سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

 

*هناك قضية لاجئين واحدة هي قضية اللاجئين من الشعب العربي الفلسطيني في العام 1948، وإثارة إسرائيل لقضية لاجئين يهود هي مجرد تغطية لرفضها حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية وإقامة دولته المستقلة*

 

كتب بلال ضاهر:

 

بادرت وزارة الخارجية الإسرائيلية، بقيادة نائب الوزير داني أيالون، إلى عقد اجتماع في إحدى قاعات مقر الأمم المتحدة في نيويورك، في 21 أيلول الماضي، تحت عنوان "العدالة للاجئين اليهود من الدول العربية". وحاولت إسرائيل الادعاء بأن هذا الاجتماع عُقد تحت رعاية الأمم المتحدة، لكن الحقيقة هي أنه لا توجد علاقة للمنظمة الدولية به، وإنما تم عقده بالتعاون بين الوزارة الإسرائيلية وبين "المؤتمر اليهودي العالمي" و"مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية" في الولايات المتحدة.

 

ووفقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية فإنه حضر الاجتماع 400 شخص بينهم سفراء ودبلوماسيون، وحتى "شخصيات عربية".

وادعى أيالون خلال الاجتماع بأن "هذا الاجتماع يأتي متأخرًا 64 سنة لكنه لا يأتي بعد فوات الأوان، وحكومة إسرائيل لن يهدأ لها بال حتى تتحقق العدالة بالنسبة للاجئين اليهود من الدول العربية".

وزعم أيالون أن طرح هذا الموضوع "لا يشكل عقبة أمام السلام، بل العكس هو الصحيح، لأن السعي هو من أجل سلام حقيقي يقوم على تحقيق العدالة للجميع". وطالب جامعة الدول العربية بـ "الاعتراف بمسؤوليتها عن نشوء مشكلة اللجوء المزدوج في الشرق الأوسط والتي شملت اليهود والعرب".

وجاء هذا الاجتماع في سياق قرار حكومة إسرائيل الشروع في حملة إعلامية دولية واسعة النطاق موضوعها "اللاجئون اليهود من الدول العربية"، معتبرة أنه من دون الاتفاق حول هذه القضية لن يتم التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وإلى نهاية الصراع. ويقضي قرار حكومة إسرائيل بأن "يتم شمل قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية كواحدة من قضايا الحل الدائم في المفاوضات مع الفلسطينيين، منذ الآن. ومن دون حل قضية اللاجئين اليهود لن توافق إسرائيل على الإعلان عن نهاية الصراع".

وذكرت تقارير إسرائيلية أن حكومة إسرائيل وأجهزتها المختلفة بدأت تعمل بشكل مكثف في هذا الموضوع بعد أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن في أيار العام 2009 وخطاب بار إيلان الذي ألقاه بعد ذلك بشهر واحد وادعى فيه أنه يوافق على حل الدولتين. وبحسب هذه التقارير فإن مجلس الأمن القومي هو الذي أعد ملف "اللاجئين اليهود من الدول العربية" وطرح أبعاده السياسية والقانونية، واعتبر أن عدد "اللاجئين اليهود من الدول العربية" الذي جاؤوا إلى إسرائيل في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات كان 800 ألف تقريبا.

ووفقا لمخطط مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فإنه ينبغي الربط في مجرى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بين "مأساة اللاجئين اليهود" و"قضية" اللاجئين الفلسطينيين وأن يتم طرح القضيتين في إطار واحد. وأوصى هذا المخطط بأنه "ينبغي أن نغرس في الخطاب الدولي مصطلح اللجوء المزدوج"، وأن "الربط بين القضيتين سيخدم إسرائيل في المفاوضات" وسيردع الفلسطينيين وسيكبح مطالبهم فيما يتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

وأجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة حول هذا المخطط الإسرائيلي، مع الناشط السياسي الإسرائيلي العراقي الأصل، صِدّيق صِدّيق، الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي العراقي وانتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي بعد مجيئه إلى إسرائيل، ونشط في صفوفه طوال الستين عاما الماضية.

