الشكاوى المحقة ضد المؤسسات الرسمية في إسرائيل تعادل أضعاف ما هو مقبول في دول العالم

على هامش المشهد

 

 

 

سياسة التمييز تخلق فجوات متعددة في جهاز التعليم في إسرائيل

 

 

 

 

 

*التمييز يطال أساسا الطلاب العرب ثم الحريديم *تقارير تثبت أن سياسة توزيع الميزانيات تتحمل مسؤولية الفجوات في التحصيل العلمي *محلل: منذ سنوات طويلة لا توجد برامج لسد الفجوات في وزارة التربية والتعليم*

 

 

كتب: ب. جرايسي

 

افتتحت في الأسبوع الماضي السنة التعليمية الجديدة في إسرائيل، مع ما تحمله من فجوات في التحصيل العلمي وفي جهوزية البنى التحتية، وتمييز في سياسة توزيع الميزانيات، بينما تؤكد تقارير دولية أن الفجوات في إسرائيل في إسرائيل تُعد من الأعلى في العالم.

 

وتفيد سلسلة من التقارير ومن بينها تقرير لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، أن الفجوات الكبيرة في التحصيل العلمي، تعود أساسا لسياسة التمييز، وأن الضحية الأولى لهذه السياسة هم الطلاب العرب في إسرائيل، في حين حذر تقرير سابق لمنظمة OECD من أن 20% من الطلاب في إسرائيل سيجدون صعوبة في اندماجهم في سوق العمل، بعد تخرجهم من المرحلة المدرسية، بسبب وضعية تحصيلهم المتدنية جدا.

 

وتقول صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إنه من خلال سلسلة تقارير أعدتها خلال العام الدراسي الماضي، تبين أن مبنى أجهزة التعليم في إسرائيل تضرب احتمالات تقليص الفجوات الاجتماعية في الأجيال المقبلة، وبشكل خاص من باب اندماج خريجي المرحلة المدرسية في الحياة العملية وسوق العمل بشكل منتج وجيد، وضمان مستوى معيشي ملائم.

 

وتضيف الصحيفة أنه في جميع المعطيات التي جمعتها وجدت فجوات في شتى جوانب جهاز التعليم، من بنى تحتية ومبان مدرسية ومعدلات الاكتظاظ في الغرف التعليمية، ومناهج التعليم، والبرامج اللامنهجية، وأيضا بشكل خاص توزيع الميزانيات، وحيث تكون النتائج متدنية يرتفع منسوب العنف.

 

وحسب تقارير "ذي ماركر"، فإن هناك رابطا قويا بين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، وبين مستوى جهاز التعليم والتحصيل العلمي، إذ أن قسما من البرامج التعليمية، وخاصة البرامج اللامنهجية، التي تساهم في اثراء وعي الطلاب، ممولة أساسا من مساهمات العائلات، ومن المجالس البلدية والقروية، وحيث توجد أوضاع اقتصادية متدنية، فإن تمويل برامج كهذه يكون إما متدنيا، أو شبه معدوم، وبالتالي حرمان الطلاب من مختلف الأجيال من هذه البرامج، وهذا الأمر يبرز بشكل خاص في الغالبية الساحقة جدا من البلدات العربية.

 

المستوطنون ينعمون بميزانيات كبيرة

 

ويظهر من التقارير الرسمية وشبه الرسمية أن الشريحة الطلابية التي تنعم بالميزانيات الأكبر هي أبناء التيار "الديني الصهيوني" أو "الديني القومي"، الذين يشكلون جمهور الغالبية بين المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، إذ تصرف الحكومة على الطالب الواحد بالمعدل من هذا التيار 7500 دولار، بينما تصرف الحكومة على الطالب اليهودي العلماني 6800 دولار، أما حصة الطالب العربي فتنخفض إلى 5830 دولارا.

 

وإذا كانت الفجوة البادية بين الطالب العربي واليهودي العلماني 15% وبين العربي والمستوطن 23%، فإنها ترتفع بشكل أكبر، حين تضاف إلى هذا التمويل مساهمة العائلة والمجالس البلدية والقروية، إذ تتسع الفجوة بين الطالب العربي والطالب اليهودي في بعض الحالات إلى ما بين 30% وحتى 40%. وهذه الفجوة تبرز بشكل خاص في المرحلة المدرسية الثانوية، التي توازي التوجيهي.

