لقاء آخر في لندن: "الحوار الفلسطيني - الاسرائيلي يستأنف بعد الانتخابات المقبلة"

على هامش المشهد

 

*المخرج إيال سيفان لـ "المشهد الإسرائيلي": شهادات "المقاتلين الصهاينة" ستكون جزءًا من المشروع *شهادة مرتكب الجريمة هي جزء من القصة الفلسطينية مثلما أن شهادة اللاجئ الفلسطيني هي جزء من الذاكرة الصهيونية*

 

كتبت هبة زعبي:

 

افتتح في جمعية "زوخروت" (ذاكرات) في مدينة تل أبيب في الثاني من هذا الشهر معرض تحت عنوان :"نحو أرشيف مشترك" سيستمر حتى 13 كانون الأول 2012، ويضم نحو 30 شهادة مصورة لـ ""محاربين صهيونيين" في العام 1948.

 

والمعرض هو مشروع مشترك بين جمعية "زوخروت" وبين المخرج إيال سيفان والبروفسور إيلان بابيه. والشهادات موثقة في قرص مدمج يمكن الاطلاع من خلاله على هذه الشهادات كافة. ويعلق البروفسور بابيه في الكراس المرفق معها قائلا: "إن القدرة على جمع شهادات ضحايا التطهير العرقي، هي أيضا مثل جمع شهادات مرتكبيه، حتى نتمكن من بناء صورة تاريخية كاملة عن النكبة، وأيضا حتى يسلط الضوء على المحفز الإنساني الذي يقف وراءها".

ويعلق سيفان أيضا في هذا الكراس: "هم خافوا أن يتكلموا وفي سكوتهم كانوا ناشطين فعالين في بناء الذاكرة/ نسيان جرائم العام 1948 في إسرائيل والعالم، وصورة البلاد التي كانت وقصة خرابها".

 

جندي يعترف بارتكابه مجزرة

جامع دهمش العام 1948

 

يعترف يرحمئيل كهنوفيتش، وهو جندي إسرائيلي من "البلماح"، في إحدى هذه الشهادات، بقيامه بارتكاب مجزرة جامع دهمش في اللد العام 1948، واعترف قبلها في شهادته بمشاركته في معركة "المكنسة"، وقال في شهادته: "طردناهم من القرية إلى قرية صرفند وطردنا.. وطردنا.. هربوا إلى بحيرة طبرية ومن هناك إلى الجليل". ويعترف باستخدام إطلاق النار والقنابل تجاه الفلسطينيين لطردهم من قراهم وأن العملية كانت منظمة واعترف بأنه أطلق النار عليهم وهم يهربون في القوارب في بحيرة طبرية.

وانتقل يرحمئيل بعدها إلى بلدة "الشيخ" قرب الياجور، وهناك أمر يغئال ألون باستخدام الفؤوس، وهو يقول في شهادته: "فقط شخص واحد كان يمكن أن يقول... يغئال ألون. وأعتقد أنه لم يكن سوء تفاهم بينه وبين بن غوريون، وما قاله: اذهبوا إلى هناك مع فؤوس، حتى يهربوا من هناك، ولا يبقى هناك أي أثر لهم. مهما يكن عددنا لن نستعمل الرصاص حتى لا يذهبوا إلى الشرطة (البريطانية) ويختبئوا فيها" .

انتقل يرحمئيل بعدها الى مدينة اللد وهنا يعترف بارتكابه المجزرة في مسجد دهمش وإطلاقه الرصاص من بندقية "البيات" فيقول: "هل تعرف ما هذا "بيات" (Piat)؟ هل تعرف تلك البندقية؟ أنا أطلقت الرصاص منها على المسجد، حيث كانوا هناك..... تعال لأقول لك ماذا يفعل. أنت تصف ذلك وكأنه رسم جميل بريشة فنان. تصوّر أن هذا يحدث ثقباً في الحائط، تقريباً هكذا، (يصنع بيده شكل حلقة صغيرة)، وفي الداخل كلهم يسحقون إلى الحائط من شدة الضغط الذي يسببه السلاح في الداخل"...

واعترف في شهادته بأنه أرسل لإلقاء قذيفة "البيات" على من تواجد في داخل المسجد وأنه أطلق قذيفة واحدة داخل قاعة المسجد بعد تلقيه الأوامر، وفتح الباب مرة واحدة ورآهم ملتصقين بالحيطان ... واعترف أن يغئال ألون وبن غوريون هما من أمرا بطرد الفلسطينيين لكنهما لم يكملا العملية حتى النهاية. والأمر للمثير للسخرية هو أن زملاء هذا المجرم أطلقوا عليه لقب "جيفارا" في حينه حيث اعتبر "بطلاً".

