بعد ليفني، بيرتس أيضًا يدفع خطة سياسية جديدة

على هامش المشهد

 

كيف يسيطر حيتان المال على الاقتصاد ومجريات الأمور في إسرائيل

 

 

 

 

*مسألة سيطرة حيتان المال على مجريات الأمور في إسرائيل عادت لتطرح من جديد في ضوء استفحالها *إنهم قلة تسيطر على السياسة الاقتصادية والقرارات المركزية ولها يد طولى في الحلبة السياسية *تقرير جديد يتهمهم بالوقوف وراء الإبقاء على غلاء المعيشة في إسرائيل*

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة سيطرة كبار الأثرياء في إسرائيل، أو بحسب إحدى تسمياتهم "حيتان المال"، على الاقتصاد ومجريات الأمور. وهذا لم يعد يبرز في مواسم الانتخابات التشريعية والبلدية فحسب، بل أيضا في الحياة اليومية، وبات ظهورهم على سطح الأحداث علنا أكثر من ذي قبل، ولم يعد خفيا على الحلبة الإسرائيلية أنهم يلعبون دورا مركزيا في كل القرارات المركزية، وبشكل خاص تلك التي تحدد السياسة الاقتصادية.

 

في واقع الأمر، لم تكن السياسة الاقتصادية الإسرائيلية على مر ستة عقود ونيف بعيدة عن خدمة وتلبية كل مصالح كبار أصحاب رأس المال، ولكن منذ مطلع سنوات التسعين من القرن الماضي حصل تحول كبير في العلاقة بين رأس المال والحكم في إسرائيل، في إطار سعي المؤسسة الإسرائيلية إلى الاستفادة من المتغيرات العالمية الحاصلة، وبدء مرحلة العولمة، مع تفكك المعسكر الاشتراكي، وانفتاح أسواق عالمية، وسعي المؤسسة على وجه الخصوص إلى إعادة المستثمرين الإسرائيليين والأجانب إلى إسرائيل، بعد أن غادروها بشكل خاص في سنوات الثمانين، على وقع الحروب وانتفاضة الحجر وانعكس هذا على الاقتصاد الإسرائيلي سلبا.

 

وكانت بدايات تسارع تغلغل كبار الأثرياء إلى سدة الحكم في مطلع سنوات التسعين، حينما بدأ حزب "العمل"، ومن ثم "الليكود"، في إتباع النمط الحزبي الأميركي في اختيار قيادات الحزب وممثليهم في الانتخابات البرلمانية، أي من خلال الانتخابات الحزبية الداخلية المفتوحة أمام الجمهور (البرايمريز)، وهو نمط يحتاج إلى أموال طائلة، قفز عليه كبار رأس المال، الذين بدأوا يمولون حملات انتخابية للأفراد، الذين بعد انتخابهم ووصولهم إلى الكنيست والحكومة يكونون موالين لمن موّل حملاتهم، وهذه ظاهرة استفحلت جدا ولا تزال، ولم تلجمها سلسلة من القوانين والأنظمة التي أقرت في السنوات الأخيرة.

 

كما استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة السيطرة على الاقتصاد، ومدخرات الجمهور، خاصة بعد إقرار قانون طرح توفيرات صناديق التقاعد في البورصات وأسواق المال، وباتت مصدرا للقروض الضخمة لكبار الأثرياء، بالشروط المسهلة، لتكون توفيرات الناس البسيطة عرضة للخسائر، في حين أن ما يطالها من أرباح يكون جزئيا، فيما تصب الأرباح الأكبر في جيوب كبار المستثمرين، وتكشفت في هذا المضمار قضايا فساد، أقرب إلى نهب أموال الجمهور الواسع، وإحدى هذه القضايا تدور الآن في المحاكم الإسرائيلية.

 

واستفحل لاحقا التغلغل في السياسة الاقتصادية، وإلقاء ثقل حيتان المال لمنع اتخاذ قرارات لا تخدم مصالحهم، كما سنقرأ هنا لاحقا.

 

 

أشكال السيطرة

 

وقد نشرت المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية ملفا واسعا حول تأثير حيتان المال على الاقتصاد الإسرائيلي، وضم تقريرا مميزا للكاتب إيتان أفريئيل يعرض فيه خيوطا كثيرة لشكل هذا التأثير على الاقتصاد ومجريات الأمور، إذ يقول "من الممكن رسم صيغة أساسية لشكل سيطرة أصحاب رأس المال على الحكم، بداية فإن رجل الأعمال "ينتسب" إلى ذلك "النادي" (نادي الأثرياء)، ويسعى إلى كسب شخصية كبيرة في الحياة العامة، وحتى أنها مخيفة ومؤثرة، وعادة يكون شخصا يستخدم أسلوب العصا والجزرة، وبهذا يقلص عدد الذين على استعداد لمواجهته".