وقد روى صديق قصة "المؤامرة بين إسرائيل والرجعية العربية" في ما يتعلق بتهجير يهود العراق إلى إسرائيل، وذلك بلغة عربية فصحى وبلهجة عراقية.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف ترى الحملة الإسرائيلية فيما يتعلق بـ "اللاجئين اليهود من الدول العربية"؟

صديق: "لا توجد قضية لاجئين يهود وإنما هناك قضية لاجئين واحدة هي قضية اللاجئين من الشعب العربي الفلسطيني في العام 1948. وإثارة إسرائيل لقضية لاجئين يهود هي مجرد تغطية لرفضها حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وأنا أعتقد أن على إسرائيل أن تلتزم بقرارات الأمم المتحدة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي قرارات صدرت منذ نهاية سنوات الأربعين. وإسرائيل لم تطبق هذه القرارات أبدا. وإثارة قضية التعويضات لليهود من الدول العربية، الآن، يريدون منها التغطية على محاولات إسرائيلية لمنع طرح قضية الشعب العربي الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية الحالية".

(*) متى هاجرت من العراق إلى إسرائيل؟

صديق: "أنا مولود في العراق. وهاجرت إلى إسرائيل في العام 1951. ولم أهاجر وحدي، وإنما بلغ عدد العراقيين الذين جاؤوا إلى إسرائيل في هذا العام قرابة 130 ألف عراقي".

(*) لماذا هاجرتم إلى إسرائيل؟ ماذا كانت دوافعكم؟

صديق: "اليهود موجودون في العراق منذ أكثر من 2500 عام. ومجيئنا إلى إسرائيل تم من خلال مؤامرة وصفقة جرى تنفيذهما في العام 1949، في سويسرا بين [رئيس الحكومة العراقية] نوري السعيد ودافيد بن غوريون [رئيس حكومة إسرائيل]. وقضت هذه الصفقة ببيع يهود العراق، من خلال مغادرتهم لبلادهم والمجيء إلى إسرائيل".

(*) هل عُقد لقاء مباشر بين نوري السعيد وبن غوريون؟

صديق: "كان هذا لقاء سريا. فلقد التقيا وجها لوجه في سويسرا وأبرما هذه الصفقة بخصوص يهود العراق. وقد ثبت في المحاكمات، التي جرت في العامين 1958 - 1959 في العراق، بعد ثورة عبد الكريم قاسم، أن الحكومة العراقية، وخاصة رئيس الحكومة توفيق السويدي تسلم مقابل رأس كل يهودي جنيها إسترلينيا. وبعد هذه الصفقة، مارس نوري السعيد ضغوطا اقتصادية وسياسية ضد يهود العراق من أجل إرغامهم على مغادرة بلادهم ووطنهم".

(*) ما هي هذه الضغوط؟

صديق: "أغلقت حكومة العراق جميع المحلات التجارية لليهود. وفصلت من العمل جميع الموظفين والمدرّسين اليهود. ولم تسمح لليهود بالانتساب إلى الجامعات. ورفضت منح التجار اليهود تصاريح ورخصا للاستيراد، وقد كان الكثير من اليهود يعملون في التجارة".

(*) هل تقصد أن حكومة العراق مارست هذه الضغوط على اليهود بالتآمر مع إسرائيل؟

صديق: "نعم. كانت هذه مؤامرة بين الحركة الصهيونية والرجعية العربية التي حكمت في ذلك الوقت. وهذه المؤامرة طالت اليهود في دول عربية أخرى. وشاركت في تنفيذها الجماعات الصهيونية في هذه الدول. وفي العراق كان الهدف هو إرغام اليهود على الهجرة إلى إسرائيل. وبعد ذلك تم سن قانون في العراق لسحب الجنسية العراقية من يهود العراق. وكل هذا كان بموجب الاتفاق بين العراق وإسرائيل. وكان مقررا أن تأخذ الطائرات يهود العراق إلى قبرص. وقد توجهت الطائرات الأولى إلى قبرص فعلا، لكن بعد ذلك كانت الطائرات التي تحمل اليهود تتجه مباشرة من بغداد إلى مطار اللد في إسرائيل. وقضية تعويض يهود العراق، وكذلك يهود الدول العربية، تم إغلاقها في الخمسينيات. فقد قال بن غوريون إن تعويض اللاجئين الفلسطينيين ينبغي أن يتم من خلال أملاك اليهود الذي كانوا في الدول العربية. ولقد كان لدى يهود العراق أملاك كثيرة، ويجب أن نأخذ تعويضاتنا على هذه الأملاك من الحكومة الإسرائيلية".

