شوقي خطيب "يُذكّر" شارون "بخطة تطوير الوسط العربي"

على هامش المشهد

أريئيل شارون ارتكب خطأ عندما انسحب من قطاع غزة بصورة أحادية الجانب من دون اتفاق مع الفلسطينيين * قوة الردع الإسرائيلية لا تعتمد فقط على القدرة النووية

 كتب بلال ضاهر:

 أثارت الأحداث الأخيرة التي وقعت في لبنان قلقا في إسرائيل من احتمال سيطرة حزب الله على لبنان. وتعتبر إسرائيل أن استسلام حكومة لبنان لحزب الله من شأنه أن يقرّب إيران من حدودها الشمالية. وقال المؤرخ العسكري الإسرائيلي والجنرال المتقاعد الدكتور مائير بَعيل لـ"المشهد الإسرائيلي" إن "إسرائيل باتت على ما يبدو محاطة الآن بإقليمين، في الشمال والجنوب (لبنان وقطاع غزة)، تسيطر عليهما حركتان إسلاميتان، حزب الله وحماس، وهما أيضا ذراعان لإيران في المنطقة".

 

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": وهل هذا الوضع يهدد إسرائيل؟

 

- بعيل: "برأيي لا. فلدينا اتفاق سلام مع مصر ولا يوجد أي خطر يهددنا من جانبها. ولدينا اتفاق سلام مع الأردن ولا يبدو أن ثمة خطرا من جانبه، فهم في الأردن يعترفون بنا ونحن نعترف بهم، وأنا أعرف أيضا أنهم لا يريدون الحكم في الضفة الغربية. وما تبقى من دول الجوار هما سورية ولبنان. وأعتقد أنه من الناحية المبدئية بالإمكان التوصل إلى سلام مع سورية، شرط أن نوافق على إعادة هضبة الجولان التي احتللناها. وهناك نقاش دائر حول ذلك لدى الجمهور اليهودي. أنا أؤيد دخول إسرائيل في مفاوضات مع سورية تقود إلى انسحاب من هضبة الجولان مقابل سلام. وفي حال تم التوصل إلى سلام بين إسرائيل وسورية فإنه سيعقب ذلك اتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان. من جهة ثانية، أعتقد أن على إسرائيل الانتباه إلى أوضاع داخلية في كل من مصر والأردن، لأن الحركات الإسلامية هناك، أقصد الاخوان المسلمين، تزداد قوة وأخذت ترفع رأسها. لذلك أرى أن على إسرائيل الانتباه لهذا الوضع كي لا ينفجر. وعلى إسرائيل القيام بذلك من دون أن تهدد أحدا. وعلى كل حال، بالنسبة لقطاع غزة، فإني أعتقد أن (رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق) أريئيل شارون ارتكب خطأ عندما انسحب من قطاع غزة من دون اتفاق مع الفلسطينيين، وإنما فعل ذلك بصورة أحادية الجانب. وأعتقد أن العرب اعتبروا أن إسرائيل انسحبت من القطاع بدافع الخوف وهربت من هناك فيما ذيلها بين رجليها".

 

(*) الملاحظ هنا أنه يوجد تغيير في التوجهات الإسرائيلية. في الماضي كانت إسرائيل تهاجم القوى التي تتسلح وتضاعف قوتها، ومثال على ذلك شن حرب لبنان الأولى، في العام 1982، عندما غزت لبنان من أجل توجيه ضربة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

 

- بعيل: "أنا أوافق على هذا الكلام. لكن إذا استمر إطلاق صواريخ القسام من القطاع في اتجاه جنوب إسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلي سيدخل إلى القطاع عاجلا أو آجلا. وسيفعل الجيش ذلك بالدم والنار وسحب الدخان. لأن الرد بقصف مواقع في القطاع، مثلما يحدث الآن، هو عمل ليس حكيما. والوضع الحاصل الآن يؤكد أننا ندفع ثمن الانسحاب الأحادي الجانب من القطاع ومن دون اتفاق مع الفلسطينيين. والانطباع لدى العرب الآن هو أن الإسرائيليين جبناء. وإسرائيل لا تخشى من القيام بعملية عسكرية واسعة في القطاع. بل بإمكانها القيام بذلك، لكن هذا يعني أننا سنعيد احتلال غزة. الاحتلال يعني إنشاء حكم عسكري، وهذا أمر خطير، إضافة إلى مشاكل عسكرية، مثل هجمات إرهابية، وهذا الأمر تفهمه قيادتنا".

 

(*) كيف ترى أقوال وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، في مقابلة أجرتها معه صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أسبوعين، بأن على إسرائيل منع نشوب حروب وإذا لم ينجح ذلك يتوجب إرجاؤها لأن "العدو" اكتشف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أي أنه يطلق الصواريخ في اتجاهها؟

 

- بعيل: "هذا كلام صائب. وجيد أنه لم يقل إنه يتوجب احتلال القطاع من جديد فورا. وأنا أخاف من أنه إذا استمر الوضع كما هو الآن سنة أخرى، فسوف تفعل إسرائيل ذلك، أي أن تعيد احتلال القطاع".

 

(*) هل أصبحت إسرائيل ترتدع من الحروب؟

 

- بعيل: "الحقيقة هي أن إسرائيل لا تبادر لشن حرب على القطاع... حتى الآن. الذريعة لشن حرب ضد القطاع متوفرة. وأنا سعيد أن إسرائيل لا تفعل ذلك، وليست متسرعة، وإنما تحاول أن توقف إطلاق صواريخ القسام".

