سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

تحليل أخباري

*الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تبرّر الصفقة بحجة انعدام أي خيار عسكري للإفراج عن الجندي الأسير* عدد من المحللين يحذّر من احتمال تحويل الفرح المتعاظم بعد تحرير شاليت إلى مظلة لإضفاء الشرعية على مهاجمة إيران من خلال الاستخفاف بالجمهور والعالم*

 

فجر تنفيذ صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، يوم الثلاثاء الماضي، جدلاً إسرائيليا داخليا في ثلاثة مواضيع: تغيير معايير إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في صفقات تبادل أسرى في المستقبل، وسط نقاش بين مؤيدي الصفقة ومعارضيها رغم التأييد الكبير للصفقة؛ فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في معرفة مكان الجندي الأسير، غلعاد شاليت، طوال الخمسة أعوام ونصف العام التي قضاها في أسر حماس ولجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة؛ الربط بين صفقة التبادل ومهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أو كما يصف ذلك بعض المحللين الإسرائيليين "معادلة شاليت - إيران".

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد عقدت اجتماعا استثنائيا، قبل أسبوعين، صادقت خلاله على صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس بتأييد أغلبية 26 وزيرا مقابل معارضة 3 وزراء، هم وزيرا الخارجية، أفيغدور ليبرمان، والبنية التحتية، عوزي لانداو، من حزب "إسرائيل بيتنا"، ووزير الشؤون الإستراتيجية ونائب رئيس الحكومة، موشيه يعلون، من حزب الليكود الحاكم.

ووصف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اتفاق تبادل الأسرى الذي وقع عليه بأنه "أفضل اتفاق يمكن التوصل إليه"، خصوصا على ضوء "العواصف التي تضرب الشرق الأوسط"، وأنه إذا لم يتم الاتفاق على تبادل الأسرى الآن فإنه ربما لن يتم تنفيذها أبدا واصفا ذلك بأنه "نافذة فرص، وكان بالإمكان أن تُغلق".

 

وأفادت صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، أن الشاباك سيراقب الأسرى الفلسطينيين المحررين بالتعاون مع المخابرات المصرية والتركية، فيما يجري العمل في إسرائيل على بلورة معايير جديدة لصفقات تبادل مستقبلية. وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل لم تتعهد من خلال صفقة التبادل بعدم التعرض لأسرى يعودون إلى "ممارسة الإرهاب" ويخرقون شروط إطلاق سراحهم. وكان نتنياهو قد هدد في أعقاب تنفيذ الصفقة وبعد استقباله شاليت بقتل أي أسير محرر يعود إلى ممارسة "نشاط إرهابي" ضد إسرائيل.

 

معايير جديدة

لصفقات مستقبلية

 

وتعمل لجنة شكلها وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، في العام 2008 على وضع معايير جديدة يتم إتباعها في صفقات تبادل أسرى مستقبلية. وتتألف هذه اللجنة من رئيس المحكمة العليا السابق، مئير شمغار، الذي يرأس اللجنة والمدير العام السابق لوزارة الدفاع، اللواء في الاحتياط عاموس يارون، وأستاذ الفلسفة في جامعة تل أبيب، البروفسور آسا كاشير، الذي وضع "الكود الأخلاقي" للجيش الإسرائيلي.

وكانت اللجنة قد أنهت عملها قبل أكثر من عام واستعرضت استنتاجاتها الأولية أمام باراك. وقد تناول القسم الأول من تقريرها الخطوات المتبعة في عملية صناعة القرار في الحكومة في حالات أسر جنود أو مواطنين إسرائيليين في الماضي. وتضمن تقرير "لجنة شمغار" توصيات بشأن الأثمان التي توافق إسرائيل على تقديمها مقابل تحرير أسرى إسرائيليين في صفقات تبادل في المستقبل. لكن وزارة الدفاع الإسرائيلية ووفقا لتوجيهات من باراك قررت عدم تطبيق توصيات "لجنة شمغار" في "صفقة شاليت".

