تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

على هامش المشهد

 

*هؤلاء الأسرى لا يلتقون أي أحد باستثناء المحقق*

 

 

كتب بلال ضـاهـر:

 

لا تزال قضية "السجين إكس" تثير زوبعة في إسرائيل، بعد أن كشف تحقيق صحافي أسترالي بثته قناة تلفزيونية، الأسبوع الماضي، عن أن الأسترالي اليهودي بن زيغير هو "السجين إكس"، الذي تم سجنه في سجن أيالون في مدينة الرملة، في العام 2010، بهوية مجهولة وبشكل سري، وحتى من دون علم السجانين بهويته، وقضى مشنوقا في زنزانته، في نهاية العام نفسه، رغم أن الزنزانة مراقبة بكاميرات على مدار 24 ساعة يوميا وسبعة أيام أسبوعيا. وقد فرضت الرقابة الإسرائيلية حظر نشر على القضية منذ اعتقال زيغير وحتى نشر التقرير التلفزيوني الأسترالي.

 

ورغم أن السلطات الإسرائيلية خففت أمر منع النشر حول القضية، واعترفت ضمنيا بأن زيغير كان مسجونا في إسرائيل وشنق نفسه، إلا أنه لم يتم الكشف حتى الآن عن سبب سجن زيغير وعزله بشكل متطرف كهذا، علما أنه كان عميلا للموساد. وتدعي أجهزة الأمن الإسرائيلية أن منع النشر عن القضية نابع من الحفاظ على أمن الدولة وعلى "أمن المواطنين" فيها.

وأثارت هذه القضية تساؤلات وسجالا واسعا حول إمكانية سجن شخص في إسرائيل، التي تدعي الديمقراطية، بهذا الشكل. لكن هذه ليست قضية فريدة من نوعها. فقد سبق زيغير أشخاص آخرون، إسرائيليون ويهود، تم اعتقالهم بشكل سري ووسط تعتيم إعلامي. كذلك هناك أسرى فلسطينيون وعرب يقبعون في السجون الإسرائيلية من دون أن تتوفر معلومات حول مصيرهم. وكل هذا بحجة الحفاظ على أمن الدولة.

وأجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة حول هذه القضية مع المدير العام لـ "اللجنة الشعبية ضد التعذيب في إسرائيل" والناشط الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان الدكتور يشاي مينوحين.

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هي دلالات قضية "السجين إكس"؟

مينوحين: "هذه القضية تدل على أن لدى قوات الأمن إمكانية لاحتجاز أشخاص دون أن يعرف الجمهور عنهم شيئا، أي بسرية مطلقة. ويمكن ألا يسمحوا بلقاءات مع هؤلاء السجناء، مثل مع محامين. وهذا يعني أنه يمكن أن يكون بحوزتها إنسان معزول عن كل من تريد أن تعزله عنهم. قضية السجين إكس هي قضية بارزة جدا، ولكن يوجد اليوم عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يمنع النشر بأنهم مسجونون، ويحظر النشر حول ما حدث لهم، أو أنهم موجودون في السجون أصلا. هذا وضع لا يعرف فيه أي أحد، باستثناء المحققين أو سلطات الأمن، ما هو مصيرهم. وهذه بكل تأكيد ممارسات تتنافى مع الديمقراطية. آمل أن تؤدي الضجة حول إكس إلى أن يدرك الجهاز الأمني أنه لا يمكنه القيام بمثل هذه الممارسات بعد الآن".

(*) هل يلتقي الأسرى الفلسطينيون الذين يتم سجنهم بشكل سري مع محامين أو جهة أخرى؟

مينوحين: "أجرت اللجنة الشعبية ضد التعذيب بحثا تبين منه أن هؤلاء الأسرى لا يلتقون أي أحد باستثناء المحقق. وفي مرحلة لاحقة، يلتقي الأسرى مع مندوب عن الصليب الأحمر، لكن يتم منعهم من التقاء محامين. وفي مرحلة معينة يتم السماح لهم بالتقاء محامين، وذلك عندما يشعر المحققون أنه لم يعد بإمكانهم استخراج معلومات أكثر منهم، وأن التعذيب والتحقيق لن يضيفا شيئا".

(*) ما هو "الجرم" الذي يمكن أن يكون ارتكبه "السجين إكس"، ويبرّر احتجازه بشكل سري وبهوية مزورة أو مجهولة؟

مينوحين: "سأجيبك بما يلي: لا يوجد أي وضع يبرر احتجاز إنسان بهذا الشكل، وليس مهما ماذا فعل. حتى الأسرى الأكثر إجراما هم أشخاص لديهم حقوق إنسان. ولا يمكن انتهاك حقوق الإنسان الممنوحة لهم لكونهم أسرى. وإمكانية احتجاز إنسان، وليس مهما ماذا فعل، بشكل لا أحد يعرف مصيره وتتم ممارسة ضغوط شديدة جدا عليه، بما يجعله في حالة خوف بالغ جدا، هو أمر ممنوع. وأعتقد أنه في حالة السجين إكس، فإن الخوف الذي كان يعاني منه، رغم أنه التقى مع محامين ومع عائلته بشكل نادر، أدى إلى انتحاره. لذلك، يحظر احتجاز أشخاص بهذا الشكل وليس مهما ماذا ارتكبوا. إن القانون المدني الإسرائيلي لا يعترف بعقوبة الإعدام، بينما توجد في القانون العسكري الإسرائيلي مثل هذه العقوبة ولكن لا يتم استخدامها. إذا قلنا إن القانون الإسرائيلي لا يستخدم عقوبة الإعدام فإنه لا يمكن احتجاز إنسان وعزله عن الحياة وفي وضع يؤدي إلى يأس ويدفعه إلى الانتحار".

