الأكاديمي الإسرائيلي زئيف شتيرنهل: إسرائيل فاشية لأنها تحارب التنوير والقيم الكونية

على هامش المشهد

 

 

أكثر من مليون ونصف مليون طالب على مقاعد الدراسة في السنة الدراسية الإسرائيلية الجديدة

 

*معطيات تقرير مكتب الإحصاء المركزي تثير قلق الإسرائيليين: 46% من طلاب الصف الأول الابتدائي من العرب والحريديم *طلاب الحريديم يشكلون 27% من طلاب الصف الأول اليهود *وتيرة تكاثر العرب والحريديم تتراجع لكن نسبة التكاثر تبقى عالية *معطيات مكتب الإحصاء تنقض تقديرات إسرائيلية تسعى إلى تخفيض نسبة الحريديم من بين عموم السكان*

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

أثارت معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي حول عدد الطلاب في المرحلة المدرسية، في السنة الدراسية الجديدة، التي ستفتتح في السابع والعشرين من شهر آب الجاري، ضجة كبيرة في إسرائيل، رغم أنها تأتي حسب التوقعات التي ظهرت منذ سنوات.

وفي مركز هذه الضجة أن نسبة الطلاب في الصف الأول الابتدائي في جهاز تعليم المتدينين المتزمتين (الحريديم) وجهاز التعليم العربي، من إجمالي عدد الطلاب في هذا الصف، بلغت 46%، ما يعني حسب التعريفات الإسرائيلية جمهورين خارج الحركة الصهيونية. لكن الأهم هو أن هذه النسبة وبتفاصيلها الدقيقة تكشف أكثر حقيقة التوزيع الديمغرافي، خاصة في ما يتعلق بالحريديم، إذ أنها حقيقة تجد من يسعى إلى تقليص حجمها، فمن التفاصيل نرى أن نسبة الطلاب الحريديم من إجمالي الطلاب اليهود في الصف الأول تلامس 27%، وهذا ما يقلق إسرائيل الرسمية على وجه الخصوص.

وقد أصدر مكتب الإحصاء المركزي تقريرا دوريا بمناسبة افتتاح السنة الدراسية في إسرائيل في الأسبوع المقبل، وهي للسنة الثانية على التوالي تفتتح في السابع والعشرين من آب بدل الأول من أيلول كما كان سائدا على مدى 63 عاما من قبل، حيث أن التبكير يهدف أساسا إلى اضافة أيام عُطل في جهاز التعليم العبري بين الأعياد اليهودية المتلاحقة في شهري أيلول وتشرين الأول.

وتضمن التقرير تقديرات مكتب الإحصاء لأعداد الطلاب من العام الماضي 2012 وحتى العام 2019، ففي العام الدراسي الجديد من المتوقع أن يبلغ عدد الطلاب في الصفوف المدرسية الـ 12، نحو 59ر1 مليون طالب سيتوزعون عمليا على أربعة أجهزة تعليم أساسية: التعليم العبري، والتعليم الديني الصهيوني، وكلاهما يعدان رسميين، وجهاز التعليم العربي الرسمي، وجهاز التعليم التابع لطوائف الحريديم، وهذا الأخير لا يلتزم بالمنهاج الدراسي بشكل كامل، في المواضيع العلمية والرياضيات واللغة الانكليزية، ويضاف إلى هذا أن جهاز التعليم العربي ككل يتم توزيعه إداريا داخل وزارة التربية والتعليم، إلى ثلاثة أجهزة: العربي والبدوي والدرزي، بموجب سعي إسرائيل إلى عرض صورة تفرقة للأقلية القومية العربية الأصلانية، ولكن مكتب الإحصاء يتعامل في معطياته مع جهاز التعليم العربي ككل.

