شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

على هامش المشهد

*هل سيلجأ نتنياهو إلى نموذج حكومة أريئيل شارون العام 2003 ويترك "الحريديم" جانبا *نتنياهو سيختار بين حكومة ضيقة ثابتة أو حكومة موسعة مليئة بالتناقضات والصراعات *الملفان الساخنان: الميزانية العامة والتقليصات المقترحة ومسألة تجنيد "الحريديم"*

 

 

كتب ب. جرايسي:

 

تفتتح، اليوم الثلاثاء، الدورة الـ 19 للكنيست الإسرائيلي، مستكملة بذلك الدورة الشتوية، التي افتتحت في الخريف الماضي، وقطعتها الانتخابات المبكرة. وكان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس قد كلف مساء السبت الأخير، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لتشكيل حكومته الثالثة، ولكن ليس من الواضح ما هي طبيعة هذه الحكومة، التي سيكون فيها نتنياهو أمام خيارات ليست سهلة على مستوى الشركاء، ولكن لا اقل من ذلك، على مستوى كتلته البرلمانية.

 

 

ويتحرك نتنياهو حاليا بين بين سبع كتل برلمانية، لها مع كتلته "الليكود" 88 نائبا، وهذا بعد أن أعلن حزب "العمل" برئاسة شيلي يحيموفيتش عن قراره بالبقاء في صفوف المعارضة، وبطبيعة الحال، فإن كتلة "ميرتس" اليسارية، والكتل الثلاث الناشطة بين العرب في إسرائيل، تبقى في صفوف المعارضة تلقائيا.

 

لكن هذا لا يعني أن الباب سيبقى موصدا بين "العمل" و"الليكود"، فالسياسة الإسرائيلية مليئة بالاستثناءات والمفاجآت، ولكن كما يبدو، فإن يحيموفيتش تفضل لعب دور رئيسة المعارضة، في حال ضمن حزب "يش عتيد" مشاركته في الائتلاف الحاكم.

 

وقد بدأت المفاوضات في اليومين الماضيين، مع أحزاب "يش عتيد" برئاسة يائير لبيد (19 مقعدا) و"البيت اليهودي" (12 مقعدا) و"شاس" (11 مقعدا) و"يهدوت هتوراة" (7 مقاعد) و"الحركة" برئاسة تسيبي ليفني (6 مقاعد) و"كاديما" (مقعدان)، في حين أن الليكود عليه مفاوضة حليفه الانتخابي حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان.

 

والملفان المركزيان اللذان ستدور حولهما المفاوضات، إلى جانب توزيع الحقائب الوزارية، هما: ميزانية الدولة للعام الجاري 2013، وقد تكون ايضا للعام المقبل 2014، وما تحمله من اجراءات تقشفية، والثاني هو مسألة تجنيد الشبان "الحريديم"، خاصة على ضوء الفراغ القانوني، الذي أحدثه قرار المحكمة العليا قبل نحو عام، والذي منع تمديد القانون المؤقت الذي يعفي "الحريديم" من الخدمة العسكرية تلقائيا (قانون طال). فهذه قضية ما زالت عائقا، وقام نتنياهو بتصديرها من حكومته التي ستنهي عملها في الايام المقبلة إلى حكومته الجديدة، ومعها تعقيدات أشد.

 

 

المشكلة تبدو في "الحريديم"

 

 

في كلا الملفين، ستكون الشراكة مع الحريديم شائكة، ففي مسألة الميزانية العامة، يطرح نتنياهو ووزارة المالية معه، اجراءات تقشفية وتقليصات في الميزانية، سيكون من الصعب على الحريديم قبولها، وبشكل خاص سعي نتنياهو إلى تقليص مخصصات الأولاد، التي تتسلمها العائلات عن كل ولد دون سن الـ 18 (طالع تقريرًا عن الميزانية في الصفحة الاقتصادية- الرابعة من هذا العدد).

 

ويعتبر "الحريديم" تقليص مخصصات الأولاد ضربة موجهة لجمهورهم، الذي يسجل أعلى معدلات ولادة على الإطلاق، حوالي 8 ولادات للأم الواحدة من الحريديم، وأكثر من 5 ولادات للمتدينات اليهوديات، من التيار "الديني الصهيوني"، بينما لدى العرب فإن معدل الولادة في هبوط مستمر، ووصل إلى 5ر3 ولادة للأم الواحدة. ولكن إذا ما اتفق نتنياهو مع الحريديم، وبقيت هذه القضية، فإنه من الممكن تجاوزها، والبحث عن بدائل لها.

 

أما بالنسبة لباقي الشركاء المرشحين للانضمام إلى الحكومة، وخاصة "يش عتيد"، فإن مسألة الميزانية ستكون عقبة أخف من غيرها لتشكيل الحكومة، لا بل إن نتنياهو يستطيع الاعتماد على "يش عتيد" لإجراء تقليصات أشد عمقا في الميزانية.