 

مقابلة خاصة مع

المخرج إيال سيفان

 

وأجرى ملحق "المشهد الإسرائيلي" اللقاء التالي مع المخرج إيال سيفان المبادر إلى الفكرة بالاشتراك مع البروفسور إيلان بابيه وحدثنا عن فكرة "مشروع الأرشيف":

(*) س: كيف بدأت فكرة المشروع؟

جواب: قمت في العام 2004 بإنجاز فيلم "الطريق 181" بالاشتراك مع المخرج الفلسطيني ميشيل خليفة، وفي سياقه صورت شهادتين لشخصين، أحدهما من منطقة الشمال تحدث بحرية معنا عن "عملية المكنسة" والتي وقعت قبل تاريخ 15 حزيران وتم خلالها طرد جميع سكان قرى الجليل الشرقي. والشهادة الثانية في الفيلم لحلاق من اللد طلب منه الجنود الصهاينة بعد المجزرة في مسجد دهمش أن يقوم بإحراق الجثث.

وبعد إنجاز الفيلم خطرت ببالي فكرة البحث عن هذه الشهادات ومقابلة أصحابها وهم الآن في أعمار متقدمة، بعدها مباشرة قمت بالتعاون مع رونيت حاخام بإجراء 20 مقابلة ومن بينها شهادة لأحد الأشخاص الذي أبلغنا بأنه شاهد المذبحة في مسجد "دهمش" في اللد، هذا الأمر جعلني ألاحظ بأن الشهادات من الجانب الإسرائيلي والفلسطيني لا تتناقض وإنما تكمل بعضها البعض. بعدها حاولت تجنيد تمويل لإكمال مشروع جمع هذه الشهادات وعلى مدار سنوات لم أفلح في إيجاد تمويل لدعم المشروع. في هذه القضايا يكون الاهتمام منصباً على الضحايا وليس على مرتكبي هذه الجرائم، لكن قبل عدة أشهر بدأنا في مشروع بحثي مع البروفسور إيلان بابيه وذلك بعد أن نلنا دعما من الجامعتين التي ندرس فيهما في بريطانيا، وهكذا بدأنا في "مشروع الأرشيف المشترك بشأن 1948" والذي سنقوم خلاله بجمع ملفات وشهادات وصور على مدار عدة سنوات ستنشر عبر الانترنت، وقد وظفنا جزءا من الميزانية في تصوير جزء من هذه الشهادات قبل عدة أشهر وتوجهنا إلى جمعية "زوخروت" حتى يتعاونوا معنا في إقامة المعرض وقبلوا. هذا المعرض هو تدشين لـ "مشروع الأرشيف"، ونأمل في أن نستطيع من خلاله النجاح في تجنيد الأموال حتى نكمل تصوير شهادات الجنود الصهاينة قبل أن يموتوا وقبل أن تضيع هذه الذاكرة الحية، برأيي هذه الذاكرة ليست ذاكرة صهيونية وإنما ذاكرة فلسطينية فشهادة مرتكب الجريمة هي جزء من القصة الفلسطينية، كما أن شهادة اللاجئ الفلسطيني هي جزء من الذاكرة الصهيونية.

(*) س: ما الجديد في هذه الشهادات؟

جواب: في فحوى الشهادات لا يوجد أمر جديد فكل ما قالوه سمعناه من الفلسطينيين، لكنهم لم يعترفوا بذلك قط، وكل المشروع في حد ذاته يرتبط بمشروعي الأساسي "الدولة المشتركة "، ففي مرحلة ما يمكن أن نصل فيها إلى نقطة تصالح وتسامح، والفضاء المشترك والأرشيف المشترك يمكن أن يكونا مشتركين بين المجرم والضحية.

