أولمرت مصاب بسرطان البروستاتا

وثائق وتقارير

 في صيف العام 1986 جلس ثلاثة ضباط كبار في قيادة المنطقة الشمالية وصاغوا احد اكثر الاوامر التنفيذية اثارة للجدل في تاريخ الجيش الاسرائيلي. جاء في نص الامر "اذا وقعت عملية اختطاف تصبح المهمة الرئيسية انقاذ جنودنا من قبضة المختطفين بأي ثمن حتى اذا اقتضى الامر قتل او جرح جنودنا. يجب القيام باطلاق النار من سلاح خفيف من اجل قتل المختطفين او اعتقالهم. اذا لم تتوقف المركبة او المختطفين يجب اطلاق النار عليهم من اسلحة خفيفة (رماية قناصين) بشكل متقطع ومصوب، وذلك بهدف اصابة المختطفين حتى ولو ترتب على هذا الامر اصابة جنودنا. ينبغي في كل الاحوال القيام بكل ما يلزم في سبيل ارغام المركبة (اي السيارة التي يستقلها الخاطفون ومختطفوهم..) على التوقف وعدم تمكينها من الفرار".

 

بقلم: سارة ليبوبيتش - دار

 في صيف العام 1986 جلس ثلاثة ضباط كبار في قيادة المنطقة الشمالية وصاغوا احد اكثر الاوامر التنفيذية اثارة للجدل في تاريخ الجيش الاسرائيلي. الضباط الثلاثة هم قائد المنطقة يوسي بيلد وضابط قسم العمليات الكولونيل غابي اشكنازي وضابط الاستخبارات في قيادة المنطقة، الكولونيل يعقوب عاميدرور.

وقد تناول الامر العسكري الذي قاموا بصياغته تعليمات اطلاق النار في حالة اختطاف احد الجنود، حيث جاء في نص الامر "اذا وقعت عملية اختطاف تصبح المهمة الرئيسية انقاذ جنودنا من قبضة المختطفين بأي ثمن حتى اذا اقتضى الامر قتل او جرح جنودنا. يجب القيام باطلاق النار من سلاح خفيف من اجل قتل المختطفين او اعتقالهم. اذا لم تتوقف المركبة او المختطفين يجب اطلاق النار عليهم من اسلحة خفيفة (رماية قناصين) بشكل متقطع ومصوب، وذلك بهدف اصابة المختطفين حتى ولو ترتب على هذا الامر اصابة جنودنا. ينبغي في كل الاحوال القيام بكل ما يلزم في سبيل ارغام المركبة (اي السيارة التي يستقلها الخاطفون ومختطفوهم..) على التوقف وعدم تمكينها من الفرار".

حاسوب الجيش الاسرائيلي اختار لهذا الامر العسكري تسمية عفوية، لكن فيها قدرا من الغرابة، وهي "حانيبال". فمن وجهة نظر الجيش: جندي قتيل خير من جندي اسير، يكابد شخصيا المعاناه ويجبر الدولة على مبادلته بالاف الاسرى.

اثار هذا الامر العسكري في حينه عاصفة من الجدل في صفوف الجيش الاسرائيلي. وقد رفض قائد كتيبة واحد على الاقل نقل الامر الى جنوده بدعوى ان هذا الامر العسكري مناف للقانون بشكل سافر، كذلك نشبت نقاشات حامية الوطيس بين صفوف جنود عدد من الوحدات العسكرية حول اخلاقية الأمر، حتى ان عددا من الجنود صرحوا بأنهم سيرفضون تنفيذه اذا كان معناه اطلاق النار على زملاء لهم. احد الجنود المتدينين توجه في هذا الشأن الى حاخامه فأمره – هذا الاخير – برفض تنفيذ الامر العسكري ذاته، فيما توجه جنود اخرون الى صحافيين واعضاء كنيست و شخصيات عامة وطلبوا منهم العمل على تغيير الامر.

وبالفعل، تم اخلال السنة الماضية تغيير صيغة الامر العسكري، اذ بات ينص الآن على الاكتفاء باطلاق النار على اطارات (عجلات) المركبة المختطفة دون تعريض حياة المختطف للخطر. غير ان جنودا قالوا انهم تلقوا خلال السنة الاخيرة، بعد تغيير صيغة الامر، توجيهات بالعمل بروح الاجراء (الامر) القديم.