(*) وهذا أمر تنص عليه المعاهدات الدولية، أي أن إسرائيل تنتهك المعاهدات والقانون الدوليين من خلال هذه الممارسات؟

مينوحين: "بكل تأكيد. يوجد هنا انتهاك واضح للمعاهدة الدولية ضد التعذيب، إذ أن احتجاز إنسان في حالة عزل كهذه لمدة تزيد عن عدة أيام يعتبر تعذيبا، فما بالك إذا تم عزل إنسان عن أي شيء لمدة شهور؟ وحقيقة هي أن المحاكم ترفض احتجاز مجرمين كبار في عزل انفرادي لفترة طويلة، وفي حالة السجين إكس يدور الحديث على عزله لشهور طويلة".

(*) ديوان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، دعا الأسبوع الماضي إلى اجتماع لرؤساء تحرير وسائل الإعلام في إسرائيل من أجل مطالبتهم بالتعاون في التعتيم على قضية "السجين إكس". ما رأيك؟

مينوحين: "إن المسؤولين هنا يعيشون في عالم الأمس، ويعتقدون أنهم إذا تحدثوا مع رؤساء تحرير قنوات التلفزيون والصحف فإن الجمهور لن يعرف عن القضية. لكن هذا لا ينجح في عصر الانترنت. والعالم تغير والكثيرون لا يوافقون على صلاحيات ديوان رئيس الحكومة في كل شيء. وحتى لو تقرر عدم النشر حول أمر ما، وهذه خطوة معادية للديمقراطية بكل تأكيد، فإنه يتم النشر خارج إسرائيل، في أستراليا وغيرها، وجميعنا قرأنا تفاصيل قضية إكس في وسائل إعلام أجنبية، وذلك قبل رفع الحظر عن النشر حول هذه القضية هنا. لذلك فإن خطوة ديوان رئيس الحكومة غير ديمقراطية وغبية".

(*) هل تعتقد أن سجن شخص في حالة عزل خطير كهذا يعكس سياسة انتقامية من جانب إسرائيل؟

مينوحين: "أنا أفكر بمن تم التعامل معهم بهذا الشكل، وهما مردخاي فعنونو [الذي كشف أسرار إسرائيل النووية]، وقد أرادوا الانتقام منه، والبروفسور ماركوس كلاينبرغ [الذي أدين بالتجسس لصالح الاتحاد السوفياتي]، والآن السجين إكس. كذلك حدث هذا لأسرى فلسطينيين آخرين. ويوجد هنا مستويان: الأول هو الانتقام. والثاني، التخوف من أن أحدا ما سيطلع على معلومات معينة. لكن الدافع الأساس هو سياسة انتقامية، وليس فقط منع المس بأمن الجمهور".

(*) أعادت إسرائيل اعتقال أسرى فلسطينيين بعد إطلاق سراحهم في إطار اتفاق تبادل الأسرى مع حماس، في تشرين الأول الماضي. وكشفت صحيفة "هآرتس" عن أن هذه الاعتقالات تُنفذ بسبب خرق شروط الإفراج عن الأسرى، وبفعل تعديل سري للقانون العسكري "الأمر رقم 1677"، وينص على إعادة أسير محرر إلى السجن الإسرائيلي في حال ارتكب مخالفة عقوبتها ثلاثة شهور سجن. أي أنه بسبب مخالفة قد تكون تافهة أو بسبب نشاط سياسي تعيد إسرائيل أسرى فلسطينيين إلى السجن لقضاء فترة محكوميتهم الأصلية لمدة عشرين أو ثلاثين عاما. هل تعتقد أن إسرائيل ضللت حماس، وكذلك مصر التي كانت وسيطة في اتفاق التبادل؟

مينوحين: "إن إسرائيل "تغطي" نفسها من الناحية القانونية في هذا الشأن، لأن جميع هؤلاء الأشخاص وقعوا عندما أفرج عنهم على اتفاق يشترط، مثلا، ألا يدخلوا إلى مناطق السلطة الفلسطينية. وقد وافق الأسرى على التوقيع لأن هذه كانت طريقهم نحو الحرية. وبإمكان إسرائيل أن تثبت في الحالات الـ 14 أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا خطأ وخرقوا تعهدا وقعوا عليه عندما خرجوا من السجن. لكن من الناحية الأخلاقية لا توجد تغطية لإسرائيل بتنفيذها هذه الاعتقالات. وهذا يعني أنه إذا حاولت مصر الاستفسار حول إعادة اعتقال هؤلاء الأسرى فإن إسرائيل ستقول إنهم خرقوا تعهداتهم التي وقعوا عليها. ولكن أن تعيد أسيرا كهذا إلى السجن لمدة عشرين عاما بسبب خطأ إداري بسيط ارتكبه، هو سلوك ليس أخلاقيا وليس نزيها".

(*) تطرق نتنياهو، أول أمس، إلى قضية "السجين إكس"، وأعلن أن تعامل إسرائيل في هذه القضية سببه أن "إسرائيل ليست كباقي الدول". هل هذا التصريح يشكل ذريعة لارتكاب جرائم؟

مينوحين: "لقد قال نتنياهو هذه الجملة لأنه يعتقد أنه ليس مهما أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، ولا ينبغي معاقبتها. وأعتقد أن نتنياهو يقودنا إلى أماكن سيئة وغير أخلاقية يحظر أن نصل إليها. وبرأيي، إذا نظرت إلى الـ 14 أسيرا فلسطينيا وإلى نتنياهو، فإنني واثق ومن دون أدنى شك أن الأخير أخطر على أمن إسرائيل من أولئك الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا بحجة إدارية".