(*) س: كيف نجحت في جمع هذه الشهادات؟ وكيف أقنعتهم بالموافقة؟

جواب: هؤلاء أشخاص أجريت العديد من المقابلات معهم لأغراض متعددة بصفتهم "محاربين" و"أبطالا"، لكنهم لم يسألوا أبداً عن هذه الأمور والجوانب التي تطرقت لها. لم أكن بحاجة لإقناعهم بالموافقة، فقد توجهت لهم بصفتي يهوديا إسرائيليا يريد سماع شهاداتهم عن ذكريات الحرب فيما يخص احتكاكهم مع السكان الفلسطينيين دون أن أهتم بقصص المعارك الخاصة بهم. الأهم هنا الطريقة التي نتوجه لهم فيها بالأسئلة والتي من خلالها يمكن أخذ المعلومات التي تهمنا، ما يعرض هو مادة ممنتجة مدتها 7 حتى 15 دقيقة اقتطعت من ساعة تصوير والتي رووا فيها معلومات مفصلة تخص حياتهم. أسماؤهم جميعا مدونة في أرشيف "البلماح" على الانترنت حيث يمكن إيجاد أسماء كافة "المحاربين" من أحياء وأموات، قمنا باختيار "محاربين" من وحدات عسكرية اهتممنا بها وقمنا بالاتصال بهم.

س: كيف استطعت أن تتمالك نفسك أمامهم خلال سماعك لشهاداتهم وهم يعترفون بارتكابهم لتلك الجرائم؟

جواب: أنا لا أستطيع أن أحاكم أحدا، رأيي لا يهم هنا، يهمني بالدرجة الأولى أن أراهم يدلون بشهاداتهم لأهميتها تاريخيا. ثانيا، لم أنس يوما بأن هؤلاء "المحاربين" والذين هم اليوم في أجيال متقدمة اقترفوا جرائمهم حين كانوا في سن 17 أو 18 عاما، مثل الجنود الإسرائيليين اليوم، وهم يبررون ويشرعنون جرائمهم لأن أدمغتهم غسلت لدرجة معينة في حينه. لقنوا بصورة مكثفة الأيديولوجية الصهيونية وكيفية تبرير هذه الجرائم وفسروا لهم صدق هذا التبرير ووضعوهم أمام حقيقة أنهم في معركتهم يواجهون الموت، أكون أو لا أكون، نحن أو هم .. لذا فإنهم يعترفون بارتكابهم الجرائم بدون كراهية. حين أجلس أمامهم لا أحاكمهم كأشخاص وإنما كجنود، عدا عن ذلك أنا أومن إلى حد ما بأن المجتمع الإسرائيلي الصهيوني هو مجتمع مجنون لأنه يعيش مع أشباح في رأسه وهي أشباح العام 1948 وعليه التحرر من هذه الأشباح، وهذه الشهادات تساعد في ذلك.

(*) س: وما الذي راودك لدى استماعك ساعات طويلة مسجلة لهذا الكم الهائل من الشهادات التي يروي أصحابها عن الجرائم التي شاركوا فيها؟

جواب: هذا الأمر هو جزء من قصتي الشخصية، وتجربتي السينمائية الطويلة والتي تمحورت حول القضية الفلسطينية. ونشاطي السياسي ساعدني في ذلك، لكن يجب توجيه هذا السؤال لمساعدي الخاص الذي استمع لكل هذه الشهادات. من الناحية النفسية يجب علينا أن نخلق حالة من الانعزال وأنا أدرك تماما بأن هؤلاء الأشخاص يتكلمون عن ماضيهم، وأنا شخصيا أضع نفسي في موقع المسؤولية مثلهم فأنا لا أختلف عنهم وأنا لم أنس أبداً بأني أنتمي لهذا الجانب، ومن منطلق هذه الحقيقة فرضت علي المسؤولية حتى عن جرائمهم.

(أجاب إيرز ميلر، مساعد ايال، على نفس السؤال قائلا: نعم الأمر صعب، لكنك لا تستطيع أن تنفعل طوال الوقت حينما تعمل 12 ساعة يوميا ففي النهاية ستقوم بعزل مشاعرك، فلا يمكن أن ندع الانفعالات تسيطر علينا لأننا لن ننجز شيئا عندئذٍ).

(*) س: كيف تجد شهادة يرحمئيل كهنوفيتش المسؤول عن تنفيذ المذبحة في "مسجد دهمش"، هل تجده نادما عليها أم مفاخرا بجريمته؟

جواب:هو لا يفتخر بها وهو في الوقت ذاته ليس نادما على ارتكابه لها، لكنني حينما أراقب حركاتهم وطريقة كلامهم، أجد أنهم يدركون بأنهم قاموا بأمر ليس بسوي. لكن أظن أن ثباتهم على موقفهم مرتبط بالجو العام الذي يسود بلادنا اليوم حيث فقد المجتمع الإسرائيلي خجله، فهو لا يخجل من كونه عنصريا أو من أن يصرح بأننا قمنا بطرد الفلسطينيين وبأنه يجب قتلهم. أصحاب هذه الشهادات لم يعربوا عن الأسف أو عن ندمهم، يمكن إيجاد عدد قليل من هذه الشهادات قام أصحابها بالاعتذار. هم يعتقدون بأنهم كانوا يواجهون معركة مصيرية لا مفر منها، ومن اللافت هنا أن أغلبيتهم تنتمي إلى حركات اليسار الصهيوني. قلة من الشهادات هي لأشخاص ينتمون إلى اليمين.

