سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد


العرب في إسرائيل: بين الحصار والإقصاء عن سوق العمل!

 

 

 

 

 

*حكومة نتنياهو تدعي السعي لزيادة انخراط العرب في سوق العمل *الحكومة ذاتها تصادق على مشروع قانون عنصري يمنح تفضيلا لليهود في أماكن العمل والتعليم والمسكن *البطالة بين العرب خمسة أضعاف نسبتها بين اليهود *بحث في جامعة تل أبيب يقر بأسباب عدم انخراط العرب في سوق العمل *مخططات كثيرة وضعت وقرارات حكومية لم تطبق لفسح المجال أمام زيادة الانخراط في العمل*

 

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

 

خلال أقل من 48 ساعة، طرحت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا على جدول أعمال الكنيست مشروعي قانونين: الأول، وهو ضمن قانون التسويات المرافق لمشروع الميزانية العامة، يزعم أن الهدف منه التشجيع على الانخراط في سوق العمل، والجمهور العربي هو أكثر المستهدفين فيه، والثاني، مشروع قانون يمنح الأفضلية لمن خدم في الجيش في أماكن العمل في القطاع العام، ولكن هذا يشجع القطاع الخاص على اتخاذ نفس الخطوة، وهو بطبيعة الحال يستهدف العرب، لتتقلص في وجوههم فرص العمل أكثر مما هو قائم على أرض الواقع، وهذا ينسف كل مزاعم الحكومة بأنها معنية بانخراط العرب، وخاصة النساء منهم، في سوق العمل.

 

وفي الأيام الأخيرة صدر بحث في جامعة تل أبيب يؤكد أن العرب في إسرائيل يعيشون في بلدات على شكل غيتوات، محرومة من فرص العمل، ويؤكد أن انخراط العرب بنسبة أكبر في سوق العمل من شأنه أن يزيد النمو الاقتصادي في إسرائيل، ولكن هذا البحث ليس الأول من نوعه، بل سبقته أبحاث ومخططات حكومية ليست قليلة في السنوات الأخيرة، بقيت في ملفاتها، بينما المخططات حظيت بضجة إعلامية ضخمة، وفي أحسن الأحوال فإن تنفيذها كان جزئيا هامشيا، ولم يستكمل.

 

ويعاني الفلسطينيون في إسرائيل من نسبة بطالة عالية جدا، مقارنة مع ما هو قائم بين اليهود في إسرائيل. ففي حين أن نسبة البطالة العامة في إسرائيل تتراوح بالمعدل ما بين 5ر6% إلى 7% في العامين الأخيرين، إلا أن البطالة بين العرب تتراوح ما بين 23% و25% بالمعدل، مقابل أقل من 5ر4% بين اليهود، وقليلة جدا هي البلدات العربية التي تهبط فيها نسبة البطالة عن 10% بقليل، بينما مدن تجمع ما بين 30 ألفا وأكثر من 50 ألفا منكوبة بالبطالة، وتتراوح فيها النسبة ما بين 25% وحتى 38%، والنسبة الثانية تنتشر خاصة في بلدات صحراء النقب.

 

وبحسب التقديرات، فإن نسبة القوة العاملة العربية تبلغ حاليا نحو 14%، إلا أن العاطلين عن العمل منهم يشكلون نحو 50% من إجمالي العاطلين عن العمل، وترتفع هذه النسبة بشكل حاد بين من يتم وصفهم عاطلين عن العمل "مزمنين"، أي أنهم عاطلون عن العمل لمدة عام وأكثر.

 

كذلك، فإنه حسب تقديرات رسمية وتخصصية، تصل نسبة البطالة وسط الحاصلين على شهادات أكاديمية بين العرب إلى 9%، وهي أكثر بستة أضعاف من نسبتها بين نفس الشريحة من اليهود، وتبقى الشريحة المحرومة أكثر من فرص العمل، هي النساء العربيات اللاتي 30% منهن فقط منخرطات في سوق العمل، مقابل ضعفي هذه النسبة بين النساء اليهوديات. ويستدل من تقديرات تخصصية أن 30% من النساء الحاصلات على شهادات أكاديمية ومهنية عاطلات عن العمل، بينما نحو 50% من النساء العاملات الحاصلات على مؤهلات أكاديمية ومهنية يعملن في وظائف أقل من مؤهلاتهن.

