إسرائيل بدأت تتراجع عن أهداف الحرب ضد لبنان

على هامش المشهد

دخل إضراب المعلمين في المدارس الإسرائيلية فوق الابتدائية هذا الأسبوع شهره الثاني فيما دخل إضراب المحاضرين الجامعيين الكبار أسبوعه الرابع. "المشهد الإسرائيلي" أجرى مقابلتين مع أحد أعضاء إدارة "منظمة المعلمين فوق الابتدائيين" ومع أحد المحاضرين الجامعيين في موضوع التربية

 

 

كتب بلال ضاهر:

 

يواجه جهاز التعليم في إسرائيل أزمة جدية للغاية في الفترة الأخيرة، فقد دخل إضراب المعلمين في المدارس فوق الابتدائية هذا الأسبوع شهره الثاني فيما دخل إضراب المحاضرين الجامعيين الكبار أسبوعه الرابع.

 

 

وفيما بدا في نهاية الأسبوع الماضي أن الأمور تتجه نحو الحل من خلال تجميد المعلمين لإضرابهم لمدة أسبوعين، تواصل منظمتهم خلالها المفاوضات مع الحكومة فيما يعود المعلمون إلى العمل، إلا أن منظمة المعلمين أعلنت أول من أمس الأحد أن المعلمين لن يعودوا إلى العمل قبل التوصل إلى اتفاق مع الحكومة والتوقيع عليه.

 

وبعد مرور شهر فإن المفاوضات بين منظمة المعلمين من جهة وبين وزارتي التربية والتعليم والمالية من الجهة الأخرى قد تعثرت وتأزمت. وقال رئيس منظمة المعلمين فوق الابتدائيين ران إيرز في تصريحات صحافية إن "المعلمين لا يثقون بوزيرة التربية والتعليم (يولي تامير) ولا بوزير المالية (روني بار- أون) ولذلك سنستمر في الإضراب والنضال. لن نتوقف حتى نحقق الإنجازات التي وضعناها بأنفسنا". كذلك وقّع آلاف المعلمين على عريضة تدعو إيرز إلى "عدم التراجع". كما أنّ مئات المعلمين تظاهروا أثناء انعقاد اجتماع إدارة منظمة المعلمين فوق الابتدائيين يوم السبت الماضي وطالبوا بمواصلة الإضراب.

 

ورغم أن هذا ليس الإضراب الأول الذي يخوضه المعلمون، إلا أن الأمر اللافت هذه المرة هو حدة نشاط المعلمين لتحقيق أهدافهم من الإضراب. فخلال الأسابيع الأخيرة نظم المعلمون العديد من المظاهرات وحتى أن بعضها اتسم بالإخلال بالنظام العام، مثل إغلاق الشوارع، واعتقال الشرطة لعدد من المعلمين المتظاهرين.

 

وتتوسط محكمة العمل القطرية المفاوضات بين المعلمين والحكومة، بعدما كانت المحكمة مطالبة بإصدار أوامر بإرغام المعلمين على العودة للعمل. وعندها هدد الكثير من المعلمين بالاستقالة من مهنتهم وعدم العودة لمزاولتها. كما أعلنت لجنة أولياء أمور الطلاب القطرية دعمها لنضال المعلمين وحتى هددت بأنها ستشارك في الإضراب، أي بعدم إرسال أولادهم إلى المدارس حتى في حال إرغام المعلمين على العودة للعمل من خلال أوامر المحكمة. لكن الحكومة أعلنت يوم الجمعة الماضي بأنها لن تطالب بإصدار أوامر قضائية كهذه خلال الأسبوعين المقبلين.

 

أسباب إعلان الإضراب

 

 

ولخص عضو إدارة منظمة المعلمين فوق الابتدائيين، مائير هيلمريك، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي"، الأسباب التي دعت المعلمين في المدارس فوق الابتدائية للإضراب بثلاثة أسباب. وقال إن "السبب الأول هو الراتب البائس الذي يتقاضاه المعلمون، حيث يحصل ثُلث المعلمين على مخصصات استكمال الدخل رغم أنهم أكاديميون، وهذا يعني أنهم يتقاضون أجرا أقل من الحد الأدنى للأجور، وهذا أمر مخز؛ السبب الثاني هو وجود عدد كبير من الطلاب في غرفة دراسية واحدة، وأعتقد أننا المكان الوحيد في العالم الذي يجلس فيه في الغرفة الدراسية الواحدة 40 طالبا. ولا يوجد وضع كهذا في أي دولة متطورة، ولا حتى في إيران. وأعتقد أن الإيرانيين سيتفوقون علينا في الانجازات التعليمية؛ والسبب الثالث هو أنه في السنوات الثلاث الأخيرة خفضوا من كل طالب 5ر8 ساعات دراسية في الأسبوع وهذا يعني يوما دراسيا ونصف يوم".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": هذا يعني أن مستوى التعليم في إسرائيل آخذ في التراجع؟

