تيار الصهيونية- الدينية أمام مفترق طرق حاسم

وثائق وتقارير
"معاريف" تكشف النقاب:

 حزب اسرائيلي جديد بقيادة أفيغدور ليبرمان يقترح تقسيما جديدا لفلسطين التاريخية

 

"المواطنون العرب في اسرائيل يشكلون المعضلة الاصعب"

 

تقرير: وديع عواودة

 

"المعضلة الحقيقية التي تواجهها اسرائيل ليست المشكلة الفلسطينية فهي تكمن لدى المواطنين العرب فيها وينبغي معالجتها وحلها حلا جذريا وقبل ان يكون متأخرا". هذه واحدة من الافكار الاساسية للحزب اليميني الجديد في اسرائيل والذي سيقوده أفيغدور ليبرمان، النائب المتطرف من اصل روسي وزعيم حزب "الاتحاد القومي- اسرائيل بيتنا"، الممثل اليوم في الكنيست الاسرائيلي بثلاثة نواب.

 

في عددها الصادر امس كانت يومية "معاريف" قد كشفت تفاصيل "خطة التقسيم" الجديدة لفلسطين لدولتين: واحدة للعرب والاخرى لليهود، وفقا لبرنامج حزب ليبرمان الجديد والذي يستعد لخوض الانتخابات العامة المقبلة، ويقضي بتبادل سكان واراضي بين الجانبين من اجل جعل دولتي اسرائيل وفلسطين "متجانستين ديموغرافيا"، واحدة لليهود والثانية للعرب، ما يعني التخلص من اكبر عدد ممكن من فلسطينيي 48 .

 

ويعتبر ليبرمان ان المواطنين العرب الذين باتوا يشكلون 23 بالمئة (بما يشمل سكان القدس وفقا لحساباته) من مجمل سكان اسرائيل بعدما ان كانوا 12 بالمئة عام 1967 سيؤدون الى انهيارها بعد عقد او اثنين. والحل برأي ليبرمان ان تبدي اسرائيل استعدادا لتسديد الثمن المطلوب للتخلص من الخطر بواسطة التخلي عن اراض واسعة من مناطق 48 بما في ذلك اخلاء مجمعات سكانية اسرائيلية يهودية في وادي عارة داخل المثلث تمهيدا لتوفير حل مناسب يقوم على تعديل الحدود على شاكلة قبرص: "نحن هنا وهم هناك".

 

إعادة المثلث ومجمعات سكانية في الجليل للسيادة الفلسطينية

 
كما تقضي خطة الحزب الجديد بنقل المدن والقرى العربية مثل الطيرة والطيبة وكفرقاسم وباقة الغربية وغيرها اضافة الى ام الفحم وقرى وادي عارة ومجمعات سكانية عربية في منطقة الجليل ومعظم الاحياء في القدس الشرقية مثل شعفاط والظاهرية والرام (لا تشمل المدينة القديمة). في المقابل يقترح الحزب الجديد قيام اسرائيل بضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية الى منطقة سيادتها مثل كتل "جوش عتسيون" و"كتلة اريئيل" و"كتلة معاليه ادوميم وجفعات زئيف" ومجمعات استيطانية اخرى في الضفة الغربية. غير ان البرنامج يغفل موضوع قطاع غزة.

ويبرر ليبرمان دعوته بالقول انه من غير المعقول ان تقام دولة للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة فيما تظل اسرائيل دولة ثنائية القومية مشددا على ان تسوية الصراع مع الفلسطينيين تشكل فرصة هامة واخيرة ربما لحل مشكلة العرب في اسرائيل.

 

ويشمل برنامج ليبرمان ايضا مشروع قانون جديد يدعى "قانون المواطنة الجديد" وبموجبه يلزم كل مواطن في اسرائيل بأن يؤدي يمين القسم بالولاء لها ولامنها وقيمها ورموزها ونشيدها القومي، اضافة الى الزامه بالخدمة العسكرية او المدنية في مستشفيات ومؤسسات بلدية وتربوية وصحية في الناصرة والوسط العربي وكل من لا يلتزم بذلك يفقد مواطنته . ويقترح البرنامج بأن تسلب مواطنة كل من يعارض هذا الاجراء ليبقى ساكنا، بدون حق الترشيح او التصويت.

 

طواقم مهنية تجري اتصالات مع الاسرائيليين والفلسطينيين

 

واعلن ليبرمان للاذاعة العسكرية امس ان طواقم مهنية كبيرة تنكب منذ شهور على بلورة برنامج الحزب الجديد بشكل نهائي وعلى وضع خطة لفصل خطوط وشبكات البنى التحتية من ماء وكهرباء ومجار ينبغي فصلها عن بعضها البعض عند اخراج البرنامج الى حيز التنفيذ.