 

ثم يعدد أفريئيل أشكال ووسائل السيطرة:

 

أولا، يبدأون في السيطرة على شركة أو مجموعة شركات ناشطة، من خلال شراء أسهم وتحويلها إلى مركز ثقل في قرارات الشركة، وهؤلاء يحصلون على الأموال، على شكل قروض من صناديق التقاعد، وأولئك الذين يوفرون الأموال في صناديق تنشط في أسواق المال، أو أنهم يستصدرون سندات دين خاصة ويجدون بنوكا تسعد في تقديم المساعدة لهم.

 

ثانيا، حينما يصلون إلى ادارة الشركات، يعينون مدراء عامين كبارا، ولهم ارتباطات مع المؤسسة الحاكمة، ولهذا فإنهم يفضلون موظفين كبارا ومسؤولين سابقين في مؤسسات الدولة، أو الحلبة السياسية، كي تكون علاقاتهم بالمؤسسة أسهل، وعادة ما يحصل هؤلاء على رواتب ومكافآت مالية دسمة، غير مألوفة في السوق، والهدف من هذه الشروط هو كسب ثقة هؤلاء الموظفين، كي يكونوا مخلصين أكثر للوظيفة التي يتولونها، وبالأساس يكون إخلاصهم لمن عينوهم، في مواجهة باقي الشركاء في تلك الشركات.

 

ثالثا، محاولة خلق علاقات وثيقة مع شركات الاستثمارات المالية في أسواق المال، وهذا لكون أسواق المال تسهل القروض لكبار الأثرياء، وحتى أنها تعيد جدولة القروض، في كل مرّة يقترب فيها موعد تسديد سندات الدين، ومن أساليب اقامة علاقات مع شركات الاستثمارات المالية، شراء أسهم فيها من أجل التأثير عليها أكثر من الداخل.

 

رابعا، كل واحد من هؤلاء الأثرياء يحيط نفسه بعدد من "المستشارين" منهم في مجال الاستشارات الاقتصادية وأخرى الحقوقية، والأهم أن يكون المستشارون من ذوي العلاقات القوية مع جهات عليا في المؤسسة الرسمية، أو المؤسسات المالية والاقتصادية الرسمية.

 

خامسا، إقامة علاقات مباشرة مع مسؤولين في المؤسسات الرسمية.

 

سادسا، الحلبة السياسية، وهذا لأن وزراء وأعضاء كنيست قادرون على التأثير مباشرة على "الإصلاحات" والتعديلات القانونية، القادرة على رفع أو إسقاط أصحاب رأس المال، ورأينا نموذجين لهذا في العامين الأخيرين: الأول، اللجنة الخاصة لإعادة النظر في حصة الحكومة (الدولة) من حقول الغاز التي عثر عليها في عرض البحر الأبيض المتوسط، إذ جرى إحباط توصيات برفع حاد لحصة الحكومة، والثاني، اللجنة الخاصة لتخفيض أسعار المواد الغذائية، وهي أيضا انتهت بتوصيات ظلت حبراً على ورق، وليست ذات قيمة جوهرية.

 

 

السيطرة على

وسائل الإعلام

 

 

أما سابعا- وكما يقول الكاتب إيتان أفريئيل- فإن كل ما سبق من وسائل وأدوات للوصول إلى المؤسسة الحاكمة، لن يكون ذا مغزى قوي، من دون إقامة روابط وحتى تحالف ولنقل سيطرة ما على وسائل الإعلام، "فقط من خلال السيطرة على وسائل الإعلام يمكن تحقيق التأثير الأهم، وهو التأثير على الرأي العام الشعبي، والسيطرة على شكل تفكيره" في مجريات الأمور في البلاد.

 

وقد استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة السيطرة على وسائل الإعلام التجارية المركزية في إسرائيل، من قبل كبار المستثمرين، وبشكل خاص السيطرة على الصحف الكبرى ومحطات التلفزة واسعة الانتشار، وخاصة القناتين الثانية والعاشرة، وهذه القضية طرحت أكثر من مرّة على بساط البحث في الكنيست وفي أوساط معينة.

 

فسوق الإعلام هي سوق ضعيفة، والأرباح فيها قليلة جدا وهامشية، وغالبية الأطر التي تعمل فيها في السنوات الأخيرة تعاني من تراجع مالي كبير جدا، يجعلها غير حصينة في وجه الأزمات، وأحد أسباب هذا الضعف هو التغيرات المتسارعة في سوق الإعلام، وأمام وضع كهذا تتحول وسائل الإعلام من ذراع للمسؤولية تجاه المجتمع إلى ذراع استراتيجية لحماية مصالح أصحاب رأس المال.