محافل الجيش الاسرائيلي نفت طوال السنوات الماضية وجود الامر العسكري المذكور، كما عملت الرقابة العسكرية كل ما بوسعها من اجل منع نشره. وكانت قد جرت بعض المحاولات لنشر نص الامر في وسائل الاعلام وسط مخالفة تعليمات الرقابة العسكرية، لكن ستار التعتيم والتكتم المفروض حال دون ظهور او اجراء نقاش عام ملائم، غير ان تطورا قد حدث في هذا الصدد قبل حوالي الاسبوعين، حيث كتب د. افنير شيفتان، وهو طبيب يعمل في مشفى "فوريا"، رسالة الى ملحق جريدة "هآرتس" قال فيها انه اصطدم بالامر العسكري اثناء خدمته الاحتياطية في جنوب لبنان، وانه حاول العمل من اجل الغائه.

في هذه المرة سمحت الرقابة بنشر ما كتبه د. شيفتان، وهو ما مهد لفتح نقاش اعلامي ساخن في الاذاعة العامة وفي التلفزيون الرسمي (العبري) ما اثار على الفور ردود فعل صاخبة في صفوف جنود حاليين وسابقين. اتصل العشرات منهم بوسائل الاعلام التي ناقشت الموضوع، ورووا كيف اصطدموا بالامر ذاته اثناء خدمتهم العسكرية معربين عن تحفظهم عليه.

واكد البعض منهم ان روح الامر لا تزال تسيطر على قادة ميدانيين في الجيش. ويتضح من الشهادات ان اجراء "حانيبال" طبق بحذافيرة عندما اختطف الجنود الثلاثة (على ايدي مقاتلي حزب الله) في منطقة مزارع شبعا (بجنوب لبنان). ففي السابع من تشرين الاول 2000، هاجم مقاتلو حزب الله، في ساعات الظهر، العربة العسكرية التي استقلها الجنود الثلاثة (بيني ابراهام وعمر سواعد وعادي افيطان) بالصواريخ ونيران الاسلحة الاتوماتيكية، ثم انقضوا على الجنود واقتادوهم الى الاراضي اللبنانية.

بعد حوالي نصف ساعة من وقوع الحادث عثر على العربة واعلن "اجراء حانيبال"، حيث حلقت طائرات عمودية تابعة للجيش الاسرائيلي في سماء المنطقة، وقامت باطلاق نيران رشاشاتها على سيارات (في الجانب اللبناني من الحدود) اعتقد الجيش الاسرائيلي ان الخاطفين يتواجدون فيها.

حاييم ابراهام، والد الجندي المختطف (بيني) علق على ذلك بقوله: "بعد مرور فترة من الوقت فقط ادركت بالضبط ما حدث هناك".

ابرهام الذي كان قد سمع عن وجود اجراء "حانيبال" قبل اسبوعين من اختطاف ابنه، اضاف قائلا: "اثناء زيارتي له في الجيش اخبرني عن (الاجراء) الامر. قال لي ان الامر ينص على انه في حالة تعرض مجموعة من الجنود للاختطاف، فانه يجب وقف المركبة بأي ثمن، حتى ولو كلف ذلك حياة الجنود انفسهم. احسست بالخوف مما سمعته، وسألت ابني اذا ما كان مستعدا لاطلاق النار على زملاء له فقال: هذا هو الامر. بعد وقوع عملية الاختطاف قال لي احد الضباط إنهم قاموا من اجل ايقاف عملية الاختطاف باطلاق النار والقذائف على 26 سيارة ووسيطة نقل تحركت في المنطقة. لا زلت اذكر هذا الرقم بوضوح. في تلك اللحظة ذاتها لم استوعب مغزى ما اخبرني به الضابط، لكن بعد فترة من الوقت ربطت بين اقوال الضابط وبين ما اخبرني به ابني وفهمت ان الاجراء يعني انه اذا كان ابني في احدى هذه السيارات - التي استهدفت بنيران وقصف الجيش الاسرائيلي – فان قواتنا كانت ستقتله بكل ما تعنيه الكلمة".