(*) ما الذي حصلتم عليه عندما جئتم إلى إسرائيل، مقابل أملاككم التي تركتموها في العراق أو صودرت منكم من خلال التآمر عليكم؟

صديق: "لم نحصل على أي شيء. خرجنا من العراق بالملابس التي كنا نرتديها، وحصل كل واحد منا على خمسة دنانير. لكن تم تجميد أرصدتنا في البنوك وصادروا أملاكنا ومحلاتنا التجارية وحصلت حكومة العراق على كل شيء. وأنا عندما جئت إلى إسرائيل كنت شابا صغيرا".

(*) ما هي قصة تفجير الكنس في العراق في ذلك الوقت؟

صديق: "إحدى الوسائل التي استخدمت لإرغام يهود العراق على مغادرة وطنهم هي أن الحركة الصهيونية، بواسطة عملائها، نفذت تفجيرات في كنس اليهود، من أجل أن يقال إن العرب يفجرون الكنس كي يطردوا اليهود. لكن تم إلقاء القبض على يهود كانوا ضالعين في تفجير الكنس اليهودية في بغداد. وأعتقد أنه قُتل أشخاص جراء ذلك لكني لا أتذكر بالضبط أعدادا أو أسماء. لكن ما أريد قوله هو أن زعامة الدول العربية، مثل نوري السعيد والحكومات الهاشمية في العراق وغيره، تعاونت مع إسرائيل ضد اليهود في الدول العربية. والعلاقات بين إسرائيل والمغرب، مثلا، كانت وثيقة جدا. كذلك تعاونت الرجعية العربية مع الصهيونية في ترحيل اللاجئين الفلسطينيين.

"لكن الأمر الذي أود توضيحه هنا، هو أن يهود العراق لم يأتوا إلى إسرائيل انطلاقا من دوافع صهيونية. وكانت غالبية يهود العراق من التقدميين الذين انخرطوا في حركة نضال الشعب العراقي ضد الاستعمار البريطاني والرجعية العراقية. وكان عدد كبير جدا من يهود العراق عضوًا في الحزب الشيوعي العراقي، وكان قسم منهم في قيادات هذا الحزب. كما أن المئات من يهود العراق الشيوعيين كانوا في السجون وقسم منهم تم إعدامه في هذه السجون".

(*) أين سكنتم بعد إحضاركم إلى إسرائيل؟

صديق: "حالنا بعد أن جئنا من العراق إلى إسرائيل كانت مثل حال من سقط من المنارة إلى الأرض. فقد كنا في العراق نعيش حياة كريمة، وبعد أن جئنا إلى إسرائيل أصبحنا نسكن في أماكن شبيهة جدا بالمخيمات وتفتقر إلى الكثير من المقومات الإنسانية. وكانوا يسمونها ’معبروت’. كان الطعام قليلا وكذلك الماء، وكانت تسود في إسرائيل حينذاك حالة التقشف الاقتصادي. وقد ناضلنا في سبيل تغيير هذه الأوضاع في المخيمات التي أقمنا فيها وكانت منتشرة في أنحاء إسرائيل. وبقينا ما يقرب عشر سنوات أو أكثر في هذه ’المعبروت’ وفي وضع معيشي سيء جدا. وقد أحضرونا من أوطاننا إلى إسرائيل لأن الحكومة الإسرائيلية كانت بحاجة إلى طبقة عاملة بأجر زهيد. كذلك فإن غالبية الشبان اليهود الذين تم إحضارهم إلى إسرائيل أصبحوا جنودا في الجيش. فقد كانت إسرائيل بحاجة إلى قوى جديدة لتدعم وتقوي نظامها".