هل ستضمن إسرائيل بقاءها؟

على هامش المشهد


كتب بلال ضاهر:

 

يواجه وزير المالية الإسرائيلية، يائير لبيد، مهمة صعبة في هذه الفترة وتتعلق بوضع الميزانية العامة للدولة. وتنبع صعوبة هذه المهمة من أن حكومة بنيامين نتنياهو السابقة أورثت حكومته الحالية تركة تتمثل في وجود عجز مالي يبلغ حجمه 39 مليار شيكل. ويبدو أن قسما من هذا العجز نابع من سياسة نتنياهو تجاه إيران، الأمر الذي أدى إلى رفع الميزانية الأمنية.

 

وتتمثل صعوبة مهمة لبيد في أن وزارة المالية تسعى إلى تقليص الميزانية الأمنية في الوقت الذي تعارض وزارة الدفاع ذلك. كذلك فإن لبيد يريد، وفقا لتقارير اقتصادية إسرائيلية، رفع نسبة العجز في الميزانية العامة، من 3% إلى 5ر4%، ليتحاشى، قدر الإمكان، إجراء تقليصات كبيرة جدا في ميزانيات الوزارات والتي سينجم عنها إنزال ضربات اقتصادية سيعاني منها المواطنون، خاصة وأنه حاول خلال الحملة الانتخابية طرح نفسه كمن يمثل الطبقة الوسطى والجمهور الذي اشترك في الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل، قبل عامين تقريبا.

لكن محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، البروفسور ستانلي فيشر، أعلن أنه يعارض خطة لبيد برفع نسبة العجز في الميزانية العامة بهذا الشكل الكبير، وحذر من أن خطوة كهذه تشكل خطرا على اقتصاد إسرائيل وستؤدي إلى تدهوره، خاصة وأنه تم رفع نسبة العجز قبل ذلك من 5ر1% إلى 3%، وشدد على أن رفع نسبة العجز إلى 5ر4% أو أقل بقليل هو أمر غير صحيح. وأفادت تقارير بأنه في أعقاب ذلك تسود علاقات "باردة" بين لبيد وفيشر.

وقالت المحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر"، التابعة لشبكة "هآرتس"، ميراف أرلوزوروف، لـ "المشهد الإسرائيلي"، حول أسباب وجود عجز مالي كبير في الميزانية العامة الإسرائيلية، إنها "تنبع من عاملين منفصلين. وعموما، فإن الميزانية العامة في إسرائيل تسير في عالمين منفصلين، وهما الإنفاق والدخل من الضرائب، وهما ليسا مرتبطين الواحد بالآخر. وفصلهما مقصود وهو أحد العبر المستخلصة من الأزمة الاقتصادية الكبرى في العام 1985. ففي حينه تم رفع حجم الإنفاق بشكل متواصل وأدى ذلك إلى أزمة اقتصادية شديدة. ومنذ ذلك الحين تم إقرار أنظمة ثابتة تتمثل في تحديد بنود الإنفاق وتحديد إطار لها من دون أن تكون لذلك علاقة بحجم الدخل من الضرائب. وهذا يعني أنه إذا كان الدخل من الضرائب جيدا أو سيئا في عام معين فإنه لا يؤثر على الإنفاق أو بنود الصرف. وما حدث عندنا في العامين الأخيرين هو أنه كانت هناك مشكلة مزدوجة في كلا الجانبين، الدخل والإنفاق. وفي جانب الإنفاق، دخلت دولة إسرائيل في عملية إنفاق أكبر مما هو مسموح لها في العامين الأخيرين. وقد التزمنا بإنفاق بحجم 20 مليار شيكل أكثر مما هو مسموح لنا. وفي موازاة ذلك كانت هناك مشكلة في جانب الدخل، وهي أن الدخل من الضرائب كان أقل مما توقعوا في وزارة المالية، ومن بين أسباب ذلك أن التوقعات كانت خاطئة، وسبب آخر يتعلق بتراجع وتيرة النمو الاقتصادي، ويرتبط بهذا ما يسمى بـ "الليونة في الضرائب" أي تسديد ضرائب بحجم أقل بسبب تراجع النمو. وأدى ذلك إلى انخفاض كبير في الدخل من الضرائب، والعجز نابع بالأساس من ذلك".

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هو مدى تأثير ميزانيات الاستيطان والأمن على هذا العجز في الميزانية العامة؟

أرلوزوروف: "نحن لا نعرف شيئا عن الإنفاق على المستوطنات، لأنه لا يوجد في أي مكان شيء اسمه ميزانية المستوطنات. والانفاق في هذا المجال متناثر، وهو موجود ضمن ميزانيات التعليم والرفاه والشوارع وما إلى ذلك. وفيما يتعلق بميزانية الأمن فإنها بدون شك عنصر هائل الحجم في الميزانية. وإذا ما نظرت إلى التجاوز الذي حصل في الميزانية بمبلغ العشرين مليار شيكل، خلال السنوات الأخيرة، فإن قسما كبيرا منه تم رصده للأمن، ونحن نقدر أنه متعلق بالموضوع الإيراني".