 

معطيات عامة

حتى العام 2019

وكما ذكر، فإن عدد الطلاب في العام الدراسي الجديد من المفترض أن يصل إلى 59ر1 مليون طالب، بزيادة 25 ألف طالب عن العام الدراسي 2012، وهي تشكل نسبة 57ر1%، وهذه زيادة كما في كل الحالات لا تعكس زيادة التكاثر السكاني، بل هي زيادة عن عدد الطلاب الذين أنهوا الصف الـ 12 الأخير في المرحلة المدرسية، ولهذا فإننا سنرى في المعطيات اللاحقة تفاوتا في نسب زيادة الطلاب من جهاز إلى آخر، ومن المفاجئ، نوعا ما، أن أدنى نسبة زيادة هي في جهاز التعليم العربي، رغم أن نسبة التكاثر بين العرب تبقى الأعلى، ولكن هذا التراجع ناجم عن تراجع معدلات الولادة الحادة لدى العرب بفعل تطور العصر، رغم أن معدل الولادات لدى العرب ما زال مرتفعا، 5ر3 ولادة للأم العربية، مقابل 7ر2 ولادة للأم اليهودية.

وحسب تقديرات المكتب، فإن عدد الطلاب الإجمالي سيرتفع حتى العام الدراسي 2019، إلى 744ر1 مليون طالب، وهذا بزيادة 11% عن العام 2012، إذ سيرتفع عدد الطلاب اليهود بنحو 139 ألفا، وهم يشكلون زيادة بنسبة 12%، بينما سيرتفع عدد الطلاب العرب بنحو 40 ألفا، ما يشكل نسبة 10% من عدد الطلاب في العام الماضي 2012، وسيكون عدد الطلاب العرب في ذلك العام 457 ألف طالب، ومعطيات الطلاب العرب لا تشمل طلاب القدس المحتلة، لأنهم لا ينخرطون في جهاز التعليم الإسرائيلي الرسمي. وكما أشير من قبل، فإن الفارق في النسبة لا يلغي أن نسبة التكاثر بين العرب تبقى الأعلى، والفارق ناجم عن ارتفاع معدلات الولادات بين اليهود، بسبب ارتفاعها بين الحريديم، رغم استمرار تراجعها بين العلمانيين.

وينعكس تراجع معدل الولادات بين العرب في نسبة الطلاب ضمن المرحلة الابتدائية من إجمالي عدد الطلاب العرب، ففي العام 2001 كانت نسبة طلاب المرحلة الابتدائية من إجمالي الطلاب 65%، لتنخفض في العام 2012 إلى 60%، وحسب التقديرات فإنها ستنخفض في العام 2019 إلى 57%.

 

الارتفاع الحاد في

أعداد المتدينين

ويُظهر التقرير الارتفاع الحاد في نسبة الطلاب المتدينين ككل، وبشكل خاص الطلاب المتزمتين (الحريديم)، ويجري مقارنة بين نسب العام 2001 والعام 2012 وتقديرات العام 2019. ففي العام 2001 كانت نسبة الطلاب اليهود في المدارس الرسمية العادية، وهي عادة مدارس لأبناء العلمانيين، تشكل 60% من إجمالي الطلاب اليهود في المرحلة الابتدائية، وانخفضت النسبة في العام 2012 إلى 52%، ومن المفترض أن تنخفض حتى العام 2019 إلى 49%.

وفي جهاز التعليم الديني الصهيوني في المرحلة الابتدائية، كانت المعطيات مغايرة للانطباع بأن التكاثر لدى هذا الجمهور أعلى بكثير من الجمهور العلماني، إذ بين التقرير أن النسبة تقريبا ستراوح مكانها، 19% في العام 2001، و18% في العام 2012 و19% في العام 2019.

أما في جهاز تعليم الحريديم، وفي المرحلة الابتدائية، فقد كانت نسبتهم من إجمالي الطلاب اليهود في العام 2001 نحو 21%، لترتفع في العام 2012 إلى 30%، وبحسب التقديرات فإن هذه النسبة سترتفع إلى 32% في العام 2019.

ورغم ذلك، نرى أن نسبة تكاثر اليهود الحريديم المتزمتين ستتراجع وفق هذه المعطيات، فإذا نظرنا إلى الفرق بين العامين 2019 و2001، سنجد أن نسبة الطلاب الحريديم من إجمالي الطلاب اليهود في المرحلة الابتدائية ارتفعت بنسبة 57%، بينما نسبة الطلاب الحريديم في المرحلة العليا (ما يوازي التوجيهي) سترتفع من العام 2001 إلى 2019 بنسبة 62%.