 

 

إعادة "مخطط

فيسكونسين" الاستبدادي

 

 

وقد قررت الحكومة الإسرائيلية إحياء ما يسمى "مخطط فيسكونسين" الاستبدادي، الذي هو من حيث الجوهر خصخصة مكاتب التشغيل، وتسليمها لشركات خاصة، كي تتبع أساليب ضغط على العاطلين عن العمل للانخراط في سوق العمل، وهذا بعد إجراء بعض التعديلات على المشروع، الذي ألغي قبل ثلاث سنوات، إلا أن جوهره الاستبدادي بقي على حاله.

 

وكانت الحكومة قد فرضت "مخطط فيسكونسين" للتطبيق في منتصف العام 2005، وكان في أربع مناطق تجريبية، ولمدة ثلاث سنوات، إلا أن الحكومة عملت على تمديده لمدة عامين، إلى أن جوبه بمعارضة شديدة في الكنيست، واضطرت الحكومة على ضوئها إلى إلغائه في منتصف العام 2010.

 

وكان هذا المشروع يضغط حتى على المرضى من العاطلين عن العمل، للانخراط في أماكن عمل وأعمال لا تناسبهم، ومن كان يرفض كان يُحرم من المخصصات الاجتماعية، بينما كانت تحصل الشركة التي تدير مشروع "فيسكونسين" من الحكومة على "مكافأة" مالية، مقابل كل شخص يتم حرمانه من المخصصات الاجتماعية.

 

وكان في هذا المخطط الكثير من مشاهد الاستبداد، مثل إلزام نساء العاطلين عن العمل المزمنين على الجلوس في مكاتب الشركة يوميا لساعات طويلة، كي لا يتم حرمان رجالهن من المخصصات، أو أن يفرض على نساء شارفن على عامهن الستين التوجه إلى أعمال غير ملائمة، مثل التنظيف وما شابه.

 

وينص المشروع الجديد، الذي من المفترض أن يقرّه الكنيست هذا الأسبوع بالقراءة الأولى، على أن يكون شاملا، وجرى إلغاء "المكافأة" للشركات مقابل كل شخص يُحرم من المخصصات الاجتماعية، ووضع أنظمة أخرى، لتحديد وضعية العاطل عن العمل، الصحية والجسدية.

 

وكان بنك إسرائيل المركزي، ومحافظه ستانلي فيشر، قد حذر من وضع مخططات للضغط على العاطلين للتوجه إلى سوق العمل، من خلال حرمانهم من المخصصات، من دون ضمان أماكن عمل ملائمة تستوعبهم.

 

 

مخطط لتضييق الخناق

 

 

وبموازاة ذلك المخطط، صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات في الحكومة على مشروع قانون عنصري، لرئيس الائتلاف الحاكم ياريف ليفين، يضع حواجز إضافية أمام العرب لدى توجههم إلى سوق العمل، من خلال تفضيل من خدموا في الجيش الإسرائيلي في أماكن العمل في القطاع العام، وتقديم امتيازات حتى في الرواتب، إضافة إلى امتيازات في القبول في الجامعات والحصول على مساكن الطلبة، وفي الحصول على المساكن، والأراضي المخصصة للبناء، وغيرها من الأمور.

 

وكان مثل هذا القانون قد طرحه حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، في الدورة البرلمانية السابقة، من خلال نائبه العربي المدعو حمد عمّار، وهو ضابط احتياط في الجيش، وفي حينه وافقت الحكومة على مشروع القانون، وأقرّه الكنيست من حيث المبدأ بالقراءة التمهيدية، إلا أن رفض المستشار القانوني للحكومة للقانون وتحذيره من تعارضه مع قوانين أخرى، جعل نتنياهو يطلب تجميد تشريع القانون، فبادر النائب ليفين إلى طرح صيغة أشرس من سابقتها، وفيها تدخل في قوانين أخرى، لإلغاء بنود تمنح تمثيلا، غير مطبقة، للعرب في إسرائيل في مؤسسات القطاع العام والمؤسسات الرسمية.