ومن المقرر أن يعمل أعضاء اللجنة على تعديل توصياتها على ضوء "صفقة شاليت" ولهذا الغرض سيلتقون قريبا مع المسؤولين الذين كانوا ضالعين في صفقة التبادل مع حماس وعلى رأسهم مبعوث نتنياهو لمحادثات صفقة التبادل هذه، دافيد ميدان، وسلفه في المنصب حغاي هداس. ونقلت "هآرتس" عن موظف حكومي إسرائيل رفيع المستوى قوله إن باراك يريد طرح تقرير "لجنة شمغار" المعدل على الحكومة في اقرب وقت وأنه في أعقاب تنفيذ "صفقة شاليت" سيكون بالإمكان البحث في معايير جديدة لصفقات تبادل مستقبلية بصورة منظمة وخالية من أية اعتبارات عاطفية وبلورة سياسة حكومية في الموضوع. ووفقا للصحيفة فإن نتنياهو أيضا مهتم بإجراء بحث في الحكومة حول هذا الموضوع.

لكن الصحيفة نقلت عن وزراء إسرائيليين قولهم إنه حتى لو تم إقرار سياسة حكومية في هذا الموضوع فإن أي رئيس حكومة إسرائيلية سيواجه صعوبة في المستقبل في التمسك بالسياسة المقررة على اثر ضغوط شعبية هائلة ستتكرر في حال أسر جندي أو مواطن إسرائيلي.

ونسبت الصحيفة لباراك رفضه انتقادات إسرائيلية داخلية للصفقة وأنها تسببت بتضرر قدرة الردع الإسرائيلية نتيجة لتحرير 1027 أسيرة وأسيرا فلسطينيا ووصف هذه الانتقادات بأنها "شعارات" ورغم ذلك اعترف باراك بأنه "واضح أن حماس حققت إنجازا هنا".

من جانبه حذر رئيس الكنيست، رؤوبين ريفلين، من سن قانون من شأنه أن يقيد يد حكومة إسرائيل في صفقات تبادل أسرى مستقبلية. وقال ريفلين خلال لقائه مع الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، أول من أمس الأحد، إنه سيعارض محاولات لتمرير استنتاجات "لجنة شمغار" على شكل قانون يتم سنه في الكنيست. وأردف أن "’تقرير شمغار’ ينبغي اتخاذه كقرار في الحكومة وعدم إرسائه كقانون. ولا ينبغي على الكنيست تقييد الحكومة ومنعها من العمل، وإنما يجب إبقاء مسألة ترجيح الرأي للحكومة فيما يتعلق بصفقات في المستقبل، وتمكينها من تبني التقرير كوثيقة موجهة".

 

وفي غضون ذلك تبين أن خلافات حاصلة داخل حزب كاديما المعارض حول الصفقة، خصوصا بين رئيسة الحزب، تسيبي ليفني، وخصمها من داخل الحزب ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، شاؤول موفاز. وقد جرّت تصريحات ليفني بهذا الخصوص انتقادات شديدة عليها.

وقالت ليفني في مقابلة أجرتها معها صحيفة "يديعوت أحرونوت" ونشرتها أول من أمس الأحد، إن "إسرائيل اليوم أضعف وحماس أقوى، وليس بإمكان أحد أن يناقش ذلك". وأضافت أن صفقة التبادل أدت إلى "تزايد قوة حماس، وضاعفت قوتها. وأنظر إلى ما يحدث عندنا، فجأة أصبحنا نصف كبير الإرهابيين بأنه رئيس هيئة أركان حماس (في إشارة إلى قائد كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحماس، أحمد الجعبري)، ماذا يعني رئيس أركان حماس؟ هذا يمنحهم شرعية. الجندي عندنا هو الولد وكبير الإرهابيين عندهم هو رئيس الأركان، وهذا هو التناقض تماما لما يحدث هنا وهو أن حكومة يمينية متطرفة تمنح الشرعية لحماس".

وتابعت ليفني "أنظر إلى ما يحصل في هذه الحكومة اليمينية المتطرفة. بدلا من إجراء مفاوضات مع الجهات المعتدلة التي بالإمكان التوصل إلى تسوية معها، فإنها تقوي حماس وترفع الحصار عن غزة وتوافق على شرعية حماس وتمس بشرعية أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) وترفض الاعتذار أمام تركيا على مقتل مواطنين أتراك (في أسطول الحرية) لكنها تعتذر أمام مصر على هجوم قُتل خلاله مواطنون إسرائيليون. وهذا يمس، بكل تأكيد، بقوة الردع الإسرائيلية وتوجد لذلك عواقب أمنية خطيرة".

