على هامش المشهد


يحيموفيتش تسرّع الانتخابات المبكرة لرئاسة العمل لزيادة احتمالات فوزها

 

 

 

 

 

 

 

 

* يحيموفيتش اتبعت أمرا غير مألوف في السنوات الأخيرة وسرّعت موعد الانتخابات لرئاسة الحزب *منافسوها وحقائق الأمور تدل على أنها قلقة على مصير بقائها في منصبها *امتحان قوتها في الحزب سيكون في قرار المؤتمر العام بشأن اقتراح الموعد الذي تطرحه *حتى الآن ليس واضحا من سينافسها ولكنها ستخوض انتخابات ليست سهلة*

 

 

 

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

أعلنت رئيسة حزب "العمل" شيلي يحيموفيتش في الأسبوع الماضي، وفي قرار مفاجئ، إجراء انتخابات مبكرة لرئاسة الحزب في الرابع عشر من تشرين الثاني المقبل، قبل أربعة أشهر من الحد الأقصى الذي حدده دستور الحزب، ورغم أن القرار سيحتاج إلى موافقة مؤتمر الحزب، ما يعني انه ليس نهائيا، إلا أنه يكشف عن قلق يحيموفيتش على مصير استمرارها في منصبها.

 

فقرار يحيموفيتش ليس مألوفا، على الأقل في العقد الأخير في حزب "العمل"، إذ لم يكن رئيس للحزب، إلا وسعى لقرار استثنائي لتمديد فترة اجراء انتخابات داخلية في الحزب، وبحسب الدستور، فإنه في حال لم يفز الحزب بالحكم في انتخابات برلمانية، تجري الانتخابات لرئاسة الحزب حتى موعد أقصاه سنة، وجرى تمديد الفترة خلال رئاسة إيهود باراك إلى 14 شهرا.

 

والإشكالية الأولى التي يصطدم بها قرار يحيموفيتش هي أنها أعلنت انتخابات بعد أربعة أشهر من الآن، ما يعني انها أغلقت الباب أمام انتسابات جديدة للحزب، تمهيدا لانتخابات الرئاسة، وهي الوسيلة التي يلجأ اليها جميع المتنافسين، ولكن بشكل خاص الجدد منهم، لأن الدستور يمنح حق التصويت لمن انتسب للحزب منذ ستة أشهر وأكثر، ما يعني أن يحيموفيتش بقرارها تريد الحفاظ على الوضع القائم في سجل الناخبين للحزب، وهذا أول انتقاد واجهته من خصومها المفترضين.

 

فقد قال عضو الكنيست إيتان كابل، إنه لم يقرر بعد ما إذا سيتنافس على رئاسة الحزب، ولكنه اعتبر قرار يحيموفيتش على أنه محاولة لإقامة معسكر تحالفي حولها، وهذا بدافع خوفها من المنافسة. وأضاف قائلا إنه إذا ما جرى فتح باب الانتساب أمام أعضاء جدد، لكانت ستخسر ثقة الجمهور.

 

وقال النائب أريئيل مرغليت، الذي تنافس على رئاسة الحزب في آخر انتخابات، وانسحب منها في الأيام الأخيرة، بعد تيقنه من عدم حصوله إلا على نسبة لا تذكر من أصوات أعضاء الحزب، "إن يحيموفيتش فشلت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بحصول الحزب على 15 مقعدا، فهذه قوة يحيموفيتش في الشارع، ولا أكثر".

 

وتابع مرغليت قائلا "إن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون حول من سيواجه (وزير المالية) يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، من أجل استعادة الأصوات التي سحبها من حزب العمل في الانتخابات الأخيرة، وخسارة يحيموفيتش في الانتخابات التي جرت قبل أيام في فرع تل أبيب، دلت على شعور أعضاء الحزب تجاهها".

 

وحتى ليس الآن واضحا من سينافس يحيموفيتش على رئاسة الحزب، ولكن هي ليست لديها أقدمية أو نفوذ واسع في الحزب، ما يعني أنها ستواجه عددا من المنافسين، من بينهم السابق ذكرهما كابل ومرغليت، وأيضا رئيس كتلة الحزب في الكنيست إسحق هيرتسوغ، الذي بالإمكان اعتباره منافسا قويا لها.

 

وتلوح في الأفق الإعلامي أسماء ليست واقعية، مثل رئيس هيئة أركان الجيش السابق غابي اشكنازي، الذي لم ينتسب للحزب بعد، كما أنه يواجه قضية تتعلق بنزاهة قيادته للجيش، وهناك مطالبات بإجراء تحقيق جنائي ضده، كما يُذكر اسم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين، ولكنه هو أيضا لم يدخل المعترك السياسي كخطوة تمهيدية للانضمام إلى الحزب والمنافسة على قيادته.