ويستطرد ابرهام، معربا عن عدم استعداده للتسليم بالمنطق القابع خلف الامر العسكري ذاته "انه لمن المذهل التفكير بأن جنديا ما على استعداد للقيام بإعدام زميله. صحيح ان الاختطاف ينطوي على معضلة صعبة من حيث الثمن الذي قد تضطر الدولة لدفعه، ولكن مهما كان ذلك صعبا فانني افضل ابناً اسيرًا على ابن قتيل. لذلك لا زال الامل يحدوني.. فان يضحي جندي بنفسه من اجل الدولة، فهذا شيء مفهوم، ولكن كيف سيشعر الاب اذا قام زملاء لابنه بقتل ولده؟! ان السبب وراء وجود امر كهذا يرجع الى عدم وجود تصميم كاف في الجيش لانقاذ جنود من الاسر. هناك خلل ما في وازعنا الذاتي".

يوسي رفالوف، الذي تولى في حينه قيادة كتيبة الهندسة التي انتمى اليها الجنود المختطفون، وهو الذي اعلن عن اجراء "حانيبال" في المنطقة. وقد اقيل من منصبه في اعقاب حادث الاختطاف، وهو يشغل حاليا منصبا امنيا رفيعا. يقول رفالوف: "نحن هنا بصدد قرارات معقدة جدا يتخذها القادة حيال اوضاع وظروف شائكة، لذلك فان اوامر اطلاق النار لا يمكن ان تكون واضحة تماما. فكل شيء يدرس بحذر. لم تطلق قذائف على الاطلاق، بل اطلقت النيران من طائرات عمودية فقط. اجراء حانيبال يتيح اطلاق النار بشكل معقد ومقيد للغاية. وهذا لا يعني انه يمكن اطلاق النار دون ضوابط.. وانما فقط حينما تتلاشى كل الفرص ولا تبقى اي امكانية اخرى".

 

سؤال: لكن حاييم ابرهام يقول بانكم اطلقتم النار على 26 سيارة وانه كان هناك احتمال بان يكون ابنه في احدى هذه السيارات.

- رفالوف "لا تحاولي فهم منطق قائد كتيبة. هذا شيء معقد للغاية، انه سياق كامل".

 

س: هل فكرت انك، باطلاق النار على السيارات، يمكن ان تقتل ايضا الجنود المختطفين؟

ج – " وهل فكرت بامكانية انني وحالما رأيت سيارة الجيب ادركت انهم – الجنود – ليسوا على قيد الحياه؟! انا لا اعرف قادة يعلمون ان احد جنودهم حي داخل سيارة ويقومون بتدمير هذه السيارة. المسألة اعقد من ذلك بكثير. انها جملة قرارات طلب مني قادة كبار في سلاح الجو تفسيراً لجزء منها. ومن دواعي سروري ان الطيارين نفذوا التعليمات دون ان يوجهوا اسئلة؟!.

 

يجب منع الاختطاف بأي ثمن

 

وحول الظروف التي ادت لاصدار الامر يقول يوسي بيلد: "الحاجة لهذا الاجراء ظهرت في اعقاب اختطاف الجنديين يوسف فينك ورحاميم الشيخ في شباط 1986، علما انني اصبحت قائدا للمنطقة الشمالية في حزيران 86. حادث اختطاف الجنديين كان موضوعا ساخنا في قيادة المنطقة، وكان هناك وقتئذ امر شفوي ينص على وجوب محاولة منع اختطاف جنودنا مهما كلف الثمن".

وقع الجنديان فينك والشيخ في الاسر بينما كانا يحرسان قافلة دخلت الى جنوب لبنان، حيث تعرضت الى هجوم من كمين نصبه مقاتلو "حزب الله" وقتلوا خلاله احد الجنود وجرحوا آخرين واسروا الجنديين فينك والشيخ. وفي ايلول 1991 أعلنت الحكومة الاسرائيلية ان الجنديين المذكورين ليسا على قيد الحياة. وفي تموز 1996 اعيدت جثتاهما الى اسرائيل.

يقول سلف بيلد في قيادة المنطقة الشمالية، الجنرال اوري اور (83- 86): "في عهدي لم يكن هناك اي اجراء من هذا النوع. قيل فقط ان للاختطاف معاني قاسية وكبيرة جدا، فعندما يكون لدى الطرف الثاني جندي حي (في اسرهم) فانهم يمتلكون بذلك وسيلة مساومة وابتزاز قوية للغاية. هذا فضلا عن الضرر الذي يلحق بعائلة الجندي الاسير، لذلك يجب عمل كل شيء حتى لا ينجح الطرف الثاني في تنفيذ عملية الاختطاف"

 

س: ما معنى ذلك؟

اور: "سد الطرق وضرب السيارة فقط بهدف ايقافها. ترددنا وعانينا كثيرا في قيادة المنطقة بعد ما حدث مع الجنديين فينك والشيخ. قمنا بمطاردة واسعة جدا للسيارة التي اختطفا بها، وعبرنا حتى حدود المنطقة الامنية شمالا داخل المناطق اللبنانية.. هذا يسمى العمل بأي ثمن. ربما قال ذلك قائد سرية احمق اعتقد انه لا يجوز وقوع الجنود في الاسر، لكنه لم يكن هناك امرا كالذي تتحدثين عنه".

