تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

على هامش المشهد

 

 

 

جمعية حقوق المواطن: ليتوقف جهاز شاباك عن نهج المحادثات التحذيرية بحق نشطاء سياسيين واجتماعيين

 

 

كتب سليم سلامة:

 

 

إنه تقليد متبع منذ عقود طويلة في البلاد، لكنها المرة الأولى التي يُطرح فيها على طاولة المحكمة العليا الإسرائيلية على هذا النحو، من حيث وفرة الحالات التفصيلية الصريحة المعروضة كما من حيث المطلب القضائي الواضح، استنادا إلى قوانين إسرائيلية محددة. إنه نهج متأصل في ممارسة جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يتمثل في استدعاء نشطاء سياسيين واجتماعيين إلى "محادثة" (تحذيرية!) هي ليست تحقيقا رسميا بشبهة عينية أو تهمة محددة.

 

هذا هو موضوع الالتماس غير المسبوق الذي قدمته "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" إلى المحكمة العليا، مؤخرا (يوم 25/7) بواسطة المحاميتين ليلى مرغليت وكيرن تامير. والالتماس موجّه، رسميا، ضد كل من جهاز "الشاباك" وشرطة إسرائيل، إذ يطالب المحكمة بإصدار أمر احترازي ضدهما يلزمهما بـ : 1. أن يتوقف "الشاباك" عن استدعاء مواطنين إلى "محادثة تحذيرية" بشأن مشاركتهم في نشاطات سياسية أو احتجاجية؛ 2. أن تتوقف الشرطة عن استدعاء مواطنين إلى "محادثات" كهذه لدى جهاز "الشاباك"، والتي تجرى بما لا ينسجم مع صلاحيات التحقيق المخولة للجهاز وفقا للبند رقم 8 في "قانون جهاز الأمن العام" من سنة 2002.

 

وتوضح "جمعية حقوق المواطن"، في مستهل التماسها، أنه "يتعلق بسياسة جهاز الشاباك في استدعاء نشطاء سياسيين، بل ونشطاء في المجتمع المدني أحيانا، إلى ’محادثات تحذيرية’ هي ليست تحقيقات رسمية. وغالبا ما يتم ذلك بواسطة استدعاءات شُرَطيّة. وخلال تلك المحادثات، تُوَجّه للمستَدعَين أسئلة حول نشاطاتهم السياسية، حول أعمالهم ومعارفهم وحول نشطاء آخرين – وكل هذا بينما يتم إفهامهم بأن الشاباك يعرف عنهم تفاصيل شخصية عديدة ويراقب تحركاتهم. وكما هو مبين في الالتماس، فإن هذه السياسة تشكل خروجا فظا عن صلاحيات الشاباك القانونية، وتمس مساً كبيرا بحقوق الفرد الدستورية الأساسية، وخاصة الحق في حرية التعبير والاحتجاج. ونظرا لهذا المسّ المتواصل – الذي لا يؤثر على المستَدعَين أنفسهم فحسب، بل يخلق تأثيرا مُجهِضا خطيرا يمسّ بحرية مواطنين كثر في التعبير والاحتجاج – فإن المحكمة العليا مطالبَة بتحديد موعد سريع للنظر في هذا الالتماس".

 

نهج قديم تجاه العرب

يتكرر تجاه اليهود مؤخرا!

 

يأتي التماس "جمعية حقوق المواطن" هذا على خلفية الزيادة الكبيرة في حالات الاستدعاء هذه وتكريسها نهجا بين عدد متزايد ومختلف من النشطاء اليهود خلال السنوات الأخيرة، علما بأن هذا النهج متبع منذ عقود طويلة بين المواطنين الفلسطينيين في داخل إسرائيل. ويتمثل هذا النهج، بصورة أساسية، في توجيه استدعاء شرطيّ للمواطن المعنيّ من خلال عرض الأمر وكأنه "مجرد محادثة"، بينما هو في الواقع تحقيق غير رسمي، يتم خلاله توجيه أسئلة شتى للمواطن، سواء عن نشاطاته السياسية، حياته، أعماله، وضعه الاقتصادي وعلاقاته، ناهيك عن أقاربه، أصدقائه ومعارفه، حيث يُطلَب منه في بعض الأحيان، أيضا، تزويد "المحقق" بمعلومات مختلفة عن هؤلاء تشمل أسماءهم، أرقام هواتفهم وغيرها.

