سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

كتب بلال ضـاهر:

 

قررت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون سن القوانين خلال اجتماع عقدته أمس الاثنين دعم مشروع قانون يحظر استخدام ألقاب ورموز نازية ورموز من المحرقة النازية، طرحه عضو الكنيست أوري أريئيل من كتلة "الاتحاد الوطني" اليمينية المتطرفة.

 

وتأتي موافقة الحكومة على مشروع القانون هذا في أعقاب تظاهرة نظمتها مجموعة من الحريديم، أي اليهود المتزمتين دينيا، الأسبوع الماضي، ضد المعارضين لظاهرة الفصل بين الرجال والنساء، المعروفة في إسرائيل بـ "إقصاء النساء" عن حيز الحياة العامة.

وجاءت التظاهرة ردا على تظاهرة أكبر منها شارك فيها نحو عشرة آلاف غالبيتهم من العلمانيين ضد "إقصاء النساء".

واستخدم الحريديم في تظاهرتهم رموزا من فترة المحرقة النازية بينها النجمة الصفراء وكتبت عليها باللغة الألمانية كلمة "يهودي".

وينص مشروع القانون على تعريض من يستخدم هذه الرموز إلى السجن لمدة نصف سنة، ودفع غرامة مالية بمبلغ 100 ألف شيكل.

وأثار مشروع القانون انتقادات واسعة واعتبر أنه جزء من القوانين الإسرائيلية التي تقيد حرية التعبير عن الرأي. رغم ذلك، وعلى خلفية التوتر بين المتدينين والعلمانيين، انضم إلى مشروع القانون عدد من أعضاء الكنيست من حزب كاديما.

وتسود في الفترة الأخيرة حالة توتر شديد في مناطق وأحياء الحريديم، خصوصا في القدس وبلدة بيت شيمش، على خلفية الفصل بين الرجال والنساء في حيز الحياة العامة، مثل الحافلات والعيادات. كذلك هناك توتر في الجيش الإسرائيلي بسبب رفض جنود متدينين المشاركة في مراسم رسمية تغني فيها نساء، كما رفضوا المشاركة في تدريبات عسكرية تشارك فيها مجندات. وأدت عملية إزالة لافتات في بيت شيمش تطالب النساء بالسير في رصيف بمعزل عن الرجال إلى مواجهات بين الحريديم والشرطة، قبل أسبوعين. واعتقلت الشرطة عددا من الحريديم.

وتكررت في الأسابيع الأخيرة ظاهرة قيام حريديم بالبصاق على نساء لأنهن غير محتشمات، ومن الجهة الأخرى تكرر قيام نساء بالصعود إلى حافلات والجلوس في مقدمتها ورفض طلب الحريديم بالانتقال للجلوس في مؤخرة الحافلة. وأدت هذه الحوادث إلى تصاعد التوتر بين الحريديم والعلمانيين. وتناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الحوادث بتوسع، الأمر الذي أدى إلى تصعيد التوتر أكثر فأكثر. وقدم حاخام سلاح الجو الإسرائيلي استقالته احتجاجا على إلزام الجنود المتدينين الاستماع إلى غناء النساء والمشاركة في تدريبات تشارك فيها مجندات. لكن هذا الحاخام تراجع عن استقالته وقدم اعتذارا رسميا للجيش، بعد أن أثارت الصحف الإسرائيلية ضجة إعلامية.

حول هذا الصراع، أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المحاضر في قسم تاريخ إسرائيل في جامعة حيفا، البروفسور داني غوطفاين.