 

وتقول صحيفة "ذي ماركر" إن التمويل الأقل للطالب هو من نصيب الطلاب المتدينين المتزمتين "الحريديم"، إذ يبلغ معدل حصة الطالب من الميزانيات 5 آلاف دولار، ولكن هذا لا يشمل المنح المباشرة التي تدفعها الدولة لمؤسسات ومعاهد "الحريديم".

 

وتقول الصحيفة إنه إذا فسّرت وزارة التعليم تدني تمويل طلاب "الحريديم" المباشر، بأنهم لا يلتزمون بالمنهاج المدرسي الكامل، فإن فضيحة التمييز تبرز في جهاز التعليم العربي، الذي يلتزم كليا بمنهاج التعليم الدراسي، ولكنه في ذات الوقت محروم من ميزانيات متساوية، وهذه حال قائمة منذ عشرات السنين.

 

 

أوضاع الطلاب العرب

 

 

يشمل جهاز التعليم العربي نحو 516 ألف طالب عربي، يشكلون 26% من إجمالي الطلاب في إسرائيل، وهذا العدد يشمل عددا قليلا من طلاب القدس الشرقية المحتلة، الذين يتبعون منهاج التعليم الإسرائيلي.

 

وتؤكد معطيات لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، التابعة للجنة رؤساء البلديات العرب، أن جهاز التعليم العربي ما زال يعاني من نقص 9 آلاف غرفة تعليمية، 6200 غرفة منها لمراحل التعليم المختلفة، والباقي روضات أطفال.

 

وتقول اللجنة إنه على الرغم من كل البرامج التي وضعتها وزارة التعليم لبناء الغرف التعليمية، إلا أن هذه البرامج كانت بالكاد تكفي حاجة التكاثر الطبيعي، ولهذا فإن نقص الغرف ما زال على حاله منذ سنوات، ولا تلوح في الأفق برامج لإنهاء النقص. ويتم سد هذا النقص في الغرف التعليمية، من خلال استئجار أكثر من أربعة آلاف غرفة، نصفها روضات أطفال، وجميعها لا تلائم الأجواء التعليمية المطلوبة، وباقي النقص يكون من خلال ارتفاع الاكتظاظ في الغرف التعليمية.

 

وتؤكد اللجنة أن جهاز التعليم العربي بحاجة إلى 10 آلاف وظيفة لمستشارين تربويين وأخصائيين نفسيين وما شابه، حتى يتم سد الفجوة مع جهاز التعليم العبري، إضافة إلى تشغيل ما لا يقل عن 3 آلاف معلم جديد، في حال جرى سد نقص الغرف التعليمية، وتخفيف الاكتظاظ في الغرف التعليمية.

 

أما على مستوى المنهاج، فإن وزارة التعليم الإسرائيلية تخصص لجهاز التعليم العبري ساعات تعليمية أكثر بنسبة 15% من الجهاز العربي، بالمعدل للطالب الواحد، كذلك فإن الوزارة، وخاصة في السنوات الأخيرة، صعّدت من تدخلها في المنهاج التعليمي العربي، وبشكل خاص حرمان الطلاب من تعلم الثقافة والأدب الفلسطيني الوطني في داخل جهاز التعليم، إلى جانب تغييب الهوية الفلسطينية عن الطلاب، وفوق كل هذا، إلزام الطلاب بدراسة برامج تسعى إلى صهينة المجتمع العربي، ومحاولة تدجينه وأسرلته.

 

وتنعكس هذه الظروف وغيرها على مستوى التحصيل العلمي، فوفق المعطيات الرسمية تصل فجوة التحصيل العلمي بين الطلاب العرب واليهود إلى نحو 24%، وما يفضح أسباب هذه الفجوة هو أن تحصيل الطلاب العرب في المدارس الأهلية الخاصة، التي يمول الأهالي قسطها الأكبر، تنافس تحصيل الطلاب اليهود.

 

فعلى سبيل المثال، دلت نتائج امتحان رياضيات دولي في السنة الدراسية الماضية على أن إسرائيل حلت في المرتبة 37، من أصل قرابة 80 دولة، ولكن بعد فرز النتائج بين اليهود والعرب اتضح أن نتيجة الطلاب اليهود وحدهم تضع إسرائيل في المرتبة 16 بينما النتيجة لدى الطلاب العرب تضعهم في المرتبة 51 من بين تلك الدول.

