ليفني تعلن انسحابها من الساحة السياسية

على هامش المشهد

*حزب العمل فقد مبرر وجوده*

 

كتب بلال ضـاهـر:

 

عاد الموضوع الفلسطيني إلى الأجندة العامة الإسرائيلية بقوة في الفترة الأخيرة، بعدما سعى اليمين الإسرائيلي بقيادة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى إبعاده وتهميشه خلال العام الأخير والتركيز على البرنامج النووي الإيراني. وقد حدث ذلك بفضل حراك فلسطيني وصل أوجه بقبول فلسطين دولة مراقبة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، في 29 تشرين الثاني الماضي.

 

ورد نتنياهو على القرار الدولي بأن قرر بناء 3000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية، ودفع مخططات بناء استيطانية في منطقة "إي1" وربطها بالقدس، الأمر الذي يعني قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها. كذلك قررت إسرائيل تجميد أموال الضرائب الفلسطينية وعدم تحويلها إلى السلطة الفلسطينية. وأثارت قرارات نتنياهو غضبا واستنكارا واسعين في العالم، وخاصة في الدول الأوروبية الكبرى. واستدعت وزارات خارجية دول في العالم سفراء إسرائيل لديها وقدمت احتجاجات شديدة على قرارات نتنياهو. كما نددت بهذه القرارات الولايات المتحدة وكندا، اللتان عارضتا الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة ووقفتا عمليا إلى جانب إسرائيل.

ويأتي ذلك في ظل حراك سياسي حثيث داخل إسرائيل، في إطار الانتخابات العامة للكنيست التي ستجري في 22 كانون الثاني المقبل. ومن أبرز ملامح المعركة الانتخابية الإسرائيلية تحالف أحزاب اليمين وانقسام أحزاب الوسط وعدم نجاحها في التوصل إلى تحالف يقف في وجه اليمين. كذلك فإن حزب العمل، برئاسة شيلي يحيموفيتش، يتجه نحو اليمين، فيما أعلن رئيس حزب العمل السابق وعضو الكنيست عمير بيرتس عن انشقاقه والانتقال إلى حزب "الحركة" الذي أسسته رئيسة حزب كاديما السابقة، تسيبي ليفني، مؤخرا.

وهاجم نتنياهو الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، لدى افتتاح اجتماع حكومته الاسبوعي، أول من أمس الأحد. وقال إنه لا توجد لديه نية للانسحاب من الضفة الغربية، بادعاء أنها ستتحول إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ.

وعقب على ذلك الرئيس الأسبق للكنيست والوكالة اليهودية، أبراهام بورغ، وقال في مقابلة أجراها معه "المشهد الإسرائيلي"، إن "خطاب نتنياهو فارغ مثل الكثير من الخطابات في الشرق الأوسط. وأنا شخصيا أكاد لا أتأثر أبدا من الخطابات خلال المعارك الانتخابية. لكن يوجد لنتنياهو سجل غريب جدا، بمعنى أنه حقا لا يريد الانسحاب من الضفة الغربية، وهو ليس رئيس حكومة سلام، ولا حتى رئيس حكومة عملية سلام. ورغم ذلك حدث خلال ولايته أمران ينطويان على أهمية كبيرة جدا. فقد قامت دولة فلسطينية في الأمم المتحدة، وليس برغبته وإنما إخفاقاته هي التي أدت إلى قيامها. والأمر الثاني هو أن إسرائيل تجري مفاوضات مع حماس. ولذلك فإنه يوجد تناقض لدى نتنياهو، إذ يوجد لديه خطاب مرتفع جدا ورافض للسلام، ومن الجهة الأخرى فإن الخطوات التي تم تنفيذها خلال ولايته أكبر مما يمكنه أن يعترف به. وهو عمليا يقوم بصيانة الوحدة الوطنية الفلسطينية".

