شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

على هامش المشهد

*جمهور المحتجين يقول إن ما يهمه عمليًا هو واقع حياته وليس الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ولذا فإن احتجاجاته تحمل طابعًا سياسيًا*

 

كتب بلال ضـاهـر:

 

فاجأت المظاهرات التي جرت في إسرائيل، مساء السبت الماضي، وخصوصا مظاهرة تل أبيب التي شارك فيها قرابة 280 ألف شخص، الكثيرين من السياسيين في إسرائيل، وخصوصا أولئك الذين راهنوا على تراجع الاحتجاجات على أزمة السكن وأزمة جهاز الصحة وغلاء المعيشة. وقد اضطر رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عقب ذلك، إلى التصريح لدى افتتاحه اجتماع حكومته الأسبوعي، أول من أمس الأحد، بأنه لا يمكن تجاهل هذه الاحتجاجات، بعد أن كان قد رفض، الأسبوع الماضي، إجراء حوار مع المحتجين واعتبر أن هدفهم هو إسقاطه عن الحكم.

 

وفي موازاة ذلك تتخوف الحكومة الإسرائيلية من أن قرار شركة تدريج اعتماد الدول "ستاندرد أند بورس" بخفض تدريج اعتماد الولايات المتحدة سيؤدي إلى خفض تدريج اعتماد إسرائيل. فيما ردت بورصة تل أبيب، مطلع الأسبوع الحالي، بانخفاض حاد في مؤشراتها بأكثر من 7%. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير المالية، يوفال شتاينيتس، وموظفين كبارا في البنك المركزي الإسرائيلي عقدوا ليلة السبت - الأحد الماضية مداولات في أعقاب خفض تدريج اعتماد الولايات المتحدة من التدريج الأمثل AAA بدرجة واحدة إلى AA+.

وعقب شتاينيتس على خفض تدريج اعتماد الولايات المتحدة والتخوف من خطوة مشابهة ستلحق بإسرائيل بالقول إنه "جرت في وزارة المالية خلال الشهور الأخيرة سلسلة مداولات بشأن أزمة الديون في الولايات المتحدة وأوروبا، وتم أخذ سيناريو خفض تدريج اعتماد الولايات المتحدة بالحسبان". وأضاف شتاينيتس أنه "رغم ثقتنا بقوة الاقتصاد الأميركي وأنه سينتعش من الأزمة إلا أن خفض تدريج الاعتماد يشكل تحذيرا لتذكيرنا جميعا بأننا ما زلنا نقود سفينة الاقتصاد الإسرائيلية في بحر عاصف".

وقالت تقارير إسرائيلية إن المداولات التي أجراها قادة المؤسسة الاقتصادية الإسرائيلية توقعت رد فعل سلبيا كبيرا لبورصة تل أبيب، وهو ما تحقق مع افتتاحها صباح الأحد. ويتركز التخوف الإسرائيلي في أن يمس خفض تدريج اعتماد الولايات المتحدة تدريج اعتماد إسرائيل والمس بصادراتها وبارتفاع سعر الشيكل مقابل الدولار. كذلك تشير التقارير الإسرائيلية إلى تخوف من حدوث تباطؤ اقتصادي قد يصل إلى حد الركود في الاقتصاد الأميركي، ما سيؤدي في كلتا الحالتين إلى إلحاق أضرار بالصادرات الإسرائيلية التي تعتبر "أوكسجين الاقتصاد الإسرائيلي".

وتصدر إسرائيل 40% من إنتاجها إلى الخارج، وأي تراجع في الصادرات سيلحق ضررا بالاقتصاد الإسرائيلي خصوصا وأن الولايات المتحدة هي أكبر مستورد للمنتجات الإسرائيلية حيث تستورد 28% من هذه المنتجات. كذلك فإن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل وأي ضرر يلحق بالاقتصاد الأميركي سيؤثر مباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي كما أن تراجع الاستيراد الأميركي من إسرائيل سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي الإسرائيلي.

