وثائق وتقارير

*النواب الستة من كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" و"التجمع الوطني الديمقراطي" عارضوا نص خطة الفصل بقوة، واضطروا لاحقا إلى الامتناع عن التصويت لافشال خطة أخرى قادها نتنياهو لفرض استفتاء عام حول الانسحاب*

 تقرير: برهوم جرايسي

 حاز موقف النواب العرب الستة في الكنيست الاسرائيلي من كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" و"التجمع الوطني الديمقراطي" على انتباه فوق العادة في الحلبتين السياسية والاعلامية، الى جانب الاهتمام الاعلامي العالمي، بسبب معارضتهم الشديدة لنص خطة الفصل التي اقرها الكنيست الاسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي، ولكن عند التصويت وبعد ان بدت ملامح مؤامرة حاكها وزير المالية بنيامين نتنياهو، وسنأتي عليها هنا، اضطر النواب الستة في اعقاب تنسيق في ما بينهم الى التصويت بالامتناع، في حين ان عضوي القائمة العربية الموحدة أيدا الخطة منذ البداية.

 

 

أسباب المعارضة لنص القرار

 

لقد دأب رئيس الحكومة أريئيل شارون ومؤيدوه داخل الحكومة على ابراز خطة الانفصال وكأنها خطة للانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية، وأن الكنيست سيصوت على هذا الأمر، في حين ان ما عرض على نواب البرلمان كان أمرا مغايرا، ونصًا لخطة أخرى يؤكد بندها الاول، وكما جاء فيه أنه ليس في هذه الخطة ما يقضي باخلاء مستوطنات، أضف الى هذا ان في النص ما يؤكد على ان اسرائيل ستعيد انتشارها في منطقة قطاع غزة، وتحاصرها برا وبحرا وجوا، وفي نص الخطة المعروض، ايضا، ما يوضح بأن اسرائيل أقدمت على هذا الانسحاب من اجل تعزيز سيطرتها على اراض أخرى في الضفة الغربية. وهذا ما سبق أن أكده مستشار شارون الاقرب، المحامي دوف فايسغلاس، في مقابلته المشهورة مع صحيفة "هآرتس" (طالع نص الخطة التي أقرها الكنيست في إطار منفرد).

كذلك فإن النص يقول بوضوح انه لا يوجد شريك فلسطيني ولهذا فإن اسرائيل تذهب الى هذه الخطوة بشكل احادي الجانب، وما كان معروضا ليس اتفاقا وانما اجراء حكومي اسرائيلي، وفوق كل هذا تم ارفاق رسالة الضمانات التي قدمها الرئيس الاميركي جورج بوش الى رئيس الحكومة اريئيل شارون في نيسان/ ابريل من العام الحالي، والتي تقضي على حق عودة اللاجئين وتقر بضم كتل استيطانية ضخمة لاسرائيل وعدم التقيد بحدود 1967، أما القدس فتتحول الى موضوع منسي.

وقد رأى النواب الستة وهم: كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير: محمد بركة وعصام مخول وأحمد طيبي، وكتلة التجمع الوطني الديمقراطي: عزمي بشارة وجمال زحالقة وواصل طه، ان التصويت عمليا هو ليس على الانسحاب ولو حتى من مستوطنة واحدة، ولكن حتى ولو كان في الخطة عامل الانسحاب، فإن باقي مركبات الخطة والنص المعروض فيه ما يقضي على كل فرص الحل الدائم، وامكانية اقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة.

ونعرض في ما يلي مقتطفات من كلمات الوزراء تؤكد ما سبق.

 

وزراء يؤكدون: الخطة المقررة لا تخلي مستوطنات

 

قال وزير الخارجية سيلفان شالوم في كلمته امام الكنيست: "هناك محاولة في اليسار، وحتى لدى قسم معين من اليمين، لخلق شعور وكأن قرار الكنيست اليوم سيقضي باخلاء مستوطنات... وببساطة لا اساس لهذا، فاليوم لا يوجد اي قرار يقضي باخلاء مستوطنات". ثم واصل كلامه ردا على أحد النواب مؤكدا: "طبعا لا يوجد في قرار الحكومة أي نص يأمر باخلاء مستوطنات.. لقد قال البند الاول إن الحكومة تصادق على خطة الفصل المعدلة، ولكن القرار لا يعني اخلاء مستوطنات، واريد ان أكرر: لا يوجد في القرار ما يعني اخلاء مستوطنات".

ويذكر ان الوزير شالوم هو أحد الوزراء الثلاثة الذين اشترطوا في شهر حزيران/ يونيو الماضي موافقتهم على الخطة بتعديلها، وشطب البند الذي يقضي باخلاء المستوطنات، وتأجيل القرار الى شهر آذار/ مارس القادم.

أما الوزير بلا حقيبة تساحي هنغبي فقد قال في كلمته: إن خطاب شارون كانت تنقصه فقرة هامة، وهي ما قاله لي شارون نفسه، بأن هدف "خطة الفصل" هو تجميد العملية التفاوضية. وقال هنغبي: "في محادثات اجراها معي رئيس الحكومة ومع وزراء آخرين، وحتى بقدر معين مع وسائل الاعلام، قال شارون إن الثمن الصعب الذي ندفعه الآن، يأتي لقاء الحفاظ على مستوطنات الضفة الغربية وغور الاردن وطبعا القدس".