كما تقوم طواقم اخرى باستطلاع اراء شخصيات مركزية في المجتمع الاسرائيلي ولدى فلسطينيي 48 بشكل سري ولدى قيادات فلسطينية في الاراضي المحتلة عام 67 اضافة الى جهات دولية والجاليات اليهودية في اوروبا والولايات المتحدة. وطبقا لمعاريف يتم ايضا فحص نماذج تاريخية من يوغسلافيا والهند والباكستان.

 

وكذلك يطرح الحزب الجديد تبادل الاراضي بين السعودية وبين الاردن كنموذج بعد معاينته من ناحية القانون الدولي والاسرائيلي . وتفيد خطة ليبرمان بضرورة تكريس الميزانيات المناسبة لمعالجة المشاكل المدنية لمن يتبقى من فلسطينيي 48 وتكريس الجهود لاخراج كل من يقيم بشكل غير قانوني من الفلسطينيين في اسرائيل. وينوه معد التقرير في معاريف الى ان ليبرمان يعي حقيقة ان خطته تلزم باعادة تغيير مسار جدار الفصل وهدم بعض الاجزاء التي بنيت حتى الان لهذا الغرض تمهيدا لبنائها مجددا في مسارها الجديد.

 

وبالنسبة للتنازل عن شارع وادي عارة الذي يعتبر وريدا هاما في شبكة الطرقات الهامة داخل اسرائيل يعتبر ليبرمان ان الامر لا يقلقه لان شارع عابر اسرائيل يحل اليوم كافة مشاكل المواصلات في منطقة وادي عارة.

 

يذكر ان ليبرمان هو قادم جديد من روسيا كان قد اسس في العام 1999 حزبا للمهاجرين الروس "اسرائيل بيتنا" اثر خروجه من الليكود وفي العام 2003 خاض الانتخابات للكنيست بالمشاركة مع حزب يميني آخر "الاتحاد القومي" ( ثلاثة اعضاء).

 

التنبؤ بميلاد حزب قوي

وافادت معاريف ان استطلاعات رأي جادة تتوقع فوز الحزب الجديد بعشرة نواب على الاقل ونجاح ليبرمان بالصعود سياسيا والتحول الى قوة رائدة، فيما لفت معد التقرير بن كسبيت إلى ان ليبرمان ليس وحيدا بهذا المضمار، اذ سبقه رئيس الحكومة الاسرائيلي اريئيل شارون الذي فحص فكرة تبادل السكان مع السلطة الفلسطينية في فترة ولايته الاولى. وبعد فحص الفكرة من كل جوانبها كان شارون قد قرر تأجيل التداول بها لثقل وزرها في حينه إلا ان ليبرمان، بحسب بن كسبيت، مستعد لرفع هذا الحمل الثقيل الان وعن ذلك يقول "نشب الصراع العربي الاسرائيلي واستعرت ناره بين الجانبين قبل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 67 وقبل اقامة المستوطنات ولذلك فإن الحل ينبغي ان يتم بالفصل المطلق بين الشعبين".

 

واستنادا الى "معاريف" ينوي ليبرمان في الانتخابات القادمة استغلال الفراغ في اوساط اليمين والزحف نحو المركز بنفس الان وهو لا يخجل اليوم من التحدث عن دولة فلسطينية، فبعد خيبة الامل من الليكود يحاول ان يطرح بديلا آخر. واضاف "انا اتحفظ من الحلول المطروحة اليوم من قبل بيريس وبيلين وشارون. ان مشكلتنا الاصعب تتجسد في انعدام شرعية دولية وغياب الانسجام في الداخل فنحن دولة عجيبة بدون تعريف حدود ثابتة وقد حان الوقت لأن يتم ذلك".

 

يذكر انه في الماضي صدرت اقتراحات ومبادرات سياسية من جهات اسرائيلية مختلفة سيما من اليمين دعت الى التبادل السكاني مع الدولة الفلسطينية العتيدة للتخلص من اكبر عدد ممكن من المواطنين العرب في اسرائيل الذين باتوا هاجسا ديموغرافيا مقلقا لاوساط رسمية وشعبية واسعة خاصة بعد انتفاضة الاقصى التي اعتبرت مشاركتهم بها خطرا داخليا داهما وجزءا من "حصان طروادة". غير ان دعوة ليبرمان هذه تحمل ما هو جديد في السياق العام للصراع من ناحية الاستعداد للتنازل عن اراض واسعة محتلة من العام 48 في المثلث والجليل من اجل الحفاظ على "نقاوة عرقية" في الدولة العبرية.

