على هامش المشهد


المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية: العقوبات الأوروبية ضد جنوب إفريقيا هي التي أدت إلى سقوط نظام الأبارتهايد

 

 

*قرار الاتحاد الأوروبي بمقاطعة المستوطنات هو قرار هام وشجاع وأهم من الإعلان عن استئناف المفاوضات* نتنياهو يدرك أنه إذا لم يوقف كرة الثلج هذه فإنه ستنضم إليها وبسهولة دول كبرى وصديقة لنا، مثل الولايات المتحدة والصين وربما اليابان، وبنظره فإن الدخول إلى غرفة المفاوضات الآن سيلجم هذا الزخم الذي بدأه الأوروبيون*

كتب بلال ضاهر:

عمم الاتحاد الأوروبي، في 30 حزيران الفائت، تعليمات ملزمة لجميع دول الاتحاد الـ 28 تقضي بمنع تقديم أي تمويل أو تعاون أو منح أو منح للأبحاث أو جوائز للجهات الموجودة في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبموجب هذه التعليمات فإن أي اتفاق يتم التوقيع عليه في المستقبل بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وبين إسرائيل يجب أن يشمل بندا ينص على أن المستوطنات ليست جزءا من دولة إسرائيل ولذلك فإنها ليست جزءا من الاتفاق. وتسري هذه التعليمات بدءا من العام 2014 وحتى العام 2020. وأعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة الماضي، أن هذه التعليمات دخلت حيز التنفيذ.

وكان دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي قد أبلغوا نظراءهم في البعثة الإسرائيلية في بروكسل بالقرار، في بداية الشهر الحالي، لكن حكومة إسرائيل لم تفعل شيئا في هذا السياق، وادعت أنها لم تفهم الرسائل الأوروبية التي وصلتها. وكشفت صحيفة "هآرتس" الموضوع، يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، الأمر الذي اثار عاصفة في إسرائيل، ووصف مسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية القرار الأوروبي بأنه "هزة أرضية".

وفي مساء اليوم نفسه عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اجتماعا عاجلا في مكتبه، بمشاركة وزيرة العدل، تسيبي ليفني، ووزير الاقتصاد ورئيس حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، ونائب وزير الخارجية، زئيف إلكين، لبحث تداعيات القرار الأوروبي بمقاطعة المستوطنات.

وأصدر نتنياهو بيانا في ختام الاجتماع قال فيه "كنت أتوقع ممّن يهتم بشكل حقيقي بالسلام والاستقرار في المنطقة أن يتفرغ لهذه القضية بعد أن يحلّ أولًا مشاكل أكثر إلحاحًا في المنطقة وهي الحرب الأهلية التي تدور في سورية والسعي الإيراني إلى امتلاك الأسلحة النووية. وبصفتي رئيس وزراء دولة إسرائيل، لن أسمح بالمساس بمئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين الذين يسكنون في كل من يهودا والسامرة [أي الضفة الغربية] ومرتفعات الجولان والقدس عاصمتنا الموحدة. ولن نقبل أية املاءات من أطراف خارجية حول حدودنا. وهذه القضية لن تحسم إلا من خلال إجراء مفاوضات مباشرة بين الجانبين [الإسرائيلي والفلسطيني]".

ورغم لهجة نتنياهو في البيان ورفضه القرار الأوروبي، إلا أن الحديث في إسرائيل يدور عن أن هذا القرار جعل نتنياهو يلين موقفه حيال استئناف المفاوضات، الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يوم الجمعة الماضي.

وأصدر نتنياهو بيانا مساء السبت الفائت، قال فيه "أعتبر استئناف العملية السلمية في هذا الحين مصلحة استراتيجية حيوية لدولة اسرائيل. وهذا يتسم بالأهمية بحد ذاته من أجل القيام بمحاولة لإنهاء الصراع بيننا وبين الفلسطينيين وهذا مهم ازاء التحديات التي نواجهها وتحديدًا من سورية وايران". وأضاف أنه "مع استئناف العملية السلمية أرى أمامي هدفين أساسيين: منع قيام دولة ثنائية القومية بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن وتهدد مستقبل الدولة اليهودية ومنع اقامة دولة ارهاب أخرى برعاية ايرانية على حدود إسرائيل تهددنا بشكل ليس أقل خطورةً".