(*) "المشهد الإسرائيلي": بعد قبول فلسطين دولة مراقبة وغير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، قرر نتنياهو توسيع المستوطنات والاستيطان، وبضمن ذلك مخططات بناء في المنطقة "إي1"، وتجميد أموال الضرائب الفلسطينية. كيف تنظر إلى هذه الخطوات؟

بورغ: "السؤال الكبير هو هل ينبغي التعامل مع هذه القرارات على أنها خطوات غبية وناجمة عن يأس أم أنها خطوات آثمـة. ومن الصعب جدا التفريق بين هذه الأمور. ومن الناحية السياسية فإن هذه خطوات غبية، مثلما عبر عن ذلك ايهود أولمرت أفضل من أي أحد آخر، عندما قال: ’بعد أن أعطتك الولايات المتحدة الدعم في الأمم المتحدة في موضوع الدولة الفلسطينية فإنك بصقت في وجهها’. وعلى مستوى الإثم فإن قرارات نتنياهو هي محاولة أخرى صبيانية للتنكيل ومحاولة إذلال السلطة الفلسطينية. وبرأيي أن هذا لن ينجح وإنما سيعزز مكانة السلطة. وأنا مؤمن بأنه في نهاية المطاف لن تنفذ إسرائيل أعمال بناء في ’إي1’ وسيبقى الوضع على حاله هناك، على الأقل في المستقبل القريب. لأنه في حال نفذ نتنياهو قراراته فإنه لن يكون بإمكان أحد أن يوقف حملة مقاطعة إسرائيل في العالم كله".

(*) معظم دول العالم وقف ضد قرارات نتنياهو بشأن الاستيطان، ومن دون المبالغة هناك أزمة بين إسرائيل والعالم، وحتى مع الولايات المتحدة وكندا، اللتين أعلنتا رفضهما لتوسيع الاستيطان. إلى متى بإمكان إسرائيل أن تواجه وضعا دوليا كهذا؟

بورغ: "ينبغي تقسيم الإجابة إلى قسمين. القسم الأول هو أن هذا أكثر وضع يحبه ويفضله نتنياهو، أي القول إن العالم كله ضدنا. وهو يتسبب بأوضاع كهذه مرة تلو الأخرى. فقد تسبب بوضع كهذا عندما قرر فتح أنفاق حائط المبكى (حائط البراق خلال ولايته الأولى في العام 1996) وعندما هاجم قافلة السفن (أي أسطول الحرية التركي في العام 2010) وغيرهما. لذلك هو يحب جدا هذا الوضع. من الجهة الأخرى، فإن الغرب ما زال في منطقة الغضب الخطابي وليس موجودا بعد في منطقة الغضب العملي. وطالما أن الغرب ما زال في منطقة الغضب الخطابي فإن بإمكان إسرائيل أن تواجه الوضع لفترة زمنية طويلة، وعندما يتحول إلى غضب عملي ترافقه مقاطعات وعقوبات وتقييد تحركات قياديين إسرائيليين ومستوطنين فإن وضعا كهذا سيصبح فعالا. لكن عندما يكون الغضب خطابا فإنه ليس لطيفا ولكنه يمكن إسرائيل من الصمود أمامه".

(*) هل يتوقع أن يفرض العالم عقوبات ضد إسرائيل؟

بورغ: "كوني أؤمن بالحوارات والمفاوضات فإن رجلا منطقيا مثلي لا يمكنه الموافقة على أخلاقيات المقاطعات. وأنا لا أؤمن بأية مقاطعة ضد أحد. لكني أرى وضعا يجر فيه نتنياهو إسرائيل إلى مكان لن يجعل أحدا يتحدث معنا".

(*) فيما يتعلق بالمعركة الانتخابية في إسرائيل. رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، تتجه نحو اليمين وتحاول استمالة ناخبين من اليمين، أو "اليمين المعتدل". ما رأيك في أدائها؟

