انقسام حركة الاحتجاج الاجتماعية

وثائق وتقارير

رجحت مصادر قضائية اسرائيلية ان يمتنع المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، الياكيم روبنشطاين، عن إصدار أوامره الى الشرطة بفتح تحقيق جنائي ضد رئيس الحكومة، ارئيل شارون، على خلفية ما كشف عنه "تقرير مراقب الدولة" السنوي الجديد، الذي نشر يوم الاربعاء (30/4) بعيد تقديمه الى الكنيست.

 

فقد كشف مراقب الدولة، القاضي المتقاعد اليعيزر غولدبرغ، في تقريره هذا، ان رئيس الوزراء شارون خرق الأنظمة التي حددتها الحكومة لمنع تناقض المصالح بالنسبة الى الوزراء ونواب الوزراء، وذلك حين تدخل مباشرة في قرارات "مديرية اراضي اسرائيل" المتعلقة بتأجير أراض تابعة للدولة، وان هدف شارون من وراء تدخله هذا كان خدمة مصالحه الشخصية ومصالح أبناء عائلته.

وقال مراقب الدولة انه كان قد حذر شارون، في كانون الثاني 2002، وطالبه بعدم المشاركة في المداولات المتعلقة بالشؤون الزراعية، نظرًا لعلاقته الشخصية بالموضوع. ولكن شارون، وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهها اليه مراقب الدولة، تدخل من أجل تغيير قرارات "مديرية اراضي اسرائيل". واشار المراقب الى ان شارون أعلن، في مواقفه المعلنة، انه لا يستطيع المشاركة في المداولات حول تغيير القرار، بسبب تعارض المصالح، لكنه قام في الواقع بممارسة ضغوط شديدة من وراء الستار على "مديرية اراضي اسرائيل" لكي تتبنى رأيه. "حظر العمل في حالة تعارض المصالح هو من المقومات الأساسية للنظام والادارة السليمين، انه من الأعراف الجماهيرية والقضائية الملزمة، التي عبرت عنها الحكومة ايضا في الأنظمة التي حددتها لأعضائها"، اضاف مراقب الدولة.

وطلب المستشار القضائي للحكومة من مراقب الدولة تزويده بكل المواد والوثائق المتعلقة بالخطوات التي قام بها شارون من اجل تغيير قرار "مجلس اراضي اسرائيل" رقم 755 وتعارض المصالح الذي كان لرئيس الحكومة في هذا الشأن. لكن مصادر في وزارة العدل الاسرائيلية قالت ان مراقب الدولة ايضاً لم ير في الموضوع قضية جنائية، اذ لم يتوجه الى المستشار القضائي مباشرة لفحص شبهات جنائية، وفقا لما ينص عليه "قانون مراقب الدولة".

وقال مساعد المستشار القضائي للحكومة، المحامي راز نزري، ان مكتب المستشار سيفحص الموضوع "نظرًا لأهميته الجماهيرية"، مضيفاً ان "المستشار كان قد توجه الى رئيس الحكومة، في مطلع ايلول 2002، عشية البحث الذي كانت ستجريه الحكومة حول تغيير تخصيص اراض زراعية، لافتاً انتباهه الى انه وفقًا لتعليمات مراقب الدولة، يجب ان يجري البحث في الحكومة دون حضوره هو (شارون) وان يترأسه وزير آخر يختاره هو. وفي اعقاب تلك التعليمات، لم يشارك شارون، فعلا، في البحث الذي اجرته الحكومة حول الموضوع. ونشير، ايضا، الى ان الاقتراح بتغيير القرار رقم 755 لم يعرض للبحث، في نهاية الأمر، في مجلس اراضي اسرائيل". وقد جاءت اقوال نزري هذه في الرد الذي وجهه الى عضو الكنيست أوفير بينس ( العمل) الذي طالب المستشار القضائي بفتح تحقيق جنائي بحق شارون.

واصدر ديوان رئيس الحكومة شارون بيانا، للرد على تقرير مراقب الدولة، جاء فيه ان شارون "لم يكن يعلم ان تدخله في القرار يشكل تعارضا في المصالح، فقد كان يعتقد، بكل براءة، ان تلبية الطلب ليست من المحظورات عليه، خلافًا للمشاركة في البحث او في عملية اتخاذ القرار في مجلس اراضي اسرائيل".

دولة فساد عملاقة

ها هو تقرير آخر من تقارير مراقب الدولة ينشر في اسرائيل (الاربعاء 30/4)، ولا جديد تحت الشمس!