 

وتدفق كثير من المال في السنوات الأخيرة على وسائل الإعلام، وأعاد "التنفس الاصطناعي" إلى وسائل إعلام عديدة، مثل القناة العاشرة للتلفزيون، وشركة "ريشت" التي تدير قسما من القناة الثانية للتلفزيون، وصحيفة "معاريف"، وهذه الأموال لم يتم رصدها لأهداف استثمارات مالية ربحية.

 

وحقيقة أن أصحاب رأس المال يوظفون أموالهم بهذا الشكل، وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي القائم في وسائل الإعلام، تعكس ظاهرة الاحتكارات في الاقتصاد الإسرائيلي، وتركيز الكثير من المصالح في أيدي عدد قليل من المستثمرين، وهذا الأمر يخلق حواجز تحافظ على الكارتيلات والاحتكارات الكبرى في وجه أي منافسة محتملة.

 

ووسائل الإعلام من شأنها أن تصبح أداة مساعدة لمنع إزالة هذه الحواجز، وتقلل من الحماسة للمنافسة، وهذا يعني حماية مباشرة لمصالح أصحاب رأس المال، "وهذه البيئة المسممة" آخذة بالاتساع في جميع وسائل الإعلام، وشيئا فشيئا باتت متعلقة بالمتمولين فيها، أكثر من التعلق بالرسالة التي تحملها الصحافة، فهذا ما جرى في صحيفة "معاريف" التي تحتضر منذ سنوات طويلة، وغيرها من وسائل الإعلام.

 

ويلفت أفريئيل إلى أن وصول كبار المستثمرين إلى وسائل الإعلام لا يتم فقط من خلال شراء الأسهم والمساهمة، بل أيضا من خلال إقامة علاقات مباشرة مع أصحاب وسائل الإعلام، أو كبار أصحاب الأسهم، وقد تكون هذه العلاقات شراكات في شركات اقتصادية أخرى.

 

ويركز أفريئيل النظر على تشعب علاقات عائلة موزس، التي تملك صحيفة "يديعوت أحرونوت"، متهما الصحيفة بأنها تحمل أجندة صاحب الجريدة.

 

المشهد مخيف للغاية!

 

 

يقول أفريئيل إنه "حينما ننظر من الأعلى، على الأمور الواضحة للعيان والمكشوفة، وعلى الأمور الخفية، فإن مشهد قوة وتأثير "نادي الأثرياء" على المؤسسة الحاكمة وعلى مجريات الأمور مخيف للغاية، فإن "نادي الأثرياء" سوية مع حلفائه في وسائل الإعلام، لديهما تأثير كبير على أسواق المال، واستخدام أموال صناديق التقاعد وتوفيرات الجمهور. كما أن لديهما تأثيراً على شكل استهلاك الجمهور، وعلى توجهاته وشكل تفكيره، وعلى وعي الرأي العام.

 

ويضيف أفريئيل "كما أن لهذا "النادي" تأثيراً على قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وهو يمارس الضغوط ويؤثر على رئيس الحكومة، وهو لا يتردد في التأثير والضغط بكل الوسائل على الوزراء وأعضاء الكنيست، وغيرهم من كبار المسؤولين في دوائر القرار، وهكذا، مرة أخرى من خلال وسائل الإعلام يحاول النادي التأثير بقوة على تفاعل الجمهور مع الأحداث".

 

ويقول أفريئيل إن "النادي" لا يضم الكثير من الناس، وإنما بضعة آلاف قليلة من رجال الأعمال وأصحاب البنوك وشركات الاستثمارات المالية ووسائل الإعلام، ومسؤولين في الشركات الحكومية والمؤسسات، والشركات الكبرى، ومعهم عدة سياسيين، ولكنه "ناد" يؤثر على مجريات الأمور، لا أقل من منتخبي الجمهور.

 

ويعرض أفريئيل نموذجا ليس بعيدا لسيطرة حيتان المال على مجريات الأمور، إذ يعود إلى حملة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدن إسرائيل في صيف العام 2011، فحينما بدأت الحملة بتوجيه الانتقادات إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته كلها، حظيت الحملة بتغطية إعلامية واسعة، لكن حينما بدأ خطاب الحملة يتجه أيضا إلى انتقاد حيتان المال، والشركات الاحتكارية، فقد سعت وسائل الإعلام إلى إسكات حملة الاحتجاجات تلك.

 

ويعدد أفريئيل نماذج أكثر، مثل عدم "النجاح" في تخفيض أسعار البيوت الباهظة، والتي تعد من الأغلى عالميا، وكذا أيضا بالنسبة لغلاء المعيشة مقارنة بمعدلات الرواتب، إذ هو أيضا يعد من الأغلى في العالم، ويقول إن أعضاء "النادي" يتذمرون دائما من أوضاعهم الاقتصادية، كي يمنعوا أي تخفيض في أرباحهم السنوية.