 

ويدعي الالتماس بأن محققي جهاز "الشاباك" غالبا ما يوضحون للمواطن المعني الذي يلبي أمر الاستدعاء أن "الجهاز يعرف تفاصيل شخصية كثيرة عنه ويراقب تحركاته"! وفي بعض الحالات، يحرص المحققون على التأكيد للمواطن الماثل أمامهم بأنه "حتى الآن، ليس ثمة أية شبهة ضده بأنه قد تجاوز القوانين، لكنّ عليه الحذر وعدم المس بأمن الدولة مستقبلا"! ويضيف الالتماس، أيضا، بأن بعض المواطنين الذين تم استدعاؤهم وحضروا إلى مثل هذه "المحادثة" قد أخضعوا لعمليات "تفتيش مهين" قبل بدء "المحادثة"!

 

وتتناقض هذه السياسة، كما يؤكد الالتماس، مع نصوص البندين 7 و 8 من "قانون جهاز الأمن العام" اللذين يعرّفان ويحدّدان وظائف الجهاز، مهماته وصلاحياته. وهي تشكل، أيضا، استغلالا موسعا وغير مبرر لمصطلح "التآمر" الوارد في نص القانون المذكور، "بما يتعارض مع قيم دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية ويشكل مسّا خطيرا بحقوق الفرد الأساسية والدستورية، بما فيها حقه في حرية التعبير والاحتجاج، حقه في الكرامة الشخصية، حقه في الخصوصية والحرية وحقه في أن يخضع لإجراءات قضائية عادلة".

 

ويزيد الالتماس، أيضا، أن "استدعاء نشطاء سياسيين إلى محادثات ودية، "على فنجان شاي"، لدى جهاز الأمن السري، ليس من بين الممارسات المعتمدة في نظام ديمقراطي والمميزة له. ذلك أن مثل هذا الإجراء من شأنه وصم أي نشاط سياسي خارج عن الإجماع (القومي) وكأنه يشكل تهديدا أمنيا، ما قد يؤدي إلى ردع المواطنين عن المشاركة في أنشطة احتجاجية لا تروق للسُلطة"! وهذا، فضلا عن "تأثيره المُجهض المحتمل والخطير على حرية التعبير والاحتجاج بين المواطنين عامة".

 

وفي هذا السياق، يورد التماس "جمعية حقوق المواطن" ما صرح به رئيس جهاز "الشاباك" السابق، يوفال ديسكين، في رسالة وجهها باسمه مساعد المستشار القضائي للحكومة، راز نيزري، إلى الجمعية يوم 20/5/2007، من أن "مصطلح ’التآمر’ هو، بطبيعة الحال، مصطلح ضبابي وغير محدد. وفي السياق، فإن موقف الجهاز هو أن هذا المصطلح قد يشمل، أيضا، السعي إلى تغيير القيم الأساسية للدولة، من خلال إلغاء طابعها الديمقراطي أو طابعها اليهودي"! كما يوضح ديسكين، في رسالته أيضا، أن "الشاباك يعتبر أنه يمتلك صلاحية تعقب النشاطات السياسية القانونية، بل واستخدام ’وسائل جَمع’ (معلومات) اختراقية لهذا الغرض، رغم أنه يعمَد إلى ’الكبح الذاتي’، بوجه عام"!

 

وترى الجمعية أن رسالة رئيس الجهاز المذكورة تبين أن "(تعريف) حدود صلاحيات الجهاز في مراقبة وتعقّب نشاطات سياسية يؤثر، أيضا، على حجم ومدى استخدام ’وسائل جَمع’ في هذا السياق ـ بما في ذلك، الحصول على معطيات اتصالاتية وتحليلها، زيادة على التنصت السري، أيضا. ومن المعروف أن مثل هذه الإجراءات التي يقوم بها الشاباك لا تخضع لأية رقابة قضائية أو جماهيرية، وهو ما يجعل قرار المحكمة بهذا الصدد ذا أهمية حاسمة في تحديد وترسيم حدود المهام القانونية الموكلة إلى الجهاز في كل ما يتصل بالنشاط السياسي وبغية منع استخدام هذه الوسائل بصورة مبالغة ومؤذية، سيما وأن هذا الاستخدام لن يكون خاضعا لأية رقابة مباشرة، أبداً".