(*) "المشهد الإسرائيلي": دائما كان هناك فصل بين النساء والرجال في المناطق والأحياء التي يسكن فيها الحريديم. ماذا حدث الآن وتسبب بأن تعصف هذه الظاهرة بالمجتمع الإسرائيلي كله؟

غوطفاين: "الفصل بين النساء والرجال كان أمرا مقبولا داخل مجتمعات حريدية معينة، وكان لها تعابير داخل هذه المجتمعات. لكن هذا لم يكن يؤثر على الحيز العام في إسرائيل أبدا. وبدأت تبرز ظاهرة الفصل بين النساء والرجال في الحيز العام في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة. ودعني أقول إنه لا يمكن فرض سلوك داخل العائلات أو المجتمعات الحريدية. لكن الأمر الجديد هنا، والذي أثار ضجة في إسرائيل، هو أن الفصل أصبح جزءا من الحيز العام، من خلال الفصل في حافلات المسافرين، ومنع تعليق إعلانات على الحافلات أو لوحات الإعلانات في القدس أو بيت شيمش، لأنه تظهر فيها امرأة. وهذا الأمر تم اعتباره أنه تجاوز لخط أحمر بين الحيز الاجتماعي الضيق والحيز العام. وينبغي القول، بالمناسبة، إن هذه المشكلة، أو النضال ضد إقصاء النساء، بدأ بشكل مكثف جدا، قبل الضجة الحالية بكثير، داخل المجتمعات الحريدية نفسها. ففي العقد الأخير يدور نضال كبير بين مجتمعات المتدينين اليهود حول تغيير طبيعة الصلاة في الكنس وحول زيادة مشاركة النساء. وهذا الصراع لم يتسرب إلى خارج المجتمعات الحريدية والمتدينة. وأعتقد أن هناك فهما مخطوءًا لما يجري في هذا السياق، فالصراع داخل المجتمعات الحريدية والمتدينة أكبر بكثير من الصراع بين الحريديم والعلمانيين".

(*) هناك أمر ليس واضحا فيما يتعلق بالجهات الضالعة في محاولة تطبيق ظاهرة إقصاء النساء عن الحيز العام. من جهة، قال عضو الكنيست موشيه غفني، من كتلة "يهدوت هتوراة" الحريدية، إن الذين يحاولون تطبيق إقصاء النساء هم أتباع طائفة "ناتوري كارتا" الحريدية المعادية للصهيونية، بينما من جهة أخرى قال أحد أتباع هذه الطائفة لصحيفة "هآرتس"، مؤخرا، إن المتدينين - القوميين هم الذين يحاولون تطبيق الفصل بين الجنسين. ما هي الحقيقة؟

غوطفاين: "القصة معقدة فعلا. يوجد داخل الجمهور المتدين بأطيافه من يحرصون أكثر أو أقل على موضوع الفصل أو التقارب بين الرجال والنساء في الحيز العام. ويعود ذلك لأسباب عديدة ومتعددة. وهناك مجموعات داخل الحريديم والمتدينين خففت من هذه الظاهرة. أي أنه في كلتا هاتين الفئتين تنشط مجموعات مختلفة. وظاهرة إقصاء النساء ليست ظاهرة تميز جمهورا واحدا. لماذا تفجرت الأمور الآن؟ الإجابة على ذلك هي أن عمليات تفكيك دولة الرفاه والخصخصة في إسرائيل منحت قوة فائضة للمجتمعات المختلفة، بدءا من أجهزة تعليم منفصلة وما إلى ذلك. ولهذا فإنه إذا كان موضوع الرجال والنساء في الماضي ينحصر في المجال الديني فقط، فإنه تسرب إلى خارج المجتمعات الآن في مجالات أخرى، مثل المدارس والحافلات. أي أنه كلما تزايدت قوة هذه المجتمعات فإنه يتسرب بشكل أكبر إلى الحيز العام. ولذلك أصبحت هذه قضية تثير قلق الجمهور الواسع".

(*) هل توجد معطيات حول نسبة الحريديم غير الصهيونيين، أو المعادين للصهيونية، مثل "ناتوري كارتا"؟

غوطفاين: "ناتوري كارتا هي مجموعة صغيرة جدا، ولا يتجاوز عدد أفرادها بضعة آلاف معدودة. وبمقدورهم أن يثيروا استفزازا عاما، لكن ليس لديهم الثقل الحقيقي. والمشكلة الأكبر هي بين الجمهور الحريدي العادي، الذي يشكل التيار المركزي بين الحريديم. وخذ على سبيل المثال أقوال ابنة الحاخام عوفاديا يوسيف، عَدينا بار - شالوم، فهي لا توافق على إقصاء النساء ولا توافق على أمور كثيرة في العالم الحريدي...".

