موفاز: لا خيار أمام إسرائيل سوى مهاجمة إيران

وثائق وتقارير

رغم مرور خمسة عقود على ثورة "الضباط الاحرار" لا يزال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خالدا في قلب الذاكرة الجماعية لدى الفلسطينيين وذكراه لا تزال تبث من حولهم رائحة عبقة من الشعور بالعزة القومية والنوستالجيا الملتهبة الى ايام الشموخ التي تجلى فيها فارسا يتحدى الاستعمار ويقارع الصهيونية من دون كلل او خوف.

 

وبالنسبة لفلسطينيي الداخل كان عبد الناصر ولا يزال يستهوي القلوب ويسكنها بطلا هو الاكثر شعبية وتدلل على شدة محبتهم له تسمية الآلاف من ابنائهم باسماء "جمال" و"خالد" و"عبد الناصر" و"وحدة".

ولا يعود ذلك التبجيل الى الشخصية الناصرية الكاريزماتية فحسب انما لان رسالته القومية الملتهبة التي اخترقت عبر موجات الاثير حدود اليأس والمستحيل قد انعشت فيهم الامل وبعثت فيهم الحياة بعد سنوات من الصدمة والضياع والبحث عن الذات في اعقاب النكبة عام 1948 والتي حولتهم بين ليلة وضحاها الى اقلية قومية مستضعفة ومشرذمة ومضطهدة تعيش حالة قاسية من الاغتراب في وطنها، بعد ان كانوا جزءا حيويا من شعب حي يعيش فوق ترابه.

عبد الناصر ساهم كثيرا عبر مشاريعه ومواقفه وخطاباته القومية في تشكيل الوعي القومي لفلسطينيي الداخل في الخمسينات والستينات وفي عودة الروح الى قطاعات واسعة منهم رغم الواقع المأساوي المفروض عليهم اثر رحيل القيادات والفعاليات الثقافية والسياسية وتشتت المدينة الفلسطينية عام 48 ورغم الحصار ومن فوقه لعبت الناصرية دورا في نشوء اول اطار سياسي عربي قومي في اسرائيل عرف ب"حركة الارض" التي انشأها عدد من الناصريين امثال حبيب قهوجي ومنصور كردوش وصالح برانسي كما اكد لنا زميلهم الحاج يوسف سعيد.

ونتيجة لمفعول عبد الناصر وسحره في نفوسهم كانت خطابات عبد الناصر تغيظ اسرائيل كل مرة من جديد الى حد قيام شرطتها بملاحقة كل من يضبط متورطا وهو يستمع الى خطاباته، كما اكد لنا الحاج سعيد فندي من قرية كفركنا الذي اضاف: "كنا نستمع خلسة الى خطابات عبد الناصر لدى بعض الاصدقاء ممن لديهم اجهزة مذياع فتكبر محبتنا له كل مرة خاصة ايام تصدي المصريين للعدوان الثلاثي وانجاز السد العالي ونجوميته في قيادة كتلة عدم الانحياز".

في حديثه معنا قال الحاج رضوان سعيد ابو يوسف (80 عاما)، احد مؤسسي حركة "الارض": كنا نموت حبا في عبد الناصر معتقدين انه سيحرر فلسطين ضمن مشروعه الكبير في تحرير الوطن العربي فانجذبنا الى نفسه القومي وحفظنا خطاباته عن ظهر قلب. وبسبب قلة اجهزة الراديو كنا نتجمع رجالا ونساء لدى من له مذياع لسماع "ابو خالد" فيغدو منزل المضيف كالمسجد فنعود الى بيوتنا ونحن نكاد نطير بلا اجنحة. وانا اذكر ما رواه لي المناضل الراحل احمد حبيب الله من قرية عين ماهل والذي كان مهووسا بحب عبد الناصر كيف كان يسير عشرات الكيلومترات مشيا على الاقدام للوصول الى قرية كفر ياسيف في الجليل الغربي التي توافرت فيها اجهزة التلفاز لمشاهدة ناصر في نهاية الخمسينات. ونتيجة للشحنة القومية التي امتلأنا بها وقتذاك كنت اصعد الى الباص في طريقي للعمل في حيفا واشعر بأن اليهود الراكبين غير موجودين بعد سنوات من الشعور بالنقص تجاههم كخواجات.

 

وعن اثر الحركة الناصرية في بلورة الوعي القومي لدى فلسطينيي الداخل اوضح ابو يوسف ان شخصية عبد الناصر ومواقفه الجريئة قد فجرت به وبرفاقه مشاعر العزة القومية ودفعتهم الى الانضمام لمؤسس "حركة الارض".