ورأت ليفني أن "على إسرائيل الدخول الآن إلى عملية سياسية ذكية وإلا فإن الرسالة التي سيتم تلقيها هي أن إسرائيل تعمل فقط عندما يتم تهديدها، عندما يخطفون جنودا وعندما يطلقون عليها صواريخ". وقالت إن "حكومة نتنياهو تعمل بشكل معاكس. فنتنياهو ليس مستعدا للتحدث مع أبو مازن بسبب اتفاق المصالحة مع حماس والآن نحن نبرم صفقات مع حماس وما زلنا لا نتحدث مع أبو مازن. نحن في الدقيقة الـ 90 الآن. وواجب نتنياهو هو القيام بخطوة سياسية دراماتيكية وإلا فإنه سيكون رئيس الحكومة الذي أقام الدولة الفلسطينية وهذه ستكون حماستان أيضا" في إشارة إلى دولة فلسطينية تسيطر عليها حماس و"ثمة في الصفقة إمكانية لإلحاق ضرر إستراتيجي بدولة إسرائيل".

وأوضحت ليفني أنها "في حينه عارضت الصفقة مع حزب الله لتحرير إلحنان تننباوم وأيدت بقلب مقبوض صفقة إعادة (الجنديين اللذين أسرهما حزب الله) ايهود غولدفاسير وإلداد ريغف" في تموز العام 2006. وأضافت أنه "رغم ذلك قلت للعائلتين إنه لو كنت أعرف أن الحديث يدور على جثتين لما أيدت الصفقة".

وأشارت ليفني إلى أنه "في فترة الحكومة السابقة كانت شريكة في ثلاثية، سوية مع إيهود أولمرت وإيهود باراك، والتي قررت أنه بشروط مشابهة ينبغي عدم الموافقة على هذه الصفقة لتحرير شاليت... واتخذت بهذا الشأن القرارات الأكثر غير شعبية، وهو القرار بإبقاء شاليت بالأسر وهو أصعب من القرار بتحريره".

وقالت ليفني إن لصفقة تبادل الأسرى انعكاسات على الحلبة الدولية وأنه "توجد فجوة بين كيف نرى أنفسنا وبين كيف يروننا من الخارج، فمن الخارج إسرائيل هي دولة لا يفهمونها وقد رأيت ذلك عندما التقيت بوزراء خارجية وقادة دول، فقد قالوا لي ’أنتم تتوقعون منا أن نحارب الإرهاب بينما أنتم تجرون مفاوضات مع الجهات المتطرفة وتعززون قوة حماس في المنطقة’".

وقالت ليفني لإذاعة الجيش الإسرائيلي إنه "ينبغي الإفراج عن 550 من أسرى فتح المسجونين في إسرائيل وأن خطوة كهذه تم بحثها خلال محادثات بين رئيس حكومة إسرائيل السابق، إيهود أولمرت، وبين السلطة الفلسطينية من أجل دعم أبو مازن بعد صفقة شاليت".

وهاجم حزب الليكود الحاكم ليفني. وجاء في بيان صادر عن الحزب إن "ليفني لا تعرف ما هي المسؤولية وتعمل انطلاقا من اعتبارات سياسية ليست مقبولة حتى من أعضاء حزبها. وليفني استيقظت متأخرة كالمعتاد وكان من الأفضل أن تستمر في نومها".

من جانبه قال وزير حماية البيئة غلعاد أردان من الليكود إن "ليفني لم تتميز أبدا بالقدرة على القيادة وشعب إسرائيل كله يشاهد ويدرك أن الحديث يدور علة موقف جبان يدل أكثر من أي شيء على الصفات التي تتمتع بها ليفني. وإذا كان هذا هو موقفها، تعين عليها أن تقول ذلك وأن تخوض نضالا للتأثير بصفتها رئيسة للمعارضة".

كذلك هاجمت عضو الكنيست زهافا غالئون، من حزب ميرتس، ليفني وطالبتها "بترك خطاب التخويف". وأضافت أن "الخطوات العنيفة لحكومة أولمرت - ليفني مثل عملية ’الرصاص المصبوب’ العسكرية وسياسة الإغلاق والحصار هي التي أدت إلى تقوية حماس أكثر من أي شيء آخر ولتمديد معاناة غلعاد شاليت في أسر حماس". 

