شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

على هامش المشهد

الجامعات الإسرائيلية تواجه أزمة حادّة جراء التراجع الكبير في مخصصات الدعم الحكومية

 

تواجه الأكاديميا الإسرائيلية أزمة شديدة في كل ما يتعلق بمجال الأبحاث. كما أن الارتفاع الكبير جدا في عدد الطلاب الجامعيين، في أعقاب انتشار الكليات، وخاصة الكليات الخاصة، خلال العقد الماضي، أدى إلى منافسة بين الجامعات والكليات على جذب الطلاب، إلى جانب تخفيف شروط القبول للكليات، الأمر الذي تسبب بتراجع المستوى التعليمي.

 

ويؤكد مسؤولون في الجامعات أن أسباب الأزمة في مجال الأبحاث الأكاديمية في الجامعات، وفتح عشرات الكليات، تعود إلى سياسات الحكومات الإسرائيلية وعدم رصد التمويل المطلوب للأكاديميا، وتراجع الاستثمار في طلاب الجامعات.

وكانت إسرائيل قد احتفلت، قبل أسبوعين، بفوز باحثين بجائزة نوبل، هما البروفسور أرييه فارشال والبروفسور ميخائيل ليفيت، اللذان بدءا أبحاثهما في إسرائيل، لكنهما بعد ذلك انتقلا لمواصلة الأبحاث في الجامعات الأميركية، حيث المختبرات المتطورة والمزودة بأحدث التجهيزات. ولذلك تعالت انتقادات في إسرائيل حول نسب هذه الجائزة لأكاديميتها، علما أن هذين الباحثين حازا على الجائزة المرموقة بفضل عملهما في الولايات المتحدة وليس في إسرائيل.

وفي موازاة الإعلان عن فوز الباحثين بجائزة نوبل، تلقت الأكاديميا الإسرائيلية خبرا أحزن المسؤولين والباحثين فيها، وأكد استمرار التدهور الأكاديمي. فقد قررت الحكومة الإسرائيلية تقليص مبلغ 100 مليون شيكل من ميزانية الإشفاء المتعددة السنوات، التي تحتاجها الأكاديميا كهواء للتنفس، بعد ما اتفق على تسميته بـ "العقد الضائع"، وهو العقد الأول من القرن الحالي الذي ارتفع خلاله عدد الطلاب الجامعيين بوتيرة كبيرة للغاية، لكن ميزانيات التعليم العالي لم ترتفع بالشكل الملائم.

وعلى أثر ذلك اعترف وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، شاي بيرون، بأنه على الرغم من اعتقاده لدى تسلمه منصبه بأن جهاز التعليم العالي يجب ألا يكون تحت مسؤوليته وضمن صلاحياته، إلا أنه غير رأيه وبات يرى أنه يجب أن يولي أهمية للعناية بالأكاديميا بواسطة زيادة الميزانيات وأمور أخرى. إلا أن تقارير إعلامية تناولت تراجع الأكاديميا الإسرائيلية، اقتبست مسؤولين في الأكاديميا الذين شددوا على أنه حتى خطة الإشفاء المتعددة السنوات، التي أقرت خلال ولاية وزير التربية والتعليم السابق، جدعون ساعر، لا تكفي من أجل تقليص فجوة نشأت على مدار عقد كامل.

وقال رئيس جامعة حيفا، عاموس شابيرا، إن "الموارد التي تحصل عليها الأكاديميا ليست كافية من أجل الحفاظ على التفوق التنافسي لدولة إسرائيل. ويجب أن يحدث تغيير جوهري أكثر". وأضاف أن "قسما كبيرا من قدرة الأكاديميا على التطور مرتبط بالتبرعات، لكن قسما كبيرا من طاقتنا يستنزف خلال الجري في العالم بحثا عن موارد لاستثمارها هنا. ومن الصعب كثيرا إجراء عملية تطوير أبحاث فيما نحن نعيش على الفتات وبانعدام يقين إذا ما كنا سنحصل على تبرعات أم لا. إذ أن الأبحاث والأكاديميا لا تُبنى بين ليلة وضحاها، وثمة حاجة لأمن [في التمويل] لأمد طويل".

 

"أربعة عقود ضائعة"

 

تزايد قلق الأكاديميين في إسرائيل، مؤخرا، في أعقاب صدور تقرير عن مركز "طاوب – لأبحاث السياسة الاجتماعية في إسرائيل"، جاء فيه أن هروب الأدمغة من إسرائيل هو الأعلى في الدول الغربية. وأشار التقرير إلى أنه في سنوات السبعين كانت تستثمر الدولة في كل طالب جامعي حوالي 82 ألف شيكل، بينما انخفض هذا الاستثمار اليوم إلى 26 ألف شيكل فقط. وشدد التقرير على أنه من الناحية الفعلية، فإن العقود الأربعة الماضية هي "عقود ضائعة"، انخفض خلالها عدد أعضاء السلك الأكاديمي الكبير بأكثر من ضعفين قياسا بحجم السكان.

