كيف يعمل اللوبي الصهيوني في أوساط الرأي العام وصناع القرار في بريطانيا؟

على هامش المشهد

 

لا يجوز فصل الدين عن الدولة في إسرائيل

 

بقلم: يائير شيلغ (*)

تتطلع العديد من الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة إلى تطبيق النموذج الأميركي المتعلق بالفصل التام بين الدين والدولة على الحياة الدينية في إسرائيل أيضا، معتبرة أن الموقف الإسرائيلي الرافض لهذا الأمر يشكل مسا خطيرا بحقوق الفرد، وبكون إسرائيل دولة غربية - ليبرالية. وقد وجدت هذه الرغبة مرارا خلال لقاءاتي مع الكثير من اليهود الأميركيين، ومن ضمنهم أشخاص متدينون، بينهم حاخامون ورجال دين يهود.

 

من السهل فهم مثل هذا الموقف في السياق الأميركي، فالفصل التام بين الدين والدولة المطبق في الولايات المتحدة الأميركية منذ قيامها، والذي نص عليه الدستور الأميركي بشكل واضح، ربما يكون العامل المركزي الذي يتيح لأقلية دينية، مثل اليهود، التطور والازدهار والتمتع بمكانتها الحالية، بمنأى عن أشكال التمييز والاضطهاد التي عانى منها اليهود في دول أوروبا المسيحية أو في الدول الإسلامية. ومع ذلك، يبدو لي أن هناك أسبابا وجيهة تبرر انتهاج موقف مغاير في السياق الإسرائيلي.

أولا، خلافا للولايات المتحدة، التي تعتبر ربما النموذج الأبرز لـ "دولة جميع مواطنيها"- وهو نموذج لا توجد فيه من الناحية الرسمية على الأقل فجوة بين تعريف المواطنة وبين تعريف الانتماء القومي، فإن إسرائيل ترى نفسها دولة قومية للشعب اليهودي، وأظن أن أكثرية يهود الولايات المتحدة أيضا يرغبون في بقاء إسرائيل دولة كهذه. صحيح أن هذه الحقيقة في حد ذاتها لا تلغي إمكانية فصل الدين عن الدولة، كما هو قائم مثلا في الدولة القومية الفرنسية، غير أن هناك، في الحالة اليهودية، حقيقة إضافية تتمثل في وجود ترابط أو اختلاط في إطار الهوية اليهودية على مر الأجيال، بين البعدين القومي والديني، واللذين لا يجوز الفصل بينهما. صحيح أن اليهودي غير ملزم بالمحافظة على فرائض وتعاليم الدين كي يعتبر يهوديا، ولكنه سيفقد هذا التعريف أو الاعتبار، حتى على المستوى القومي، إذا ما غير ديانته واعتنق المسيحية أو الإسلام، وفقما قضت المحكمة العليا في إسرائيل.

وفيما عدا هذا الجانب المبدئي، فإن جوهر الثقافة اليهودية ينبع، من الناحية العملية أيضا، من العالم الديني لليهودية، وبالتالي فإن أي فصل مبدئي جارف بين الدين والدولة يمكن أن يلزم الدولة اليهودية بالانفصال عن جوهرها أو مضمونها الثقافي. وعلى سبيل المثال، من الممكن في مثل هذه الحالة أن يقدم التماس إلى المحكمة الإسرائيلية العليا يطالب بإلغاء استخدام رموز قومية للدولة (مثل شعار "نجمة داود" أو العلم الإسرائيلي) بحجة أن الحديث يدور على رموز مصدرها الدين اليهودي.

فضلا عن ذلك، فإن المطالبة بفصل الدين عن الدولة نابعة من انتماء إسرائيل إلى مجموعة الدول الغربية، التي يسود فيها هذا الأمر (مع أنه لا يوجد في أي منها تداخل - اختلاط- الهويات القائم في إسرائيل). لكن إسرائيل، بكونها الدولة القومية للشعب اليهودي، لا تنتمي فقط لمجموعة الدول الغربية في الحاضر، وإنما تنتمي أيضا إلى مجموعة الشعوب القديمة، التي كان التداخل بين المكونين القومي والديني السمة السائدة فيها. ولعل تأملا عابرا لكتاب "العهد القديم" (التناخ) يبين بوضوح أن الهوية القومية المتميزة كانت تعني أيضا لدى جميع الشعوب القديمة هوية دينية خاصة.

إن الشذوذ الإسرائيلي في مشهد الدول الغربية ينبع من حقيقة أن الشعب اليهودي هو الشعب الوحيد في مشهد هذه الدول، وأحد الشعوب القلائل في العالم، الذي حافظ على هويته الأساسية منذ العصر القديم وحتى الآن. فهل يتعين علينا التنكر لهذه الهوية الخاصة، أم أن الأصح هو الإصرار على بقائها حتى في إطار الدول الغربية، التي نقبل مبدئيا وجهة نظرها الليبرالية؟!

في ضوء كل ذلك، من الواضح أن المطالبة بالفصل التام بين الدين والدولة في إسرائيل ستواجه رفضا شديداً، ليس من جانب الأحزاب الدينية وحسب، وإنما أيضا من جانب قطاعات واسعة، دينية وتقليدية، في صفوف الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، ويبدو لي أن أكثرية الجمهور العلماني أيضا ليست معنية بذلك في الحقيقة. ولعل ذلك هو السبب الذي يجعل بعض الساسة الإسرائيليين الذين يتبنون مواقف وتوجهات علمانية واضحة، يكتفون بترديد شعار "فصل الدين عن الدولة" في خطبهم الدعائية فقط، من دون طرحه كمطلب للتنفيذ العلمي.

ولكن كيف يمكن لنا، على الرغم من ذلك، التعبير في السياق الديني، عن هويتنا الغربية؟! هذا الأمر لا يتم من خلال الفصل بين الدين والدولة، وإنما عن طريق الفصل بين الدين وبين حرية الفرد. إن من حق دولة اليهودي أن تتخذ لنفسها رموزاً ذات خلفية دينية، أو أن تضع قيوداً في مجال الحرية والملكية العامة، تنبع من القيم الدينية (مثلا في مجالات التجارة والمواصلات العامة في أيام السبت)، ولكن من غير المنطقي أو الملائم أن تجبر الدولة الفرد على إتباع أنماط حياة وقواعد مأخوذة من العالم الديني، والمقصود هنا في المقام الأول حصرية النظام الديني الأرثوذكسي المطبق في إسرائيل في شؤون الزواج والطلاق، فهذه الحصرية تعتبر حقا إشكالية جداً بمصطلحات حقوق الإنسان، حتى عندما تبرر بقيم يهودية غايتها المحافظة على وحدة الشعب.

___________________________

 

(*) باحث في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"- القدس. ترجمة خاصة.