واضاف: "كنا مكسوري الخاطر والخوف مستفحل بنا حتى جاء ابو خالد وحرر فينا الطاقات بل انتشلنا من بئر عميقة، ووفاء له سميت اولادي خالد وعبد الناصر وجمال وازدانت صالونات بيوتنا بصوره. كما ان احمد سعيد ورغم مبالغاته القاتلة فانه ساهم هو الآخر في ايقاظنا من سباتنا". ولفت ابو يوسف الى ان اكثر المشاهد التي ما زالت محفورة بمخيلته ولا تبرحها صورة "ابو خالد" وهو يبكي ازاء مناظر الموت الذي زرعته طائرات "اسرائيل" يوم قصفت مدرسة بحر البقر وقتلت اعدادا كبيرة من تلاميذها.

اما الحاج احمد طه، ابو طه (82 عاما)، من الناصرة فهو ما زال يحفظ ادق التفاصيل عن ثورة يوليو المجيدة منذ ان عين مجلس الثورة رشاد مهنا وصيا على العرش وتعيين محمد نجيب رئيساً للجمهورية الى تعيين عبد الحكيم عامر مسؤولا عن الاقليم السوري ضمن الجمهورية العربية المتحدة.

وبالنسبة لطه فان اهم وابرز خطابات عبد الناصر كان ذلك الذي اعلن فيه قراره تأميم قناة السويس. اضاف: "كان ذاك حدثا تاريخيا كبيرا فجر فينا مشاعر الفخر بعروبتنا واعاد الى الاذهان ذكريات من سنوات الشموخ العربية وخلنا وقتها اننا امام صلاح الدين الثاني وهذا ما جعلنا نتسامح مع اخطاء عبد الناصر ونغفر له تدخله في احداث اليمن على سبيل المثال. ومازلت اذكر باعتزاز ما قاله وفد امريكي زار عبد الناصر متضامنا معه من انه جورج واشنطن الاصلي بسبب مساهماته في تحرير العالم العربي".

 

وفي حديث خاص اكد زياد شليوط، صاحب كتاب "عبد الناصر بعيون فلسطينية"، ان الناصرية اثرت الى ابعد الحدود في تشكل الوعي القومي لفلسطينيي الداخل بعد ان تحول هؤلاء الى ايتام على طاولة اللئام وأحيا فيهم الشعور بالكرامة حتى انه شكل دور الأب بالنسبة لهم عبر عن طموحاتهم ودافع عن قضيتهم. ولفت شليوط الى ان الشوارع في القرى والمدن العربية كانت تفرغ وكأنها وقعت تحت حظر التجول في الساعة التي كانت تنقل فيها الاذاعة خطاب الزعيم عبد الناصر حيث يجتمع الناس في المقاهي والبيوت لمهمة واحدة وحيدة هي سماع خطاب "ابو خالد" وتلقف كل كلمة منه.

واوضح شليوط ان عبد الناصر وبسبب شعبيته اثر حتى في الكنيست الاسرائيلي في تلك الايام حيث دأب فلسطينيو الداخل على التصويت لصالح الحزب الشيوعي الاسرائيلي كنوع من الاحتجاج ولكونه الحزب الوحيد القريب من قضاياهم الا ان الحزب المذكور انحسر تمثيله من 5 مقاعد الى مقعدين عام 1958 بعد اختلاف ناصر مع الاتحاد السوفييتي عقب ثورة 14 يوليو في العراق. واشار شليوط الى ان الفلسطينيين اطلقوا اسماء عبد الناصر وجمال وخالد على عشرات الآلاف من ابنائهم ما حدا بوزارة الداخلية الاسرائيلية الى معارضة التسميات ومنع تسجيل من سموا على اسماء الزعيم الذي قض مضاجعهم لافتا الى ان عامة الناس ثمنوا عبد الناصر بالفطرة ونتيجة طفرة عاطفية لا نتيجة وعي قومي فقط فهو استجاب للحس الشعبي وخاطب الشعوب من القلب الى القلب احبهم فأحبوه. وأكد النائب واصل طه (التجمع الوطني الديمقراطي) أن الناصرية شاركت في بناء الهوية القومية لفلسطينيي الداخل من خلال انعكاس امتدادها بظهور حركات قومية مثل "الجبهة الشعبية" و"الارض" التي سرعان ما منعتها السلطات الاسرائيلية واعتبرتها خارج القانون.