 

رئيس بلدية ام الفحم: "افكار ليبرمان تعني نكبة ثانية"

 

في حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" اكد رئيس بلدية ام الفحم الشيخ هاشم عبد الرحمن رفضه لافكار ليبرمان واتهمه بالهوس والعنصرية وبالسعي لايقاع نكبة جديدة لافتا الى انها مرفوضة مبدئيا والى كونها غير عملية. واضاف "لا يمكن لفلسطينيي 48 ان يقبلوا بمثل هذا المقترحات المجنونة اذ لهم هنا ارتباطاتهم الاجتماعية والاقتصادية والانسانية من قرابة ونسب وصلاتهم بمقدساتهم في الداخل الفلسطيني ومن غير المعقول التفريط بها حتى بثمن الانضمام للسيادة الفلسطينية". واضاف "اعتقد ان دعوات ليبرمان لا تستحق ان تنال عنوانا في صحيفة فهي خيالية اذ كيف من الممكن ضم حيفا الى سخنين والناصرة ونقلها كقطعة ارض واحدة . من جهتنا نحن باقون هنا في ارضنا ومتشبثين في كل شبر منها. رغم كل شيء نريد البقاء في ارضنا وفي اطار المواطنة الاسرائيلية راجين ان تلتزم اسرائيل بالقوانين المحلية والدولية في تعاملها معنا". وردا على سؤالنا عن الموقف من قبول فلسطينيي 48 او اجزاء منهم الانضمام مع اراضيهم للسيادة الفلسطينية اكتفى هاشم عبد الرحمن بالقول: "لا اتصور ان يتم سلخ اي جزء من الداخل الفلسطيني وضمه للضفة الغربية لما ذكرته من اسباب اهمها اننا نرفض تجزئتنا مجددا والتعرض الى ما يشبه النكبة مرة اخرى".

 

لجنة المتابعة ترفض الفكرة جملة وتفصيلا

 

ولم يختلف موقف رئيس اللجنة العليا لمتابعة شؤون المواطنين العرب في اسرائيل المهندس شوقي خطيب، الذي نعت افيغدور ليبرمان في حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" بـ"المهووس" لافتا الى انه غير معني بملاحقة المهووسين. واضاف "نحن نريد ان نستمع ونتحدث الى من يريد العيش في هذه المنطقة باحترام وكرامة مبنية على الانسانية واحترام الاخر اما ليبرمان فهو يخلو من الانسانية ومجرد من القوانين الاساسية للحياة" . واكد خطيب ان فلسطينيي 48 هم ابناء هذا الوطن مشددا على رفضهم لرهن مواطنتهم بشروط واهواء و"جنونيات" امثال ليبرمان.

وردا على سؤالنا حول الموقف المبدئي من ضم مناطق من اراضي 48 مع سكانها العرب الى السيادة الفلسطينية ضمن الحل الشامل قال خطيب "نحن نرفض الدخول بهذه التفاصيل . لقد حسمنا وجودنا ورؤيتنا منذ العام 48 باننا اصحاب هذه الارض والمواطنة في هذه الدولة. منذ ذاك التاريخ حسم الامر ورسمت الحدود وبعد ان احتلت الاراضي الفلسطينية الباقية عام 67 نادينا باقامة دولة فلسطينية فيها".

 

وجدير بالذكر ان فلسطينيي 48 واجهوا في السنوات الاخيرة مخططات ودعوات رسمية واكاديمية وسياسية على حد سواء تحدثت عن نقلهم الى الدولة الفلسطينية العتيدة كان اخرها نقل سكان مدينة ام الفحم ومحيطها قبل عامين فكانوا يسارعون الى رفضها لاعتبارها ضربا من الترحيل وممارسة للفكرة الصهيونية الطامعة بالارض الخالية من العرب علاوة على انها كانت تمس بمكانتهم وشرعية مواطنتهم. وعلى هذه الخلفية طور المواطنون العرب حساسية بالغة تجاه السياسيين والاكاديميين الاسرائيليين امثال ليبرمان وبيني ايلون ورحبعام زئيفي ومن قبلهم الدكتور ارنون سوفير، الذين يعرفون بتوجهاتهم هذه التي تقع في خانة الافكار العنصرية بالنسبة لهم.

يشار الى ان مساحة منطقة المثلث تبلغ 350 الف دونم فيما يبلغ عدد سكانه اليوم 195 الف نسمة يعيشون في 21 مدينة وقرية. وكان قد ضم الى اسرائيل عام 49 بعد توقيع اتفاقيات وقف اطلاق النار مع الأردن في رودوس.