في قيادة المنطقة الشمالية عكفوا بضعة اشهر على اعداد وصياغة "امر حانيبال". يقول عاميدرور: "التردد في صياغة الامر كان حول كيفية صياغة ذلك بطريقة تنطوي على المخاطرة ولكن ليس القتل المتعمد ". واضاف: "اردنا التوضيح بانه اذا كان الامر ينطوي على قتل فاننا لن نفعل ذلك، اما اذا كان الامر يعرض الجندي المختطف للخطر فقط فسوف نقوم بالامر".

 

س: لكن "الامر" يقول بانه يجب انقاذ الجنود حتى ولو كلف ذلك اصابتهم.

عاميدرور:"كان من الممكن ان اصيغ الامر بشكل مختلف، فبدلا من (حتى اذا كان معنى ذلك اصابة جنودنا) ربما كنت اكتب (حتى اذا كان معنى ذلك تعريض جنودنا للخطر). انا مستعد للدفاع عن مثل هذا المنطق (التعريض للخطر) في اي مكان. السؤال هو: الى اي مدى يمكن الذهاب في سبيل منع الاختطاف".

 

س: الى اي مدى؟

"لن اقوم بالقاء قذيفة وزنها طن على السيارة، لكنني مستعد لقصفها بقذيفة دبابة يمكن ان تحدث ثقبا كبيرا فيها، فالذي لا تصيبه القذيفة بشكل مباشر، يمكن له الخروج سالما اذا لم تنفجر السيارة. فالجنود عرضوا حياتهم للخطر ايضا في الكمين. ومن المعروف ان قسما من المهاجمين يعودون بالاكفان.. لا مناص من اتخاذ قرارات تعرض حياة الجنود للخطر، والجيش مهمته الحفاظ على امن الدولة كأولوية من الدرجة الاولى، وليس الحفاظ على حياة جنوده".

 

س: ولكن عندما يقع جندي في الاسر، الا تسري علية قواعد اخرى؟

ج: "لذلك لا يجوز لآسريه اطلاق النار عليه".

 

س: وهل مسموح لك انت ان تعرض حياته للخطر؟

ج: "بالتأكيد. الخدمة في الجيش ليست كتابة في صحيفة "هآرتس". فأي قرار يتخذ في الجيش قد يؤدي الى عودة قسم من الجنود في اكفانٍٍ..القرارات العسكرية تنطوي على مخاطر تمس حياة الناس والسؤال هو: ما هو البديل. انا شخصيا افضل ان يطلقوا النار علي وان اقتل على الا اقع في اسر حزب الله".

 

س: ما الذي كنت ستقوله لذوي (الجندي) بيني ابرهام فيما لو كان قد قتل جراء قيام قواتنا باطلاق النار على السيارة التي اقتيد فيها للأسر؟

ج: "حاولنا، وفشلنا، ونحن نأسف لما حصل".

 

س: اذا كان الامر منطقيا الى هذا الحد، فلماذا أثار (الامر العسكري ذاته) مثل هذه الضجة في صفوف الجيش؟

ج: "لآن الجنود لا يفكرون بشكل عميق وانما ينظرون للامور بصورة سطحية. الاجراء يلزمهم بالعمل بطريقة تبدو وكأنها تعرض حياة زملائهم للخطر، مع العلم انهم انفسهم يعرضون حياة زملائهم للخطر طوال الوقت. في الجيش تؤدي الاوامر في بعض الحالات الى موت جنود. وفي نظرنا كان ذلك مجرد قرار آخر من بين مليون قرار يتم اتخاذها كل يوم في قيادة المنطقة".

 

من جهته يقول يوسي بيلد انه اصر اثناء صياغة الامر على ان استخدام السلاح حتى لو كان ذلك يعرض حياة الجنود للخطر، "يجب ان يقتصر على السلاح الخفيف فقط" وانه "لا يجوز استخدام (قذائف) دبابات او مروحيات هجومية، لأن استخدام مثل هذه الوسائل يعني الحكم بالاعدام والموت على الجنود المختطفين".