وعبر موفاز عن تأييده لصفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس وذلك خلافا لموقف رئيسة حزبه، ليفني.

وقال موفاز في مداخلة في الهيئة العامة للكنيست، أمس الاثنين: "بودي أن أحيي الحكومة ورئيسها على قرار تحرير شاليت". وأضاف أن "هذه صفقة صعبة ومؤلمة ومليئة بالمخاطر وهي تضع سابقة خطيرة، ليس فقط من حيث عدد (الأسرى الفلسطينيين) المحررين وإنما من حيث خطورتهم، وهي سابقة أيضا من حيث إطلاق سراح مواطنين إسرائيليين" في إشارة إلى الأسرى المحررين الستة من فلسطينيي 48. وتابع "رغم ذلك فقد أيدت الصفقة لأنه من دون أن تكون هناك طريقة أخرى (عسكرية) لتحرير شاليت فإن هذا كان قرارا صحيحا، وهذه خطوة عززت وجددت وحدة الشعب وأكدت على التضامن الاجتماعي".

 

فشل الاستخبارات

الإسرائيلية

 

 

كان أحد أبرز الأمور التي كشفها اتفاق تبادل الأسرى هو فشل الاستخبارات الإسرائيلية في معرفة مكان احتجاز شاليت في قطاع غزة. وأكد باراك في تصريح نقله الموقع الالكتروني لـ "هآرتس"، أول من أمس، أنه لم تتوفر أية معلومات لدى إسرائيل حول مكان شاليت طوال فترة أسره.

وتعاملت حكومة إسرائيل مع إقرار الصفقة، رغم أنها حظيت بتأييد معظم الوزراء، بحساسية بالغة، لدرجة أن رئيس الشاباك، يورام كوهين، خرج إلى الصحافيين الإسرائيليين وقال إن إسرائيل لم تمنح قادة حماس أي تعهد بعدم المس بالأسرى بعد إطلاق سراحهم، وأن نصف الأسرى الذين سيطلق سراحهم إلى الضفة الغربية، وعددهم قرابة الخمسين أسيرا، سيخضعون لقيود أمنية، بينها منع خروجهم من الضفة وحتى من المدن التي يسكنون فيها. وأوضح كوهين، مبررا إقرار الصفقة، أن حماس بدأت منذ شهر تموز الأخير في تليين مواقفها وأكد أن الشاباك وافق على الصفقة، مشيرا إلى أنه "لم تكن هناك أية طريقة أخرى لتحرير شاليت"، في إشارة إلى عملية عسكرية.

واعترف بأن "أجهزة الأمن تواجه صعوبة كبيرة مع هذا التحرير (للأسرى الفلسطينيين) وأسهل عليّ أن أكون صارما، لكن لم تكن لدينا إمكانية أو طريقة أفضل لتحرير شاليت ولذلك أيدنا الصفقة". وأضاف كوهين أن "هذه ليست صفقة جيدة لكن من الجهة الثانية وإذا أردنا إحضاره (أي شاليت) إلى البيت فهذه هي الطريقة الوحيدة، والانتظار فترة أخرى ما كان سيؤدي بالضرورة إلى صفقة أفضل".

وقال كوهين إنه "منذ المحادثات التمهيدية التي جرت في تموز الماضي أدركنا أنه يوجد استعداد (لدى حماس) للنزول عن الشجرة بعد أن أدركوا أن إسرائيل سترفض تحرير رموز وقادة كبار مثل (القيادي في فتح) مروان البرغوثي و(الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) أحمد سعدات".

وتبين من تقارير إسرائيلية أن رئيس الموساد، تامير باردو، سعى سوية مع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الأخرى، إلى إقناع الوزراء الإسرائيليين بتأييد صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، في اجتماعات منفردة معهم أو خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الاستثنائي لإقرار الصفقة، مشددا على أنه لم تكن هناك بدائل أخرى لتحرير شاليت، مثل عملية عسكرية، سوى بالتوصل إلى صفقة تبادل أسرى.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأسبوع الماضي، عن باردو قوله للوزراء خلال هذه الاجتماعات إنه "في اللحظة التي لم تكن فيها أية بدائل أخرى، وهنا بالتأكيد ليس لدينا بديل آخر، فإنه ينبغي القيام بما هو ممكن". وأردف أن "تحرير مخربين هو أمر بإمكاننا التعامل معه، ولو أنني لم أكن أعتقد أنه بإمكاننا مواجهة هذه القضية لما أيدت الصفقة".