ويبقى التخوف الأكبر في إسرائيل من احتمال خفض تدريج اعتمادها خصوصا في أعقاب إعلان شركات تدريج الاعتماد العالمية الثلاث، "ستاندرد أند بورس" و"موديس" و"بيتس"، أن تدريج اعتماد إسرائيل المرتفع نسبيا (الدرجة A مستقر) نابع من المظلة الاقتصادية التي تمنحها الولايات المتحدة لإسرائيل. كذلك يسود تخوف في إسرائيل من خفض تدريج اعتمادها في أعقاب خفض تدريج اعتماد الولايات المتحدة على خلفية تراجع الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط.

حول هذه القضايا أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة العبرية في القدس، البروفسور يوسف زِعيرا.

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما الذي أدى إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة في إسرائيل؟

زعيرا: "منذ قرابة عشرين عاما يتم في إسرائيل انتهاج سياسة اقتصادية تدعو إلى تقليص دور الحكومة في الحياة الاقتصادية وزيادة حجم السوق [أي زيادة دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية]. وهذه السياسة، التي تسمى نيو - ليبرالية، تنعكس من خلال تقليص تزويد الخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة والرفاه والسكن، وتقليص أعباء الضرائب، وخصوصا عن الأغنياء، وإضعاف التنظيمات العمالية. وقد تم دائما طرح هذه السياسة على أنها حاجة أو ضرورة اقتصادية مهنية وليس كخيار أيديولوجي، ولذلك تم تطبيقها من دون إجراء أي نقاش عام بشأنها. وعمليا، فإن جميع الأحزاب الكبرى أيدتها. وأحد الأمور الذي ساعد في تمرير هذه السياسة هو الصراع الإسرائيلي - العربي الذي ركز عليه السياسيون ومن خلاله مرروا التغيرات الاجتماعية - الاقتصادية من دون إجراء أي نقاش حقيقي. وقد أدت هذه السياسة إلى اتساع الفجوات داخل المجتمع وتراجع جودة الحياة لدى غالبية الجمهور العامل. وعندما وصل السيل الزبى نهض هذا الجمهور، وهو يقول اليوم إن ’هذه السياسة لم يتم تطبيقها باسمي. وليس من أجل انتهاج هذه السياسة انتخبنا قيادتنا. إننا نريد تغيير الطريق’".

(*) هل الاحتجاجات في إسرائيل هي احتجاجات اجتماعية فقط أم أن ثمة جانبا سياسيا لها؟

زعيرا: "إنها احتجاجات سياسية بالمفهوم التالي: الجمهور يقول إن ما يهمه هو واقع حياته وليس الصراع [الإسرائيلي - الفلسطيني]. وعندما يقول متظاهرون في عسقلان إن الاحتجاجات مهمة بالنسبة لهم أكثر من صواريخ الغراد، فإن هذه مقولة سياسية من الدرجة الأولى. والصراع كان حتى اليوم العامل الأساس الذي يحدد الأجندة العامة في إسرائيل. وهو لم يعد كذلك الآن".

(*) هل يتوقع أن يستجيب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مع الأخذ بالحسبان أفكاره الاقتصادية، لمطالب المحتجين، بعد أن شكّل طاقما كبيرا لمعالجة هذه المطالب؟

زعيرا: "بالطبع لا، لن يستجيب. وطاقم الخبراء الذي شكله هو مناورة إعلامية تدل على أنه ما زال يحاول بيع الجمهور أوهاما بأن مشاكله مهنية وليست سياسية. الجمهور يطالب بتغيير السياسة، بينما الخبراء بإمكانهم إجراء تعديلات تجميلية وحسب".

(*) نشر "مركز طاوب للدراسات الاجتماعية" تقريره السنوي، الأسبوع الماضي، وكان الموضوع المركزي فيه هو انعدام المساواة في توزيع الميزانيات بين وسط البلاد وأطرافها وعدم توزيع عادل لموارد الدولة. ما الذي أدى إلى هذا الوضع؟

زعيرا: "السياسة عينها التي وصفتها أعلاه".

