بعد ليفني، بيرتس أيضًا يدفع خطة سياسية جديدة

على هامش المشهد

كتب ب. ضـاهـر:

 

هدأت جولة التصعيد الأخيرة في قطاع غزة، التي بادرت إليها إسرائيل من خلال اغتيال أمين عام لجان المقاومة الشعبية في القطاع، زهير القيسي. ولم تدّع إسرائيل أنها حققت ردعا أمام لجان المقاومة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي، اللتين خاضتا القتال وحدهما، وإنما أعلن قادة إسرائيل السياسيون والعسكريون أنه تم التوصل إلى حالة من الهدوء وأنهم بانتظار جولة التصعيد المقبلة. وفي هذه الأثناء لا يزال مسلحون فلسطينيون يطلقون صواريخ، عددها قليل جدا، باتجاه جنوب إسرائيل، آخرها سقط أمس الاثنين.

 

وتفاخر قادة إسرائيل بمنظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى، وبنجاحها في اعتراض عشرات الصواريخ من طراز "غراد" التي تم إطلاقها من القطاع باتجاه مدن كبيرة، مثل بئر السبع وأسدود وعسقلان. لكنهم اعترفوا في الوقت نفسه بمحدوديتها، في حال اتساع حجم القتال في جولات تصعيد مقبلة أو في حال نشوب حرب شاملة.

وعلى ما يبدو فإن جولة التصعيد الأخيرة لم تأت صدفة بعد زيارة رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن، ولقائه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في البيت الأبيض قبل اغتيال القيسي بعدة أيام.

كذلك فإن تصريحات نتنياهو وأوباما، إلى جانب تقارير نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، أظهرت أن لقاءهما إنما رسخ الخلافات بين الجانبين حول الموضوع الإيراني وأيضا حول التسوية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين. فبعد لقائه مع أوباما، ألقى نتنياهو خطابا أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "إيباك"، وهي اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وصف فيه إيران بأنها ألمانيا النازية وقادتها بأنهم قادة النظام النازي. ولفت رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، في مقال إلى أن نتنياهو اقترب بخطابه أمام "إيباك" من شن هجوم عسكري إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية.

كذلك ألقى نتنياهو خطابا في الكنيست، يوم الاربعاء الماضي، اتهم فيه إيران بأنها تدفع الفصائل الفلسطينية إلى شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية، وأن النفوذ الإيراني دخل إلى غزة ولبنان بعدما انسحبت إسرائيل منهما. ويحاول نتنياهو بخطاباته هذه الظهور بمظهر الضحية في محاولة لاستعطاف العالم، ولكن بالأساس الحصول على تأييد الجمهور الإسرائيلي.

وفي رده على سؤال حول ما الذي حققته إسرائيل من جولة التصعيد الأخيرة في القطاع، قال المحلل السياسي في "هآرتس"، عكيفا إلدار، لـ "المشهد الإسرائيلي" إنها "حققت قبل أي شيء علاقات عامة للحكومة والقبة الحديدية وللأشخاص الذين طوروا القبة، من خلال الفرصة التي سنحت للتدقيق في نجاعة هذه المنظومة. الأمر الآخر هو أن إسرائيل نجحت في تعميق الشرخ بين الفلسطينيين، بين الجهاد الإسلامي وحماس، وبين حماس والفصائل المسلحة في غزة وبين السلطة الفلسطينية. أي أن إسرائيل وضعت من خلال جولة التصعيد عراقيل أمام اتفاق المصالحة، لأنه سيكون أصعب الآن التوصل إلى مصالحة مع جهة فلسطينية تؤيد إجراء مفاوضات مع إسرائيل فيما إسرائيل تقتل فلسطينيين. وهذه الحكومة في إسرائيل ليست معنية بهذه المصالحة. وربما أنها ليست مهتمة بالتوصل إلى مصالحة أو لا، لكن التخوف لدى هذه الحكومة هو من أن تؤدي شروط المصالحة إلى اعتراف المجتمع الدولي بحماس وأن يؤيد أن تجري إسرائيل مفاوضات مع حماس".

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل "القبة الحديدية" مثلما ظهر أداؤها في جولة التصعيد الأخيرة، هي منظومة جيدة لمعارك صغيرة فقط، مثلما حدث الأسبوع الماضي بين إسرائيل والجهاد الإسلامي، أم هي جيدة في الحروب أيضا، مثل مواجهة مسلحة بين إسرائيل وبين حماس أو بينها وبين حزب الله؟

إلدار: "هذه المنظومة لا يمكنها، مثلا، أن تصمد أمام هجوم إيراني. وهذا الأمر يؤكده الخبراء العسكريون. ففي حال حدوث هجوم يتم خلاله إطلاق ألفي صاروخ على إسرائيل فإن هذه المنظومة غير قادرة على العمل لمواجهتها. إضافة إلى أن تكلفة استخدام منظومة القبة الحديدية باهظة للغاية، وكل صاروخ تطلقه لاعتراض صاروخ يكلف أكثر من خمسين ألف دولار".