حول قرار الاتحاد الأوروبي والإعلان عن استئناف المفاوضات، أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق والسفير السابق في جنوب إفريقيا، الدكتور ألون ليئيل.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف ترى قرار الاتحاد الأوروبي بشأن المستوطنات؟

ليئيل: "هذا قرار هام للغاية. وهو قرار هام وشجاع وربما تاريخي أيضا. وأرى بقرار الاتحاد الأوروبي، وبقرار الأمم المتحدة أيضا، الذي اتخذ في تشرين الثاني الماضي، على أنهما أهم من الإعلان عن استئناف المفاوضات. إن استئناف المفاوضات، وأنا لا استخف بذلك، لم يلمس القضايا الحقيقية بعد والفجوات بين مواقف الجانبين. بينما قرار الأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كدولة، ومقاطعة الاتحاد الأوروبي للمستوطنات، هو أمر يلمس المواقف. وهذا يشكل ضغطا على إسرائيل في موضوع المواقف. وحتى لو أن كيري مارس ضغوطا هنا وهناك، فإن هذه ضغوط تتعلق بأمور تقنية، مثل إطلاق سراح عدد أكبر أو أقل من الأسرى. لكن هذا لا يتعلق بموضوع الانسحاب الإسرائيلي ولا بمكانة الفلسطينيين كدولة وأمور من هذا القبيل. ولذلك فإني أعتقد أنه يجب النظر إلى كل ما حدث خلال العام الأخير على أنها تطورات مترابطة ببعضها، بدءا بقرار الأمم المتحدة وقرار الاتحاد الأوروبي، والآن استئناف المفاوضات".

(*) هل تعتقد أنه يوجد شبه بين القرار الأوروبي بشأن المستوطنات وقرارات أوروبية ضد جنوب إفريقيا إبان نظام الأبارتهايد؟ وأنت كنت سفيرا لإسرائيل في جنوب إفريقيا.

ليئيل: "هذا صحيح. كنت سفيرا في جنوب إفريقيا، وكنت مسؤولا عن هذا الموضوع في وزارة الخارجية عندما اتخذت أوروبا قرارات بشأن العقوبات ضد جنوب إفريقيا في حينه. والعقوبات الأوروبية، وخاصة في العام 1986، كانت عقوبات جارفة جدا وضد جنوب إفريقيا كلها. عقوبات ثقافية ورياضية وفرضت حظرا على الاستيراد من جنوب إفريقيا والتصدير إليها، وعلى السياحة وكل شيء. كانت هذه مقاطعة شاملة ضد جنوب إفريقيا. ويوجد هنا، الآن، شيء ما موضعي أكثر ضد المناطق [المستوطنات]، وهذه ليست مقاطعة ضد إسرائيل. لكن من جهة أخرى أنا أرى تشابها. ففي كانون الأول من العام 1986، قررت أوروبا بشأن المقاطعة ضد جنوب إفريقيا، وكان هذا بمثابة قرار حوّل العقوبات إلى عقوبات دولية. وأرغم هذا القرار الأميركيين على الانضمام إلى العقوبات، وعندها سقط نظام الأبارتهايد. وإذا نظرت من الناحية التاريخية إلى السبب الذي أسقط نظام الأبارتهايد فإن الاتحاد الأوروبي هو الذي أسقطه. وكان الاتحاد الأوروبي يضم حينذاك 12 دولة، بينما يضم اليوم 28 دولة. واضطر الرئيس [الأميركي رونالد] ريغان إلى الانضمام للعقوبات، فهو لم يفكر بهذا الأمر أصلا ولم يكن يريده".

