سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

 

*نتنياهو توجه إلى انتخابات مبكرة ظنّا منه أنها ستعزز قوته فأخطأ *وتحالف مع أفيغدور ليبرمان ليحصل على مقاعد أكثر فأخطأ أكثر وخسر 26% منها *وارتكز على قاعدة لليمين المتطرف غير مسبوقة من حيث قوتها وتماسكها فأضعفتها الانتخابات *نسبة التصويت العامة كسرت رهانات ولعبت ضد نتنياهو *الاستطلاعات سجلت مستوى جديدا في فشلها وأنقذتها قليلا الاستطلاعات في يوم الانتخابات ذاته*

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

أيقن بنيامين نتنياهو، مع صدور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية قبل أسبوعين، أن المغامرتين اللتين خاضهما، وهما الانتخابات المبكرة، والتحالف مع "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، كانتا مبنيتين على حسابات خاطئة كليا، وقد يختار البعض القول إن نتنياهو وقع في "جنون العظمة" حين كان يتوهم أن كل واحدة من هاتين المغامرتين، ستعزز قوته البرلمانية، وتجعله يتجه إلى ائتلاف حكومي أقوى، إلا أن النتائج جاءت عكسية ومفاجئة، ليس فقط له، بل للحلبة الإسرائيلية كلها، لأن استطلاعات الرأي التي كانت تصدر تباعا على مدى أسابيع طويلة، لم تنجح في توقع المشهد البرلماني الحاصل من عدة نواح، ولكن في نفس الوقت، فإن النتائج الكلية، بما فيها اللوائح التي لم تعبر نسبة الحسم، لا تعني إضعافا لليمين المتطرف، الذي قد يصحح أخطاء اصطفافاته في أي انتخابات مستقبلية.

 

 

المغامرة الأولى

 

قرر نتنياهو التوجه إلى انتخابات مبكرة، وقبل عشرة أشهر من موعدها الرسمي، ظنا منه أن الفرصة مواتية لتحقيق نتائج أفضل لليمين المتطرف الذي يقوده، فقد اعتقد أن المعسكر الآخر أضعف من أن يعزز قوته، وقال نتنياهو في نفسه إنه بهذه الخطوة سيضرب عصفورين بحجر، إذ ينقض على الحلبة السياسية ويعزز قوته، وفي نفس الوقت يهرب من تقديم أجوبة على ملفين ساخنين، أولهما اقرار ميزانية تقشفية للعام الجاري، والثاني وضع حل لمعضلة تجنيد الشبان "الحريديم" في الجيش الإسرائيلي.

 

وعلى الرغم من أن نتنياهو حصل على دعم في حينه من الحزب الأكبر من بين الشركاء في حكومته، "إسرائيل بيتنا"، وكان من الممكن أن يحصل على دعم من باقي الشركاء ليقر ميزانية العام الحالي في موعدها، فقد قرر اختصار الطريق والتوجه إلى الانتخابات المبكرة.

 

ولكن قبل اسبوعين من الانتخابات تكشفت حقائق اقتصادية، بالنسبة للميزانية العامة، واساسا العجز غير المسبوق في ميزانية 2012، ما فتح الباب في أوج الحملة الانتخابية أمام الحديث عن شكل الميزانية التقشفية القادمة. في حين أن الجدل حول تجنيد "الحريديم" ساهم في تحرك جمهور مصوتين في اتجاه الصوت الأعلى من كلا الطرفين، المؤيد والمعارض، في حين أن صوت "الليكود" في هذه القضية كان ضبابيا.

 

المغامرة الثانية

 

بعد شهر ونصف الشهر من الإعلان عن انتخابات مبكرة، أي في نهاية تشرين الثاني 2012، فاجأ نتنياهو حزبه "الليكود"، والحلبة السياسية، بالتحالف بين "الليكود" وحزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف بزعامة ليبرمان، وهذا بعد أن كان التيار اليميني العنصري المتشدد قد فرض هيمنته على لائحة "الليكود"، فنشر انصاره في اللائحة كلها، ودفع بما بقي من رموز التيار الايديولوجي التقليدي في الليكود إلى الخارج، باستثناء رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين، ورأينا كيف تمت الإطاحة بالوزراء بنيامين بيغن ودان مريدور وميخائيل ايتان، وبات التطرف سيد الموقف في "الليكود".