وأفادت معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فيما يتعلق بهروب الأدمغة من إسرائيل، إلى أنه حتى العام 2011، يعيش 14% من سكان إسرائيل، الذين يحملون شهادات الدكتوراه في العلوم والهندسة، خارج البلاد لفترات طويلة ولم يعودوا إلى إسرائيل. كذلك كشفت دراسة جديدة، تم نشرها الشهر الماضي، عن أنه خلال عشرين عاما تراجعت مكانة إسرائيل في نشر الأبحاث العلمية من المكان الأول في العالم إلى المكان الثالث عشر.

وفي موازاة ذلك قررت الحكومة الإسرائيلية عدم توسيع برنامج مراكز التفوق، التي تهدف إلى منع هروب الأدمغة. وجاء قرار "اللجنة للتخطيط والميزانية" التابعة لمجلس التعليم العالي بالتوقف عن إقامة مراكز أخرى لاعتبارات في ميزانية التعليم، واكتفت بوجود 16 مركزا قائما، علما أن الخطة الأصلية، التي أقرتها الحكومة، شملت إقامة 30 مركزا كهذا.

ورأى رئيس جامعة تل أبيب، البروفسور يوسف كليبتر، أن جهاز التعليم العالي يجب أن يدار من دون انعدام يقين نابع من تقليص غير متوقع للميزانيات، وإلا فإن هذا الجهاز لن يتمكن من تحسين وضعه. وأضاف أن "ما يحرك الجهاز هو الاستقرار، لأن جهاز التعليم العالي يعمل لأمد طويل. وإحضار دماغ إلى البلاد لا يتم من خلال إجراء محادثة هاتفية ويأتي على أثرها شخص ما. وإنما ينبغي إجراء مفاوضات، وهناك مطالب بإقامة مختبرات، ويتعين على الجامعات أن تعرف وضعها. فهذا جهاز يجب أن يُبنى بصورة منهجية وثمة حاجة إلى مصادر [تمويل] واضحة، لكي نعرف منذ اليوم ما الذي سنفعله بعد سنتين أو ثلاث سنوات ولكي لا نواجه تقليصات في كل عام".

 

التنافس بين

الجامعات والكليات

 

نشر مجلس التعليم العالي في إسرائيل معطيات عشية افتتاح السنة الدراسية الأكاديمية، مطلع الأسبوع الماضي، أبرزت حجم المنافسة بين الجامعات، التي تشمل مراكز الأبحاث، والكليات. وتبين أنه طرأ، في السنة الأكاديمية الحالية، انخفاض بنسبة 7ر1% على عدد الطلاب في الجامعات الذين يدرسون للقب الأول، البكالوريوس. وفي المقابل ارتفع عدد طلاب الكليات بنسبة 8ر2%، وهذا الاتجاه مستمر منذ سنوات.

وتبين أيضا أن عدد طلاب اللقب الثاني، الماجستير، في جامعات الأبحاث بقي كما كان في السنة الدراسية الماضية، وهو 39 ألفا تقريبا. لكن عدد طلاب الماجستير في الكليات ارتفع بشكل حاد، بنسبة 7ر8%. ووفقا للمعطيات فإن معظم الزيادة كانت في الكليات التي لا تحصل على ميزانيات من الدولة. ويثير هذا المعطى قلقا لدى المؤسسات التي تتلقى تمويلا من الدولة، كونه مؤشرا على وجود منافسة في سوق الألقاب الجامعية المتقدمة، وعلى أن الجامعات والكليات الممولة لا تنجح في جذب طلاب إليها.

وقال البروفسور كليبتر في هذا السياق إنه "يجب العودة إلى ما قيل قبل سنوات عديدة، عندما تحدثوا عن تقوية الكليات. لقد قالوا حينذاك إن الجامعات للأبحاث والكليات للتعليم. لكن العنصر الثمين هو الأبحاث، ولذلك فإن الجامعات يجب أن تتمتع من حقيقة أنها جامعات أبحاث".

ولفت عميد كلية الآداب والمجتمع في جامعة بن غوريون في بئر السبع، البروفسور ديفيد نيومان، إلى أن سوق التعليم العالي في إسرائيل أصبحت تنافسية جدا، وبشكل يلحق ضررا بالأبحاث. وقال إن "هذا تحوّل إلى تنافس من أجل التنافس، وليس من أجل التفوق. والمنافسة بين الجامعات والكليات تحولت إلى منافسة على المال. وتراجعت الموارد العامة في دولة إسرائيل، ولذلك يتعين على الجامعات أن تجند أموالا أكثر بقواها الذاتية. وأحد مصادر ذلك هو القسط الدراسي، ولذلك فإن عدد الطلاب هو أمر مهم. لكن الجامعات لا يمكنها خفض السقف [أي شروط القبول] من أجل أن تجذب عددا أكبر من الطلاب. وهؤلاء يذهبون إلى الكليات [بسبب عدم استيفائهم لشروط القبول في الجامعات]".

