سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

تحليلات: المسؤولون في إسرائيل يتعاملون مع أردوغان كما لو أنه عدو

 

تصاعدت في الأيام الأخيرة حدة الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل وتركيا، وذلك على خلفية نشر تقرير في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية جاء فيه أن تركيا سلمت إيران أسماء عشرة عملاء للموساد الإسرائيلي قبل عام.

 

واعتبر مسؤولون إسرائيليون أن هذا التقرير يدل على عدم وجود نية لدى تركيا، وخاصة لدى رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، للمصالحة مع إسرائيل، في أعقاب أحداث أسطول الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة ومقتل تسعة نشطاء أتراك على متن السفينة "مافي مرمرة". وفي المقابل اتهمت تركيا إسرائيل بأنها "زرعت" خبر عملاء الموساد في الصحيفة الأميركية.

وهاجم وزير الخارجية الإسرائيلي السابق ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أفيغدور ليبرمان، تركيا وأردوغان، على خلفية كشف النقاب عن عملاء الموساد في إيران.

وكتب ليبرمان على صفحته الخاصة في شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مساء السبت الماضي، قائلا: "لم أفاجأ من الاتهامات التركية بأن إسرائيل هي التي تقف من وراء تقرير ’واشنطن بوست’ بشأن ’تسليم جواسيس إلى أيدي إيران’، ولا أعرف إذا ما كانت هناك أصلا شبكة تجسس كهذه. كذلك فإن هذا الاتهام التركي بأن إسرائيل تقف وراء النشر من أجل الامتناع عن دفع تعويضات لقتلى المرمرة يثبت أن تركيا بقيادة أردوغان ليست معنية بتحسين العلاقات مع إسرائيل. ولذلك فإني آمل أن نتوقف جميعا عن إيهام أنفسنا وندرك الواقع الذي نعيش فيه اليوم والفرق بين ما هو مرغوب وما هو موجود".

 

 

 

تراجع العلاقات الأمنية

 

وذكر تقرير صحافي إسرائيلي أن تراجعا كبيرا طرأ في الفترة الأخيرة على العلاقات الأمنية بين إسرائيل وتركيا، وأن هذه الأخيرة ليست معنية بتسوية الخلاف بين الدولتين على خلفية اعتراض الجيش الإسرائيلي لأسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة.

ونقل موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، يوم الجمعة الماضي، عن مسؤولين سياسيين في الحكومة الإسرائيلية قولهم إن "العلاقات الأمنية مع تركيا مقلصة جدا" وكشفوا عن أن الاتصالات بين الدولتين لحل الخلاف بينهما ما زالت عالقة ولا تتقدم.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين حول الاتصالات لحل الخلاف الذي نشأ في أعقاب اعتراض الأسطول، إن "الأتراك يخربون حاليا أية محاولة للتوصل معهم إلى تفاهمات، وهم لا يريدون إغلاق الموضوع، وهذه (الاتصالات) عالقة تماما، ورغم جهود الرئيس (الأميركي باراك) أوباما فإنهم لا يريدون التقدم في الموضوع".

رغم ذلك لم يستبعد المسؤولون الإسرائيليون احتمال تسوية الخلاف في وقت لاحق في حال اقتضت المصالح التركية ذلك.

وقالت "يديعوت أحرونوت" إن المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية يتعاملون مع أردوغان "مثلما يتعاملون مع عدو".

وشدد المسؤول الإسرائيلي نفسه على أن "أردوغان يعمل ضدنا" وأنه "يسير سوية مع أشد أعداء إسرائيل. والعلاقات الأمنية مع تركيا باتت مقلصة جدا". وأضاف أنه "على ضوء الوضع الناشئ، يستحيل التوصل معها إلى أي نوع من العلاقات الخاصة في مواضيع حساسة، ولن نستغرب إذا ما اكتشفنا في المستقبل أنه (أي أردوغان) يعمل ضدنا".

وأثار خبر "واشنطن بوست" غضبا كبيرا في إسرائيل.

ووفقا لـ "يديعوت أحرونوت" فإن المستوى الأمني الإسرائيلي يتعامل مع تركيا كدولة تواجه أزمة إستراتيجية في الشرق الأوسط "على ضوء فشل أردوغان في إحداث التغيير الذي حاول قيادته في الشرق الأوسط لدى تحالفه مع الإخوان المسلمين".

