تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

على هامش المشهد

كتب بلال ضـاهـر:

 

أقدم متظاهرون على تكسير واجهات زجاجية لبنوك في وسط تل أبيب وسدوا شوارع رئيسة في منتصف ليلة السبت - الأحد الماضية، احتجاجا على العنف الذي مارسته الشرطة في تفريق نشطاء نظموا مظاهرة، يوم الجمعة الماضي، وذلك في إطار تجدد الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل.

 

وجاءت الاحتجاجات، مساء السبت، تحت شعار "مظاهرة طارئة، نعيد الحكم للشعب"، وشارك أكثر من 6 آلاف شخص في مسيرة في وسط تل أبيب، وهتفوا بشعارات "الشعب يريد عدالة اجتماعية" و"ديمقراطية". وقمعت الشرطة، التي زجت بقوات خاصة، المتظاهرين بادعاء أنهم لم يحصلوا على التصاريح المناسبة للمظاهرة. وفي أعقاب مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين تم اعتقال نحو 90 متظاهرا. وقالت صحيفة "هآرتس" إنه على أثر العنف الذي استخدمته الشرطة بدأ متظاهرون بتكسير واجهات زجاجية لبنوك واقتحموها، ثم سدّ مئات المتظاهرين شبكة شوارع "أيالون" المزدحمة بالسيارات.

من جهة أخرى أصدر مراقب الدولة الإسرائيلية، القاضي المتقاعد ميخا ليندنشتراوس، تقريرين مؤخرا، أبرز من خلالهما إخفاقات في أداء حكومة إسرائيل. وفي تقرير حول حريق الكرمل، الذي شب في بداية شهر كانون الأول من العام 2010، حمل المراقب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزراء الداخلية، إيلي يشاي، والمالية، يوفال شتاينيتس، والأمن الداخلي، إسحاق أهرونوفيتش، مسؤولية الفشل في إخماد حريق الكرمل.

 

وتطرق المراقب بشكل خاص إلى أداء يشاي وشتاينيتس وقال إنهما يتحملان مسؤولية مباشرة بينما نتنياهو وأهرونوفيتش يتحملان مسؤولية عامة على الإخفاقات الخطيرة التي أدت إلى مستوى جهوزية متدن لجهاز الإطفاء الذي لم يتمكن من إطفاء الحريق. وامتنع المراقب عن التعبير عن رأيه بشأن ما ينبغي استخلاصه من هذه الإخفاقات ومسؤولية الوزراء تجاه الجمهور معتبرا أن "هذه مسألة سياسية في جوهرها وينبغي إبقاؤها في يد الكنيست والجمهور".

 

وقبل أسبوعين أصدر المراقب تقريرا وجه فيه انتقادات شديدة لنتنياهو ووزير الدفاع، إيهود باراك، على أدائهما في مواجهة أسطول الحرية التركي لكسر الحصار عن غزة والأحداث الدامية التي رافقته في نهاية أيار العام 2010. وشدد التقرير على أن عملية اتخاذ الحكومة الإسرائيلية للقرارات بشأن أسطول الحرية كانت تنطوي على خلل وأبحاثها كانت متسرعة وسطحية وتم إقصاء مجلس الأمن القومي عن هذه المداولات ولم تتطرق القيادة السياسية إلى سيناريوهات متطرفة تنبأت بحدوث مواجهة عنيفة بين القوات الإسرائيلية التي اعترضت السفينة "مافي مرمرة" والنشطاء على متنها.

 

حول هذه المواضيع كلها أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المحاضر في قسم تاريخ إسرائيل في جامعة حيفا والناشط السياسي الاجتماعي، البروفسور داني غوطفاين.

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى العنف الذي مارسته الشرطة ضد مظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية في تل أبيب، في نهاية الأسبوع الماضي؟

غوطفاين: "هذا العنف هو مسألة لن يقبلها الرأي العام الإسرائيلي. ولذلك أعتقد أن هذه الظاهرة لن تستمر أيضا. ويصعب القول ما إذا كان العنف الذي مارسته الشرطة ضد المتظاهرين نابعا من عدم ترجيح الرأي أو فقدان السيطرة، لكني أعتقد أن رد فعل الجمهور، الذي كان رافضا بشدة للعنف، سيدفع الشرطة إلى تغيير أسلوب تعاملها مع المتظاهرين. وأنا لا أتوقع أنه ستكون لذلك انعكاسات بعيدة المدى، لأنه يتوقع أن تغير الشرطة أداءها. وقرأت في الصحف مؤخرا أن الشرطة تقول إنها لم تفكر بأن الأمور ستتطور بهذا الشكل".