وبعد سنوات عديدة من الرقابة الجماهيرية على الوزارات والشركات الحكومية، والمؤسسات الجماهيرية العامة، يبقى الاستناج هو ذاته: لا صلاحيات تنفيذية للمراقب. المراقب الحالي، القاضي اليعيزر غولدبرغ، قال قبل سنة: "لولا الرقابة، لكان الوضع أسوأ بكثير".

لكن قراءة التقارير السابقة تبين ان العديد من القصورات والنواقص تستمر وتتكرر. الادارة غير السليمة، والخدمة الناقصة للمواطن، والاهمال والتهاون في غالبية المؤسسات الحكومية في مجالات التخطيط والرقابة، وعمل الطواقم، وغيرها - جميعها ظواهر تتكرر باستمرار. قطاع الخدمات العامة لا ينظر الى الرقابة بجدية. هنا وهناك يتم تقديم شخص ما الى المحاكمة. ليس أكثر. من حين الى آخر، يتم تسجيل ملاحظات في ملفات الموظفين المهمِلين، لكن غالبية مستخدمي الدولة، والمدراء العامين، والموظفين الكبار، وكل من كان "نجمًا" في تقرير مراقب الدولة، ذات مرة، يعلم ان يوم نشر التقرير هو كشف لمرة واحدة. الجميع "متفاجئون"، و "مذهولون"، لكن التقرير يُرمى في الغداة الى الزاوية، الى جانب السلسلة الطويلة من تقارير السنوات السابقة.

القاضية مريم بن بورات، مراقبة الدولة السابقة، قالت ذات مرة : "انني اعلم ان غريزة حب السلطة، وغريزة الجشع لدى الانسان، تتغلبان على الكثير من القيم. هذه هي الصورة، للأسف. ثمة قوى أشد بأسًا وتأثيرًا من الرغبة في الالتزام بالقانون والقيم الأخلاقية".

التقرير السنوي الحالي، الذي يشمل ألف صفحة، هو التقرير الثاني الذي يصدر عن العام 2002. يجري التركيز فيه، بشكل خاص، على النواقص والقصورات الخطيرة في مجالات التخطيط واتخاذ القرارات - بدءًا بديوان رئيس الحكومة وحتى آخر الوزارات. ويكشف المراقب عن البيروقراطية في كل المجالات تقريباً، وعن سطحية في التخطيط او انعدام التخطيط اطلاقاً، وقرارات يتم اتخاذها بتسرع، بدون اية دراسة للخلفيات ودون الاعتماد على آراء مهنية. الوزراء في الحكومة يتخذون قرارات دون علم بالأمور واطلاع على المواد المتعلقة بها. طريقة "إعتمد عليّ" متفشية في كل المستويات الحكومية والعامة. وعملية اتخاذ القرارات في الحكومة لا تتم، دوماً، من خلال عمل جماعي مشترك، والرقابة على التنفيذ جزئية فقط. وللتدليل يقول المراقب: "عملياً، لم يوضع نسق اداري شامل لقطاع الخدمات العامة، وبقيت المسؤولية عن ذلك يتيمة".

المراقب يقرر، عمليًا، ان الحكومة الاسرائيلية تعتمد "الخفّة" في قراراتها وأعمالها. لو ان مديرًا عامًا في شركة خاصة تصرف على هذا النحو لكان طار من منصبه على الفور. لكن منتخبي الجمهور والموظفين الكبار ليس لديهم ما يدعو الى القلق. مثلا، رئيس الحكومة وابنه عومري، اللذان كانا "نجمي" تقرير مراقب الدولة الصادر في أيلول 2001، على خلفية تمويل الأحزاب، لم يصبهما أي أذى. الحكومة كلها "تخفّف" ولكن ذلك لا يزعج أحدًا. هذا العام، أجرى المراقب تدقيقًا في عمل الأجهزة الحكومية في غالبية الوزارات الحكومية. وكانت النتائج مذهلة. ويكشف المراقب ان الحكومة قررت، منذ العام 1989، اعادة صياغة وتشكيل مفوضية خدمات الدولة، وتحسين الخدمة للجمهور، وتحسين العمل الاداري في الوزارات الحكومية وتخطيط العمل، واعتماد اسلوب عمل الطواقم الجماعي وتطوير نسق اداري جديد.