(*) هل أفهم من أقوالك أنه في حال عدم تقدم المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين نحو حل الصراع، فإنه قد تتصاعد العقوبات الأوروبية؟

ليئيل: "دعنا نفصل بين المحادثات التي ستبدأ في واشنطن وبين ما تفعله أوروبا. والمحادثات في واشنطن تدخل الجانبين إلى غرفة واحدة. بينما أوروبا تمارس ضغوطا على الجانب الإسرائيلي. فالجانب الإسرائيلي هو الأقوى وهو الجانب الذي يتعين عليه أن ينسحب. وهو الجانب الذي تعتقد أوروبا أنه ينبغي ممارسة الضغوط عليه، لأن الأميركيين لا يمارسون ضغوطا على إسرائيل. ولذلك فإن الأمور يجب أن تسير جنبا إلى جنب. فإسرائيل لن تنسحب من دون ضغوط خارجية. ولا يوجد ضغط داخلي على نتنياهو للقيام بذلك. والجميع يؤيد المحادثات، وبينهم رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، ورئيس حزب يوجد مستقبل، يائير لبيد، لكن هذا لا يشكل ضغطا على نتنياهو. فلبيد لم يقل له مثلا إنه إذا لم تذهب إلى المفاوضات فإننا سننسحب من الحكومة. لا يوجد ضغط كهذا. لكن عندما تقاطع أوروبا المستوطنات، فإن هذه ضربة دبلوماسية بالغة الشدة. وبالمناسبة، فإن هذه يمكن أن تتحول بسهولة إلى ضربة دبلوماسية دولية. والعالم لن يفرض عقوبات على إسرائيل، لكن بمقدوره أن يفرض عقوبات على الأنشطة التي تنفذها إسرائيل في المناطق المحتلة. هذا ممكن بكل تأكيد. وفي حال انهيار المفاوضات في واشنطن، ربما ينضم الأميركيون إلى هذه العقوبات. وعمليا توجد موافقة دولية على أن إسرائيل يجب أن تنسحب من الضفة الغربية. لذلك فإن الخطوة الأوروبية هامة للغاية".

(*) وهل هذه الخطوة أثّرت على قرار إسرائيل بالموافقة على استئناف المفاوضات؟

ليئيل: "أعتقد أنها أثّرت. ونتنياهو كان دائما يستجيب للمطالب الدولية فقط تحت الضغوط. نتنياهو يدرك أن هذا القرار الأوروبي دراماتيكي للغاية وخطير للغاية بالنسبة لتفكيره. وهو يدرك أيضا، أنه إذا لم يوقف كرة الثلج هذه فإنه ستنضم إليها وبسهولة دول كبرى وصديقة لنا، مثل الصين وربما اليابان، وربما الأمم المتحدة تنضم أيضا. لذلك هو يدرك أن هذه كرة ثلج. وبنظره فإن الدخول إلى غرفة المفاوضات الآن، سيلجم هذا الزخم الذي بدأه الأوروبيون".

(*) الوضع في الشرق الأوسط هائج وعاصف، وخاصة في سورية ومصر. لماذا اختار وزير الخارجية الأميركي أن يركز ويبذل جهودا كبيرة إلى هذه الدرجة في الموضوع الفلسطيني وحل الصراع؟

ليئيل: "يوجد هنا شيء ما تاريخي. الولايات المتحدة، وخاصة إدارة الرئيس باراك أوباما، التزمت تجاه هذا الموضوع. والأمر الآخر هو أن الأميركيين يفهمون صورة الوضع هنا بشكل جيد للغاية، ويدركون أنه لم يعد هناك المزيد من الوقت. وليست هناك إمكانية للتأجيل لعام أو عامين، وإنما إما الآن أو أنه لن يكون هناك حل أبدا. ولذلك يأتي هذا الجهد. وإنه لأمر مذهل حقا، أن يتفرغ وزير خارجية دولة عظمى للعمل من أجلنا. وبالمناسبة أصبحت تتعالى انتقادات في الولايات المتحدة بسبب هذا الموضوع. وخطاب أوباما في مباني الأمة في القدس [خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل] أظهر أن هذا الرجل ملتزم بشكل كبير بإقامة دولة فلسطينية. وهذا أمر هام بالنسبة للأميركيين وهم مؤمنون بذلك، ويعتقدون أنه إذا لم يحدث هذا الآن فإنه لن يحدث أبدا".