بورغ: "من وجهة نظري، حزب العمل فقد مبرر وجوده. وهناك من سيقول إن هذا الحزب فقد المبرر لوجوده منذ أن قرر إسحق رابين وشمعون بيريس، في سنوات السبعين الأولى، إقامة مستوطنات. ولكن بالتأكيد أنه بعد أن جلس حزب العمل برئاسة ايهود باراك في حكومة أريئيل شارون أو ايهود أولمرت، فإن العمل فقد ما يبرر استمرار وجوده. وبعد ذلك تدهورت الأمور وحسب. وشيلي يحيموفيتش ليست أسوأ من بيريس الذي تخرج من حزب العمل. ومن الناحية الفعلية فإن بيريس كرئيس للدولة عمل كوزير خارجية لصالح نتنياهو. وقد مثّل نتنياهو في العالم كله. كذلك فإن بنيامين بن اليعازر لم يكن أفضل عندما كان رئيسا لحزب العمل. ويحيموفيتش تسير على دربهم. ولذلك فإن حزب العمل، برأيي، ليس حزب سلام وليس حزبا يساريا. وإنما حزب وسط انتهازي".

(*) كيف تنظر إلى انشقاق عمير بيرتس عن العمل وانضمامه إلى حزب "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني؟

بورغ: "على الصعيد الشخصي فإن هذه خطوة يصعب تقييمها الآن وما إذا كان سينتج عنها شيء جيد أو سيء. وأنا أقدر جدا أن عمير بيرتس أقدم على هذه الخطوة بسبب موضوع السلام والموضوع السياسي. وعلينا أن نذكر أن ليفني هي بين الوحيدين اليوم الذين يرفعون هذه الراية. وأنا سعيد من خطوة بيرتس التي أعتبرها خطوة جدية. ورغم أداء بيرتس خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006 والحرب على غزة في العام 2008، لكن بيرتس هو رجل سلام".

(*) ليفني تكاد تكون الوحيدة بين زعماء الأحزاب الإسرائيلية الخمسة أو الستة الكبيرة نسبيا، التي تتحدث عن وجوب استئناف العملية السياسية مع الفلسطينية. هل تعتقد أن عودتها إلى الحياة السياسية سيضعف، ولو بقليل، قوة اليمين؟ هل توجد شعبية لليفني في "اليمين المعتدل"؟

بورغ: "هذا سؤال تصعب الإجابة عليه الآن. لكن يجب أن نتذكر أن ليفني نفسها، مثل أولمرت ونواب سابقين في حزب كاديما، هم الذين بدأوا بالسير نحو عملية سياسية بينما الليكود كان عالقا ومتجمدا ولم يغير أفكاره السياسية أبدا. وهناك قسم من الليكود بدأ بالتحرك على الصعيد السياسي ولذلك تم تأسيس حزب كاديما. وعمليا فإن حزب كاديما انتقل الآن، بصورة معقدة، إلى حزب الحركة الذي أسسته ليفني مؤخرا. وما زال من السابق لأوانه أن نعرف كيف ستؤثر ليفني في نهاية المطاف على هذه الانتخابات. ولكني أعتقد أنه من المفروض أن يكون هناك أشخاص من اليمين، ربما يشكلون مقعدا أو مقعدين في الكنيست، لن يكونوا على استعداد للبقاء في مكانهم المألوف في اليمين. وأنا أتحدث عن أشخاص مثل بيني بيغن ودان مريدور. ولذلك أعتقد أن هذا الاحتمال قائم وآمل أن تتمكن ليفني من الوصول إلى هذه المجموعة".

(*) يبدو أن اليسار الصهيوني لم يعد قائما في إسرائيل، باستثناء عدد نواب قليل جدا في حزب ميرتس.

بورغ: "يوجد هنا أساس لمأساة. لأنه في الكتل البرلمانية مواقف الجمهور منقسمة بين اليمين واليسار. اليسار الحزبي انهار ولم يعد موجودا. وهناك فرق بين الكتل الحزبية، التي لا يبدو أنه يوجد فيها حضور لليسار، وبين مواقف قسم من الجمهور الذي يميل إلى المواقف اليسارية، وخاصة فيما يتعلق بعملية السلام. ولا يتم التعبير عن هذا الوضع في الانتخابات لأسباب عديدة. وأحد هذه الأسباب هو أن اليسار برئاسة حزب العمل، منذ العام 1984 وباستثناء عامين، أراد طوال الوقت أن يكون جزءا من حكم اليمين، وعمليا هو خان تراثه بأن يشكل بديلا لليمين. ولذلك هو يفقد مصداقيته اليوم".