 

وقالت وزارة التعليم في تقرير لها عن نتائج الامتحانات النهائية المدرسية، ما يوازي "التوجيهي" للعام الدراسي الماضي، أن العرب حققوا تقدما في العام الماضي، وارتفعت نسبة من لديهم شهادة توجيهي (بجروت) كاملة من 37% إلى أكثر من 42%، من أصل الشريحة العمرية، مقابل 66% بين اليهود، ولكن من الضروري الإشارة إلى أن الشريحة العمرية تشمل طلاب القدس المحتلة الذين لا يتقدمون للامتحانات الإسرائيلية، ومن دونهم تكون نسبة من لديهم شهادة توجيهي كاملة من الطلاب العرب نحو 50%، ولكن هذا يبقي فجوة كبيرة بين العرب واليهود.

 

وقال رئيس لجنة متابعة التعليم العربي المربي محمود حيادري إن ارتفاع نسبة الحاصلين على شهادة توجيهي بين الطلاب العرب لا يلغي الفجوة العالية بين جهازي التعليم العربي واليهودي، ما يعني ضرورة تصعيد النضال من أجل وقف سياسة التمييز ضد جهاز التعليم العربي.

 

 

لا سياسة لسد الفجوات

 

وفي مقال مطول، يقول المختص في الشؤون الاجتماعية في صحيفة "هآرتس" أور كاشتي إنه في السنوات العشرين الأخيرة، ومن قبلها أيضا، لم تبلور وزارة التعليم سياسة منهجية واضحة وحازمة تهدف إلى سد الفجوات، باستثناء مبادرات أعلن عنها بصوت عال وضجة كبيرة، وسرعان ما جرى تجاهلها في غضون عام أو عامين، أو على الأغلب على أثر استبدال وزراء.

 

وما يشير اليه كاشتي في هذا المجال، هو تقلبات الوزراء في سنوات التسعين من العام الماضي، فقد عرفت وزارة التعليم ثلاثة من الوزراء، من حزب ميرتس، الذين أحضروا معهم برامج واضحة لسد الفجوات، إلا أنه سرعان ما كانوا يفقدون مناصبهم، لتبقى البرامج متعددة السنوات حبرا على ورق، وليتم استبدالها بمخططات سوداوية.

 

والحديث يجري عن الوزير شولاميت الوني، التي تولت الوزارة من منتصف العام 1992 ولمدة عامين، حتى أطاح بها رئيس الحكومة في حينه إسحق رابين، إرضاء للحريديم، وتولى بعدها أمنون روبنشتاين، من حزبها، إلا أنه هو الآخر سرعان ما فقد منصبه بعد أقل من عامين، بسقوط الحكومة وتولي حكومة الليكود، وعاد المشهد من جديد في منتصف العام 1999، حين تولى المنصب الوزير يوسي سريد، الذي بقي في منصبه 20 شهرا فقد، حتى سقوط حكومة إيهود باراك، وصعود حكومة أريئيل شارون، وتولي الوزيرة المتطرفة ليمور ليفنات الوزارة لمدة خمس سنوات متتالية، جرى خلالها تقليص ميزانية وزارة التعليم بشكل غير مسبوق وبموافقتها، وكانت السنوات الأكثر سوداوية بالنسبة للتعليم العربي خاصة.

 

ويقول كاشتي: حينما نتكلم عن 20 سنة لسد الفجوات، فإننا نقصد أساسا الفجوات بين الطلاب اليهود، لأن البرامج بالنسبة لجهاز التعليم العربي تم اهمالها منذ سنوات أبعد بكثير، إذ كان يجري وضع خطط خماسية، يتم تمديدها من حين إلى آخر دون فحص نتائجها.

 

ويتابع كاشتي كاتبا إن عدم جاهزية وزارة التعليم لسد الفجوات لم يكن صدفة، والشعار الذي أطلق في حملة الاحتجاجات الشعبية قبل عامين: "هذا ليس خطأ، هذه سياسة" يسري أيضا على جهاز ووزارة التعليم. فالتعامل مع اللامساواة في جهاز التعليم وكأنه مشكلة ثانوية، والتطرق إليها ببعض تعابير تمتمة هامشية، يدل على عدم وعي لانعكاسات الضعف في جهاز التعليم العام.

 

ويشدد كاشتي على أن قطاع التعليم الرسمي يجب أن يتحلى بتساوي الفرص بين جميع الطلاب، من دون أن يكون عرضة لتأثيرات الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، بما يتيح إمكان منح الفرص للطلاب كي يحصلوا على مستوى التعليم الكفيل بإعدادهم للمستقبل.