(*) هناك ادعاءات في إسرائيل بأن أوباما لا يدعم جهود كيري من أجل إحياء عملية السلام واستئناف المفاوضات؟

ليئيل: "لا يبدو لي أبدا أن هذه الادعاءات صحيحة. وأوباما يقوم بعمل كبير سوية مع الأوروبيين من وراء الكواليس من أجل نجاح كيري. وعندما يعمل وزير خارجية لدى رئيس أميركي، فإنه لا يمكنه الغياب لأسابيع في الشرق الأوسط إذا لم يكن الرئيس يدعمه بشكل كبير جدا. وأنا مؤمن بأن ما يفعله كيري هو بالضبط ما يريد أوباما أن يفعله".

(*) هل تعتقد أن القرار الأوروبي بمقاطعة المستوطنات جاء بالتنسيق مع الأميركيين؟

ليئيل: "لا أعرف إذا كانت هذه الخطوة الأوروبية تهدف إلى المساعدة في إحضار إسرائيل إلى طاولة المفاوضات. وإذا كانت هذه خطوة تمت بالتنسيق بين الأميركيين والأوروبيين فإني أحني رأسي أمامهم".

(*) الفجوة بين مواقف الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني كبيرة جدا. هل يتوقع أن تكون المفاوضات جدية في حال استؤنفت فعلا؟

ليئيل: "هذا سؤال ممتاز، لكن لا يمكنني الإجابة عليه، لأنني لا أعرف ما إذا كان نتنياهو سيغير اتجاه سياسته أم لا. كل شيء متعلق بنتنياهو، وبالضغوط على نتنياهو أيضا. وأعتقد أن على الأوروبيين أن يواصلوا العمل بالاتجاه الذي بدأوا يعملون فيه، أي مواصلة هذه الضغوط. وهذا أمر لا يمكن أن يفعله الأميركيون، لأنهم سيتواجدون في غرفة المفاوضات. والأمر الثاني هو أنه يتعين على نتنياهو أن يمر بعملية التغيير التي مر بها رؤساء الحكومات السابقون، مناحيم بيغن وإسحق رابين وأريئيل شارون، وكذلك مرت بها تسيبي ليفني. لا أعرف ما إذا كان سيمر هذا التغيير على نتنياهو أيضا. نحن متعلقون بقرار نتنياهو بنسبة مئة بالمئة. لا يوجد أحد غيره. فإذا أراد التقدم بصورة حقيقية وتنفيذ انسحاب حقيقي وذي معنى من الضفة، إلى جانب تبادل أراض، فإنه سيتم التوصل إلى اتفاق. وإذا لم يرد ذلك فإن هذا لن يحدث. ورغم أني أعرف نتنياهو بشكل شخصي، وعملت معه، لكنني لا أعرف ما يدور في رأسه".

(*) وهل يتوقع أن تكون عيون الأوروبيين متركزة على المفاوضات وما يدور فيها ونتائجها؟

ليئيل: "نعم. هم لن يتواجدوا في غرفة المفاوضات، لكن ما يقومون به فيما يتعلق بموضوع المناطق الفلسطينية هو أمر مصيري. وإذا لم تشعر إسرائيل بالضغوط من أجل أن تنسحب من المناطق فإنها لن تنسحب، أو ستقول إنها مستعدة للانسحاب من 80% أو أقل، وهذا أمر لا يمكن أن يقبله الفلسطينيون".