إسرائيل تعتزم طرد 50 ألف لاجئ من السودان وإريتريا إلى إحدى دول إفريقيا
*خبير قانوني: إسرائيل تنتهك القانون الدولي وتتعامل مع طالبي اللجوء على أنهم أشخاص يجب التخلص منهم!*
أعلنت إسرائيل أنها ستطرد نحو 50 ألف لاجئ من السودان وإريتريا إلى أوغندا بعد أن أبرمت صفقات أسلحة ومعدات زراعية ستزودها إسرائيل إلى أوغندا، فيما عبر لاجئون عن مخاوفهم من نقلهم إلى دولة إفريقية. لكن أوغندا نفت، في نهاية الأسبوع الماضي، أنها توصلت إلى اتفاق كهذا مع إسرائيل.
وكان وزير الداخلية الإسرائيلي، غدعون ساعر (ليكود)، قد أعلن، الأسبوع الماضي، أنه بعد الأعياد اليهودية، وفي بداية شهر تشرين الأول المقبل، ستبدأ إسرائيل بتنفيذ عملية طرد واسعة للاجئين من السودان وإريتريا إلى "دولة ثالثة" ستستوعب اللاجئين الأفارقة على أن تشكل محطة لينتقلوا منها إلى دولهم.
وأفادت تقارير صحافية إسرائيلية بأن حغاي هداس، مبعوث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هو الذي أبرم الصفقة مع أوغندا، فيما أعلن ساعر أن إسرائيل ستتخذ إجراءات ضد من يرفض المغادرة.
ووفقا لصحيفة "هآرتس" فإن عدد اللاجئين الأفارقة في إسرائيل، بموجب معطيات دائرة السكان والهجرة، يقارب 55 ألفا وأن 90% منهم جاؤوا من السودان وإريتريا. وأضافت الصحيفة أن إسرائيل حسنت علاقاتها مع أوغندا بشكل كبير جدا خلال السنوات الأخيرة وأن هذه الدولة كانت هدفا لزيارات متكررة لوزير الخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، ونائبه داني أيالون.
وكان عضو الكنيست دوف حنين، من قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، قد ذكر في شهر شباط الماضي أن حكومة إسرائيل تخطط لطرد اللاجئين إلى أوغندا، لكن الحكومة الإسرائيلية فرضت تعتيما حول اسم "الدولة الثالثة" وسمحت بالكشف عنه يوم الخميس الماضي.
وقالت "هآرتس" إنه في مركز العلاقات التجارية بين إسرائيل وأوغندا صفقات في مجال التكنولوجيا الزراعية وصفقات أسلحة شملت وفقا لتقارير أجنبية تزويد أوغندا بمدافع وراجمات وعتاد للمراقبة وتحسين طائرات مقاتلة قديمة وطائرات صغيرة من دون طيار إضافة إلى تدريب قوات، كما تقدم إسرائيل مساعدات إلى جهاز الصحة في أوغندا.
ونقلت الصحيفة عن عمانوئيل يمنه، وهو لاجئ إريتري، قوله إن "إسرائيل أعطت بعض المال للدولة الثالثة، أو بعض المساعدة في الزراعة وربما أعطتها سلاحا أيضا، وعلى إسرائيل كشف هوية الدولة لأن معظم الدول الإفريقية ليست آمنة وقد تكون حياة المطرودين في خطر".
لكن تبين في بداية الأسبوع الحالي أن إسرائيل لم تبرم اتفاقا مع أوغندا حول طرد اللاجئين الأفارقة إلى هذه الأخيرة. ونقلت "هآرتس" عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوغندية، إيلي كاماهونغاي، قوله إنه "لا علم لنا بأي اتفاق كهذا مع إسرائيل. ولا يوجد أي احتمال بأن تكون أوغندا قد وافقت على اتفاق كهذا".
وأكدت الصحيفة أن إسرائيل لم توقع اتفاقا لا مع أوغندا ولا مع أي دولة إفريقية أخرى لطرد اللاجئين الأفارقة إليها. وعلى ضوء ذلك فإنه ليس واضحا لماذا يستمر هداس والنيابة العامة الإسرائيلية والمستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، في استخدام مصطلح "اتفاق" في ردهم على التماسات في المحكمة العليا ضد الطرد. كذلك انتقدت الصحيفة الوزير ساعر لأنه بحديثه عن اتفاق مزعوم كشف عن الاتصالات السرية المتعلقة بطرد اللاجئين.
ونقلت الصحيفة عن موظف إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن إسرائيل تجري منذ فترة طويلة اتصالات مع الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، بشأن استقبال اللاجئين الأفارقة، لكن هذه الاتصالات لم تسفر عن نتائج حتى الآن. وأكد الموظف أنه "تجري اتصالات لكن حتى نهاية أيلول لن نعرف إذا ما كانت ستنجح".