 

- هيلمريك: "الحال التي وصل إليها جهاز التعليم في إسرائيل، يجعلني أتفق مع شهادة المسؤولين عن جهاز التعليم ومع ما تقوله وزيرة التربية والتعليم وهو أن جهاز التعليم لا يتراجع وإنما هو آخذ بالانهيار. وهذا ليس بالأمر الغريب، وانظر إلى مجتمعنا: العنف، المخدرات، التهرب من الخدمة العسكرية... هذه هي النتيجة لحال التعليم. لقد قدمت إلى البلاد في العام 1949، وكنت طفلا ابن سنتين. والدي نجا من المحرقة. وفي العام 1953 أصبحت في المدرسة الابتدائية، أي بعد خمس سنوات فقط من قيام الدولة. لكن جهاز التعليم كان جيدا، لأن حلم (رئيس حكومة إسرائيل الأول) دافيد بن غوريون كان أن نكون 'منارة للأغيار'. وقال إن على اليهود أن يكونوا شعب الكتاب وشعبا يقدس التعليم. لقد رأى بن غوريون بالتعليم أمرا أهم من الأمن. لكن اليوم، أنظر من يجلس في قيادة الدولة".

 

(*) هل انخفضت الموارد التي ترصدها الحكومة لجهاز التعليم؟

 

- هيلمريك: "الحكومة لا تستثمر في التعليم. وكأن التعليم لا يهمها. إذا كان هناك أكاديميون يتلقون راتبا بائسا كالذي يتلقاه المعلم، كيف يمكن بناء جهاز تعليم... في جهاز التعليم العربي في إسرائيل، على عكس جهاز التعليم اليهودي الذي أصبح نسائيا- أي أن عدد المعلمات أكثر بكثير من المعلمين- وهذا ليس سيئا بحد ذاته، هناك الكثير من الرجال الذي يعملون في جهاز التعليم، لأنه بسبب ظروف الحياة يصلون للعمل في التعليم. ولأنه لا تتوفر أمامهم مجالات عمل أخرى فهم حتى متفوقون على المعلمين اليهود لأنهم أكاديميون وكيميائيون وبيولوجيون... لكن المصيبة هي الراتب. فالمعلم المبتدئ وحتى لو كان يحمل الماجستير يتقاضى 3300 شيكل في الشهر قبل خصم الضرائب. كيف يمكن العيش براتب كهذا؟".

 

(*) كيف ترى مكانة المعلم في إسرائيل؟

 

- هيلمريك: "مكانة المعلم في إسرائيل متدنية. هناك دول في العالم، مثل اليابان وهونغ كونغ، يقدرون فيها التعليم ويخططون جهاز التعليم بشكل يجذب أفضل العقول للعمل في هذا المجال. لكن في إسرائيل من سيقبل بالعمل معلما مقابل راتب 3300 شيكل؟ فقط شخص لا توجد خيارات أخرى أمامه. من جهة ثانية هناك الكثير من المعلمين الذين يهربون من جهاز التعليم، بسبب شروط العمل وأيضا بسبب نظرة المجتمع للمعلم. أنا معلم منذ العام 1969 ويمكنني القول بصورة أكيدة بأن هناك تغييرا مستمرا للأسوأ في جهاز التعليم، فمستوى التعليم آخذ بالتراجع. وتكاد لا تجد اليوم في المدارس مواضيع ثقافية مثل الموسيقى والرسم...".

 

(*) هل يوجد أفق للحل وإنهاء الإضراب؟

 

- هيلمريك: "في الأيام الأخيرة أرى أن هناك صحوة في الدولة. لكن يجب على رئيس الحكومة إيهود أولمرت التدخل والعمل على إنهاء الإضراب. ومن الجهة الأخرى فإن مطالب المعلمين ليست كبيرة أو مبالغا فيها. المطلوب هو زيادة الرواتب بنسبة 15% والتعهد بخفض عدد الطلاب في الغرفة الدراسية، وهذا أصلا يجب أن يكون مصلحة لأهالي الطلاب. وأنا لا أفهم أهالي الطلاب... لماذا لا يتظاهرون كل صباح ومساء من أجل مصلحة أولادهم؟. في هذه الأثناء المفاوضات بين المعلمين من جهة وبين وزارتي التربية والتعليم والمالية من الجهة الأخرى ما زالت مستمرة، إضافة إلى وجود محاولات لجسر الفوارق بين الجانبين من خلال وساطة يقوم بها رئيس الدولة شمعون بيريس ورئيسة الكنيست داليا ايتسيك. إذا ما استمر الإضراب لشهر أو شهرين آخرين فسيكون الضرر اللاحق بالطلاب غير قابل للإصلاح".