إذن نرى أن الطلاب اليهود في المدارس الرسمية في المرحلة العليا كانوا في العام 2001 نحو 67%، وفي العام 2012 انخفضت نسبتهم إلى 60%، وفي العام 2019 ستنخفض إلى 56%. أما في الجهاز الديني الصهيوني، فقد كانت النسبة في العام 2001 نحو 17% وبقيت على هذه النسبة في العام 2012، أما في العام 2019 فسترتفع إلى 18% فقط. أما لدى جهاز تعليم الحريديم، فقد كانت النسبة في العام 2001 نحو 16% من إجمالي الطلاب اليهود، لتقفز في 2012 إلى 23%، وستخف حدة الارتفاع حتى العام 2019 لتكون نسبتهم 26%.

 

تناقض مع تقديرات

ديمغرافية

إن معطيات جهاز التعليم الواردة في تقرير مكتب الإحصاء المركزي هي الأقرب إلى الواقع من حيث التوزيعة الديمغرافية، خاصة بين اليهود، لأننا نشهد على مر السنين تناقضات كبيرة في تقدير نسبة الحريديم من إجمالي السكان، ومن إجمالي اليهود في إسرائيل على وجه الخصوص. وهناك شعور بأن جهات ما تسعى إلى تخفيض تقديراتها لنسبة الحريديم، فهناك من يزعم أنهم يشكلون 9% من إجمالي السكان، و11% من إجمالي اليهود، بينما دلت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بعد تحليلها وخصم كل الإضافات التي حصلت عليها لوائح الحريديم، على أن نسبتهم بين السكان هي في حدود 5ر12% (أكثر بقليل من 900 ألف نسمة)، ونحو 15% من اليهود في إسرائيل. ومعطيات مكتب الإحصاء تدعم استنتاجات نتائج الانتخابات الأخيرة بشأن نسبة الحريديم.

كذلك، فإن معطيات العام 2012 تفسر أكثر حالة الاصرار في الحلبة الإسرائيلية على سريان قانون التجنيد الالزامي على الشبان الحريديم، إذ نرى أن شبان الحريديم يشكلون 23% من إجمالي الطلاب اليهود في المرحلة المدرسية العليا، وهي شريحة ما قبل التجنيد العسكري، وهي نسبة كما رأينا هنا ترتفع باستمرار، وإن كان بوتيرة أقل، ولهذا فإن إسرائيل تعتقد أنها ستكون في مأزق على مستوى القوى العاملة في الجيش بسبب ازدياد نسبة الحريديم.

وقد أقر الكنيست في أواخر دورته الصيفية في الشهر الماضي- تموز- بالقراءة الأولى، سريان قانون التجنيد الالزامي على الحريديم، بشكل تدريجي حتى العام 2020.

وبموازاة ذلك، فإن إسرائيل تعتقد أن تطبيق قانون التجنيد الالزامي على الحريديم، سيساهم في تفكيك هذا المجتمع المنغلق على نفسه، ويفتح أمام الأجيال الناشئة تصورات جديدة للانخراط في المجتمع المفتوح، وهذا ما تدركه جيدا الزعامات الروحية للحريديم، ما يزيد أكثر في اصرارها على رفض التجنيد.

فقد رأينا في السنوات الأخيرة أن القلق الأساس في إسرائيل في المجال الديمغرافي انتقل من ارتفاع نسبة العرب من مجمل السكان، إلى نسبة الحريديم، فنسبة تكاثر العرب في تراجع، ما يقلص الفجوة بين العرب واليهود كثيرا، إلا أن تقليص الفجوة ليس نابعا من زيادة التكاثر بين اليهود ككل، فمصدر الزيادة أساسا هو جمهور الحريديم، في الدرجة الأولى، ومن ثم جمهور المتدينين الصهاينة، وترى إسرائيل أن تزايد أعداد الحريديم ونسبتهم بشكل هائل، ونظرا لطبيعة حياتهم التقشفية والانعزالية إلى درجة كبير، يشكل خطرا اقتصاديا واجتماعيا على مستقبلها.

