تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

على هامش المشهد


مديرة منظمة "فلنكسر الصمت": السكوت على الاحتلال يشكل أحد أهم أسباب استمراره

 

عدد الشهادات التي جمعتها منظمة "فلنكسر الصمت" في سياق توثيق ممارسات الاحتلال بلغ 900 شهادة لجنود ومجندات خدموا في الضفة الغربية

 

كتبت هبة زعبي:

 

 

توثق منظمة "فلنكسر الصمت" الإسرائيلية منذ تأسيسها في العام 2004 شهادات جنود إسرائيليين خدموا في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967.

ونشرت المنظمة قبل أسبوعين خمسين شهادة جديدة لمجندات خدمن في صفوف الجيش الإسرائيلي في الضفة، لتنضم إلى باقي الشهادات التي وصل عددها إلى 900 شهادة مصنفة وفق مواضيع مختلفة لتسهيل الاختيارات على متصفحي الموقع.

ومن هذه المواضيع يمكن أن نجد شهادات عن اقتحامات منازل، وإهانات، وتنكيل، وعنف مستوطنين ومعابر وكمائن، واعتقالات، وهدم بيوت. ونجد شهادة لأحد الجنود يتحدث فيها عن قضية التأكد من قتل فلسطيني. وهناك شهادات يوضح خلالها عدد من الجنود الدوافع التي جعلتهم يكسرون الصمت، وشهادات تتعلق بقضايا الأطفال واستغلالهم، وكذلك شهادات عن استخدام أفراد الجيش لدروع بشرية حتى يحموا أنفسهم. وجميعها موثقة في الموقع باللغتين الانكليزية والعبرية.

ومن الشهادات الأكثر مشاهدة في الموقع شهادة لأحد الجنود يروي خلالها تفاصيل مواجهته الشخصية وصدمته من نفسه وذاته بعد مشاهدته لشريط مصور يوثق اشتراكه في عملية اعتقال قاصر عمره 15 عامًا.

جميع هذه الشهادات تعرض حقائق قاسية وصعبة لتصرفات يرتكبها أفراد الجيش بصورة مستمرة ويومية، ويستمرون في التغاضي عنها وتجاهلها، وتحاول المنظمة عرضها ونشرها على نطاق واسع في المجتمع الإسرائيلي لمواجهة حقيقة الاحتلال والسعي لإيقافه.

وقد أجرينا المقابلة الخاصة التالية مع يولي نوفاك، مديرة منظمة "فلنكسر الصمت"، للتعرف أكثر على نشاط المنظمة وعملها.

(*) سؤال: كيف تأسست منظمة "فلنكسر الصمت"؟

نوفاك: قامت مجموعة من الجنود الذين أنهوا خدمتهم العسكرية في نهاية الانتفاضة الثانية العام 2004، بمناقشة التجربة التي خاضها أفرادها والتي كانت في فترة الانتفاضة الثانية، وللصدفة فإن أغلبهم خدم في منطقة جنوب الخليل، وتحدثوا عن مشاعرهم وأفكارهم حيال خدمتهم، وهم شعروا أن هناك فجوة كبيرة بين تصرفاتهم التي اعتبروها صعبة جدا ودفعوا مقابلها ثمنا أخلاقيا كبيرا جدا وبين الحقيقة التي لا يعرفها الجمهور الإسرائيلي عما يحدث هناك، ولذا قرروا أن يتحدثوا علنا عن حقيقة وواقع الاحتلال. في البداية أقاموا معرضا في مدينة تل أبيب لصور التقطوها خلال فترة أدائهم للخدمة العسكرية وأطلقوا عليه اسم "أن نحضر الخليل إلى تل أبيب"، واستقطب المعرض عددا كبيرا من الزوار ونال صدى إعلاميا كبيرا، وفي حينه وصلت الشرطة العسكرية إلى المعرض واستدعت قسما منهم إلى التحقيق. وتمت دعوة المعرض إلى الكنيست وعرض هناك مدة شهر.

