شوقي خطيب "يُذكّر" شارون "بخطة تطوير الوسط العربي"

وثائق وتقارير

 كتب وديع عواودة:

 بادرت جمعية "سيكوي" لتكافؤ الفرص إلى يوم دراسي فريد أسمته "عصف فكري تمهيدا لبلورة حملة كبرى في موضوع المساواة" عقد في القدس يوم الجمعة الأخير وشارك فيه عدد من الاعلاميين واساتذة الجامعات اليهود والعرب . وسيتبع هذا اللقاء لقاء آخر في شهر ايار من العام المقبل. واستهل اليوم بمحاضرة للدكتورة يفعات معوز حول "المعيقات النفسية في طريق المساواة لدى اليهود" لفتت فيه الى قيام المواطنين اليهود بالتعامي عن التمييز المتأصل والعميق ضد المواطنين العرب، بواسطة استخدام وسائل اقناع للذات تتراوح بين اتهام الضحية وتحميلها المسؤولية وبين اتهام العرب بـ"الطابور الخامس" او محاولة التهرب من معرفة حقيقة ما يجري وغيرها من الوسائل.

 

في مداخلته التي حملت عنوان "ثقافة المساواة" أكد الكاتب سلمان ناطور ان المشكلة تكمن في السياسات وليس لدى الجمهور وان المساواة الحقة لا تعني الحصول على ميزانيات انما باقامة الديمقراطية الحقيقية لافتا الى ان معيقات المساواة تنبع من وضع الديمقراطية لذاتها حدودا في الحوار مع الآخر. وأضاف "عندما اسأل على سبيل المثال لماذا دولة يهودية اتهم بـ"الطابور الخامس" ويتم قطع النقاش معي. وعندما امنع من ان اكون رئيسًا للوزراء في اسرائيل فهذا يعني انه ليس بوسعها ان تكون دولة ديمقراطية بل ستبقى هكذا حتى لو خلت من المواطنين العرب لان المعيقات النفسية ستنتقل الى داخل المجتمع اليهودي نفسه". واعتبر ناطور ان انتفاضة الاقصى لم تكن نتيجة تراكم الغبن بقدر ما هي نتاج اطلاق النار على المواطنين العرب في بدايتها واغفال القادة الاسرائيليين لحقهم في التعبير عن مشاعر الغضب في لحظات صعبة واحتجاجا على قتل طفل في غزة ما يفيد بأن هناك مشكلة قيم لدى هؤلاء. ولفت ناطور الى ان الوعي للديمقراطية لدى الجانبين يشكل بداية لحوار ناجح وللحل مشيرا الى اهمية المسيرات الديمقراطية واللقاءات بين العرب واليهود وحتى المآسي احيانا في تحقيق الهدف المنشود. وردا على سؤال حول سلم اولويات خطواته لو كان يملك وسائط ومفاتيح التغيير وتحقيق المساواة قال ناطور "كنت أبادر الى عقد مؤتمر في حيفا للمثقفين العرب واليهود من أجل بحث كيفية دمج الاقلية اليهودية في المجتمع العربي في الشرق الاوسط".

وأشار البروفيسور شلومو حسون، المحاضر في الجامعة العبرية والباحث في معهد فلورسهايمر، في كلمته حول "مجال اللقاء الممكن" إلى ان الميزانيات لا تجسد جوهر القضية، إنما القضية هي حريات المواطنين العرب وتوزيع موارد البلاد بين المجتمعين والشعور بالغبن التاريخي.

واكد الدكتور خالد ابو عصبة في مداخلته، التي حملت عنوان "الفائدة في المساواة"، انه بعد مرور اربع سنوات على انتفاضة الاقصى في اكتوبر 2000 لم تتعلم اسرائيل شيئا وما كان هو ما سيكون، لافتا الى استمرار نسج السياسات الخالية من المساواة واللاديمقراطية كما يتجلى الأمر في مضامين "لجنة دوفرات" الخاصة بجهاز التعليم على سبيل المثال والى ان الحلول المقترحة للتمييز تفاقم المشكلة حيث توصي اللجنة المذكورة بتعميق تعليم اللغة العبرية في المدارس العربية كمدخل لدمج المواطنين العرب في الدولة. وفي محاولة للتحذير من استمرار الوضع الراهن تساءل ابو عصبة عن الحدود التي يمكن شد هذا الحبل إليها مؤكدا على وجود "معيق بنيوي" يحول دون التقدم نحو مساواة حقيقية وهو مبنى غير عادل وليس ديمقراطيا. وأشار أبو عصبة الى انه لا يقترح في الوقت الحالي الكفر به انما اخضاعه للاصلاحات لافتا الى ان أفراد المستوى السياسي لا يفهمون الواقع على هذا الشكل وعندما يفعلون ذلك فإنهم لا يطبقون قراراتهم فيستمر الظلم والتمييز. وحذر ابو عصبة من انه في ظل هذا الواقع فإن "أحداث اكتوبر" لن تكون سوى رأس قمة الجبل الجليدي لما هو قادم، واقترح التحرك في اطار المجتمع المدني واستغلال المعرفة المتوفرة بهذا الصدد.

