي ستدفعه. وقال مدير عام الوزارة، حاييم يحيل، إن بإمكان إسرائيل استيعاب 30 إلى 40 ألف لاجئ خلال ثلاث أو أربع سنوات وأن هذا "لا يشكل خطرا كبيرا". ورأى قسم من المشاركين في هذه المداولات أن وجود أقلية عربية نسبتها 25% هو وضع "بالإمكان التعايش معه"، فيما اعتبر آخرون أن نسبة كهذه تشكل "سقفا عاليا وخطيرا جدا".

 

وعقدت الحكومة الإسرائيلية، في تموز العام 1961، اجتماعين تم تخصيصهما لمسألة "الثمن"، أي عدد اللاجئين الذين ستسمح بعودتهم. وقال بن غوريون خلالهما إنه إذا وصل عدد العرب في إسرائيل إلى 600 ألف فإنهم سيصبحون الأغلبية خلال جيلين. وأشار أريئيل إلى أن عدد سكان إسرائيل بلغ حينذاك 1ر3 مليون بينهم 252 ألف عربي ويشكلون نسبة 3ر11% من السكان. ولم تتخذ حكومة إسرائيل قرارات في هذين الاجتماعين.

 

 

"المحادثات الهادئة"

 

خلال العامين 1962 و1963 جرت محادثات سرية حول اللاجئين الفلسطينيين بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأطلق عليها تسمية "المحادثات الهادئة". ووفقا لأريئيل فإن إسرائيل عبرت خلال هذه المحادثات عن موافقتها على عودة 10% من اللاجئين، أي حوالي 110 آلاف لاجئ. لكن هذه المبادرة لم تنجح بسبب عدم تمكن الولايات المتحدة من الحصول على موافقة الدول العربية عليها.

 

ولفت أريئيل إلى أنه بين السنوات 1948 و1967، كانت إسرائيل تنظر إلى قضية اللاجئين عبر "نظارات" واشنطن. وتعاملت إسرائيل مع اللاجئين عندما كانوا في واشنطن يعتقدون أنه يجب القيام بخطوات، أو البحث عن خطط جديدة، من أجل حل هذه القضية. لكن بغياب ضغوط خارجية، بقيت سياسة الستاتوس - كوو الإسرائيلية على حالها.

 

وأضاف أريئيل أن "حقيقة أن ’البوصلة السياسية’ لدى صناع القرار [في إسرائيل] أشارت مجددا إلى واشنطن ونيويورك على أنهما الغاية التي تملي وضع سياسة إسرائيلية حيال مسألة اللاجئين، هي أحد التفسيرات المركزية لعدم الالتفات وعدم الإنصات للتطورات التي حدثت في مخيمات اللاجئين في الجانب الآخر من الحدود حتى العام 1967 من الناحيتين الاجتماعية والسياسية".

 

ورأى الباحث أنه "فيما الجوانب الأمنية والعسكرية حظيت دائما باهتمام بالغ، وبضمن ذلك تأسيس فتح والتنظيم عسكريا، فإن إسرائيل أبدت اهتماما أقل، بعملية التمأسس السياسي للاجئين. وهكذا تحولت قضية اللاجئين شيئا فشيئا من قضية إنسانية إلى القضية الوطنية الفلسطينية، بينما تنجر إسرائيل خلف ذنب الأحداث".

 

لقد أبدت إسرائيل، في ثلاث حالات، موافقة على استيعاب عدد غير قليل من اللاجئين، في أعقاب ضغوط أميركية: وافقت في العام 1949 على استيعاب 150 ألف لاجئ بعد أن اشترطت ضم قطاع غزة إليها؛ الموافقة في العام نفسه على استيعاب 100 ألف لاجئ؛ وموافقتها على استيعاب 110 آلاف لاجئ خلال "المحادثات الهادئة".

 

ورأى أريئيل أن "إسرائيل كانت مستعدة لاستيعاب لاجئين عندما كان وضعها الديمغرافي والجيو- إستراتيجي أسوأ بكثير مما هو اليوم. وبقدر ما يمكن الاستفادة من تجارب الماضي، فإن الاستعداد لاستيعاب عدد مقلص ورمزي من اللاجئين وبموجب معايير تحددها إسرائيل، مثل السن والجدول الزمني والوضع العائلي - ومسجل في الأونروا اليوم قرابة خمسة ملايين لاجئ موزعين في 58 دولة - من شأنه توفير استجابة رمزية وهامة لمطلب ’العودة’، الكامن في أساس الروح الفلسطينية للاجئين. وبذلك تعترف إسرائيل بدورها الأخلاقي في نشوء هذه القضية".

 

وخلص إلى أن "قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل كجزء من تسوية شاملة ستسحب البساط من تحت مطلب العودة، إذ أنه لا يوجد منطق في أن يطلب قسم كبير من اللاجئين العودة إلى إسرائيل حصرا وليس إلى دولتهم الجديدة. ويتبين الآن أن الستاتوس - كوو لم يعد بالفائدة على إسرائيل - على سبيل المثال في حرب أكتوبر العام 1973 والانتفاضة الأولى وغيرها - والأرجح أن هذا ما سيحدث في المستقبل أيضا".