في المقابل حضر مئات الجنود لمشاهدة المعرض وبدؤوا بالحديث مع أفراد المجموعة وتناول ما قاموا به في أثناء خدمتهم في الأراضي المحتلة. وتطرق هؤلاء إلى صور التقطوها من أماكن مختلفة في الأراضي المحتلة وكلها تتحدث عن قصص مماثلة، وبدأت هذه المجموعة بتوثيق وجمع شهادات الجنود وقصصهم الشخصية، وفهم أفرادها من خلال ذلك أن القصص ليست شخصية، وإنما تروي قصة الاحتلال.

منذ ذلك الوقت تكاتف أفراد هذه المجموعة وقرروا إقامة منظمة "فلنكسر الصمت"، من منطلق أنهم شعروا وما زلنا نشعر ونعتقد حتى اليوم أنه حين نؤدي الخدمة العسكرية في الضفة يحظر علينا الحديث عما يجري هناك، لكن هذا السكوت هو ما يتيح إمكان استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، وحين يعلم ويدرك الجميع حقيقة ما يجري فربما يوقفون استمرار الوضع الحالي. سكوتهم يعطي سببا وحجة لاستمرار وجود الاحتلال، وكسر حاجز الصمت هذا يمكن من إثارة النقاش لإنهاء الاحتلال. عندما بدؤوا كانوا عشرة أفراد وازدادوا مع الوقت، لدينا اليوم 900 شهادة لجنود ومجندات، ويعمل معنا 100 ناشط يساعدوننا في جمع الشهادات، ويعمل في المنظمة حاليا عشرة موظفين.

(*) سؤال: ما هي فعالياتكم ونشاطاتكم الأساسية؟

نوفاك: نقوم بجمع شهادات من جنود ومجندات إسرائيليين خدموا في الأراضي المحتلة، وقابلنا حتى اليوم 900 جندي وجندية، نطلب منهم أن يحدثونا عن تفاصيل حياتهم هناك وما فعلوه وكيف تأثروا من الوضع. هدفنا محاولة عرض ما يعنيه الاحتلال وعرض تأثير السيطرة العسكرية على السكان، ونقوم بنشر هذه الشهادات بدون نشر أسماء وتفاصيل شخصية من خلال كتيبات وفي موقعنا على الانترنت، لكن في مرحلة ما وافق جزء من الجنود على كشف هوياتهم ونشرناها مع أسماء وهذا الأمر زاد من تأثير هذه الشهادات وتأكيد أننا نقول الحقيقة، ومن لا يكشف هويته يخشى ردة فعل محيطه وأصدقائه وعائلته فهناك ثمن شخصي يدفعه، فليس من السهل أن تكون جنديا في إسرائيل وتتحدث بصراحة. كما نقوم بتنظيم جولات يقوم بإرشادها جنود خدموا في الأراضي المحتلة وهم بدورهم كسروا الصمت وأعطونا شهاداتهم. وننظم معارض ونقدم محاضرات ونعمل كثيرا مع شبان إسرائيليين على وشك الخدمة العسكرية، ونرافقهم في جولات ويروي الجنود أمامهم ما قاموا به خلال فترة خدمتهم. هدفنا الأساس هو عرض هذا الواقع، ونحن نؤمن أنه حينما يراه الناس، فعلى الأقل سيبدؤون الحديث عما يجري وسيسألون أنفسهم هل يمكن الاستمرار في هذا الوضع أم لا؟.

(*) سؤال: لماذا تركزون جولاتكم على منطقة الخليل؟ ومع من تتعاونون؟

نوفاك: المجموعة التي أسست منظمة "فلنكسر الصمت" خدم أغلب أفرادها في الخليل، وهي منطقة نعرفها جيدا، والمدينة الوحيدة في الضفة الغربية غير القدس التي تقع المستوطنة في داخلها وفي مركز المدينة. لدينا هناك منطقة صغيرة وتستغرق مسيرة 2 كم وفيها يمكن معاينة ماهو شكل الاحتلال، ويمكن أن نشاهد كيف أجبروا على مدار سنوات الفلسطينيين على ترك منازلهم، وأن نشاهد كيف أغلقوا شوارع يطلق عليها الجنود اسم "شوارع معقمة" ويحظر على الفلسطينيين دخولها، في البداية أغلقوا الحوانيت وبعدها منعوهم من دخولها في مركباتهم. هذا يجري في منطقة صغيرة ولكنه قائم في كل مكان في الضفة. نتعاون مع مؤسسات فلسطينية في جولاتنا، ويتحدث ممثلوها أمام المجموعات التي نحضرها، ويتحدث فلسطينيون من منطقة الخليل وجنوب جبل الخليل عن معاناتهم، ومعروف أن إمكانية الحديث مع فلسطينيين غير متاحة للإسرائيليين، والجولة هي فرصة لأن يقابلوهم ويسمعوا معاناتهم، وأغلب من يرافقنا تكون الجولة فرصته الأولى ليقابل فلسطينيين.