 

وتحدثت تقارير صحافية عن أن المرشحين المفترضين الثلاثة كابل ومرغليت وهيرتسوغ، سيعملون بتنسيق كامل بهدف اسقاط يحيموفيتش عن رئاسة الحزب، ولأنه من الصعب أن يقرر أحدهم التنازل للآخر، فإن التوجه القائم بين ثلاثتهم أن يتنافس الثلاثة، وفي الجولة الثانية سيدعم الخاسران الثالث منهم أمام يحيموفيتش، ولكن حسب دستور الحزب فإنه في حال وُجد ثلاثة مرشحين وأكثر، فإن الفوز يكون من نصيب من حصل على أكثر ما يمكن من أصوات الناخبين، شرط أن يجتاز نسبة 40%.



أخطاء يحيموفيتش

 

 

توقع كثيرون أن تحمل شيلي يحيموفيتش معها إلى رئاسة الحزب منهجية أخرى، غير تلك التي درج عليها رؤساء وقادة الحزب على مدار السنين، وكذلك أن تنعكس توجهاتها السياسية السابقة على برنامج الحزب، ولكن يحيموفيتش فعلت العكس، وأقدمت قبل وخلال حملة الانتخابات البرلمانية السابقة على سلسلة من الأخطاء، في سعي منها لمنافسة حزب الليكود، حتى على أصوات اليمين والمحافظين، ولكنها جعلت من الحزب كالغراب الذي سعى إلى تقليد الطاووس وغيره من الطيور، حتى نسي كيف كان.

 

وخلال عضويتها في الكنيست في الدورة السابقة، وقبل أن تنتخب لرئاسة الحزب، أقصت يحيموفيتش نفسها عن مواجهة التيار اليميني المتطرف بقوانينه العنصرية، بعكس مع فعلته في العامين الأولين لدخولها إلى الكنيست، أي في العام 2006، كما أقصت نفسها عن الخطاب السياسي، وتركزت في القضايا الاقتصادية الاجتماعية.

 

وفي أثناء الانتخابات الداخلية للحزب لاختيار المرشحين على لائحة "العمل" للانتخابات البرلمانية، سعت يحيموفيتش إلى إبعاد أسماء مرتبطة باليسار الصهيوني، من بينهم النائبة ميراف ميخائيلي، التي فازت بمقعد برلماني، وغيرها من النواب.

 

ولاحقا، كشفت يحيموفيتش عن أوراقها أكثر، بداية حينما طلبت عدم الزج بحزب "العمل" في خانة اليسار الصهيوني، وقالت إن وضع حزبها في هذه الخانة كان "غبنا"، وهاجمت حزب "ميرتس"، وحتى رفضت إبرام اتفاقية فائض أصوات معه على غرار التقليد الذي كان قائما على مدار العقدين الماضيين، وأبرمت اتفاقا كهذا مع حزب "يوجد مستقبل"، الذي استطاع التغلب على حزب "العمل" في المنافسة على مكانة الحزب الثاني في الانتخابات الأخيرة.

 

كذلك، فإن يحيموفيتش فرضت على حزبها خلال الحملة الانتخابية عدم الزج بالقضية الفلسطينية والصراع في الحملة الانتخابية، وأطلقت تصريحات، مثل رفضها لتقليص ميزانيات الاستيطان والمستوطنات، طالما لم يتم حل الصراع، وقالت إن على إسرائيل أن لا تعطي أولوية في عملها لحل الصراع في هذه المرحلة، بزعم انه لا أمل لحل الصراع على ضوء الموقف الفلسطيني. وقالت أيضا في حينه إن على إسرائيل أن تعزز اقتصادها أولا، لأن الاقتصاد القوي، سيعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين.

 

وسعت يحيموفيتش، في كل مقابلة ومواجهة صحافية وسياسية معها، للتنكر لتوجهاتها السياسية اليسارية السابقة، مثل أنها صوتت في سنوات التسعين مرتين للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الناشطة أساسا في الشارع الفلسطيني.

 

وفي مرحلة ما، اضطرت يحيموفيتش وحزبها إلى التحدث عن الصراع وآفاق الحل، بتحفظ شديد، في السعي للرد على الأجندة الانتخابية التي طرحتها رئيسة "الحركة" تسيبي ليفني، التي أعطت لموضوع الصراع أولوية في خطابها، ولكن سرعان ما تراجعت يحيموفيتش وحزبها عن التحدث بشأن الصراع في تلك الحملة الانتخابية.