(*) س: هل تعتقد أنهم أجابوا بصورة كاملة على أسئلتكم؟ وهل يوجد بينهم من يعرفون وأخفوا ما يعرفون؟

جواب: هناك العديد ممن لم يجيبوا في بعض الأحيان، والعديد ممن أدلوا بشهاداتهم لم يقصوا كل الحقائق، ليس لأنهم يكذبون وإنما لكونهم رتبوا القصة بصورة أخرى، وأيضا لكونهم رأوا جانبا واحدا من الحقيقة، ومنهم من لم ينعشوا ذاكرتهم وتحدثوا معنا لبضع دقائق فقط، أظن أنهم نسوا أيضا ليس لأنهم كبروا وإنما لأنهم وضعوا هذه الحقائق جانبا، وهناك أمور لم تذكر لأنها برأيهم غير مهمة مع أنه توجد لها أهمية تاريخية، كما صادفنا عددا قليلا ممن لم يرغب في أن يتحدث.

(*) س: أية شهادات تنقصك حتى تكمل مشروع الأرشيف؟

جواب: تنقصنا الكثير من الأمور. تنقصنا شهادات نساء، ينقصنا الحديث عن فترة قبل النكبة وكيف عاشوا معا، وتنقصنا شهادات من جانب "اليمين"، وهناك وحدات وكتائب عسكرية معينة لم نحصل من أي منها على أية شهادة، وهي وحدات تعاملت بشكل خاص مع قضية طرد الفلسطينيين. تنقصنا أيضا شهادات غير تابعة للبلماح، شهادات من "وحدات الهاغاناه"، وحدات المشاة، و"المستعربين" الذين عاشوا داخل القرى. لدي شهادات لـ "مستعربين" لكنهم لم يوافقوا على أن يصوروا، هؤلاء اندمجوا مع أفواج اللاجئين الفلسطينيين وبقوا معهم عدة سنوات في سورية ولبنان. أحاول أيضا العثور على محاربين هم أنفسهم ضحايا النازية.

(*) س: هل تنقصك شهادات من مناطق معينة؟

جواب: نعم بالتأكيد، منطقة القدس لا تتوفر لدي منها أية شهادة، أرغب في الحصول على شهادات من المعركة في "قطم"، تنقصني شهادات من منطقة الساحل من جنوبي حيفا حتى "الفلوج" (نتانيا اليوم).

(*) س: ما هو التحدي الأهم الذي تواجهونه لاستكمال مشروع الأرشيف؟

جواب:نحن لدينا كحد أقصى لاستكمال المشروع سنة أو سنتين وإن لم نجد تمويلا داعما للمشروع من الصعب إكماله ونأمل أن نحصل عليه، والمشكلة هنا أنهم جميعا في آخر أيام حياتهم، أي طاعنين في السن، وقد صلنا إلى العديد من الأشخاص الذين لم تساعدهم صحتهم على الكلام ومنهم من أصيب بمرض فقدان الذاكرة. هذا المعرض هو بداية المشروع ونحن نأمل بأن نصل لوضع تتوفر فيه بين يدينا على الأقل 100 شهادة "لمحاربين" صهاينة، ويجب علينا جمع الشهادات قبل أن يموتوا. سنقوم بتنظيم ورشات لتلقين شبان كيفية جمع هذه الشهادات وسنقوم بجمع شهادات لفلسطينيين ويوجد منها الكثير، بعدها سنقوم بإنشاء "الأرشيف المشترك" وننشر كافة المعلومات والشهادات والصور والخرائط في موقع انترنت يضمها جميعا. وبالنسبة لي أطمح بأن يكون مستقبلا مبنى خاص للأرشيف في "الدولة المشتركة" يطلق عليه اسم "الأرشيف المشترك" ولدي رغبة أيضا في أن أنجح في جمع لاجئين فلسطينيين مع "محاربين" يهود وقد وافق بعضهم على الفكرة، لكنها أيضا تحتاج إلى تمويل.