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نشر موقف وأقوال رئيس الموساد، فيما أعلن رئيس الشاباك ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، عن موقفهما المؤيد للصفقة قبل ذلك. وقال باردو "أنا أقود أشخاصا وأرسلهم يوميا إلى عدد كبير جدا من المهمات غير السهلة (خارج إسرائيل) وهم يعلمون أنها تنطوي على خطر لكنهم يعرفون أنه في لحظة الحقيقة سأقف إلى جانبهم من أجل مساعدتهم ولذلك فإن هذا هو أمر مفهوم من تلقاء نفسه بالنسبة لي كقائد بأن الموضوع ليس محل تساؤل. وعندما لا يوجد خيار آخر فإننا ملزمون بتنفيذ ما يتوجب فعله من أجل إعادتهم إلى البيت من دون طرح أسئلة، وهذه ليست مسألة أمنية فقط ونحن نعرف كيف نتعامل معها وإنما هذه مسألة ثقة وتكافل متبادل".

 

شاليت - إيران

 

دعت عضو الكنيست السابقة والمحاضرة الجامعية، الدكتورة عنات ماؤور، في مقال نشرته في موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، يوم الخميس الماضي، إلى عدم وضع معايير جديدة لصفقات تبادل أسرى في المستقبل لتقييد إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. ورأت أنه "كان من الأفضل لو أن لجنة شمغار لم تُشكل أبدا. كذلك فإن المقارنة مع الولايات المتحدة أو بريطانيا (اللتين ترفضان التفاوض مع خاطفي رهائن) تنطوي على تهكم وتضليل، إذ أن هذه المقارنة تتجاهل حقيقة أساسية وهي أنه في إسرائيل يوجد تجنيد إلزامي للجيش".

لكن ماؤور خصصت مقالها للتحذير من مخطط إسرائيلي لمهاجمة إيران.

وكتبت أن "المديح لرئيس الحكومة والحكومة على ’قدرتهما القيادية’ مستغرب، إذ أنه لا يمكن الامتناع عن السؤال، لماذا الآن فقط؟ فالصفقة لم تتغير بشكل جوهري، وكان بالإمكان أن تكون أفضل قبل عدة سنوات. وينبغي التساؤل حول الأداء السياسي في إسرائيل: قادة يغيرون آراءهم بتأخير سنوات وعشرات السنوات، ولا يتحملون مسؤولية الأضرار البالغة التي ألحقوها بالمواطنين بسبب عماهم السياسي. إنه العمى نفسه المتواصل لدى الحديث عن مظالم الاحتلال والضرر الدموي للسياسة الاقتصادية - الاجتماعية".

وأضافت ماؤور أن "الخلاف المستقبلي الذي طفا مع تحرير شاليت ليس أقل مصيرية وخطورة. وبرأيي، علينا أن ننضم الآن إلى المحذرين من ’الخدعة النتنة’ التي يشير إليها عدد غير قليل من المحللين، وهي ’صفقة شاليت - إيران’. ويل لنا، ويحظر علينا أن نسمح لرئيس الحكومة ووزير الدفاع بتحويل الفرح المتعاظم بعد تحرير شاليت إلى ’مظلة’ لإضفاء الشرعية على مهاجمة إيران من خلال الاستخفاف بالجمهور والعالم".

وتابعت الكاتبة "إن تسلح إيران بسلاح نووي هو تهديد داهم وخطير" لكنها دعت إلى التعامل معه سوية مع المجتمع الدولي ومن خلال نظام العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد إيران. وأضافت أنه "لأسفنا، فإن ما تفعله حكومات إسرائيل منذ عقد ونصف العقد ونتنياهو مستمر في ذلك بقوة أكبر، هو العكس من ذلك: رفض اقتراح 22 دولة عربية وإسلامية معتدلة للتسوية من العام 2002 (في إشارة إلى مبادرة السلام العربية)؛ تضليل خطابي تجاه الفلسطينيين، وإدخال العصي في الدواليب في كل خطوة وشبر؛ عزل إسرائيل بصورة قاسية عن معظم أصدقائها، وبعد عام الانتخابات في الولايات المتحدة ستتغير الأصوات القادمة من هناك أيضا".