وفي سياق استعراض امكانيات الحلول بعد بحث عملية "التشخيص" لواقع العلاقات بين الدولة العبرية والاغلبية اليهودية من جهة وبين المواطنين العرب من جهة اخرى فتح النقاش بين المشاركين حول الحملة الكبيرة التي يخطط مركز "سيكوي" لتبنيها والتي يشرف عليها طاقم من المستشارين الاعلاميين بقيادة أليكس بليتسكي ونسيم دويك. وقد قام الاخير بالتمهيد للنقاش لافتا الى ان الحملة تهدف بالدرجة الاولى الى إحداث تغيير في الذهنية العامة للاسرائيليين وتهيئة الاجواء لتطبيق توصيات لجنتي اور ولبيد على المدى القصير واستخدامها وسيلة من اجل تعزيز مسيرة المساواة الحقيقية بالمنظور البعيد. ونوه الى ان وسائل الاعلام تشكل وكالة تغيير ووسيلة ناجعة لتحريك سيرورات اجتماعية وسياسية بواسطة التأثير على الناس اولا وعبر ذلك على صناع القرار- سياسيين وموظفين تكنوقراطيين كبار. وخلال ذلك تساءل دويك عما هو اكثر نجاعة في تبني الحملة الموجهة للرأي العام اليهودي من بين اسلوبي "الاغراء" أم "التهديد" (العصا والجزرة) أم الاثنين معا؟ كما لفت الى ضرورة التوجه الى مخاطبة المواطنين العرب والى الرأي العام الدولي واستخدام مبدأ "التخجيل" من اجل احراج الحكومة الاسرائيلية ودفعها باتجاه التغيير المرجو.

في مداخلته اشار الصحفي يارون لندن الى ان الاسرائيليين متمسكون بالمبنى الحالي للدولة اليهودية ولن يرضوا بالتفريط بالهيمنة اليهودية فيها لافتا الى تشابه "الديمقراطية الخاصة" في اسرائيل مع ديمقراطيات اخرى في العالم من حيث وجود مشاكل مع اقليات مختلفة داخلها. واعطى فرنسا ومشكلات المهاجرين المغاربة فيها كمثال.(..) وكمن يبدو محاولا التخفيف من حدة الخلل في الديمقراطية الاسرائيلية من ناحية مكانة العرب في الدولة العبرية اضاف "في فرنسا وسلوفاكيا وغيرهما من الدول الغربية تقوم انظمة ديمقراطية لا تمتاز بالكمال ولذا لا مكان لجلد الذات من قبلنا هنا كل الوقت". واعرب لندن عن تحفظه مما وصفها بـ"النظريات الكبرى" واقترح معالجة المشاكل بشكل عيني ومحدود ضمن طريقة "السهم" بدلا من "شبكة الصيادين" قاصدا عدم معالجة القضية بشكل استراتيجي شمولي والعمل على انجاز امور عينية من خلال الاستفادة من الاعلام واللقاءات العربية اليهودية اليومية والتحلي بالصبر والنفس الطويل كالتوجه باستطلاع رأي الى أماكن العمل غير الحكومية وتوجيه السؤال لها عن عدد المستخدمين العرب فيها على سبيل المثال. وااقترح لندن استخدام "الحدث الاعلامي الكبير" من خلال تسيير مظاهرة عربية يشارك فيها 150 الف مواطن تجوب شوارع القدس ويحمل فيها التلاميذ العرب الاعلام الاسرائيلية، ما اثار حفيظة الدكتور عادل مناع، المحاضر في الجامعة العبرية،الذي علق متحفظا "اولا حمل اعلام ثم تهويد وصهينة لهم..". وشدد مناع على ان تطبيق توصيات اور لا يشكل هدفا اخيرا للحملة التي تعمل "سيكوي" على تنظيمها انما يرى بها وسيلة من اجله محذرا من التقوقع داخل " فقاعة" وتجاهل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي يمكن لحادثة امنية كبيرة في اطاره ان تؤدي الى انهيار كل شيء. وأكد د. مناع على ان النضال السياسي هو الطريق الانجع لانجاز المساواة واشار الى بعض الانجازات التي حققها العرب في فترة حكومة رابين يوم كانت بحاجة الى اصوات النواب العرب.

