سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

على هامش المشهد

*مع ذلك يمكن القول إن نتنياهو يفضل الذهاب إلى انتخابات مبكرة وفق أجندته التي طرحها في خطاب بار إيلان على أن يكون تحالفه يمينيا ويحوله إلى شخص منبوذ في العالم وفي الدولة*

 

كتب ب. ضـاهـر:

 

صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أول من أمس الأحد (19/9/2010)، أنه لم يغير موقفه من تجميد الاستيطان، في إشارة إلى أنه عازم على استئناف البناء في المستوطنات بحلول نهاية فترة العشرة شهور، في 26 من شهر أيلول الجاري.

 

ومنذ بداية المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، تعمد نتنياهو الامتناع عن إطلاق تصريحات واضحة بشأن المفاوضات واحتمالات التوصل إلى اتفاق بصورة عامة، وإلى مسألة استمرار تجميد البناء الاستيطاني بصورة خاصة.

ويتهم معارضو نتنياهو من داخل التحالف الحكومي، مثل الوزير سيلفان شالوم، رئيس الحكومة بأنه يمتنع عن قصد من إجراء مداولات يوضح فيها مواقفه من القضايا المطروحة. ورد نتنياهو على ذلك بالقول إنه يريد الحفاظ على سرية المفاوضات من أجل عدم المس بها.

ومن الجهة الأخرى فإن نتنياهو يرأس حكومة يمينية تشارك فيها أحزاب يمينية متطرفة، ترفض الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين. وهناك جهات في هذه الأحزاب، وحتى داخل حزب الليكود نفسه الذي يتزعمه نتنياهو، تعارض بشكل مطلق قيام دولة فلسطينية، بل راحت في الفترة الأخيرة تدعو إلى ضم الضفة إلى إسرائيل والتفكير في منح الفلسطينيين المواطنة الإسرائيلية. لكن موقف نتنياهو ليس واضحا من هذه الأمور. ويرى الكثير من المحللين أن نتنياهو اضطر إلى إلقاء خطاب بار إيلان، في حزيران العام الماضي، الذي تحدث فيه عن موافقته على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح. واشترط في هذا الخطاب أيضا أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يكون منتشرا في منطقة غور الأردن حتى بعد قيام هذه الدولة.

من جهة أخرى برزت في الأيام الأخيرة تهجمات رئيس الحكومة السابقة، ايهود أولمرت، ضد وزير الدفاع، ايهود باراك، من خلال نشر مقطع من سيرة ذاتية لأولمرت ستصدر قريبا. وكتب أولمرت في سيرته الذاتية إن باراك كان رئيس حكومة سيء وهو وزير دفاع سيء. وكشف أن باراك طلب منه الانضمام إلى حزب كاديما في مطلع العام 2006، علما أنه بعد ذلك بفترة قصيرة لا تتعدى الشهور نافس على رئاسة حزب العمل وفاز بها.

وفيما يتعلق باحتمالات تفجر المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين حول مسألة استئناف البناء الاستيطاني، قال المحلل السياسي في صحيفة معاريف، بن كسبيت، لـ "المشهد الإسرائيلي" إنه يأمل كثيرا بألا تفشل المفاوضات. وأضاف: "أعتقد أن هذه المفاوضات محكومة بالفشل لكن ليس الآن، إذ توجد الآن مصلحة أميركية عليا بأن يبقى الجانبان في المفاوضات على الأقل حتى ما بعد شهر تشرين الثاني المقبل. وأعتقد أنه في نهاية المطاف سيتم التوصل إلى معادلة لمواصلة المفاوضات".

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل تعتقد أن الجانبين سيتخطيان عقبة تجميد الاستيطان؟

كسبيت: "برأيي أنهم سيتخطيان هذه العقبة. أنا بالطبع لا أعرف ذلك على وجه التأكيد، لكني أربط بين المنطق والمصالح. فالأميركيون لا يمكنهم أن يسمحوا بتفجير المفاوضات الآن، وهذا آخر ما يريدونه. ووزير الدفاع ايهود باراك موجود اليوم في واشنطن وأعتقد أنه سيتحدث عن هذا الموضوع، وخصوصا عندما سيلتقي مع وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون. إنهما يبحثان عن معادلة ما تمكن الجميع من مواصلة المفاوضات".