وأشار المسؤولون الإسرائيليون في هذا السياق إلى أن "أردوغان تخاصم مع إسرائيل، وتخاصم مع النظام الجديد في مصر، ويواجه مشاكل مع السوريين. وهو يبذل كل جهد ممكن من أجل ترسيخ حكمه ومكانته كرئيس. لكن الأمور أصبحت أصعب بالنسبة له اليوم لأن مكانته ضعفت في الشرق الأوسط ولأن الاقتصاد التركي ضعف قليلا".

وأضاف المسؤولون الإسرائيليون أن "أردوغان معني بأن يكون رئيسا كما هي الحال لدى الأميركيين، لكن من دون التوازنات والكوابح الأميركية، لأنه لا يريد الحفاظ على الديمقراطية". وقالت "يديعوت أحرونوت" إن المسؤولين في إسرائيل يأملون بأن الإدارة الأميركية أصبحت تدرك معنى عدم رغبة أردوغان في إنهاء "قضية المرمرة" رغم تدخل أوباما شخصيا من أجل حل هذه القضية بين تركيا وإسرائيل.

ويبدو أن الأجواء في إسرائيل تدل على حالة خصومة بالغة مع تركيا، وأن قضية الجواسيس في إيران وخبر "واشنطن بوست" إنما صعدت هذه الأجواء في إسرائيل.

 

"عمل خسيس"!

 

وكتب الدبلوماسي الإسرائيلي السابق إيلي أفيدار، في سياق مقال في صحيفة "معاريف"، أول من أمس، أن الكشف عن عملاء الموساد هو "عمل خسيس من جانب الأتراك" وأنه "يثبت أن تركيا تعقبت أثار أفراد الموساد في أراضيها، وكشفت أمر المواطنين الإيرانيين الذي أتوا للقاء مشغليهم، وقدموا قائمة مرتبة كهدية إلى أجهزة الأمن الإيرانية".

وأضاف أفيدار أنه إذا كان ما تم نشره صحيحا، فإن "عملاء الموساد اعتقدوا أنهم يتواجدون في أراضي دولة صديقة، لكن من الناحية الفعلية فإن هذه الدولة تعاونت مع أكبر عدو لإسرائيل (أي إيران). ويصعب عدم رؤية خطورة الأمر. وأجهزة أمن الدول الصديقة لا تفعل أبدا مثل هذه الأمور، بل إن أجهزة استخبارات لدول لا توجد علاقات دبلوماسية معها اعتادت على التعاون (مع إسرائيل). لكن عمل أجهزة الاستخبارات التركية، التي عملت بموجب تعليمات أردوغان بكل تأكيد، حولت تركيا إلى دولة عدو بكل معنى الكلمة".

وتابع أفيدار أن "أداء أردوغان منذ صعوده إلى سدة الحكم تؤكد مرة تلو الأخرى أن الحديث لا يدور عن زعيم سريع الانفعال أو مندفع وإنما عن متطرف ويملك عقيدة متعصبة، ترى في إسرائيل خصما دينيا وأيديولوجيا. وبأفعاله حرق أردوغان ليس فقط العلاقات مع إسرائيل، وإنما مع وكالات استخبارات غربية أخرى أيضا".

واعتبر الكاتب أنه "بنظرة إلى الوراء فإنه من الواضح أنه لم يكن هناك مكان للاعتذار لتركيا (الذي قدمه رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لأردوغان على مقتل النشطاء الأتراك في السفينة "مرمرة")، والذي جاء في أعقاب قراءة غير صحيحة للخريطة من جانب الإدارة الأميركية وعلى أثر ضغوط كبيرة من واشنطن. ولا يوجد أي اعتذار من شأنه أن يجعل أردوغان يتوب. واللهجة المتطرفة في الرسائل التي يوجهها على الملأ تتلاءم بالكامل مع سياسته. وبإمكان العلاقات الإسرائيلية - التركية أن تتحسن فقط بعد تغيير نظام الحكم في أنقرة".

واعتبر أفيدار أن "القصة الغرامية بين إسرائيل وتركيا كانت قصيرة الأمد وساخنة جدا، لكن مر ما يكفي من سنوات الفطام من أجل أن نضع أوهام العلاقات المتميزة بين الدولتين من خلفنا. وينبغي العودة إلى تنمية العلاقات مع حلفاء آخرين، أهملناهم بسبب المحاولة العاقرة لإرضاء الأتراك، وانتظار اللحظة المناسبة لإرساء حلف من موقع القوة واحترام الذات. وهذا قد يحين أسرع مما يمكن أن نتوقع في شرق أوسط متغير".