(*) تقصد أن هذا هو تلميح من جانب الشرطة إلى أن عنفا كهذا لن يحدث في المستقبل؟

غوطفاين: "يوجد في إسرائيل حرية تعبير عن الرأي. وأعتقد أن الشرطة ستتساءل عن أسباب حدوث عنف كهذا. كذلك فإني لا أعتقد أن هذا الموضوع، العنف، سيكون مركزيا في الاحتجاجات الاجتماعية. وسيغيب هذا الموضوع عن الأجندة خلال أسبوع أو أسبوعين وستضطر الاحتجاجات إلى العودة إلى قضاياها الاجتماعية والاقتصادية. أي أن موضوع العنف سيكون قصير الأمد".

(*) ماذا حققت الاحتجاجات الاجتماعية التي كانت في إسرائيل خلال الصيف الماضي؟

غوطفاين: "لقد حققت الكثير، من جهة، ولم يتحقق شيء من الجهة الأخرى. وسأشرح ذلك. لا شك في أن إسرائيل اليوم هي دولة أخرى. فكل المواضيع الاجتماعية وحقوق العمال والمرضى وجهاز التعليم والسكن، كانت في الماضي حكرا على وزارة المالية، وكل من عبر عن رأي مناقض تم استبعاده. وقد تغير هذا بعد احتجاجات الصيف الماضي. وأصبحت هناك شرعية شعبية واسعة جدا، اليوم، لتغيير الأجندة الاجتماعية - الاقتصادية. وقد تم التعبير عن ذلك أيضا من خلال قرارات اتخذتها الحكومة، مثل القرار المتعلق بالتعليم الإلزامي من سن ثلاث سنوات، والقرارات المتعلقة بمجال الصحة. وهناك مؤشرات إلى أن الأمور ستتغير على ما يبدو. لكن ما تم تغييره هو أنه توجد شرعية الآن للتحدث ضد الطريقة النيو- ليبرالية وأن الخصخصة ليست الوصفة لحل مشاكل. لذلك فإن التغيير كبير. لكن من الجهة الأخرى فإنه لم تتم ترجمة كل ذلك إلى أفعال حتى الآن. ودعنا نقول إن السياسة الحكومية ما زالت حتى الآن نفس السياسة التي خرجت الاحتجاجات ضدها. وهذا يعني أن الاحتجاجات حققت كل ما يمكن تحقيقه لكن من دون تغيير الحكم".

(*) أنت تقول إنه لم تتم ترجمة ما حققته الاحتجاجات إلى أفعال من جانب الحكومة. لماذا توقفت، إذن، وهي لا تجري سوى في أشهر الصيف؟

غوطفاين: "جزء من أسباب ذلك هو أن الاحتجاجات في الصيف الماضي دامت ثلاثة شهور تقريبا. وكانت هناك توقعات في حينه بأن تتم الاستجابة لمطالب الاحتجاجات. وقالوا في حينه ’دعونا نرى كيف ستتطور الأمور’. وتوقف الاحتجاجات كان أيضا بسبب الشتاء والسنة الدراسية ومثل هذه الأمور لعبت دورا كبيرا في توقف الاحتجاجات. ولا تنسى أنه خلال هذه الفترة تم الحديث عن تقديم موعد الانتخابات العامة. أي أن الاحتجاجات انتظرت ما ستفعله الحكومة، وماذا سينجم عن الانتخابات المبكرة. والآن، بعد أن أصبح واضحا أنه لن تجري انتخابات مبكرة، بدأت الاحتجاجات تنهض من جديد. وبهذا المفهوم ينبغي أن نتذكر أنه يوجد خطأ بصري. فالاحتجاجات لم تغير الحكم. وحتى لو أن نشطاء الاحتجاجات وقفوا في الميادين طوال النهار والليل وصرخوا ضد سياسة الحكومة، فإن هذا لن يغير سياسة الحكومة. تغيير السياسة يتم فقط من خلال صندوق الاقتراع. وفي هذه الاثناء تم منح فرصة للحكومة بإرجاء الانتخابات. والسؤال هو متى ستكون هناك فرصة، أي متى ستجري الانتخابات العامة؟".