 

(*) هل هذا يدل على تغيير فكري إستراتيجي يحدث في إسرائيل؟

 

- بعيل: "أعتقد أن هذا صحيح. يوجد تغيير في التفكير في إسرائيل وهو تغيير إستراتيجي. أعتقد أن على إسرائيل أن تدعو الفلسطينيين إلى مفاوضات سلام بصورة جدية، على الأقل كي لا نضطر لأن نحتل مرة أخرى. وربما يتوجب إشراك مصر في هذا الأمر لأن لديها حدودا مشتركة مع القطاع. لكن ما يحدث الآن هو نتيجة مباشرة لغباء شارون واتخاذه قرارا بانسحاب أحادي الجانب من القطاع. وإنّ عدم شن إسرائيل حربا ضد القطاع يدل على أنه ما زال لدى قيادتنا عقل يُمكنها من التفكير بشكل صحيح، وعلى الرغم من أن التنظيمات في القطاع تواصل تهريب الأسلحة والمواد الناسفة. لكن إذا استمر هذا الوضع فإن إسرائيل ستحتل قطاع غزة عاجلا أو آجلا. ستنتظر الحكومة الإسرائيلية توقيتا سياسيا مريحا. وربما سيكون هناك دعم دولي. إذا استمر الوضع الحالي سيتزايد دعم العالم لنا عندما نهاجم القطاع. ومن حسن حظنا أن المنظمات في القطاع التي تطلق صواريخ القسام ليست مهنية وصواريخها لا تحقق إصابات مباشرة ولا تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح".

 

(*) ما هي توقعاتك بشأن الرد الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني؟

 

- بعيل: "أولا، مسموح لإسرائيل أن تخشى حيازة إيران لسلاح نووي. وإذا امتلكت إيران سلاحا نوويا فإنها ستكون قادرة على تهديدنا وتشكيل خطر علينا".

 

(*) هل تعتقد أن إسرائيل ستحاول منع إيران بالقوة، أي بهجوم عسكري، من حيازة سلاح نووي؟

 

- بعيل: "على إسرائيل أن تقول مرة ومرتين إننا نحذر إيران. وبرأيي أن إسرائيل ستفعل كل ما في وسعها في الجانب الدبلوماسي لمنع إيران من حيازة سلاح نووي".

 

(*) إسرائيل لن تهاجم إيران؟

 

- بعيل: "آمل ألا تفعل ذلك. إذا تمكنت إسرائيل من إقناع الأميركيين والروس بأن يهاجموا فسيكون الوضع جيدا جدا. لكن إذا تمكنت إيران من الحصول على سلاح نووي فهذا سيكون وضعا صعبا للغاية بالنسبة لإسرائيل. وأنا سأكون آسف جدا إذا أصبح بحوزة إيران سلاح نووي. وأعتقد أن الإيرانيين ليسوا بحاجة لسلاح نووي، إذ ليس لديهم أعداء يهددون بإبادتهم. وإذا لم يتحقق السلام في المنطقة ستنشب حرب قاسية جدا. وفي هذه الحالة امتلاك إيران لسلاح نووي هو أمر كارثي. وبالنسبة لإسرائيل، وهي دولة صغيرة، سيكون الوضع خطيرا جدا. وإذا قرر العالم نزع السلاح النووي في الشرق الأوسط وأن لا يكون لأي دولة في الشرق الأوسط سلاح نووي فإني أؤيد ذلك".

 

(*) هل يمكن القول اليوم إن قوة الردع الإسرائيلية تعتمد فقط على قدرتها النووية؟

 

- بعيل: "لا. لدى إسرائيل قدرات عسكرية أخرى".

 

(*) حتى بعد حرب لبنان الثانية؟

 

- بعيل: "بكل تأكيد".

 

(*) إسرائيل لم تثبت ذلك؟

 

- بعيل: "بل أثبتت ذلك. في إمكان إسرائيل احتلال كل لبنان خلال يومين إذا أرادت ذلك. ولم تفعل ذلك لأنها لم تُرد ذلك منذ البداية. وقد حققت إسرائيل نجاحا عسكريا جيدا خلال الحرب. لكن النجاح الأكبر كان على الصعيد السياسي. فمنذ انتهاء الحرب تُرسل دول أوروبا وحدات عسكرية للحفاظ على الحدود بين إسرائيل ولبنان. والحدود هادئة حتى الآن. وهذا ما يهم إسرائيل. وهي تنظر بقلق إلى ما يحدث في لبنان وسيطرة حزب الله فيه. والخطر هو أن ثمة احتمالا لأن تترجم إسرائيل هذا القلق إلى عمل عسكري".

 

(*) وما هو الحل؟

 

- بعيل: "الحل هو بالتوصل إلى سلام مع سورية. وكما قلت فإن سلاما مع سورية سيتبعه سلام مع لبنان. وسلام مع لبنان سيجعل هذه الدولة هادئة وعندها ستزول، ربما، احتمالات نشوب حرب. لذلك الحل هو الانسحاب من هضبة الجولان. وأنا أقول هذا الكلام كضابط إسرائيلي شارك في احتلال الهضبة".