(*) هل يوجد استعداد من جانب المؤسسة الحاكمة في إسرائيل لتصحيح هذا الوضع؟ هل ترى أن ثمة إمكانية لتقليص نفقات الأمن أو النفقات في المستوطنات؟ وهل ترى فرقا في هذه الناحية بين حزب الليكود وحزب كاديما؟

زعيرا: "جميع النخب السياسية والاقتصادية الحالية في إسرائيل تؤيد السياسة الاقتصادية القائمة. جميعها تؤيد تخفيف أعباء الضرائب عن الأغنياء وتقليص نفقات الحكومة. ومن هذه الناحية لا يوجد فرق بين الليكود وكاديما وحزب العمل. لكن من الواضح أنه عندما تكون هناك احتجاجات كبيرة إلى هذه الدرجة فإنه سيكون هناك سياسيون سيغيرون جلدهم، ليركبوا على الموجة الجديدة. إن هذه الاحتجاجات على وشك أن تغير أمورا كثيرة في إسرائيل، لكن ذلك لن يكون فوريا".

(*) ما رأيك في التقديرات القائلة إن الاحتجاجات الحالية في إسرائيل سوف تؤثر على الانتخابات العامة المقبلة؟

زعيرا: "نعم. هذا مطلب سياسي واضح لإجراء تغيير في تقاسم الدخل في البلاد، وسوف يؤثر على الانتخابات، وربما يؤدي أيضًا إلى تقديمها، وإلى تشكيل أحزاب جديدة".

(*) يجري الحديث في الأيام الأخيرة عن تخوف من أزمة اقتصادية قد تصل إلى إسرائيل في أعقاب الأزمة في الولايات المتحدة وخفض تدريج اعتمادها. هل تقف إسرائيل الآن أمام أزمة اقتصادية؟

زعيرا: "الأزمة العالمية مرتبطة بالسياسة النيو - ليبرالية التي تحدثت عنها سابقا. إنها سياسة تقليص التنظيم، التي أدت إلى أزمة مالية، وسياسة خفض ضرائب بصورة شديدة، مثلما حدث في الولايات المتحدة في سنوات الألفين، لممارسة ضغط من أجل تقليص النفقات الحكومية بشكل أكبر. ولذلك فإن السياسة النيو - ليبرالية ليست هي الحل للأزمة وإنما هي مصدر الأزمة. وإسرائيل بعيدة عن الأزمة اليوم بسبب الحذر من عدم خلق عجز. وإذا استمر هذا الحذر، وبالإمكان أيضا زيادة الصرف الحكومي من دون الوصول إلى عجز، إذا تم رفع الضرائب، فإنه لا خوف من حدوث أزمة اقتصادية كبيرة في إسرائيل. والأزمات الاقتصادية العالمية تؤثر علينا دائما لكن هذا التأثير لم يكن كبيرا جدا هذه المرة".

(*) كيف ستؤثر أزمة كهذه على حركة الاحتجاج في إسرائيل؟

زعيرا: "تخضع الاحتجاجات لضغوط كثيرة من جانب المؤسسة الحاكمة، وأزمة كهذه ستصعد الضغوط، مثلما رأينا من تصريحات السياسيين اليوم. لكني آمل أن تصمد قيادة حركة الاحتجاج أمام هذه الضغوط".

(*) إلى أي حد ستؤثر أزمة اقتصادية في إسرائيل على السلطة الفلسطينية؟

زعيرا: "الاقتصاد الفلسطيني صغير ومرتبط جدا بالاقتصاد الإسرائيلي. وأية أزمة من شأنها أن تؤثر عليه سلبا. رغم ذلك فإني لا أعرف حتى الآن كيف ستتطور الأمور في المستقبل؟. كيف ستتطور الاحتجاجات؟ كيف ستتطور الأزمة العالمية؟ ماذا سيحدث في أيلول؟. إن المستقبل غير واضح، وكل ما تبقى لنا لنفعله هو دفع الأمور نحو الاتجاه الأفضل الممكن".