 

وفي الملف الثاني، وهي قضية تجنيد "الحريديم"، فإن نتنياهو يقف أمام موقفين متعنتين، من حزب "يش عتيد" الذي يطالب بتجنيد شبه كامل، واعفاء طفيف لبضع مئات من الشبان الحريديم سنويا، والموقف الآخر للحريديم، الذين يرفضون التجنيد، وهم على استعداد للتفاوض حول مخطط وضعه الوزير موشيه يعالون، قبل عدة اشهر، وجوهر المخطط في غالبه يبقي على الوضع القائم تقريبا، وينثر الكثير من الضبابية، ولا يحسم الامر كليا في مسألة التجنيد، وهذا ما يرفضه يائير لبيد.

 

المعضلة التي يواجهها نتنياهو في هذه القضية، هي أن المسألة ليست شراكة مع "الحريديم" أو عدمها، لأن فرض أمر يرفضه جمهور الحريديم، وقياداتهم الروحية، سيعني قرارا بالصدام المباشر مع هذا الجمهور، وسيكون الصدام ميدانيا لا محالة، خاصة على ضوء تصعيد خطاب كبار حاخامي الحريديم، من "الأشكناز" والشرقيين.

 

أشكال الائتلاف المحتملة

 

حتى أمس، وكما في بداية كل مفاوضات، تظهر عقبات تبدو جدية أمام تشكيل حكومة ثابتة، ولكن هذا ليس بالضرورة سيستمر، فأمس قرأنا أنباء متضاربة، تارة عن اتفاق أو تفاهم بين "يش عتيد" و"البيت اليهودي"، وتارة أخرى، بين "البيت اليهودي" وكتلتي الحريديم، إلى جانب أنباء عن تعنت في المواقف لدى الكتل المختلفة، وهذه مشاهد مألوفة في مفاوضات كهذه، ويبقى السؤال ما هي الفرص التي أمام نتنياهو؟.

 

ونستعرضها هنا كسيناريوهات مطروحة حتى الآن.

 

حكومة موسعة جدا: تشمل كل التكتل البرلمانية، باستثناء الكتل الثلاث الناشطة في الشارع العربي: "القائمة الموحدة- العربية للتغيير"، و"الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، و"التجمع الوطني الديمقراطي" إضافة إلى كتلة "ميرتس" اليسارية، وائتلاف كهذا يضم 103 مقاعد برلمانية من أصل 120 مقعدا، وفي الظروف القائمة، هذا ضرب من الخيال، وليس مطروحا أصلا، خاصة على ضوء إعلان رئيسة حزب "العمل" شيلي يحيموفيتش عزمها البقاء في المعارضة، وكما يبدو، فإنها ترى أن جلوسها في حكومة فيها حزب "يش عتيد" سيضعها مع حزبها في الظل، وهذا ما سيضرب مكانة "العمل" التي تعززت قليلا في الانتخابات الأخيرة.

 

حكومة موسعة بدرجة أقل: وتشمل جميع الكتل باستثناء "العمل"، والكتل الأربع السابق ذكرها في السيناريو السابق، وائتلاف كهذا من شأنه أن يضم 88 نائبا، وهو صعب التحقيق، ولكنه ليس مستحيلا، وصعوبته تكمن في ضغط كبير على شكل توزيع الحقائب الوزارية الاساسية، وشرط ائتلاف كهذا هو الاتفاق بين جميع هذه الكتل على مخطط ما يتعلق بمسألة تجنيد الشبان الحريديم في الجيش، وأيضا في مسألة الميزانية، وفي ائتلاف كهذا، ستكون الحلقة الأضعف "الحركة"، إذ أنها قد لا تحصل على المكانة التي تطمح لها رئيسة "الحركة" تسيبي ليفني.

 

حكومة الثلثين: حكومة ترتكز على 82 نائبا، باستثناء "الحركة" و"العمل" و"ميرتس" و"الموحدة" و"الجبهة" و"التجمع"، وتضم كل الكتل التي أوصت الرئيس شمعون بيريس بتكليف بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة، وعلى الأغلب فإن نتنياهو سيطمح إلى حكومة كهذه، رغم ما تشمله من تناقضات بين الكتل المختلفة، التي وإن ستهدأ مع بدء ولاية الحكومة، إلا أنها ستبقى مرشحة للانفجار في كل لحظة.

 

حكومة أقلية: نموذج أول- حكومة ترتكز على كل كتل اليمين المتطرف، تضاف لها كتلة "كاديما" من نائبين، وهذا الائتلاف الأسوأ الذي سيكون أمام نتنياهو، كون الأغلبية فيه ضعيفة، وهي معرضة لاهتزازات كبيرة في العمل الجاري للكنيست، من تشريعات وما شابه. وفي هذا النموذج، فإن كل واحدة من الكتل الشريكة في الحكومة تستطيع ان تقرر مصير الحكومة.