 

وبعد أن اكتمل تركيب اللائحة، بدمج مرشحي "إسرائيل بيتنا"، ظهرت لائحة "الليكود- بيتنا" منافسة لتكتل المستوطنين "البيت اليهودي"، وهذا أبعد جمهور مصوتين، يعتبرون أنفسهم "يمينا معتدلا" وفق مفاهيم الحلبة الإسرائيلية، عن لائحة "الليكود"، واتجهوا ليبحثوا عن بيت سياسي آخر، هذا من جهة.

 

من جهة أخرى، فإن هذه اللائحة بتركيبتها المتطرفة، لم تنجح في اكتساح معسكر اليمين المتطرف، وخاصة في المستوطنات، لأن ذلك الجمهور يفضل الاتجاه إلى "النسخة الأصلية" لليمين المتطرف، "البيت اليهودي"، الذي زاد قوته من خمسة مقاعد إلى 12 مقعدا، وأيضا للائحة "عوتسما ليسرائيل" (إسرائيل قوية) التي تسيطر عليها حركة "كاخ" الارهابية، وكادت أن تعبر نسبة الحسم، وحصلت على نحو 67 الف صوت، تشكل 76ر1% من الأصوات الصحيحة، في حين أن نسبة الحسم هي 2%.

 

وهذه النتيجة تقول عمليا إن لائحتي المستوطنين حصلتا على 14 مقعدا، استنادا إلى اجمالي عدد الأصوات، ولكنها خسرت اللائحة الثانية بعدم عبورها نسبة الحسم، واضاعت مقعدين.

 

وبالإمكان القول، إن لائحة "الليكود- بيتنا" خسرت 11 مقعدا، مناصفة بين لائحة "البيت اليهودي" ولوائح تعتبر نفسها "وسطا" ولكنها مقبولة على "اليمين المعتدل"، مثل "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني التي حصلت على 6 مقاعد، و"يش عتيد" (يوجد مستقبل) بزعامة يائير لبيد، المنتصر الأبرز في هذه الانتخابات.

ولدعم هذه الفرضية، نقرأ نتائج الانتخابات في معاقل اليمين المتطرف والوسط، فمثلا في مستوطنات التطرف كانت المنافسة بين لائحتي المستوطنين، بينما حلّت لائحة "الليكود- بيتنا" ثالثة وبفارق كبير، وكذا بالنسبة لمستوطنات وتجمعات "الحريديم"، إذ حلّت "الليكود- بيتنا" ثالثة بين "شاس" و"يهدوت هتوراة"، بينما في تل أبيب ومنطقتها الكبرى حلت "الليكود- بيتنا" ثانية وحصلت بالمعدل على أقل من 20 بالمئة من الاصوات وهذا اقل من معدلها العام، وكانت اللائحة الأولى "يش عتيد".

 

سجل الناخبين

ونسبة التصويت

 

لسجل الناخبين في إسرائيل، ومن بعده نسب التصويت في يوم الانتخابات، دلالات ديمغرافية وسياسية، لوجهة إسرائيل المستقبلية، فقد بلغ عدد ذوي حق الاقتراع قرابة 657ر5 مليون نسمة، ولكن حسب مكتب الاحصاء المركزي، فإن 11% من هؤلاء هم في اقامة دائمة خارج إسرائيل، وغالبيتهم الساحقة جدا في عداد المهاجرين منذ سنوات، في حين أن نسبة هؤلاء في سجل الناخبين في العام 2009، نحو 10%، وهذا يعني أن نسبة المهاجرين في ازدياد مستمر، خلافا لتقارير إسرائيلية تحاول التقليل من هذه الظاهرة، التي عادت تقلق إسرائيل.