 

ويقول القانون إن على الدولة أن تعترف بأفضلية من "تطوع لأجلها"، بقصد الخدمة العسكرية، وتمنح الشخص أفضليات متنوعة، مثل القبول إلى أماكن العمل، وبحصوله على رواتب أعلى من غيره، وأيضا في القبول للجامعات، ومن ثم الحصول على مساكن الطلبة، وأيضا في شراء البيوت التي تبنيها وزارة الاسكان، بما في ذلك بيع الأراضي لغرض الإسكان.

 

ويدعو القانون إلى إلغاء كل بند في أي من القوانين مرتبط بما يسمى "التمييز التفضيلي"، وهي تعديلات قانونية تم إقرارها في الماضي، في محاولة لسد الفجوات بين العرب واليهود، إلا أن هذه القوانين لا تطبق على أرض الواقع، ورغم ذلك يطالب ليفين بإزالتها.

ويذكر أن قانون التجنيد العسكري الإلزامي لا يسري على العرب، باستثناء أبناء الطائفة العربية الدرزية، وبطبيعة الحال فإن الفلسطينيين يرفضون مثل هذا التجنيد من منطلقات وطنية، في حين أن المؤسسة الإسرائيلية، ترفض من حيث الجوهر فرض خدمة عسكرية كهذه على العرب.

 

ويأتي إقرار هذا القانون على الرغم من معارضة المستشار القانوني للحكومة ذاته، يهودا فاينشتاين، وقيل إن رئيسة لجنة التشريعات وزيرة القضاء تسيبي ليفني عارضت القانون، إلا أنها لم تجاهر بمعارضتها، بينما وزراء حزب "يوجد مستقبل" أعلنوا أنهم عارضوا القانون، فقط لأنه يشكل غبنا لذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة، الذين لا يستطيعون الخدمة في الجيش، وليس لكونه ضد العرب.

 

وإن خطورة هذا القانون تكمن ليس فقط في مضمونه، بل في أنه سيشكل قاعدة لتطبيقه أيضا في القطاع الخاص، فهذا النهج قائم من دون قانون، ولكن إن وجدت حتى الآن فسحة للمناورة ومحاصرة هذا النهج، فإن القانون المخصص للقطاع العام، سيبرر استفحال التمييز أكثر في القطاع الخاص، ما يعني محاصرة العرب في جميع جوانب سوق العمل.

 

 

بحث في جامعة

تل أبيب

 

 

في الأيام الأخيرة صدر بحث في جامعة تل أبيب أعده البروفسور عيران ياشيف، رئيس قسم السياسة العامة في هذه الجامعة، والدكتورة نيتسا كسير من بنك إسرائيل المركزي، وقيل إنه أحد أكثر الأبحاث شمولية لوضعية العرب في إسرائيل في سوق العمل الإسرائيلية.

 

ويحاول البحث وضع اليد على مواطن الخلل في عدم انخراط المجتمع العربي في سوق العمل الإسرائيلية، ويركز بشكل خاص على وضعية التحصيل العلمي، ويطرح معطيات، مثل أن نسبة التسرب بين الطلاب العرب في مرحلة "الثانوية" (التوجيهي) المدرسية تصل إلى 21% مقابل 11% بين اليهود، ولكن هذه النسبة بين العرب تشمل الطلاب الفلسطينيين في القدس المحتلة، الذين ينخرطون في جهاز التعليم الفلسطيني، ولا يتجهون لتقديم امتحانات "البجروت" النهائية، وهي توازي امتحانات "التوجيهي"، وهذه الحال تسري أيضا على نسبة الحاصلين على شهادة "البجروت".

 

ويعتبر البحث أن ضعف التحصيل العلمي بين العرب، الذي هو حقيقة قائمة بفعل سياسة التمييز في جهاز التعليم والحواجز في الوصول إلى الجامعات الإسرائيلية، هو سبب قوي في ضعف انخراط العرب في سوق العمل، مقارنة بالنسبة القائمة بين اليهود، وهذا على الرغم من أن نسبة الأكاديميين العرب العاطلين عن العمل أكثر من ستة أضعاف النسبة القائمة بين اليهود.