(*) سؤال: ما هي المشاكل التي تواجهونها؟ وهل يحرضون ضدكم؟

نوفاك: كما تعلمين، فإن الحكومة والمنظمات اليمينية في إسرائيل لديهما مشكلة مع ما نقوم به ويمكنني أن أفهم لماذا، فنحن نضع أمامهما وأمام الجمهور الإسرائيلي مرآة يرون من خلالها شكلهم، قبل كل شيء وضعنا هذه المرآة أمام أنفسنا وقلنا إننا قمنا بفعل هذا ولن نكون مستعدين لأن نستمر في السكوت عن هذا ولم نتوقف عند هذه النقطة لأننا نعتقد أن أداء هذه الخدمة هو أمرغير أخلاقي ويجب التوقف عنه ويجب إيقاف الاحتلال.

قبل نحو أسبوع عرضنا في موقعنا مجموعة من الشهادات المصورة بالفيديو لمجندات يتحدثن عن تجربتهن وما شاهدوه في الأراضي المحتلة، وقد هوجمت هؤلاء المجندات على مدار الأسبوع بشدة وقاموا بتهديدهن، ونحن كمنظمة دائما مُهاجَمون، ينعتوننا بأننا "خونة"، "طابور خامس"، "أعداء إسرائيل". تنهال علينا دائما العديد من الانتقادات على عملنا بسبب حجج كثيرة منها تلقينا دعما من خارج البلاد أو حديثنا عن نشاطاتنا خارج البلاد، ونتلقى أحيانا ردودا ساخطة من قبل الجمهور لأنهم يستصعبون فهم ما نقوم به. وتقوم شخصيات كبيرة في الجيش والحكومة بمهاجمتنا، نحن نؤمن جدا بما نقوم به وكمواطنة أرغب وأحلم بأن أرى مجتمعنا يواجه ما يرتكبه ولا يدفن رأسه في التراب ولايقول لم أرَ ولم أسمع. لكن برأيي فإن التحريض يأتي بسبب النية للابتعاد عن مناقشة القضية الحقيقية ويشغلون أنفسهم في مهاجمتنا بدل مناقشة الحقائق التي نعرضها، ومناقشتها بالطبع أصعب، لذا يفضلون مهاجمتنا وتحويل النقاش إلى أمور أخرى بدل أن يتحملوا مسؤولية ما يجري. إننا نطالب الجمهور بتحمل مسؤولية ما يجري لأنه ينتخب الحكومة التي تستمر في فرض الاحتلال وهذا الأمر ليس سهلا، لن نتوقف عن عملنا وتتعزز فينا الهمة والعزيمة للإستمرار كلما ساء الوضع أكثر، وذلك سعيا لبناء مجتمع أفضل.

(*) سؤال: ما هي ردة فعل الجيش على الشهادات؟ هل يتم التحقيق فيها؟

نوفاك: قبل عدة أعوام، نشرنا الشهادات بدون أسماء وتفاصيل شخصية، سألنا كلا من الشرطة العسكرية والناطق باسم الجيش عن امكانية إحضار المواد وفتح تحقيق في الوضع، فادعوا أنهم لا يستطيعون القيام بذلك لكون صاحب الشهادة مجهول الهوية، لكن حين نشرنا الشهادات مع الأسماء الواضحة لم يفحصوا أيضا.