(*) درجوا في إسرائيل على القول إن نتنياهو لن يليّن موقفه بشأن تجميد الاستيطان لأنه إذا فعل ذلك فإن حكومته ستسقط. لكن هل تعمد نتنياهو تشكيل تحالف يميني يعارض التوصل إلى اتفاق سلام، ويعارض حتى إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين، لأنه هو نفسه يعارض التوصل إلى اتفاق ولأنه يعارض إقامة دولة فلسطينية؟

كسبيت: "إن السؤال الأساس يظل من هو بيبي (أي نتنياهو) الحقيقي. لا أحد بإمكانه الإجابة عن هذا السؤال بصورة أكيدة. هناك من يؤمنون، مثل الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، بأن نتنياهو فهم وذوّت وأصبح ناضجا للقيام بخطوة تقود إلى وجود دولتين. وهناك الغالبية التي تعتقد أن كل ما يجري الآن هو مسرحية وحسب وأن كل ما يريده نتنياهو هو تمرير الوقت وإنهاك الإدارة الأميركية وتجاوز خط تشرين الثاني حتى كانون الثاني فيما يكون الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ضعيفا [في حال خسارة حزبه في الانتخابات النصفية للكونغرس] ولن يتمكن من ممارسة ضغوط على نتنياهو. لكني أنا شخصيا، ورغم خبرتي في الحلبة السياسية في إسرائيل، لا أعرف ما الذي يريده نتنياهو. لكن الأمر الواضح الذي بإمكاني قوله هو أن الأمر الأخير الذي يريده نتنياهو هو تحالف يميني. وهو يفضل الذهاب إلى انتخابات مبكرة وفق أجندته التي طرحها في خطاب بار إيلان، على أن يكون تحالفه يمينيا ويحوله إلى شخص منبوذ في العالم وفي الدولة. وباراك أيضا يريد عبور موضوع التجميد بسلام، وبالطبع الأميركيون أيضا. ولذلك فإن هناك تقاطع مصالح. لذا بحسب تقديري فإن المفاوضات لن تتفجر الآن".

(*) إلى أي حد يعتبر نتنياهو قريبا أو بعيدا من أوساط اليمين العقائدي، مثل رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين، الذي يرفض إقامة دولة فلسطينية؟

كسبيت: "نتنياهو ترعرع على أيديولوجيا يمينية. هذا ما رضعه من والدته ووالده. من جهة ثانية، وخلافا لريفلين وبيني بيغن أو عوزي لانداو، فإن نتنياهو أضعف منهم بكثير. هو ضعيف جدا وبراغماتي جدا وبإمكان أية رياح تهب أن تلويه. لذلك فإنه يدرك أنه إذا كان متطرفا فإنه لن يكون رئيس حكومة ولن يكون مقبولا في العالم ولن يكون زعيما ولن يفوز بجائزة نوبل. وهو يريد في نهاية المطاف أن يرضي الجميع. لذلك فإني أعتقد أنه يواجه صراعا بداخله بين غريزته العفوية واحتياجات من يريد أن يكون زعيما. وحقيقة هي أنه وقع على اتفاق واي [خلال ولايته الأولى] وانسحب من الخليل وألقى خطاب بار إيلان وقال عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه وجد صديقا جيدا في البيت الأبيض. ريفلين ما كان سينفذ كل هذه الأمور".