 

ويعني ذلك أن حوالي 620 ألف إسرائيلي ممن هم دون سن 18 عاما هم خارج إسرائيل، وهذا يعزز التقديرات بأن أكثر من 800 ألف من حملة الجنسية الإسرائيلية، هم في اقامة دائمة خارج إسرائيل، وغالبيتهم الساحقة في عداد المهاجرين، علما أن ليس كل المهاجرين يهتمون بتسجيل ابنائهم الذين ولدوا في الخارج، في السجل السكاني الإسرائيلي.

 

أما بالنسبة لنسبة التصويت، فقد بلغت نحو 5ر67% مقابل 5ر64% في انتخابات العام 2009، رغم أن تلك الانتخابات لم تكن مقياسا، بسبب الأحوال الجوية العاصفة التي كانت في ذلك اليوم. ولكن الارتفاع في الانتخابات الأخيرة جاء من مصدرين واضحين: الأول ارتفاع نسبة التصويت في منطقة تل أبيب الكبرى، التي هي مؤشر لمشاركة جمهور العلمانيين المحسوبين على تيار "الوسط" و"اليسار الصهيوني"، بموجب مقاييس ومفاهيم السياسة الإسرائيلية، بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة التصويت بين العرب.

 

وهذا الافتراض يرتكز إلى حقيقة أن نسبة التصويت بين المستوطنين واليمين المتشدد والأصوليين اليهود "الحريديم" تسجل أصلا أعلى مستويات وبشكل دائم، وتتراوح ما بين 75% إلى 90%، فهذا ما كان أيضا في انتخابات 2009 وما قبلها.

 

فمثلا نرى ان نسب التصويت في مستوطنات الحريديم سجلت النسب الأعلى: "موديعين عيليت"- 91%، وإلعاد- 89%، وبيتار عيليت- 85%، كما إذا نظرنا إلى نسب التصويت في أحياء "الحريديم" في القدس، سنجد نسبا مماثلة، وفي المستوطنات كانت النسب تتراوح ما بين 73% و90%، فكلما صغرت المستوطنة كانت نسبة التصويت فيها أعلى، وبشكل خاص في مستوطنات اليمين المتطرف.

 

أما في تل أبيب فقد كانت نسبة التصويت حوالي 63%، مقابل 59% في انتخابات 2009، ورأينا أن نسبة التصويت في مدينة حيفا والمدن المحيطة بها تراوحت بالمعدل ما بين 59% إلى 60%، وهذه مناطق محسوبة على "الوسط" و"اليسار الصهيوني".

 

أما نسبة التصويت بين العرب، وعلى الرغم من الرهان على تراجعها، فقد قاربت 56%، مقابل 5ر53% في انتخابات 2009.

 

وكما يبدو فإن معدلات انتخابات العقد الأخير ثبّتت حقيقة أن نسبة التصويت في إسرائيل لا يمكنها أن ترتفع عن حاجز 68%، ولكن تصويت 5ر67% من سجل الناخبين، يعني أن 76% من السكان في إسرائيل قد أدلوا بأصواتهم في يوم الانتخابات.

 

النتائج وفشل

استطلاعات الرأي العام

 

في نهاية الأسبوع الذي سبق أسبوع الانتخابات، صدرت ثمانية استطلاعات للرأي، كاستطلاعات أخيرة بموجب القانون، ولكن سبق هذا عدة استطلاعات أسبوعية وعلى مدى نحو ثمانية أسابيع متتالية، وكانت النتائج فيها متقلبة نوعا ما، ولكنها كانت تُظهر توجها واضحا، بأن الغلبة لليمين المتطرف، وأن حزب "العمل" الإسرائيلي سيعود ليحتل المرتبة الثانية في الكنيست، ولكن أيا من استطلاعات الرأي لم يتوقع أن يفقد الليكود "وإسرائيل بيتنا" 11 مقعدا، والأهم أن أيا من استطلاعات الرأي لم يتوقع أن يحصل حزب "يش عتيد" على 19 مقعدا، ليحل ثانيا، ويحصل حزب "العمل" على 15 مقعدا.

 

وباستثناء استطلاعين توقعا لجما في قوة اليمين، فقد رأينا ستة من استطلاعات الرأي تتنبأ صعودا كبيرا في قوة اليمين.