في ارض الواقع، الوضع مختلف كلياً. مدير عام ديوان رئيس الحكومة قرر تقليص نشاط قسم التنسيق - المتابعة - والمراقبة، دون فحص الموضوع بعمق ودون أي عمل جماعي. لجان المدراء العامين للوزارات الحكومية تعمل من دون تحديد مكانتها القانونية ومدى نافذية قراراتها. ويسجل المراقب: "في مرات عديدة كان المدراء العامون يتغيبون وينتدبون موظفين آخرين لتمثيلهم في جلسات هذه اللجان. وكان من نتائج ذلك ان العديد من لجان المدراء العامين لم تقدم اية توصيات في القضايا التي اوكل اليها بحثها، او ان توصياتها لم تُطبّق". وفي ما يتعلق بدستور عمل الحكومة (نعم، يوجد شيء كهذا) يكشف المراقب: "متطلباته ضئيلة جدًا. الدستور لا يلزم بالحصول على آراء مهنية، مثل الرأي القضائي مثلاً، لمنع حصول تناقضات بين قرارات الحكومة وبين القوانين النافذة". ويكشف المراقب ايضاً: "في مرات عديدة، لم تُرفق الوزارات المعنية أي مواد خلفية بمشاريع القرارات التي عرضتها. لم يتم العثور على اوراق عمل، ولم يتم ارفاق مستندات ووثائق هامة. واحيانا كثيرة، كانت مواد الخلفية ناقصة وليست ذات جدوى فعلية". ويمكن استبيان الوضع الحقيقي من خلال الاجابات على استمارة الأسئلة التي وُزعت بين المدراء العامين للوزارات الحكومية المختلفة. فقط 38% منهم يعتقدون بأن المعلومات التي تقدمها الوزارات الى الحكومة تتضمن تحليلا مناسبًا وجديرًا للقضايا المعروضة للبحث. فقط 20% منهم يعتقدون بأن الوزارات تقدم تحليلات مناسبة وجديرة لميزانياتها، وفقط 15% يعتقدون بأن الوزارات تزود الحكومة بمعلومات مناسبة عن جوانب الميزانية والجوانب لاقتصادية. 51% من المدراء العامين يعتقدون بأن الوزارات لا تنسق فيما بينها بخصوص الاقتراحات التي تقدمها الى جدول أعمال الحكومة. انتقادات حادة توجه حول عملية اتخاذ العديد من القرارات الهامة جداً: "بموجب الدستور، الى جدول أعمال الحكومة ينبغي ان تقدم الاقتراحات الى سكرتارية الحكومة حتى يوم الاربعاء السابق لجلسة الحكومة. هذا يعني ان الوقت المتاح لفحص الاقتراح والنظر فيه هو اقل من يوميّ عمل". ويورد المراقب قرارالحكومة (24 بنداٍ) بشأن تقليص نسبة البطالة وتشجيع العمالة، من يوم 24/12/ 2001، كمثال على ذلك: "هذا الاقتراح لم تُرفق به اية ملحقات، أو تحليلات اقتصادية، أو اوراق عمل، وانما تسويغات موجزة فقط". ويؤكد المراقب: "ما نعرضه هنا، ليس شيئًا حدث مرة واحدة فقط".

والى ذلك يمكن اضافة مثال آخر طازج، لم يظهر في تقرير مراقب الدولة بعد. الخطة الاقتصادية الحكومية، التي تشمل 150 صفحة، وضعت على طاولة الكنيست صباح الاربعاء 30/4 فقط، قبيل ساعات قليلة من تصويت الكنيست عليها بالقراءة الأولى. حدث هذا قبل ساعات قليلة من التصويت على تقليص كبير جدًا بمبلغ 11 مليار شيكل. الوزارات الحكومية لم تقم آليات لمتابعة قرارات الحكومة وتنفيذها. ويشير مراقب الدولة الى ان وزارة الداخلية، مثلا، تفتقر الى آلية منظمة لنقل المعلومات، ولم يتم العثور لديها على وثائق ومستندات للمتابعة. ولا تتابع الوزارة تنفيذ قرارات الحكومة التي ضمن صلاحياتها ومجالات عملها. الوضع مماثل ايضًا في وزارة البناء والاسكان. الوزارات لم تقدم أجوبة الى سكرتارية الحكومة، وحين كانت تفعل كان ذلك بتأخير تراوح بين ثلاثة أشهر وسنة كاملة. احدى الوزارات قدمت تقريرًا عن تنفيذ قرار حكومي معين، بعد سنتين. وفي هذا المجال ايضاً، المدراء العامون هم المقياس الأفضل: فقط 9% منهم يعتقدون بأن وزاراتهم دأبت على ابلاغ الحكومة بمصاعب التنفيذ، و10% فقط يعتقدون بأن وزاراتهم دأبت على تقديم تقارير عن مراحل التنفيذ في الوقت المناسب. ومثال آخر هو "قانون التسويات الاقتصادية"، اذ يكتب مراقب الدولة: "اقتراحات القرارات تقدم الى الحكومة دون أي بحث مسبق، واحيانًا بما يتعارض مع قرارات سابقة للحكومة. فصول عديدة من مشروع القانون لا يتم توزيعها على الوزارات المختلفة، مسبقاً وخلال فترة معقولة، لتلقي ملاحظاتها عليها قبل تحويلها الى اللجنة الوزارية الخاصة".