في مداخلته اقترح د. عامر الهزيل السعي من أجل سن قانون يؤمن المساواة للمواطنين العرب ودعا الى الاسراع بالتقدم العملي في المساعي من اجلها لافتا الى حالة الاعياء الناتجة عن استمرار مثل هذه اللقاءات العربية اليهودية. أما المحامية يهوديت كارب، نائبة المستشار القضائي للحكومة سابقا، فقد دعت في كلمتها الى التمحور في الجماعات المدنية المهتمة بالمساواة وتدعيمها والافادة من دعم الاعلام وفق خطة استراتيجية. من جانبها أشارت الصحفية ياعيل غفيرتس، من "يديعوت احرونوت"، الى قدرة الصحافة على المشاركة الفعالة في احداث التغيير في الوعي العام للاسرائيليين تجاه مساواة المواطنين العرب داعية الى الاهتمام باصدار تقرير حول المساواة او التمييز بشكل منتظم كما تفعل منظمة "ادفا" في مسائل اجتماعية مختلفة وادخال المزيد من الاعلاميين العرب في وسائل الاعلام العبرية في المجالات المختلفة والى اعداد قوائم باسماء شخصيات مهنية عربية من مختلف المجالات تمهيدا لاستضافتها في البرامج الاذاعية والتلفزيونية.

 

الدكتور ثابت ابو راس لفت في مداخلته الى ان تشريع قانون خاص بالمساواة لن يحول دون استمرار التمييز واقترح التركز في بذل الجهود للتأثير على دوائر النفوذ والقوة داخل المجتمع الاسرائيلي بدلا من محاولة التأثير المباشر على المجتمع، كالتوجه الى المجلس القومي لامن ومناعة الدولة ("الملال") . واقتبس ابو راس تصريحًا سابقًا للصحفي يارون لندن بان اسرائيل لا تنسحب من اراض محتلة ولا تستجيب لمطالب عادلة الا بعد ان تتلقى الضربات، واشار الى فشل نضال اهالي اقرث وكفر برعم رغم انتهاجهم الخط القانوني والمسالم طيلة نصف قرن فيما استطاع اهالي قرية بير هداج في النقب انتزاع اعتراف بقريتهم بعد ثباتهم في الارض واستعدادهم لتصادم مع السلطات رغم كل ضغوطات الترحيل منذ عقدين. وكان الصحفي لندن قد أكد انه صرح مثل هذا التصريح.

كما اقترح ابو راس استخدام استراتيجية "العصا والجزرة" بالتعامل مع الرأي العام الاسرائيلي، بمعنى تخويفه من انتفاضة جديدة من جهة ومحاولة اغرائه بان المساواة تشكل مصلحة اسرائيلية وطنية ذات ابعاد عديدة، من جهة أخرى. من جانبه قال د. داني رابينوفتش، من جامعة حيفا، ان مسؤولية تحقيق المساواة تقع على عاتق الاغلبية اليهودية التي يعتبرها جمهور الهدف لحملة "سيكوي" من اجل المساواة، داعيا الى العمل لتعديل الرواية التاريخية والذاكرة الجماعية للاسرائيليين كمدخل للتغيير. ولفت الى اهمية ما ورد في اول خمسين صفحة من تقرير لجنة اور من هذه الناحية.

البروفيسور ايتسيك جالنور، المحاضر في جامعة تل ابيب ومعهد فان لير، اشار الى ان التأثير على الذهنية العامة لن يتأتى من خلال الاعلام وبالطبع ليس عبر ما يسمى بـ"الحدث الاعلامي الكبير" معتبرا ان العامة لا يصغون الى الطبول والزمور سيما وان آذان المواطنين اليهود موصدة اليوم وهم يعارضون بشدة ان يأخذ المواطنون العرب دورا هاما في حياة الدولة. واقترح جالنور انتهاج سياسة النفس الطويل بواسطة اقامة مجلس عربي يهودي خاص يعمل عشر سنوات على الاقل ويعنى في مستقبل الديمقراطية في اسرائيل ويعالج ضمن ذلك قضايا المواطنين العرب. وهذا ما دفع اخصائي الاعلام أليكس بليتسكي لأن يتحفظ من التقليل من أثر الصحافة بالقول "ثبت في الماضي ان وسائل الاعلام كانت قادرة على تغيير الوعي العام كما تبين في قضية نضال فئات مضطهدة في اسرائيل كالنساء او الشرقيين او ....." .