(*) أصدر مراقب الدولة الإسرائيلي، خلال الأسبوعين الماضيين، تقريرين أشارا إلى إخفاقات خطيرة من جانب الحكومة. ورغم ذلك فإنه لا أحد يدفع ثمن هذه الإخفاقات. على ماذا يدل هذا الوضع؟

غوطفاين: "هذا يدل قبل أي شيء آخر على استقرار الحكومة وقوتها البرلمانية. والأمر الثاني، وأنا أقول ذلك كقارئ صحف، هو أن تقرير مراقب الدولة، فيما يتعلق بحريق الكرمل، لم يقل أنه حدث إخفاق خطير للغاية، وإنما كان التقرير مقنعا بشكل أكبر فيما يتعلق بتحميل مسؤولية على كاهل وزيري الداخلية والمالية اللذين تسببا بإخفاق. وهذه مشكلة. ولو لم يُقتل في هذه الكارثة 44 شخصا، فإنه واضح تماما أنه كان سيعتبر حدثا أقل مأساوية بكثير. يوجد شيء ما في هذا التقرير، وهو أنه على الرغم من المراقب أشار إلى أمور صحيحة، إلا أنه بدا أن المراقب نفسه لم يكن مقتنعا حتى النهاية بوجود مسؤولية على الوزيرين تستدعي استقالتهما. ولذلك فإنه لم يلق ’مسؤولية شخصية’ عليهما، وهذا هو المصطلح الذي يستدعي استقالة الوزيرين، وإنما استخدم مصطلح ’مسؤولية خاصة’، وهذا يعني أن المراقب نفسه لم يتمكن من إيجاد وصف دقيق لوجود مسؤولية شخصية تستوجب الاستقالة. وأعتقد أن النقاش العام يدور حول ذلك. أي أن أداء الوزيرين لم يكن صحيحا ولكن من الجهة الأخرى فإن هذا الأداء غير الصحيح لم يكن بارزا. وهذا الوضع ليس شبيها بالوضع بعد صدور تقرير لجنة فينوغراد (التي حققت في إخفاقات القيادة الإسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية وأدى تقريرها إلى استقالة رئيس أركان الجيش في حينه، دان حالوتس، ووزير الدفاع حينذاك، عمير بيرتس). فالمراقب، الآن، لم ينجح في الربط بين مسؤولية الوزيرين والإخفاق بشكل كامل ومطلق".

(*) ما رأيك في تقرير المراقب حول أحداث أسطول الحرية التركي؟

غوطفاين: "هذه قصة مشابهة تماما. والمشكلة التي أشار إليها المراقب هي عملية اتخاذ القرارات التي لم تكن صحيحة. ولا توجد قوة في هذا التقرير أيضا للمطالبة باستقالات. لكن هذه القصة تنطوي على إشكالية لأنها تكشف شيئا ما في الثقافة السياسية الإسرائيلية وهو أن السياسيين يتوقعون أن يفعل التقرير ما لم يفعله الناخبون في صناديق الاقتراع. ومن الجهة الثانية فإن الجمهور لا يفعل ذلك بواسطة صندوق الاقتراع (أي لا يحاسب المسؤولين المنتخبين) وانما ينتظر قرارات لجنة قانونية وحسب".

(*) نُشر مؤخرا عن حدوث تراجع كبير في التحصيل العلمي لطلاب المدارس الإسرائيلية في موضوع الرياضيات. ما هو سبب هذا التراجع؟

غوطفاين: "إن كل ما يتعلق بهبوط مستوى التعليم في إسرائيل هو نتيجة لخصخصة التعليم، إذ أن ما يحدث هو أن تدريس العلوم يحتاج إلى رصد ميزانيات. والدولة لا ترصد ميزانيات لهذه المجالات. ومعظم المدارس ليس قادرا على تزويد المستوى التعليمي المطلوب. وهذه التقارير لم تفاجئني لأني أحذر منذ سنوات من تراجع مستوى التعليم في إسرائيل. وقصة موضوع الرياضيات هي أحد التعبيرات عن ذلك، وبالمناسبة المشكلة ليست متعلقة بموضوع الرياضيات فقط وإنما بمواضيع عديدة أخرى".