(*) يدور صراع الآن حول الميزانية في حلبتين مركزيتين. الصراع الأول بين وزارتي المالية والدفاع حول حجم ميزانية الأمن، وهذا صراع دائم يتكرر كل عام. والصراع الثاني بين لبيد والمسؤولين في وزارة المالية، وفي مقدمتهم محافظ البنك المركزي فيشر، حول غاية العجز، أو الحد الأقصى الذي سيتم رفع نسبة العجز إليه في الميزانية. ما هي النتائج المتوقعة لهذين الصراعين؟

أرلوزوروف: "هنا أيضا سأقسم إجابتي إلى قسمين يتعلقان بجانبي الميزانية. فيما يتعلق بميزانية الأمن فإن هذا صراع دائم ومتكرر، ووزارة المالية تسعى إلى تقليص هذه الميزانية بعشرة مليارات شيكل. والنقاش بين المالية وفيشر يتعلق بحجم الضرائب وما إذا كان بالإمكان رفع نسبتها من أجل التعويض عن النقص الناجم من تراجع الدخل في هذه الناحية في السنوات الماضية ومن أجل سد الفجوة كلها، والتي يتراوح حجمها ما بين 15 – 17 مليار شيكل. ويقول المحافظ إن هذا أمر غير معقول أن يتم جباية 10 – 12 مليار شيكل إضافية من الضرائب، وهذا يعني أنه سينقصه بمبلغ 5 مليارات شيكل في الدخل من الضرائب. ويرى فيشر أن مبلغ الخمسة مليارات شيكل الناقصة بالإمكان ضمها إلى العجز في الميزانية ورفعه بنسبة 5ر0% على ما تم التخطيط له سابقا".

(*) لكن في جميع الأحوال ستكون هناك ضربات اقتصادية بعد إقرار الميزانية العامة. هل هذا صحيح؟

أرلوزوروف: "في جميع الأحوال سيتعين على الحكومة أن تقلص 20 مليار شيكل في بنود الإنفاق في الميزانية العامة. وفيما يتعلق بالدخل فإنه على ما يبدو ستكون هناك تنازلات من جانب المالية، وهذا يعني أنه سيتم رفع الضرائب، والسؤال يتعلق بحجم الزيادة في الضرائب".

(*) توجد تحليلات تتردد في إسرائيل تقول إن تعيين لبيد وزيرا للمالية من دون أن تكون له خبرة وتجربة سابقة في المجال الاقتصادي كان خطأ.

أرلوزوروف: "ما زال مبكرا الحكم عليه وهذه الأقوال ليست عادلة، فالرجل يتولى منصبه منذ شهر فقط ولا يمكن الحكم عليه خلال هذه الفترة القصيرة، ولذلك فإني أقترح أن ننتظر ونرى كيف ستسير الأمور".

(*) هل يمثل لبيد مصالح قطاع معين، مثل مجموعة رجال الأعمال، وعددهم 80، الذين وضعوا ضمانات في البنوك لكي يتمكن حزب "يوجد مستقبل"، الذي يتزعمه لبيد، من الحصول على قروض خلال الحملة الانتخابية؟

أرلوزوروف: "التخوف لدينا هو أنه نعم، هو يمثل مصالح كهذه، لكن ينبغي أن نرى أفعاله. الإثبات على ذلك سيكون من خلال أفعاله. ولذلك يوجد تحسب كهذا، لكن هذا ما زال مجرد تحسب وحتى الآن لا نعرف الحقيقة على وجه التأكيد".

(*) ادعى لبيد، خلال حملته الانتخابية، بأنه يمثل الاحتجاجات الاجتماعية التي جرت في إسرائيل في صيف العام 2011. هل ستقود سياسته، وخاصة الضربات الاقتصادية المتوقعة، إلى تجدد الاحتجاجات الاجتماعية؟

أرلوزوروف: "صحيح أنه ادعى أنه يمثل الاحتجاجات. أنا لست خبيرة في هذه الاحتجاجات، لكني أعتقد أن دولة إسرائيل ملزمة بإقرار هذه الضربات الاقتصادية، لأنه من دون إقرار هذه الضربات فإننا سنتعرض إلى تدهور اقتصادي، وعندها سيلحق الضرر الأكبر بالطبقة الوسطى. كذلك سيتضرر العرب في إسرائيل في حال حدوث تدهور اقتصادي. وعموما فإن الجميع سيتضرر من تدهور اقتصادي. وأنا أرى أنه يجب التقليص في أماكن أخرى [الأمن والاستيطان]، لكن لا يوافق الجميع على رأيي".