 

كما أورد الالتماس، أيضا، بعضا مما تضمنه "التلخيص السنوي للعام 2012" الذي نشره جهاز "الشاباك" على موقعه العنكبوتي. فتحت عنوان "اليمين واليسار المتطرفان"، ورد أن "المعلومات التي جمعها الشاباك وتم تحويلها إلى السلطات المختصة بتطبيق القانون في الدولة قد ساعدت في لجم وكبح نشاطات ترمي إلى نزع الشرعية عن دولة إسرائيل".

 

 

شهادات أشخاص

تم استدعاؤهم

 

توضح "جمعية حقوق المواطن"، في التماسها، أن الالتماس مقدم باسمها هي إلى المحكمة، وليس بأسماء أشخاص معينين ممن تم استدعاؤهم ومثلوا لمثل هذه "المحادثات"، وذلك لسببين جوهريين: الأول، أن كثيرين من بين هؤلاء الأشخاص غير معنيين بالوقوف في مواجهة مباشرة وعلنية مع جهاز "الشاباك"! والثاني، أن موضوع الالتماس لا يخصّ أولئك الأشخاص وحدهم فقط، بل يهمّ آخرين كثيرين أيضا، وخاصة النشطاء الذين قد يتم استدعاؤهم لمثل هذه المحادثات مستقبلا، فضلا عن قطاعات واسعة من المواطنين الذين سيرتدعون عن المشاركة في نشاطات سياسية قانونية، من خلال بث رسالة واضحة إليهم مفادها أنه "من الأفضل لهم التفكير مرتين قبل المشاركة في نشاط سياسي احتجاجي غير مَرْضِيّ عنه"!

 

ويتضمن الالتماس مجموعة من الشهادات الشخصية، المقدمة كتصاريح مشفوعة بالقسم من أشخاص تعرضوا للاستدعاء ولـ "المحادثة"، تكشف تفاصيل هذه السياسة ومدى خطورتها، من ضمنها هذه النماذج:

 

1. راتب أبو قرينات، مركّز "طاقم التعايش في النقب" وناشط من أجل حقوق البدو – تم استدعاؤه في حزيران 2012 لجلسة "استيضاح" تخللها تفتيش جسدي وتوجيه أسئلة شخصية عن دراسته، عمله، أصدقائه، أبناء عائلته وغيرها. كما طُلب منه تزويد أرقام هواتف عدد من أصدقائه وأقربائه، ثم تحذيره بأن "يصلّي" لكي لا يتم استدعاؤه ثانية. وفعلا، تم استدعاؤه مرة أخرى، في شهر شباط الأخير، لكنّ ممثلي "الشاباك" عادوا و"أعفوه" من "واجب الحضور"، إثر تدخل "جمعية حقوق المواطن"!

 

2. د. كوبي سنيتس، باحث في "معهد وايزمان للعلوم" وناشط في مظاهرات ضد الاحتلال – في شهر كانون الأول 2012، تلقى محادثة هاتفية من "رونا من الشاباك" استدعته خلالها لـ "محادثة"، مهدّدة إياه بأنه "إذا لم يتعاون، فسيتم احتجازه للتحقيق وستقوم دورية شرطة بإحضاره". وخلال "المحادثة التحذيرية"، التي جرت معه بحضور "رونا" و"ماتي"، الذي قدم نفسه على أنه "مسؤول عن اليسار المتطرف وأنشطة نزع الشرعية" في "القسم اليهودي" في الشاباك. وتمثل ادعاء المحققين، خلال "المحادثة"، بأن سنيتس "ضالع في تنظيم مظاهرات غير قانونية"، ثم تم تحذيره بأنهم "يمنحونه فرصة التوقف" وبأنهم "يمكن أن يكونوا أقل لطفا بكثير"!

 

3. محمود قراعين، موظف في "جمعية حقوق المواطن" – تم استدعاؤه في نيسان 2012 إلى "محادثة" في مركز شرطة "شاليم" في القدس، حيث استقبله "بوعاز" الذي قدم نفسه على أنه "رئيس المخابرات" في سلوان. وخلال "المحادثة"، تم توجيه أسئلة مختلفة لقراعين، بما فيها حول دراسته، عمله في "جمعية حقوق المواطن" ووضعه الاقتصادي، فضلا عن سبب عدم زواجه حتى الآن! كما طُلب منه تزويد معلومات شخصية عن أحد أفراد عائلته وعن أصدقاء مقربين.