وحذر نيومان من إشكاليات في سياسة "لجنة التخطيط والميزانية". وقال إن "النموذج الذي تتبعه لجنة التخطيط والميزانية يؤدي إلى وجود عدد أكبر مما ينبغي من الطلاب الذي يدرسون للقب الدكتوراه. إذ أن التمويل في هذه الحالة يتم وفقا لكمية الذين ينهون الدراسة للدكتوراه خلال فترة زمنية تحددها لجنة التخطيط والميزانية. وهذا أمر غير صحي، لأن 80% من الذين أنهوا الدراسة للقب الدكتوراه لن يجدوا عملا. ويجب وقف هذا الأمر، لأن كل المستوى الأكاديمي يتدنى، من البكالوريوس وحتى الدكتوراه".

 

لا مكان للآداب

 

قال تقرير، نشرته صحيفة "هآرتس"، إن الطلاب في إسرائيل الذين يسعون إلى مستقبل أكاديمي في المواضيع الأدبية، يتم دفعهم إلى خارج البلاد من أجل مواصلة دراستهم للقب الدكتوراه، بينما يتم دفع طلاب العلوم إلى خارج البلاد من أجل الدراسة للقب ما بعد الدكتوراه، أو "بوست دكتوراه". وبعد حصولهم على الشهادات يواجهون صعوبة في العودة إلى إسرائيل وإيجاد وظيفة ملائمة فيها.

وأوضحت حال الدارسين في خارج البلاد الدكتورة أفيتال شوركي من معهد علوم الأدوية في الجامعة العبرية في القدس، التي أشرف على تخصصها البروفيسور فارشال الذي حاز على جائزة نوبل قبل أسبوعين. وعادت شوركي إلى إسرائيل قبل عشر سنوات، وتعمل منذ ذلك الحين في الجامعة العبرية. لكنها تؤكد أن ليس جميع طلابها سيحصلون على فرصة كالتي حصلت عليها.

وقالت شوركي إن "السفر إلى خارج البلاد [للدراسة] هو أمر جيد ومهم من أجل التطور العلمي، وهو أمر ضروري لمن يريد البقاء في الأكاديميا. لكن السؤال الموجود دائما عندما أرسل طالبا لدراسة البوست دكتوراه هو هل سيجد مكانا في الأكاديميا عندما يعود؟. وأعمل على إقناع الطلاب الذين أرى أنهم مناسبون بالسفر، لكن لأنه لا توجد إمكانية لضمان مكان [عمل] يعودون إليه، وكمرشدة للطلاب تشعر كأنها والدة لهم، فإنني أخشى عليهم وعلى مستقبلهم".

من جانبه قال ليئور إيرز، وهو طالب يدرس في إحدى الجامعات البريطانية للقب الدكتوراه في موضوع النظرية السياسية، إنه "يدرس جميع الخيارات، ويحاول الحفاظ على علاقات في البلاد ومراقبة وظائف تصبح شاغرة. ويجب التمييز بين التأهيل الذي نحصل عليه في الجامعة نفسها وبين المحيط والغلاف الذي نحصل عليه في خارج البلاد. وتوجد أكاديميا بمستوى عال في إسرائيل، والإشراف يمكن أن يكون جيدا جدا. لكنني أعتقد أنه في مجالي على الأقل، والذي لا يوجد فيه اهتمام لرصد ميزانيات للمختبرات، فإن الميزة الكبرى في الدراسة للدكتوراه في لندن هي أنك قريب من مراكز العمل في مجالي".

بدورها قالت روتيم روزنطال، التي تدرس في جامعة أميركية للقب الدكتوراه في موضوع تاريخ التصوير، إنه "من أجل الاستمرار في تطوير طريقي الأكاديمية، لم يكن أمامي خيار. إذ لم تكن هناك أطر في البلاد بإمكاني أن أطور فيها بحثي والحصول على تمويل كامل، أي منحة وعمل في القسم في إطار دراستي". لكنها عبرت عن تشاؤم حيال إمكانية عودتها إلى العمل في جامعة إسرائيلية. وقالت "بالتأكيد يوجد اهتمام متزايد في مجال بحثي في الجامعات في البلاد. لكن يتعين علينا أن ننتظر لنرى أي تمويل سيكون للمواضيع الأدبية عندما أنهي الدراسة للدكتوراه".