 

"الطلاب يشعرون بالاغتراب"

 

 

من جهة أخرى يُعرّف المحاضر في موضوع التربية، الدكتور نِمرود ألوني، في حديث خاص لـ"المشهد الإسرائيلي"، حال التعليم في إسرائيل بأن "هناك عدم ارتياح كبير جدا، بسبب انخفاض مستوى التحصيل التعليمي، بالمقارنة مع دول متطورة أخرى، وأيضا بسبب راتب المعلم ومكانته في المجتمع الإسرائيلي، وأيضا بسبب الاكتظاظ الكبير في الغرف الدراسية، وأيضا بسبب الشعور بالاغتراب لدى الكثير من الطلاب في المدرسة".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": لماذا يشعر الطلاب بالاغتراب؟

 

- ألوني: "لأنه توجد لدى شبان اليوم توقعات بأن يمروا بتجربة ذات علاقة مع واقعهم، لكن لا توجد لدى الجيل الصغير الكثير من القدرة أو الإرادة لتغييب رغباتهم أو تقبل سلطة عليهم، كما أنه لا توجد اليوم أية مُثل يتم تقبلها على أنها مثل مطلقة. ولذلك فإن الشبان يتوقعون اليوم أن تكون عملية التعلم ذات علاقة بواقعهم وممتعة وذات صلة بحياتهم. وهم يشعرون أكثر فأكثر أن المدرسة لا تزودهم بهذه المتعة".

 

(*) هل المشكلة تتعلق برصد الموارد لجهاز التعليم؟

 

- ألوني: "برأيي أن الدولة لا تستثمر بشكل كاف في جهاز التعليم. وأرى أن هناك حاجة لرصد موارد أكبر بكثير ولوضع خطة خماسية حكومية، يتم التعبير عن أجور المعلمين فيها، إذ أن أجرا أعلى يسمح بتجنيد معلمين بنوعية أعلى مما هي الحال اليوم. ويتوجب العمل على خفض عدد الطلاب في الغرفة الدراسية من 40 طالبا إلى 30، فالوضع اليوم من هذه الناحية لا يسمح بعملية تعليمية معقولة. كذلك يتوجب رصد موارد لتحسين وضع الطلاب من الشرائح الاجتماعية الضعيفة وكذلك دعم الطلاب من الشرائح الاجتماعية الميسورة من أجل استخراج أفضل النتائج من كلا الطرفين".

 

(*) هل ساء وضع جهاز التعليم في السنوات الأخيرة؟

 

- ألوني: "نعم. ويمكن اقتباس المديرة العامة السابقة لوزارة المعارف رونيت تيروش التي قالت إنه خلال فترة عدة سنوات تم إجراء تقليصات في ميزانية جهاز التعليم 16 مرة. وهذا يشمل تقليص عدد الساعات الدراسية التي يحصل عليها الطلاب كما تم إجراء تقليصات في تأهيل المعلمين".

 

(*) وكيف تفسر الحكومة هذه التقليصات؟

 

- ألوني: "الحكومة لا تعترف بذلك وهناك جدل كبير، وإذا اعترفت الحكومة بذلك فإن الادعاء هو أنه لم يكن أمامها خيار وأنها كانت ملزمة بالحفاظ على إطار الموازنة العامة. وهذا يعني أن القضية أصبحت مسألة أولويات. هناك من يعتقد أن الأمن هو الأهم وآخرون يعتقدون أن التعليم هو الأهم. وبرأيي أن ثمة خطأ هنا وأنه يتوجب الاستثمار في التعليم بشكل أكبر بكثير. لأن هذا الاستثمار مربح جدا في نهاية المطاف".

 

(*) المحاضرون الجامعيون الكبار مضربون عن العمل أيضا. ما هي مطالبهم؟

 

- ألوني: "المحاضرون يطالبون بإجراء تحسين، ولو طفيف، على رواتبهم، لكنهم يطالبون بزيادة كبيرة لميزانيات البحث العلمي والإنتاج الأكاديمي. وأعتقد أن معظم المحاضرين يفضلون البقاء هنا وعدم الهجرة من البلاد إذا تقاضوا أجرا أعلى بقليل وشروط بحث علمي وتطوير أفضل. والمثير في الأمر وفق ما فهمته مؤخرا هو أن الحكومة لا تجري مفاوضات مع المحاضرين".