(*) هل أوقفت إسرائيل جولة التصعيد الأخيرة نتيجة لضغوط مارستها مصر؟

إلدار: "أعتقد أنه يوجد هنا دمج بين عدة أمور. أولا رئيس الحكومة [نتنياهو] لم يحصل على ما كان يريد في واشنطن. ولذلك فإنه بحث عن طريقة لتغيير الأجندة والتشديد على أن إسرائيل ترزح تحت ضغوط. كذلك أرادت إسرائيل التشديد لدى الرأي العام ووسائل الإعلام على أن مبدأ ’الأرض مقابل السلام’ لن ينجح، وتذكير الجمهور بذلك دائما، عندما يقول نتنياهو ’أعطيناهم غزة وتلقينا صواريخ’. وهو يريد بذلك القول أن معادلة ’الأرض مقابل السلام’ ليست ناجحة".

(*) أي أنه ليس صدفة أن جولة التصعيد جاءت بعد زيارته إلى واشنطن ولقائه مع أوباما؟

إلدار: "لا، ليس صدفة بكل تأكيد".

(*) ماذا حققت إسرائيل من لقاء أوباما - نتنياهو في البيت الأبيض قبل أسبوعين؟

إلدار: "لا أعتقد أن إسرائيل حققت شيئا، وربما نتنياهو حقق إمكانية تحويل الموضوع الإيراني ليصبح أكثر بروزا وأن يكون موضوعا مطروحا في المعركة الانتخابية للرئاسة الأميركية. كذلك فإنه حصل على تعهد من أوباما بأنه في حال عدم نجاح العقوبات ضد إيران في وقف تطوير البرنامج النووي الإيراني فإنه سيدرس خطوات عسكرية، إضافة إلى إعلان أوباما أنه لن يوافق على إمكانية نشوء ميزان رعب بين إسرائيل وإيران".

(*) يخيل أن اللقاء بين أوباما ونتنياهو رسخ الخلافات في الرأي بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية.

إلدار: "كل هذه الأمور تدور في ظل المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة. وكل شيء سيتغير طبعا بعد الانتخابات، في حال فوز أوباما بالرئاسة لولاية ثانية. ونحن نتحدث عن فترة نصف عام".

(*) هل تعتقد أنه في حال فوز أوباما في الانتخابات فإنه سيملي سياسات على حكومة إسرائيل؟

إلدار: "أعتقد أنه إذا فاز أوباما في الانتخابات، والأمر سيكون مرتبطًا بما سيحدث في الكونغرس وما إذا ستكون لديه أغلبية في الكونغرس أيضا، فإنه سوف يغير تعامله مع إسرائيل".

(*) ماذا يعني استخدام نتنياهو للمحرقة ومهاجمة المفاعل النووي العراقي، خلال خطابيه أمام الكنيست، الأسبوع الماضي، وأمام مؤتمر "إيباك"، قبل أسبوعين؟

إلدار: "توجد لهذا الاستخدام أهمية، من ناحية تكتيك نتنياهو، بإثارة الخوف وتحويل المحتل إلى ضحية. وكيف بالإمكان تحويل المحتل إلى ضحية؟ فقط من خلال التذكير بالماضي، وبأمر يثير المشاعر. وهو يفعل ذلك بدون أن يكترث بأي شيء. هذا خطاب ناجح في إسرائيل على الأقل، وأعتقد أنه ليس ناجحا خارج البلاد. عندما تقول محرقة أمام الجمهور الإسرائيلي فإنه يصاب بالشلل. لكن من الجهة الأخرى فإن نتنياهو يلحق الضرر بنفسه، لأنه إذا لم يفعل شيئًا سيكون عرضة للمساءلة الآتية: كيف قلت إن هذا سيؤدي إلى محرقة ولم تفعل شيئا لمنعها؟".

(*) ماذا يستفيد نتنياهو من تحويل نفسه إلى ضحية؟

إلدار: "عندما يقول أنه ضحية وأن شعبه ضحية فإنه يطهّر إسرائيل من الذنوب، ويمكنه أن يطلب التعاطف معها، رغم أنها الجانب القوي والمحتل والمنتصر. وهذه الازدواجية نجحت على مدار سنوات طويلة مضت في إنهاض يهود أميركيين والوقوف على أرجلهم لدى سماعهم خطاب الضحية من زعيم إسرائيلي وفتح محفظاتهم. لكن من الجهة الأخرى، فإنه إذا أخرجنا المحرقة والضحايا من السجال، فإن ادعاء نتنياهو بأن ’حق الدولة في الدفاع عن نفسها’ يتحول إلى سيف ذي حدين. وسنواجه صعوبة في الرد على زعيم فلسطيني يدعي أن ’من حق شعب بلا دولة أن يدافع عن نفسه’؟ من الجهة الأخرى، إذا كان من العدل فرض عقوبات على إيران لأنها تتطلع إلى الحصول على ردع نووي، فلماذا يحظر فرض عقوبات على إسرائيل من أجل وقف الاستيطان".