(*) سؤال: لماذا اقتصر المعرض الأخير على المجندات؟ ما هي الخصوصية الكامنة في ذلك؟

نوفاك: تميزت هؤلاء المجندات بالشجاعة في الحديث عما جرى، وهن قادرات على التحمل ومواجهة محيطهن بعد عرض هذه الشهادات. القصة هي نفسها التي يرويها الجنود وهن يصفن نفس الواقع وارتكبن نفس الأفعال. لكن وجهات النظر تختلف قليلا بين الجنود والمجندات، هن تحدثن عن ضغوطات مختلفة يواجهنها ويتعاملن معها، وهن يخشين من أن يظهرن باكيات أو ضعيفات، هذا الأمر يدفع الكثير من المجندات إلى محاولة إثبات أنفسهن أكثر من الجنود، وبشكل عام يسعى الجميع لإثبات نفسه حتى يخشونه ويكون قادرا على السيطرة، والمجندات يشعرن أكثر أنه يجب عليهن القيام بهذا، والطريقة لتحقيق ذلك هي استخدام العنف أو على الأقل الإظهار أنه توجد امكانية لاستخدام العنف. مثلا: حين يبتسم أمامك الفلسطيني تصفعه على وجهه، من يتواقح معك تضعه في زنزانة أو توقفه ثماني ساعة ولا تسمح له بالجلوس حتى تقرر ما ستفعله به، وغيرها من التصرفات. هذه أمور تجري بصورة يومية، والمجندات يشعرن أنه يجب عليهن أن يكن عنيفات أكثر وأن ينكلن أكثر حتى يثبتن ذاتهن.

(*) سؤال: هل نشر هذه المعلومات خصوصا ما نشرتموه عن طريق الفيديو يعرض الجنود للتحقيق من قبل الجيش؟

نوفاك: لا، فنحن ندرك أن الجيش لا يستطيع التحقيق في هذه الحالات، وإن حقق في حالات معينة تكون قليلة جدا ويصورونها على أنها حالات خاصة واستثنائية، لدينا 900 جندي وهذا يثبت أن هذا الوضع ليس استثنائيا فهذا النظام يعمل بهذه الطريقة، هم لا يحققون مع هؤلاء الجنود لأنه لو أرادوا التحقيق معهم عليهم التحقيق مع كل النظام العسكري كله وتغيير الطريقة التي يتبعونها في إدارته. جزء من الشهادات وهي قليلة جدا تتحدث عن حالات متطرفة للغاية تتعلق بتعذيب وقتل، وعنف شديد جدا، وسرقات، لكن أغلب الشهادات تتطرق إلى الروتين اليومي، توضح لنا ما يمثله المعبر وما تعنيه الدوريات داخل القرى، وكيف تبدو عملية الاعتقال، وكيفية قيام الجنود بإثبات وجودهم في المنطقة في أشكال مختلفة، مثل: تجولهم في أماكن مختلفة أو صراخهم في صوت عال أو حتى الدخول إلى بيت والخروج منه، مثل هذه الأمور لا يستطيع الجيش التحقيق فيها، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يتبعها الجيش لإدارة احتلاله ولا توجد طريقة أخرى. ونحن نروي أمورا يعرفها كل جندي خدم في الأراضي المحتلة وكذلك الفلسطينيون الذين يعيشون هناك يعرفونها جيدا، ونحن لا نتحدث عن أمور سرية. وكل المعلومات التي ننشرها تفحصها الرقابة العسكرية ونقوم بنشرها والجيش يعلم بها ويختار تجاهلها.

(*) سؤال: حسب رأيك، ما الذي يدفع الجندي لارتكاب هذه التصرفات؟

نوفاك: لقد ارتكبنا نحن أيضا نفس التصرفات وبنفس الطريقة، فلا توجد طريقة أخرى. عندما يحضرون جندي (18 عاما) ويطلبون منه السيطرة على الوضع ويضعون بضعة آلاف من الجنود للسيطرة أمام مليوني فلسطيني، فلا توجد طريقة أخرى سوى ما يقومون به لأنهم سيشعرون بالخوف ويجبرون على التصرف بعنف كما يتصرفون. إن المشكلة برأيي ليست في الجنود، فكل واحد سيقف في هذا الموقف سيتصرف بنفس الطريقة، والمشكلة الأساسية هي مع النظام العسكري والسياسة الحكومية التي تصون الاحتلال.