 

وجاءت هذه النتائج لتعزز الانطباع السائد، بأن معاهد الاستطلاع أضعف من أن تقترب إلى النتائج النهائية، بسبب أخطاء كبيرة في تركيبة الشريحة المستطلعة، ونظرا لسلسلة من التعقيدات في المجتمع، وغيرها من الأسباب، ولكن ما أنقذ بعض معاهد استطلاعات الرأي، هو استطلاعات يوم الانتخابات، التي تكون ميدانية، ويُعلن عن نتائجها في دقيقة اغلاق صناديق الاقتراع، وكان أقربها للواقع، نتائج استطلاع معهد "داحف"، بإدارة المختصة مينا تسيمح.

 

إلا أن تسيمح التي توقعت بداية نتيجة دقيقة لحزب الليكود والاحزاب الكبيرة سارعت، بعد أقل من ساعة، للإعلان عن أن تحليل نتائج الاستطلاع تمنح مقعدين اضافيين لحزب "الليكود"، ولكن النتيجة النهائية جاءت مطابقة للاستطلاع وليس لتحليله.

 

كنيست متشرذم

 

وأظهرت النتائج النهائية برلمانا متشرذما أكثر من سابقه، بمعنى أن هذه الانتخابات سجلت خطوة إلى الوراء على صعيد تشتت المقاعد بين الكتل البرلمانية، فأصلا لم يتشكل أي برلمان في إسرائيل في الدورات الـ 18 الماضية، إلا ودخل اليه في يوم الانتخابات ما بين 10 إلى 12 كتلة، ولكن كانت هناك دائما كتلتان كبيرتان، تسيطران على ما بين 55% إلى 75% من مقاعد البرلمان، وهذه المعادلة بدأت تتراجع ابتداء من العام 1996، في اعقاب اتباع نمط الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، الذي توقف في العام 2001، ولكن آثاره ما زالت قائمة، إذ أن المصوتين تخلوا عن فكرة الارتباط بالحزب الأكبر، وباتوا يلجأون أكثر من ذي قبل إلى الحزب الأقرب من عدة مجالات انتماء، طائفي وعقائدي وسياسي وغيره.

 

وقد أفرزت الانتخابات الأخيرة 12 كتلة برلمانية، من الممكن أن تصبح قريبا جدا 13 كتلة برلمانية، بعد انفصال مرتقب بين حزبي "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" إذ أن للائحة الحزبين المشتركة 31 مقعدا، منها 20 لليكود، بدلا من 27 في الدورة المنتهية، و11 لـ "إسرائيل بيتنا"، بدلا من 15 مقعدا في الدورة المنتهية.

 

ويليها حزب "يش عتيد"، وله 19 مقعدا، ثم حزب "العمل"- 15 مقعدا، وحزب "البيت هيهودي" الذي يمثل المستوطنين وله 12 مقعدا، وحزب "شاس" الأصولي وله 11 مقعدا، ثم الكتلة الأصولية الثانية "يهدوت هتوراة"، ولها 7 مقاعد، تليها "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني ولها 6 مقاعد، ونفس عدد المقاعد لحركة "ميرتس"، وحصل حزب "كاديما" على مقعدين، بدلا من 28 مقعدا في الدورة المنتهية.

 

أما الكتل التي تمثل العرب فهي "القائمة العربية الموحدة- العربية للتغيير" ولها 4 مقاعد، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ولها أيضا 4 مقاعد، ثم التجمع الوطني الديمقراطي وله 3 مقاعد.

 

وفي نظرة إلى توزيعة المقاعد، يظهر أن الكتل التي تدور في فلك الحكم، إن كانت في الائتلاف أو خارجه، متقاربة نوعا ما من حيث عدد مقاعدها، وهذا يعطي لكل كتلة برلمانية قوة تأثير برلماني أكبر على الائتلاف الحاكم، على ضوء غياب الكتلة الكبيرة، ما يعني ان كل حكومة ستنشأ ستسيطر عليها التناقضات والاهتزازات.