وقال موظف إسرائيلي رفيع آخر للصحيفة إن تم خلال المحادثات، التي أجراها هداس مع مسؤولين في حكومة أوغندا، التوصل، في أفضل الأحوال، إلى تفاهمات شفهية. وأضاف أنه لا توجد ورقة أو وثيقة رسمية مكتوب فيها أن أوغندا وافقت على استقبال عدد معين من اللاجئين وأنه في المقابل ستمنح إسرائيل امتيازات لأوغندا، "ولم يوقع أي دبلوماسي إسرائيلي أو أوغندي على وثيقة كهذه، ولا حتى بالخطوط العريضة".
وأشارت الصحيفة إلى أن إبرام اتفاق لنقل لاجئين بين دول ينبغي أن يتم الإعلان عنه وأنه "ليس كل ما يناسب تفاهمات سرية بين الموساد وأجهزة استخبارات أجنبية يلائم نقل عشرات ألوف البشر من دولة إلى أخرى". وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وأوغندا فإن تطبيقه يستغرق وقتا طويلا، وعندما يحدث هذا الأمر فإنه لن يغير كثيرا من عدد اللاجئين من السودان وإريتريا الذين سيبقون في إسرائيل. ولفت موظف إسرائيلي إلى أن عدد الأفارقة الذين سيتم نقلهم من إسرائيل إلى أوغندا سيتراوح ما بين مئات إلى عدة آلاف.
ويعود سبب ذلك إلى أن اللاجئين السودانيين أو الإريتريين الذين سيوافقون على الانتقال إلى أوغندا طواعية لن يتمكنوا من البحث عن عمل هناك، لأن المطلب الأوغندي هو تحديد الإطار الذي سيتم دمجهم فيه. وقد اقترحت إسرائيل أن تقيم في أوغندا مزارع ومصانع ليعمل فيها اللاجئون. لكن "هآرتس" أشارت إلى أن هذه المزارع التي تتحدث إسرائيل عن إقامتها "موجودة على الورق فقط" ويصعب توقع نشوء وضع يتم فيه الاستجابة لاحتياجات عشرات ألوف المهاجرين.
انتهاك خطير للقانون الدولي
ورأى الخبير القانوني، البروفسور إيال غروس، من كلية الحقوق في جامعة تل أبيب، في مقال له، أن إعلان ساعر عن مخطط طرد اللاجئين من السودان وإريتريا يصعد سياسة تنكر إسرائيل لواجباتها تجاه طالبي اللجوء لديها، "رغم علم إسرائيل بأن عملية طرد كهذه ستشكل انتهاكا سافرا لمبدأ ’عدم الإعادة’، الذي اعترفت به المحكمة العليا الإسرائيلية كمبدأ يتضمنه القانون الدولي والقانون الدستوري الإسرائيلي، وينص على حظر طرد إنسان إلى مكان تكون فيه حياته أو حريته معرضة للخطر".
وأشار غروس إلى أن "إسرائيل استغلت حقيقة أنها منحت حماية جماعية، ولم تدقق بالمكانة الفردية لطالبي اللجوء، من أجل التنكر لمكانتهم كلاجئين. وفيما يتم الاعتراف في العالم بنسبة كبيرة من طالبي اللجوء من إريتريا بأنهم لاجئون، فإن إسرائيل تمتنع بشكل مطلق تقريبا من البحث في مكانتهم. ومن دون تدقيق كهذا، سيكون بالإمكان الإمساك بالعصا من طرفيها: من جهة، عدم طردهم وبذلك يتم التورط بانتهاك خطير للواجبات المعترف بها على المستوى الدولي، ومن الجهة الأخرى التحريض ضدهم والتنكر لكونهم لاجئين وعدم منحهم حقوقا اجتماعية".
وانتقد غروس تعامل إسرائيل مع اللاجئين لديها وقال إن هذا تعامل مرفوض، إذ تقوم إسرائيل بسجن اللاجئين الأفارقة تحت غطاء تعديل قانون التسلل إلى البلاد، ما يسمح بسجنهم من دون محاكمة لمدة ثلاث سنوات على الأقل. كذلك تعمل إسرائيل على الحصول على توقيع اللاجئين في السجن على موافقتهم على الموافقة لمغادرتها "طواعية"، فيما الخيار الآخر أمامهم هو البقاء في السجن لمدة غير محددة.
وفيما يتعلق بطرد اللاجئين إلى "دولة ثالثة"، أشار غروس إلى أن المعاهدة الدولية بشأن اللاجئين تنص على حظر نقل لاجئين من دولة إلى أخرى إلا لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام. كذلك فإن نقل لاجئين إلى دولة ثالثة هو أمر يمنعه القانون الدولي، إلا في حال كانت هناك ضمانات بأن الدولة الثالثة ستحمي اللاجئ ولا تقوم بطرده إلى مكان يمكن أن يعرض حياته للخطر.
وخلص غروس إلى أنه "حان الوقت كي تتوقف إسرائيل عن التعامل مع طالبي اللجوء على أنهم أشخاص يجب التخلص منهم، والتعامل بجدية مع واجبات إسرائيل بهذا الصدد. وحقيقة أن إسرائيل حصرا تتعامل معهم كمجرمين وكمن ينبغي قذفهم من البلاد، هو أمر مأساوي وساخر في الوقت نفسه".