 

والجديد في البحث أنه يعدد أيضا أسباب الاكتظاظ السكاني، وعدم إقامة مناطق صناعية ومرافق عمل في البلدات العربية، خاصة وأنها بعيدة جغرافيا عن مركز البلاد. ونذكر في هذا المجال أن مدنا عربيا قريبة من منطقة تل أبيب الكبرى، هي أيضا منكوبة بالبطالة، وأبرزها مدينة الطيبة التي تصل نسبة البطالة فيها إلى 24% وأكثر.

 

 

خطط وقرارات

من دون تغيير السياسة

 

 

ويقول معدا البحث إن اندماج العرب في سوق العمل "هو أولا وقبل كل شيء، مصلحة إسرائيلية واضحة"، حسب تعبير استعراض صحيفة "ذي ماركر" للبحث، وذلك لأن هذا الاندماج سيزيد من نسب النمو الاقتصادي، ولهذا يوصي البحث الحكومة برصد ما بين 8ر1 مليار إلى 25ر2 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة، من أجل زيادة انخراط العرب في سوق العمل، منها نحو 3ر1 مليار دولار ترصد في جهاز التعليم العربي، الذي يعاني من نواقص بنيوية وتعليمية ضخمة، جراء سياسة التمييز، من أجل رفع مستوى التحصيل العلمي للطلاب العرب، وتأهيلهم للانخراط مستقبلا في سوق العمل بشكل أفضل.

 

ونذكر أنه في السنوات الـ 13 الأخيرة، سمعنا عن الكثير من ميزانيات الرصد للنهوض بأوضاع المواطنين العرب في إسرائيل، التي يعود ترديها إلى سياسة التمييز العنصري، وغالبية هذه المخططات كانت تهدف إلى امتصاص نقمة، أو إنهاء جدل مرحلي.

 

ففي العام 2000، أقرت حكومة إيهود باراك تخصيص مليار دولار، تصرف في أربع سنوات، كميزانيات إضافية على نواح مختلفة في المجتمع العربي، لكن هذه الحكومة لم تكن قائمة حتى في السنة الأولى من تطبيق المخطط العام 2001، وعلى الرغم من قانون الاستمرارية في عمل حكومات إسرائيل، إلا أن هذا القرار بقي كشمّاعة في السنوات اللاحقة، إذ تم التلويح به كثيرا، ولكنه لم يطبق على أرض الواقع.

 

وفي العام 2011 أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو عن تخصيص ميزانية بقيمة 220 مليون دولار، تصرف أيضا على مدار أربع سنوات، وهي مخصصة لـ 13 مدينة وبلدة، وتهدف إلى تطوير بنى تحتية وفتح أماكن عمل، ولكن اتضح فورا أن القرار بمثابة خديعة، إذ أن الحصة الأكبر من هذه الميزانية موجودة أصلا في أساس الميزانية العامة، ما يعني أنها ليست إضافية.

 

وقبل أكثر من ثلاث سنوات، أقام نتنياهو مكتبا للاستشارة الاقتصادية، مخصصا للمجتمع العربي، وأنيطت به مهمة توزيع ميزانية الـ 220 مليون دولار، وهي ميزانية هامشية أمام احتياجات بمليارات الدولار، لتغطية العجز والنواقص المتراكمة على مدى عشرات السنين.

 

كذلك، أقام نجل رئيس الدولة شمعون بيريس، حيمي بيريس، قبل أكثر من ثلاث سنوات، صندوقا لتشجيع الاستثمارات في المجتمع العربي بقيمة 22 مليون دولار، وقيل إنه أضيفت لهذا المبلغ ميزانية أخرى بقيمة 27 مليون دولار، ولكن كل هذا بقي غير ملموس على أرض الواقع.

 

إن ما يحتاجه المجتمع العربي أساسا ليس قرارات عابرة لا تطبق على أرض الواقع، وإنما تغيير العقلية التي تسيطر على كل حكومات إسرائيل منذ ستة عقود ونيّف، وهي عقلية فرضت سياسة التمييز العنصري ضد العرب كأساس موجّه، وترتكز عليها كل السياسة الرسمية، وتبلور من خلالها الحكومات ميزانياتها السنوية.

 

وأكثر ما يكشف نوايا حكومة بنيامين نتنياهو، بوجه خاص، هو تمسكها بمشروع القانون الذي يعطي أفضلية لليهود، تحت حجة أنهم "خدموا في الجيش"، في مجالات التعليم والعمل والمسكن وغيرها.