 

4. ليهي روتشيلد، ناشطة في مجموعة "فوضويون ضد الجدار" – اقتيدت إلى "محادثة تحذيرية" في آذار 2012 لدى عودتها إلى البلاد من زيارة في خارج البلاد، فور هبوطها في مطار اللد (بن غوريون). وخلال "المحادثة"، تم توجيه أسئلة مختلفة إليها، بما فيها "لماذا لا تبدو فوضوية بالفعل" وغيرها من الأسئلة الشخصية حول ملابسها، ثم تم "تحذيرها" بأنه "على الرغم من أن نشاطها هو في نطاق القانون، إلا أنهم سيصلون إليها في اللحظة التي تتجاوزه"!

 

يشار هنا إلى أن ليهي روتشيلد هي ابنة حانه روتشيلد، القاضية في "محكمة شؤون العائلة" في مدينة رمات غان!!

 

5. ط. ك. ، ناشط يساري – تم استدعاؤه في العام 2011 إلى "محادثة" في مركز الشرطة في تل أبيب. ورغم إبلاغه بأنها "محادثة"، وليس تحقيقا، إلا أنه تم تحذيره من أنه "في حال عدم حضوره إلى مركز الشرطة، سيقومون بإحضاره بواسطة دورية شرطة"! وخلال "المحادثة"، تبين للشاب أن لدى ممثل "الشاباك" معلومات وافية عن حياته الشخصية، وجرت محاولة لثنيه عن المشاركة في نشاطات سياسية "قد تؤذي أعماله"! كما أبدى ممثل "الشاباك" استغرابه من "كيف أن شابا جيدا كان في الجيش يصبح ناشطا في اليسار الراديكالي"! وفي نهاية "المحادثة"، أشار المحقق إلى أنه يعرف أن نشاط الشاب قانوني، لكنه "يودّ تحذيره من سوء استغلاله"، ثم طلب منه "عدم الحديث" عن اللقاء!

 

منزلق خطير!

 

تؤكد "جمعية حقوق المواطن" أن التماسها هذا جاء بعد سلسلة طويلة من المراسلات أجرتها مع المستشار القانوني للحكومة بشأن موضوع الالتماس هذا، تخللتها "نماذج أخرى عديدة من الاستدعاءات، غير التي ضُمّنت في الالتماس"، وعلى الرغم من "التوجهات المتكررة والطلبات العديدة بتدخل المستشار القانوني للحكومة لحل هذه المسألة وتنظيم الأمر، إلا أن رسالة واحدة فقط (تتعلق بقضية المواطن وجيه صيداوي الشخصية) قد حظيت بردّ جوهري"!

 

وتضيف أن الحالات العينية المفصلة في الالتماس "تُظهر كيفية استغلال "المحادثات التحذيرية" لإيصال رسائل تهديدية – سواء بشكل صريح ومباشر، أو بشكل ضمني وغير مباشر – لنشطاء يشاركون في احتجاجات خارج دائرة الإجماع، أو في نشاطات مختلفة في إطار المجتمع المدني".

 

ولفتت الجمعية، في الالتماس، إلى خطورة إبلاغ بعض المواطنين لدى استدعائهم، وبصورة صريحة، بأن "لا شبهة ضدهم بخرق القانون، حتى الآن، لكنهم يفتحون الأعين لمراقبته ولذا فإن عليهم اعتماد الحذر". وأكدت، أيضا، أن "هذه النماذج تبين كيفية استغلال هذه المحادثات لجمع المعلومات عن النشطاء، عن معارفهم وعن نشطاء آخرين، بل ربما تستغل أحيانا لفحص إمكانيات تجنيدهم كعملاء للشاباك"!

 

وقالت المحامية ليلى مرغليت: "لا يعقل أن يتم تصنيف الاحتجاجات المدنية أو النشاطات السياسية ـ حتى وإن تطورت إلى إخلال بالنظام العام ـ باعتبارها تهديدا للأمن"، لأن الأمر "قد يشكل منزلقا خطيرا"!