 

س: ولكن نيران السلاح الخفيف تقتل ايضا؟

ج: "ماذا بوسعنا ان نفعل اذن؟! ان نقف ونتفرج ثم نقول (اخذوهم!) دون ان نفعل شيئا؟! اعتقد انني وجدت الطريقة المناسبة التي تنطوي على خطرعلى الجنود ولكن ليس القتل والموت".

 

يوجد حدود للعبث

جرى على مر السنوات تدقيق الامر العسكري وتعديل صياغته عدة مرات. وتقضي احدى التعديلات بأن يتم الاحتكام لرأي قادة عسكريين في شأن اطلاق نيران دبابات. "استخدام الطائرات المروحية المقاتلة، كما حصل عقب اختطاف الجنود الثلاثة في منطقة مزارع شبعا، كان جزءا من الاجراء"، يقول عاموس لبيدوت، الذي كان قائدا لسلاح الجو عندما ترسخ الاجراء، بأنه "لم يطلب منا مطلقا قصف سيارة يشتبه بوجود جندي مختطف فيها. مبدئيا لا اظن ان هناك توجيها كهذا، ولو كان قد طرح مثل هذا الامر لكنت قد عبرت عن موقفي المبدئي."

"اعتقد ان هذا الامر لا يمت للواقع بصلة"، يقول ايتان بن الياهو، قائد سلاح الجو الذي استقال من منصبه قبل حادث اختطاف الجنود الثلاثة بعدة اشهر.. ويضيف: "لم اسمع في حياتي ان احدا ما قد طلب منا قصف سيارة يتواجد فيها احد جنودنا.. فهناك حدود للعبث والاهمال ".

 

المدعي العسكري في تلك الفترة ، امنون ستراشنوف، قال من جهته انه لا علم له بالموضوع، وانه لم يجر التشاور معه عند صياغة الامر العسكري، واضاف: "المسألة كما تطرحينها تبدو مثيرة للاشكال والتساؤل.كان من الافضل ان يتشاور القادة العسكريون مع الجهات القانونية الملائمة قبل اصدار الامر".

البروفيسور عمانوئيل غروس من كلية الحقوق في جامعة حيفا، قال متسائلا: "استغرب اين كانت النيابة العسكرية عندما تمت صياغة هذا الامر.. فمثل هذه الاوامر يجب ان تمر عبر مصفاة النيابة، اما اذا لم تكن النيابة في الصورة فهذا شيء خطير جدا".

 

لماذا؟

"لأن امرا عسكريا ينطوي على السماح بوعي بالتسبب بموت جنود، حتى اذا كانت النوايا مختلفة، يعتبر امرا غير قانوني على الاطلاق، ويشكل مساسا بالقيم والمبادئ الاساسية لمجتمعنا.. فالامر الذي يأخذ بالحسبان وجود خطر اكيد وواضح على حياة الجنود انما يعني هدر دمهم".

هذا الشعور اعترى ايضا جنودًا وقادة في الميدان، خاصة في قيادة المنطقة الشمالية، التي صدر فيها الامر، وحتى لدى جنود وضباط في المنطقتين الجنوبية والوسطى (اللتين تشملان المناطق الفلسطينية) حيث يسري مفعول الأمر فيهما أيضاً.

يقول شنير ايلان، وهو قائد سرية في الاحتياط (ضمن قوات الدفاع الجوي) ومحاضر في علم النفس في الجامعة المفتوحة، انه حل اشكالية (الأمر العسكري) بعدم ابلاغه لجنوده بحرفيته. ويضيف قائلا: "انا اقوم فقط بنقل الهيكل المبدئي للأمر، بالحديث فقط عن اغلاق طرق وتجمعات سكنية بغية منع امكانية التنقل من مكان الى اخر، لكنني لا اتحدث عن اطلاق النار على السيارة. لا اعرف كيف سيتصرف جنودي في وضع حقيقي، ولذلك فأنني اطالبهم بالتوجه الي اثناء وقوع الحادث، باعتباري الجهة المقررة.

في اوامر اطلاق النار غالبا ما تكون الصيغ مطاطة ومسببة للحيرة والتردد، لذلك يجب العمل مبدئيا على الحد من الاضرار".