ورأى أفيدار أنه "في نهاية هذه القضية الحزينة والمؤلمة من التعاون مع أنقرة يوجد درس أعمق، وهو أن الشرق الأوسط يقدر من يقدر نفسه فقط. وهذه ليست قضية فارغة للأنا أو ’الكرامة الوطنية’، وإنما هي شرط أساس في العلاقات الدولية والأداء العقلاني في محيط ليس غربيا. ولا يمكن لإسرائيل أن ترمم علاقات عن طريق الاعتذار واللهاث وراء مصالحة. والمس بمصالح الجانب الآخر والإصرار أمامه هما الطريق الوحيدة للحفاظ على مصالحنا الهامة، وهي التي ستمهد الأرضية للمصالحة في الأمد الأبعد".

في السياق ذات قال دبلوماسي إسرائيلي سابق آخر هو بوعاز بيسموت إن تركيا أرادت الإساءة إلى إسرائيل من خلال كشف شبكة تجسس إسرائيلية في إيران.

وكتب بيسموت في مقال نشره في صحيفة "يسرائيل هيوم" في نهاية الأسبوع الفائت: إن التقرير الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (كتبه ديفيد أغناتيوس بتاريخ 17/10/2013) عن قيام أنقرة بكشف شبكة تجسس إسرائيلية في إيران، ينطوي على أكثر من لغز. اللغز الأول المثير للفضول بالطبع، هو التفاصيل الدقيقة للموضوع وما حجم الضرر. أما اللغز الثاني فهو لمن كانت له مصلحة في نشر هذه المعلومات في هذا التوقيت بالذات ولماذا؟.

وأضاف: تساعد هوية كاتب المقال في تقديم الجواب على هذين السؤالين. فالمعروف عن الكاتب ديفيد أغناتيوس أنه من المقربين من كبار المسؤولين في إدارة أوباما، مما يدفع إلى الاعتقاد بأن واشنطن هي التي كشفت عن هذه الرواية كي تحذر تركيا من مواصلة سلوكها السيء في المنطقة. لكن هناك احتمالات أخرى مثل أن تكون أنقرة هي التي كشفت القصة على الرغم من الغضب الكبير الذي أظهرته تركيا بالأمس. فمن المعروف أن علاقات وثيقة تربط أغناتيوس بالقيادة التركية، وهو على صلة وثيقة بزعامة الحكم في أنقرة وبالمسؤولين عن الاستخبارات، وكان من الأوائل الذين انضموا إلى الحملة التي شنها أردوغان ضد إسرائيل في دافوس في كانون الثاني 2009، حين بدأ رئيس الحكومة التركية حملته ضد إسرائيل بالهجوم على الرئيس شمعون بيريس. يومها كان أغناتيوس مدير جلسة النقاش. ولسبب ما غضب الأتراك على الصحافي الأميركي الذي خسر خلال فترة معينة مصادره، لكن في الفترة الأخيرة عاد الأتراك إلى التعاون معه ومن المحتمل أن يكونوا هم من أعطوه هذه المعلومات. ولا تستبعد أطراف في إسرائيل احتمال قيام تركيا عندما تسنح لها الفرصة، بإلحاق الضرر بالمصالح الإسرائيلية بل والتباهي بذلك. فتركيا في ظل حكم أردوغان تفتخر بتوجيه صفعة إلى إسرائيل، وهي بذلك تبتعد عنها أكثر فأكثر. في مثل هذه الحال، كيف ينسجم هذا السلوك التركي مع المصالحة التي رعاها أوباما في آذار الماضي؟ في الحقيقة هذا لا ينسجم البتة لأن لا وجود فعلاً للمصالحة، فما تريده أنقرة هو رؤية إسرائيل تركع على ركبتيها. وفي إسرائيل فهموا هذا الأمر منذ فترة، ويبدو أن واشنطن فهمت من الذي أحبط المصالحة.

وأنهى بيسموت مقاله قائلا: وفي الختام أريد أن أقول شيئاً عن العلاقات الإيرانية - التركية. في العام 2010 وصل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى إسطنبول وكنت حاضراً وأتذكر أنه استقبل بحفاوة كبيرة. لكن كان من الواضح أن شهر العسل التركي- الإيراني مصطنع نظراً إلى الخصومة الإقليمية بين الدولتين اللتين ليست لهما دائماً مصالح مشتركة. وتشكل سورية نموذجاً بارزاً للخلافات بين الدولتين. لكن على الرغم من ذلك، ثمة مصلحة مهمة واحدة تجمع بين الدولتين هي قمع التمرد الكردي. فإذا كان الجواسيس الذين عملوا لحساب إسرائيل من الأكراد، فإن هذا يشكل سبباً إضافياً لتفسير عودة إيران وتركيا إلى التعاون معاً.