في تقرير مراقب الدولة فصل مثير للغاية حول الخدمات للجمهور. يبين هذا الفصل ان المواطنين يشكلون مصدر ازعاج للمؤسسات الحكومية والعاملين فيها. المراقب: "مؤسسات السلطة والمؤسسات الجماهيرية العامة تتصرف كأنها لم تولد أصلا لتخدم الجمهور. لقد تجاهلت حقوق المواطن ولم تقم بما توجب عليها القيام به لاسعاف مواطنين احتاجوا الى خدماتها وانقاذهم من ضائقتهم". لقد فحص المراقب الخدمة للجمهور، فكانت النتائج قاسية جدًا: "ثُلث المؤسسات والأجسام التي تقدم خدمات للجمهور لم تعر أي اهتمام لتوزيع فروعها الجغرافية. من بين 276 طلباً خطيًا لتلقي خدمة معينة، وجدت قصورات خطيرة في معالجة 49% منها. القصور الأساسي هو المماطلة في المعالجة. وفي 80% من المؤسسات والأجسام الخدماتية الحكومية وجدت قصورات ونواقص في مجال اوقات استقبال الجمهور. بعضها أعلن عن اوقات غير معدلة. ويمكن الاستدلال على مدى بعد الخدمة للمواطن عن قلوب المؤتمنين على تقديم هذه الخدمة، من خلال تأكيد المراقب على ان أيا من بين الدوائر الـ 24 التي تم فحصها لا تعتمد "ميثاق خدمة"، و 32% منها ليست لديها اية أنظمة محددة للخدمة، و35% منها لم تؤهل موظفيها الذين يستقبلون الجمهور للعمل مع الجمهور.

الحصول على خدمة عبر الهاتف هو مهمة تكاد تكون مستحيلة. لقد فحص المراقب، في هذا المجال، كلا من: وزارة المالية، وزارة البناء والاسكان، وزارة الصحة، وزارة الداخلية، وزارة المواصلات، ومؤسسة "التأمين الوطني"، وشركة "حلميش" وشركة "عميدار". على سبيل المثال، فشلت جميع المحاولات التي قام بها مكتب مراقب الدولة للوصول الى "المركز القطري في مكتب الترخيص" (التابع لوزارة المواصلات). ارقام الهواتف لم تكن معدلة في 32% من المؤسسات والأجسام التي شملها الفحص. 58% من الطلبات لم تحظ بأي رد، في 52% من المؤسسات لم تتوفر خدمة الرد الصوتي (المسجل) بعد ساعات الدوام الاعتيادية. في 58% منها توفرت خدمة الرد الهاتفي لمدة لم تتجاوز الساعتين في اليوم.

كما وجد المراقب قصورات ونواقص خطيرة في معالجة توجهات المواطنين الخطية. مثلا: في وزارة الاتصالات تجمعت 790 شكوى قدمها مواطنون ضد شركات خاصة. الوزارة حصلت على ردود هذه الشركات خلال اسابيع، لكن الوزارة ذاتها لم ترسل اجوبة نهائية للمشتكين الا بعد مضي اشهر عديدة، واحياناً اكثر من سنة كاملة. مثال آخر: منذ تشرين الأول 1998 وحتى تشرين الاول 2001 عالج مراقب الدولة - وهو مفوض شكاوى الجمهور ايضاً - 80 شكوى قدمت ضد دائرة تأهيل المعاقين. النتيجة: 90% من الشكاوى لم تحظ بأي رد. (نصف تلك الشكاوى كانت محقة).

في السنوات القادمة ايضاً سيواصل موظفو مكتب مراقب الدولة الفحص والتدقيق والتحقيق، وسيواصل مراقب الدولة نشر تقاريره السنوية في مواعيدها المحددة. لن تكون في ذلك اية مفاجآت. ويبدو ان النتائج المستقبلية ايضًا لن تحمل اية مفاجآت.