أما وزير الدفاع شاؤول موفاز، فقال "نحن في وضعية خطرة على الصعيد العالمي، فقد تظهر مبادرات سياسية عالمية تضع اسرائيل في وضع حرج، ولهذا كان على الحكومة واجب الشروع بمبادرة لئلا تكون مضطرة للتعامل مع هذه المبادرات".

 

هجوم لم يتوقف على النواب الستة

 

لقد واجه النواب الستة طيلة يومي مناقشات الخطة في الكنيست هجوما مركزا، بشكل خاص من كتل واعضاء اليسار الصهيوني، وحتى من حزب شينوي المحسوب على مركز الخارطة السياسية، بادعاء ان معارضتهم للخطة ستعني التصويت الى جانب اليمين المتطرف المعارض للخطة، ورد عليهم بعض النواب بأن من بين المؤيدين ايضا يمينيون لا اقل تطرفا وعلى رأسهم شارون.

وقد ذهب وزير الداخلية ابراهام بوراز (شينوي) بعيدا اكثر، حين ادعى ان النواب الستة يعارضون الخطة لانهم "ببساطة لا يريدون السلام". وكان من ابرز من شنوا حملة ضد النواب الستة عضو الكنيست من حزب "العمل" حاييم رامون الذي كرّس جلّ خطابه لمناقشة هؤلاء النواب.

 

ما الذي جرى قبل التصويت؟

 

في الساعتين الأخيرتين قبل التصويت ظهرت ملامح لعبة جديدة يلعبها وزير المالية بنيامين نتنياهو الذي كان يسعى الى استخراج تعهد من رئيس الحكومة شارون باجراء استفتاء عام على الخطة. وحسب المعلومات التي وصلت للكتلتين، وتأكدت أكثر فأكثر لاحقا، فإن نتنياهو كان سيبني ضغطه على شارون اعتمادا على الفارق الضئيل بين المؤيدين والمعارضين للخطة، بعد احتساب اصوات النواب الستة في الكتلتين في خانة المعارضة، وحتى ان نتنياهو فحص امكانية ان ينضم هو ومجموعته الى المعارضة (6 اعضاء، 4 وزراء ونائبان)، لتظهر النتيجة في النهاية 61 نائبا يؤيدون الخطة مقابل 57 نائبا ضدها، وامتناع نائب واحد وغياب نائبة.

والمعادلة التي ظهرت امام النواب الستة، الذين حافظوا على تنسيق وبحث مشترك لكل التطورات في الساعات الأخيرة ولحظة بلحظة، هي التصويت ضد الخطة، وبذلك، ودون اي قصد، الدفع بفكرة الاستفتاء الى الأمام، وهنا توجد معارضة مبدئية سياسية وفكرية لفكرة الاستفتاء، لأن هذه خطوة خطيرة يجب محاربتها بكل قوة لما فيها من اخطار وسابقة خطيرة، إذ لم يسجل التاريخ استفتاء من هذا النوع، وهو أن تسأل الشعب الذي تمارس حكومته الاحتلال، إذا ما يسمح لحكومته بالانسحاب من الاراضي المحتلة أم لا، بل إن الاستفتاءات عرضت على الشعوب التي كانت تحت الاحتلال.

وعلى الرغم من التأكد من مؤامرة نتنياهو، وقف النواب الستة عند مدخل قاعة الكنيست ليراقبوا ما سيجري في الجولة الاولى من التصويت وليتأكدوا من التفاصيل التي وصلتهم، وفي المقابل وقف نتنياهو ومجموعته في الخارج ايضا في انتظار قرار النواب الستة، وبعد أن تأكدت اللعبة دخل النواب الستة، وبدأ سكرتير الجلسة بتلاوة الاسماء التي تغيبت عن الجولة الأولى من التصويت، وحسب الابجدية كان أول النواب هو النائب محمد بركة، تلاه مباشرة النائب عزمي بشارة، بمعنى ان موقف الكتلتين بات واضحا، نحن ضد الشرّين : خطة شارون واستفتاء نتنياهو.

إن من راقب عملية التصويت لاحظ انه عندما نطق النائب بركة بكلمته "ممتنع" ثارت ضجة في القاعة، والتقطت الكاميرات نتنياهو يعطي اشارة الى ليمور ليفنات، استطعنا تفسيرها لاحقا بأنه يقول لها "خسرنا اللعبة".

لم يكن هدف النواب الستة بطبيعة الحال اقناع نتنياهو بالتصويت الى جانب خطة الفصل، فهذه حساباته، وانما منعوه من السمسرة بأصواتهم إلى جانب فرض مسألة الاستفتاء، ولا نستطيع ان نخاطر بالقول إن فكرة الاستفتاء اصبحت لاغية كليا عند شارون، ولكن على الاقل في هذه الجولة تم افشال المحاولة.

لقد اجمعت غالبية وسائل الاعلام الاسرائيلية ومعها عدد من كبار المحللين السياسيين الاسرائيليين على ان النواب العرب الستة من كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" و"التجمع الوطني الديمقراطي" نجحوا في افشال مؤامرة وزير المالية بنيامين نتنياهو، فهذا ما قرأناه في صحيفتي "يديعوت احرنوت" و"هآرتس" ورأيناه وسمعناه في قنوات التلفزيون الثلاث والاذاعات.

كان نجاح النواب الستة في خطوتهم هذه ثمرة تنسيق وثيق استمر لساعات طويلة، وكان قد غاب بين الكتلتين، بهذا المستوى منذ فترة طويلة. وقد رأى الكثيرون في هذا التنسيق بداية لمستقبل افضل في العمل البرلماني للكتل الفاعلة بين المواطنين العرب الفلسطينيين في اسرائيل.