 

كذلك فإنه في أوج الحملة الانتخابية، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن أن يحيموفيتش على قناعة بعدم أولوية حل الصراع، وليس فقط كتكتيك انتخابي، إذ تبين أنه في شهر تموز من العام الماضي، تهربت من طرح وجهة نظرها السياسية في لقاء مع الرئيس الفرنسي الحالي، وفقط بعد إلحاح منه، تحدثت بتحفظ شديد، وحتى أنها دافعت عن موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.



محاولة تصحيح

وتعزيز فرص الفوز

 

 

تفاجأ حزب "العمل" ومعه كافة الأوساط من النتيجة التي حصل عليها "يوجد مستقبل" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بعد حصوله على 19 مقعدا، متفوقا على حزب "العمل" الذي وجد نفسه ثالثا، بحصوله على 15 مقعدا.

 

وقد فهمت يحيموفيتش المعادلة الائتلافية فورا، ولهذا أقنعت قيادة حزبها، وسارعت للإعلان عن أنها اختارت صفوف المعارضة لحكومة نتنياهو، حتى قبل أن يبدأ الأخير أي مفاوضات ائتلافية.

 

وكانت يحيموفيتش تعي أنها وفق النتائج التي أفرزتها الانتخابات، فإن حزبها لن يكون المرشح الأول للدخول إلى الحكومة، بل حزب "يوجد مستقبل"، وكما يبدو كانت تدرك أن هذا الحزب الجديد على اتصال وثيق بحزب المستوطنين "البيت اليهودي"، وأمام هذا الواقع فإن انضمامها للحكومة لن يمنحها أي منصب رفيع في المستوى الذي تريده، ولهذا اختارت فورا صفوف المعارضة كي تكون الأولى في المعارضة وتقودها.

 

وما يثبت هذا التفسير هو أنه خلال المفاوضات لتشكيل الحكومة، وأمام ما بدا من عراقيل، ظهر نوع من التراجع المحدود في تصريحات يحيموفيتش بشأن الانضمام إلى الحكومة، بمعنى أنها كانت ستكون مستعدة للانضمام إلى حكومة نتنياهو في حال كانت الحزب الأول بعد حزب الليكود الحاكم في الائتلاف.

 

ولم تطل الفترة حتى وقفت يحيموفيتش أمام حزبها ووسائل الإعلام لتقول إن عدم تطرق الحزب إلى قضية الصراع خلال الحملة الانتخابية أفقده مقعدين برلمانيين، وسارعت إلى عقد لقاءات مع قيادات فلسطينية، لا بل إنها بدأت تطلق تصريحات متعلقة بالمفاوضات والصراع، وحتى الآن لم تسجل يحيموفيتش أي خطأ بالمفهوم الإسرائيلي الداخلي في ترؤسها للمعارضة، ولكن هذا ليس نهائيا، لأنه لم تمر أشهر كثيرة على الحكومة الجديدة.

 

كل ما تقدّم قد يُسجل لصالحها، لكن الموعد الذي تعرضه يحيموفيتش فيه مخاطرة من ناحيتها هي، فهذه الانتخابات تجري بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات المجالس البلدية والقروية، وحتى بعد أسبوع واحد فقط من الجولة الثانية لتلك الانتخابات في البلدات التي تحتاجها، ولا تستطيع يحيموفيتش التكهن منذ الآن بأي نتائج سيحققها الحزب في تلك الانتخابات، وأكثر من هذا فإن الاصطفافات في الحزب ستنعكس أيضا على المنافسات الداخلية في الحزب على مرشحيه لرئاسة تلك البلديات، وموقف يحيموفيتش من كل واحد من المتنافسين في تلك البلدات سينعكس أيضاً على فرص فوزها.

 

كما أن احتمال أن يرفض مؤتمر الحزب الذي سينعقد قريبا اقتراح الموعد الذي عرضته يحيموفيتش يبقى واردا، فهناك من سيطالبها بتأجيل الموعد، لأن الحزب سيكون منشغلا في الانتخابات البلدية، وبالإمكان القول إن النقاش والقرار الذي سيتخذه الحزب سيشكل امتحانا لقوة يحيموفيتش في هيئات الحزب القيادية، ولكن أيا تكن النتيجة فإن قرارها يدل، كما قال منافسوها، أنها ليست ضامنة لفوز ثان لها برئاسة الحزب.