وكان جنود كثيرون قد اعربوا عن تحفظهم حيال الامر طوال السنوات التي طبق فيها.

يوسي ميمي الذي يخدم كسائق في الجيش، اصطدم بالنص القديم للأمر.. يقول ميمي: "دخلت منذ العام 1982، على مدى تسع سنوات، مئات وربما آلاف المرات الى لبنان. في كل مرة قبل الدخول، كان القادة يؤكدون دائما في الارشاد والتوجيه لنا بأنه في حال وقوع حادث اختطاف لجندي، يجب اطلاق النار من اجل ايقاف السيارة المختطفة حتى لو بثمن اصابة ركابها. لقد سمعت ذلك مرارا، ولا زلت اذكر الامر بحرفيته.

في البداية بدا لي الامر غريبا جدا.. كيف نطلق النار على زميل لنا؟! تحدثنا عن الموضوع فيما بيننا.. بعض الجنود قالوا: لا، لن نطلق النار! وقال اخرون انهم سيمتثلون للأمر.. عموما كان من الصعب استيعاب او تقبل نص الامر، وحتى بعد تعديل وتغيير صياغته مرارا، الا ان معناه لم يتغير من حيث الجوهر..".

النقيب ليئور روتبرت، الذي يعمل اليوم مستشارا اعلاميا، خدم في كتيبة هندسة قتالية على الحدود الشمالية في العام 1989. يقول روتبرت مؤكدا: "خلال الارشادات تلقينا اوامر باطلاق النار باتجاه اي سيارة يوجد فيها جندي مختطف بهدف قتل كل من يتواجد في السيارة".

 

س: بما في ذلك الجندي المختطف؟!

"نعم بالتأكيد.. وقد بدا لنا ان من الطبيعي والصحيح عمل ذلك، اذ لا يحبذ الوقوع في اسر الشيعة (بمعنى افراد حزب الله)، اضافة الى انه تم التوضيح لنا بان الدولة ستواجه متاعب اذا حصل ذلك. هكذا كانت الروحية العامة للأمور في تلك الفترة".

 

وكيف تفكر بالامر اليوم؟

"انا انظر اليوم للامر بشكل مختلف.. يبدو لي انه ليس اخلاقيا على الاطلاق بأن يقرر جنود حاجز عسكري مصير جندي اخر. هناك طرق كثيرة لحل مشكلة اختطاف احد الجنود. المنطق الكامن خلف الامر غير معقول، فليس من المنطقي قتل من يتواجد في سيارة فقط من اجل انقاذه من اختطافه".

ايلي ليئون، وكيل تسويق من تل ابيب خدم في كتيبة مدفعية على الحدود الشمالية عام 1991، قال انه تلقى امرا واضحا وصريحا حيث "قيل لنا ان على الجندي الذي يتعرض لاختطاف التشبث والاستحكام داخل السيارة في حين على الجنود المتواجدين في المنطقة ان يطلقوا النار بهدف القتل. كان واضحا لنا بأن ثمة امكانية لآن يقتل الجندي المختطف. كانت مهمتنا في سلاح المدفعية قصف محاور طرق رئيسية واطلاق النار على السيارة التى يتواجد فيها جندي مختطف اذا كنا نتواجد في المنطقة".

رونين فيل، الذي كان قائد دبابة في لواء عسكري على الحدود الشمالية عام 1998، ويعمل حاليا مدرسا في "بيت شيمش"، قال بدوره مؤكدا: "في الارشادات قيل لنا في غير مرة ان الهدف العسكري في حادث اختطاف هو موت الجندي المختطف، لأن الجيش الاسرائيلي يفضل جنديا ميتا على جندي اسير". واضاف ويل: " فهمت ذلك في حينه كجندي وانا افهم ذلك اليوم ايضا. فالجيش يفضل بالتأكيد جنودا ميتين".

ينيف عكيغا، الذي يتواجد حاليا في "مونتريال" بكندا كموفد من طرف الوكالة اليهودية، عانى من حيرة اخلاقية شديدة عندما ابلغ بنص الامر العسكري. يقول ينيف الذي خدم في العام 1995 في سلاح المدرعات على الحدود الشمالية: "في احد الارشادات الاولى قالوا لنا بأن علينا ان نحاول ايقاف السيارة المختطفة بكل وسيلة ممكنة، وفي حال تجاوزت السيارة الخط الاحمر فانه يجب ان نطلق صوبها قذيفة دبابة.. وعندما سألنا حول امكانية ان يؤدي ذلك الى موت الجندي المختطف، قالوا لنا ان جنديا قتيلا افضل من جندي مختطف.. ادركت ما يعنيه ذلك عمليا من دعوة لقتل زميل لنا.." .