(*) ربما هذا لأنها من أصول شرقية (سفارادية) وليست من أصول غربية (أشكنازية)؟

غوطفاين: "لا أعتقد ذلك. أعتقد أننا تجاوزنا المسألة الشرقية - الأشكنازية منذ وقت طويل. لكن صحيح أنه بصورة عامة الأشكناز هم المكان الذي تتطور فيه كل هذه الظواهر، مثل إقصاء النساء، لكني اعتقد أنه في إسرائيل، اليوم، يجري الحديث عن صراع حريدي داخلي، ولأن هذا الصراع يجري بين الجمهور الديني - القومي، فإنه تسرب إلى الحيز العام. وهناك جزء من الحريديم الذين لا يوافقون على إقصاء النساء بالشكل الذي يريده المتشددون. ورغم ذلك فإن الجمهور الحريدي كله، مثلا، يعارض الإعلانات التي تظهر فيها نساء. لكن الأمر المثير هو أن النضال ضد إقصاء النساء تخوضه منظمة دينية - قومية نسوية باسم ’صوتك’. وتنشط هذه المنظمة منذ أكثر من عشر سنوات وتخوض نضالا على مكانة المرأة في الحيز العام، وقضايا أخرى. وهذا النضال يجري داخل المجتمع الديني ويكاد غير المتدينين لا يعرفون شيئا عنه".

(*) ما هو دور الجمهور الديني - القومي، وهو جمهور متطرف سياسيا، في الصراعات داخل المجتمع الحريدي والمتدين؟

غوطفاين: "ظاهرة إقصاء النساء موجودة لدى الجمهور الديني - القومي. وهذه الظاهرة موجودة بشكل معين بين الحريديم، لكنها موجودة بشكل مختلف لدى المتدينين - القوميين، وتبرز على نحو واضح جدا في الفصل بين الأولاد والبنات في المدارس. والمتدينون - القوميون هم الذين بادروا إلى ظاهرة رفض الاستماع إلى غناء النساء [في الجيش]. وهذا نابع من أنه كلما اتسع حيز المجتمع، فإن المظاهر التي كانت موجودة في هذه المجتمعات ولم تثر اهتمام الموجودين خارجها، أصبحت تتسرب إلى الخارج".

(*) هل ظاهرة إقصاء النساء والصراع حولها بين المتدينين والعلمانيين تنطوي على انتهاك للتفاهمات بين الجانبين منذ قيام إسرائيل والمعروفة باسم "الوضع القائم" الذي ينبغي المحافظة عليه؟

غوطفاين: "لا. ’الوضع القائم’ لم يتطرق أبدا إلى إقصاء النساء، ولم يصادق أبدا على الفصل بين الرجال والنساء في المواصلات العامة، وكل هذا الموضوع هو أمر جديد. و’الوضع القائم’ لا يسمح بالتمييز ضد النساء، ورغم أنه ينطوي على إشكاليات إلا أنه لا يسمح بإقصاء النساء".

(*) كيف يؤثر هذا الصراع، وخصوصا بين المتدينين والعلمانيين، على الجيش الإسرائيلي؟

غوطفاين: "يوجد في الجيش توتر حول هذا الموضوع. لكن الجيش قال موقفه بشكل واضح، وأنه لا يوافق على محاولة نقل ظواهر كهذه إلى داخله. وقد أوضح الجيش هذا الأمر بتصريحات حازمة جدا، بينها تصريحات أطلقها قائد شعبة القوى البشرية، الذي ينتمي للمتدينين. كذلك فإن الحاخام العسكري الرئيسي تحدث بوضوح ضد هذه الظواهر. وأعتقد أن المتدينين في الجيش سيضطرون إلى التراجع خطوة إلى الوراء".