هذا يعني أن الصهيونية تنظر إلى الحريديم كخطر على مستقبل مشروعها الاستراتيجي الأساس "دولة إسرائيل"، فهم لا ينخرطون في الاقتصاد بشكل طبيعي، بدءا من نسبة الانخراط العام، نحو 39% بين الرجال، و50% بين النساء، وحتى انخراطهم في العمل محدود في مجالات معينة، كما أن طبيعة استهلاكهم الفردي والجماعي لا تتناغم كليا مع الاستهلاك العصري.

 

التحصيل العلمي

لدى معالجة التحليلات الإسرائيلية لمعطيات التقرير جرى وضع العرب والحريديم في خانة واحدة من حيث تدني التحصيل العلمي، من دون الالتفات إلى أسباب التراجع المختلفة كليا بين الجمهورين. فجهاز الحريديم يمتنع عن الالتزام بالمنهاج الدراسي الكامل، خاصة في المواضيع العلمية والرياضيات، ويبتعد كليا عن مواضيع العصر، وفي المقابل يحظى جهاز الحريديم بميزانيات دعم ضخمة.

أما جهاز التعليم العربي فإنه يلتزم كليا بالمنهاج الدراسي بتنوعاته، لكنه يواجه بشكل دائم سياسة تمييز شرسة في مجال الميزانيات، إذ أن معدل الصرف الكلي على الطالب العربي يتراوح ما بين 40% إلى 60% مما يُصرف على الطالب اليهودي، والبنى التحتية في جهاز التعليم العربي تئن تحت وطأة النواقص: نحو 9 آلاف غرفة تعليمية، وعدد الطلاب العرب في الغرفة التعليمية أعلى بنسبة 20% إلى 25% من المعدل في جهاز التعليم العبري.

ولهذا، فإن عدم التوقف عند أسباب تراجع التحصيل العلمي في كل جهاز على انفراد فيه الكثير من الغبن، وعدم المصداقية، كما نرى في ما يقوله الخبير في الاقتصاد والديمغرافيا البروفسور دان بن دافيد، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الذي لا يميز بين تلك الأسباب.

ويقول بن دافيد في مقاله "إن مجموعتين كبيرتين من السكان في الدولة تحصلان على مستوى تربية دون المستوى المعطى في العالم الثالث، ولذا أصبح يوجد عندنا اليوم أكبر فجوات اجتماعية في العالم الغربي. فماذا سيحدث حينما يكبر هؤلاء الاولاد الذين ستصبح نسبتهم في السنة القريبة 46 في المئة من طلاب الصفوف الأولى؟ إن المشكلة المركزية هي أن هذه لم تعد مشكلتهم منذ زمن بل هي مشكلتنا. يجب علينا أن نبقي هنا على دولة، وحينما ننظر إلى المستقبل، فمن المؤكد أنه يوجد هنا اقتصاد عالم ثالث، وربما يكون أهم من ذلك أن اقتصاد العالم الثالث لن يستطيع أن يحافظ على جيش عالم أول".

ويضيف بن دافيد "لا يتعلم الأولاد الحريديم، والبنون منهم في الأساس، الدراسات الجوهرية بعد الصف الثامن، وهم إلى ذلك الحين لا يدرسون الانكليزية أو العلوم ومستوى دراسة الرياضيات تحت كل نقد. إن ما نراه اليوم عند الحريديم لم نره في الماضي. فقبل ثلاثين سنة كان أكثر من 80 في المئة من الحريديم يعملون، أما اليوم فيعمل منهم أقل من 50 في المئة. وإعدادهم للحياة الذي يكتسبونه في المدارس لا يناسب الاقتصاد الحديث. حينما نتحدث عن قانون التجنيد يقولون إن الحريديم ربما لن يتجهوا إلى الجيش وسيخرجون للعمل فقط، لكن أين سيعملون بالضبط؟ إن الاقتصاد لا يحتاج إلى أناس يكون تعليمهم دون مستوى الصف الثامن".

ويقول بن دافيد "إن إنجازات الطلاب في المدارس الرسمية أعلى كثيرا من الإنجازات في أطر التربية الحريدية والعربية، ويكون هذا أيضا حينما يدرسون المادة نفسها أصلا. وهكذا فإن إنجازات الطلاب العرب في الامتحانات الدولية أدنى حتى من إنجازات طلاب في الأردن وتونس. أما الطلاب الحريديم في مقابل ذلك فلا يتقدمون البتة إلى الامتحانات الدولية".