عوفر بن مردخاي، سمع الامر اثناء خدمته في رام الله خلال سنوات 1997- 2000. في تلك الفترة كان زميل لـ "بن مردخاي" في الخدمة، يدعى اساف ميارا، قد ضل طريقة ليجد نفسه وسط مظاهرة في منطقة رام الله، هوجم خلالها من جانب حشد من المتظاهرين الفلسطينيين.. يقول بن مردخاي: " شكل حادث ميارا مثالا لحادث لا يريد الجيش تكراره.. في اعقاب ذلك ابلغنا بنص الامر القاضي بوجوب اطلاق النار على اي سيارة يشتبه بوجود جندي مخطوف فيها".

 

س: هل كنت تطلق النار في مثل هذه الحالة"

"كلا. ولكنك في رام الله تصادف الكثير من الاوامر الحمقاء، وهذا واحد منها".

وهكذا اصبح الاف الاشخاص، وربما عشرات الآلاف ، يعلمون عن الاجراء المسمى في الجيش حانيبال، وذلك خلال 19 عاما من وجوده. ورغم ذلك فقد نجحت الرقابة في الحيلولة دون اجراء نقاش عام حول الامر واخلاقيته.

في احيان متباعدة فقط كشف النقاب عن وجود الامر ولكن ذلك جرى بطريقة التلميح بصورة عامة.

في العام 2001 نشرت اسبوعية "مقور ريشون" خبرا عن جنود يخدمون في الاراضي الفلسطينية تلقوا امرا بايقاف اي سيارة فيها جندي مختطف حتى لو تطلب ذلك قصف السيارة بالقذائف فقط "بهدف منع امكانية الاختطاف لاغراض المساومة".. الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي لم ينف وجود الامر وقال في تعقيب على الخبر ان الجيش لا يعطي معلومات حول اوامر اطلاق النار.

يقول د. شيفتان الذي خدم في جنوب لبنان في حزيران 1999: "في الارشادات التي قدمت لنا قبل الدخول الى لبنان تعرفت على اجراء حانيبال، وهو مصاغ بمنتهى الدقة والوضوح، بشكل لا يدع مجالا للتأويل والاجتهاد. دهشت لدى سماعي الامر الذي كان الضباط يتلونه من دفتر اوامر مكتوبة. قلت للجنود الشبان ان الامر يعكس انحطاطا اخلاقيا. فقالوا: هذا هو الامر وما باليد حيلة! غير ان بعض الجنود اكدوا بانهم لن يتصرفوا وفق ما ينص عليه الامر، وانهم غير مستعدين لقتل زميل لهم".

توجه شيفتان في هذا الخصوص الى وزير المعارف في ذلك الوقت يوسي سريد (الذي قال انه لا يتذكر حيثيات المسألة..) والى عضو الكنيست زهافا غالؤون التي قالت بدورها: "فهمت ان الموضوع يعتبر سريا للغاية، وانه تم تغيير صيغة الامر".

الكشف عن تفاصيل "اجراء حانيبال" فاجأ اسرى (اسرائيليين) سابقين وافراد عائلات جنود مفقودين. في الجيش يقولون للجنود الاسرى السابقين ان افراد المنظمات الذين اطلق سراحهم مقابلكم قاموا بتنفيذ هجمات اسفرت عن مقتل عشرات المواطنين الاسرائيليين!

 

في كانون الثاني من العام الجاري صرح الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي انه تم بعد التشاور مع مستشارين قانونيين اصدار امر معدل، لكن الصيغة الحرفية للأمر لم تنشر علنا حتى الآن .

وقال الناطق العسكري في بيانه: "اوامر الجيش تنص على وجوب عمل اقصى ما يمكن، بما في ذلك اطلاق النار، من اجل ايقاف الخاطفين وانقاذ المختطفين".

ويقول عاميدرور: "الامر منطقي جدا وملائم لروح ومفاهيم الجيش.. وهو لم يبد اشد فظاعة او اقل منطقية من اوامر اخرى تصدر يوميا وتعرض حياة عدد اكبر من الجنود للخطر".

 

(ملحق "هآرتس" الاسبوعي)