 

حكومة أقلية: نموذج ثاني- حكومة تستثني كتلتي الحريديم، وتضم "يش عتيد" و"كاديما". وائتلاف كهذا سيضم 64 نائبا، ولكنه لن يكون سهلا على نتنياهو، إلا إذا ضم له "الحركة"، ما يرفع الأغلبية إلى 70 نائبا من اصل 120 نائبا. مشكلة نتنياهو مع ائتلاف كهذا، هي أن درجة الالتزام فيه لسياسة الليكود واليمين المتشدد ستكون اقل بكثير، من الائتلاف الذي كان قائما حتى الانتخابات.

 

 

خيارات أخرى

 

السيناريوهات الأخيرة هي الأقرب للواقع، ولكن تبقى هناك مفاجآت، مثل إن بقي "يش عتيد" في صفوف المعارضة، فقد تعلن يحيموفيتش وحزبها عن "نشوء ظروف جديدة"، لتعدل عن قرارها الأول وتنضم إلى حكومة سيكون فيها "العمل" الكتلة الثانية، ما يمنحها منصبا وزاريا رفيعا وشروط ائتلاف أفضل.

 

لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل سيتجه نتنياهو حقا إلى حكومة على شاكلة الحكومة التي أقامها اريئيل شارون في العام 2003، واستثنى منها "الحريديم" بقرار مسبق؟

 

يبقى هذا خيارا واردا، ولكن ليس لدى نتنياهو القوة التي كانت لليكود وشارون في تلك الايام، فعدد اعضاء كتلة "الليكود" وحده في حينه، كان ضعفي ما هو قائم اليوم، ونجح شارون في تشكيل ائتلاف قوي مع والد يائير لبيد، يوسيف (طومي) لبيد، انضم اليه حزبا "المفدال" و"الاتحاد الوطني"، وضم فيه حينه حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان.

 

وهذا الائتلاف بدأ يتهاوى بعد أقل من عام ونصف العام، وانحل كليا بعد أقل من عامين، واضطر شارون إلى استبدال الشركاء، وسط قلاقل لم تتوقف في الائتلاف وحزب "الليكود"، على خلفية خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة.

 

لن تنتهي الإشكاليات لدى نتنياهو مع اتفاقه مع الكتل المرشحة للانضمام إلى الائتلاف، وفي انتظاره اشكاليات أخرى، أولها مع حليفه أفيغدور ليبرمان، الذي سينتظر الحقائب التي ستسند لحزبه، والأمر الثاني، وكالمعتاد، سلسلة اشكاليات في داخل حزب "الليكود".

 

صحيح أن الكتلة الجديدة لليكود فيها عدد شخصيات اقل، من تلك التي لا مفر من اسناد حقائب وزارية لها، كما كان في الدورة البرلمانية السابقة، فغالبية تلك الشخصيات أطاح الحزب بها من لائحته الانتخابية، مثل دان مريدور، وبنيامين بيغن، وميخائيل إيتان، وسبقهم في الاستقالة يوسي بيليد، وموشيه كحلون، ولكن في نفس الوقت، هناك اصطفافات داخل الليكود، خاصة اصطفاف المجموعة المتشددة، التي تريد حصتها من الحقائب الوزارية، والمناصب الهامة في الكنيست، على مستوى رؤساء اللجان، ورئاسة الائتلاف، ونواب رئيس الكنيست، بعد أن بات واضحا أن رؤوفين ريفلين سيستمر في منصبه رئيسا للكنيست.

 

لن تكون مهمة نتنياهو سهلة في تشكيل الائتلاف، ولكن ما يمكن المراهنة عليه هو أن نتنياهو لن يختتم الدورة الشتوية في منتصف الشهر المقبل آذار المقبل، من دون حكومة جديدة، ففي الأيام القليلة المقبلة سنشهد وكالعادة تسريعا في المفاوضات مع الكتل الاساسية المرشحة للائتلاف، وستكثر الدعوات للإسراع في تشكيل الحكومة، من أجل الانتهاء من اقرار الميزانية، و"عدم الإساءة للاقتصاد"، أو أن "التحديات الخارجية تلزم بالإسراع في انهاء تشكيل الحكومة"، وهي من الديباجات المعروفة لاختلاق رأي عام، يطالب بالتوصل إلى صياغات توافقية في كل القضايا الساخنة، وهي صياغات ستكون أشبه بمسكنات لأزمات عميقة، إلا أنها ستنفجر لاحقا في وجه كل حكومة يشكلها نتنياهو.