(*) هناك حديث في إسرائيل بدأ يظهر مؤخرا حول خطة انطواء معدلة في الضفة الغربية، ستنفذها إسرائيل في السنوات المقبلة. وقد كتبت عنها أنت في مقال نشرته الأسبوع الماضي، وقلت إنها تقضي بإخلاء المستوطنات الواقعة شرقي الجدار العازل ولكن الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية ستبقى تسيطر على الضفة لسنوات عديدة. هل هذه خطة جدية؟

كسبيت: "نحن موجودون في مرحلة أولية جدا. وهذا وضع مشابه لما كتبناه حول خطة فك الارتباط مع قطاع غزة قبل وقت طويل من إعلان أريئيل شارون عنها في خطاب هرتسليا. لكني أقول بكامل المسؤولية إني سمعت عن خطة الانطواء المعدلة من جهات بالغة الأهمية في حزب الليكود. وبإمكان هذه الخطة أن تكون ملائمة جدا لحزب العمل، ولجهات كثيرة وهامة في الليكود. كما أنه بالإمكان أن تلائم جهات كثيرة في حزب كاديما، مثل شاؤول موفاز وغيره. والحديث يدور على أنه بعد فشل المفاوضات، حيث أنها يجب أن تفشل في بداية العام المقبل، ستظهر خطة انطواء معدلة وستصدر من داخل الليكود وربما ستكون أجندة الحزب في الانتخابات المقبلة".

(*) وهل سيوافق حزب كاديما على خطة الانطواء هذه؟

كسبيت: "رئيسة كاديما تسيبي ليفني تؤمن بالمفاوضات، لكني لا أعرف كيف سيكون الحراك السياسي عندما يتم طرح هذه الخطة. ومن الجائز أن تؤدي إلى انفجار سياسي كبير في إسرائيل، ويتم من خلاله تشكيل حزب وسط جديد يضم قسما كبيرا من أعضاء الليكود ومعظم حزب العمل وربما أجزاء من كاديما مثل موفاز وداليا ايتسيك وتساحي هنغبي وأمثالهم، الذين لم يكونوا في حينه مقتنعين بالمفاوضات التي أجرتها تسيبي ليفني مع الفلسطينيين. وسيرون بذلك فرصة لتأسيس حزب وسط كبير يحاول أن يقوم بما قام به كاديما لدى شارون. لكن هذه مجرد تكهنات سياسية حتى الآن".

(*) فيما يتعلق بمهاجمة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، ايهود أولمرت، لباراك. أنت كتبت أمس إن باراك طلب فعلا الانضمام لكاديما. هو كان يريد ذلك من أجل ضمان كرسي له قرب طاولة الحكومة وقتئذ. هل هذا صحيح؟

كسبيت: "نعم. لكني أعرف من مصدر أولي أيضا أن باراك حاول بطرق شتى الانضمام إلى كاديما وطلب ذلك من شارون ومن أعضاء ’طاقم المزرعة’ الذين كانوا أكثر المقربين من شارون لكنهم رفضوا حتى أن يسمعوه. وعندما انهار شارون لاحظ باراك وجود فرصة جديدة وتوجه إلى أولمرت، بعد أن ضعف كاديما وفقد الزعيم المؤسس. وقد تحدثت بالأمس مع المحامي ايلي زوهار [المقرب جدا من أولمرت] وقد أكد لي صحة كافة التفاصيل التي ذكرها أولمرت".

(*) هل تعتقد أن شخصا مثل باراك هو شخص يتمتع بمصداقية عندما يتحدث عن السلام وعن أنه الجهة التي تؤدي إلى توازن حكومة اليمين؟

كسبيت: "من جهة، ايهود باراك دفع باتجاه إقرار حكومة نتنياهو تعليق أعمال البناء في المستوطنات لمدة عشرة شهور. كذلك فإن باراك هو الذي لا يوقع الآن على تصاريح بناء في المستوطنات. ولذلك فإنه في الواقع الجهة التي تؤدي إلى التوازن في حكومة يوجد فيها أشخاص مثل افيغدور ليبرمان وحزب ’البيت اليهودي’ وبيني بيغن. من الجهة الأخرى، فإن المحرك المركزي لباراك، وأنا أكتب هذا الأمر منذ سنين، ولمستقبله السياسي هو شخصه نفسه، وهو يريد أن يبقى وزير دفاع، لأسباب عديدة، لا مجال هنا للخوض في تفاصيلها".