وأشارت ماؤور إلى أن "الأمر المقلق جدا هو أنه إلى جانب هذه الإخفاقات والأخطاء سيضاف فشل فتاك يتمثل في الهجوم على إيران. والمؤشرات آخذة في التكاثر: ’زيارة التحذير’ لوزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا (لتحذير إسرائيل من عدم مهاجمة إيران)؛ التحذيرات الصارمة لرئيس الموساد السابق، مئير داغان، والتي تحول بعدها فجأة من قائد عظيم إلى رجل ’خطير’. ومحللون عسكريون كبار يعتبرون ’صفقة شاليت - إيران’ على أنها السبب المركزي في تغيير موقف الحكومة لإعادة شاليت".

وكانت تشير ماؤور بذلك إلى مقال نشره محلل عسكري كبير وحذر فيه من أن نتنياهو وباراك يخططان لمهاجمة مواقع نووية إيرانية قبل أن يصبح هجوما كهذا غير ممكن. فقد كتب المحلل العسكري في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي ومراسل مجلة "جينس" الأميركية المتخصصة بالشؤون الأمنية، ألون بن دافيد، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، في 25 أيلول الماضي، أن "الجمود السياسي المتوقع إلى جانب الشعور بالحصار (السياسي الدولي على إسرائيل) الآخذ بالتشدد قد يدفع رئيس الحكومة ووزير الدفاع إلى البحث عن نهضتهما السياسية في إيران". وأردف بن دافيد أن "من أنصت إلى وصف رئيس الموساد السابق، مئير داغان، حول الحماس الذي يثيره الموضوع الإيراني لدى هذين الاثنين قد يفكر بأن هذا السيناريو ليس مفندا".

وأضاف الكاتب أن التبرير الذي سيطرحه نتنياهو وباراك لمهاجمة إيران هو أنه "في الشتاء القريب ستنتج أجهزة الطرد المركزية قرابة طن آخر من اليورانيوم المخصب، وستنقل إيران إنتاج اليورانيوم إلى تحت الجبل في قُم، وهناك، تحت الطبقات الصخرية، سيكون صعبا للغاية أن تشوش قنبلة تسقط من الجو عملية الإنتاج". وتابع أنه مع حلول فصل الخريف "وبعد شهر في أعقاب الأعياد (اليهودية) ستغطي الغيوم السماء وتصعّب على أقمار التجسس وطائرات الاستطلاع رؤية ما يحدث في الأسفل. ومن يتندر بفكرة أن مهاجمة إيران ستصرف النظر عن الموضوع الفلسطيني، سيضطر إلى الانتظار حتى تنقشع الغيوم مرة ثانية في نيسان المقبل".

وأشار بن دافيد إلى أن قادة الأجهزة الأمنية السابقين، رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، ورئيس الموساد داغان، ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، "وقفوا بصلابة ضد نزوات الهجوم في إيران" وأنه انضم إليهم وزراء في طاقم "السباعية" مثل دان مريدور وموشيه يعلون وبيني بيغن وحتى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان. وأضاف أنه في إحدى لحظات الإحباط بسبب عدم تمكنه من تجنيد الجيش الإسرائيلي لتأييد هجوم ضد إيران قال باراك لأعضاء هيئة الأركان العامة للجيش إنه "مع هيئة أركان عامة كهذه ما كنا سننتصر في حرب الأيام الستة" في العام 1967.

ولم يقلل بن دافيد من قدرة قادة الأجهزة الأمنية الجدد على معارضة نتنياهو وباراك فيما يتعلق بمهاجمة إيران لكنه رأى أن "ثمة شكا فيما إذا كانوا قد اكتسبوا الثقة بالذات بالقدر الكافي للوقوف  في وجه رؤسائهم" في القيادة السياسية. ولفت إلى أنه في خلفية كل ذلك تجري حاليا معركة على تعيين قائد جديد لسلاح الجو الإسرائيلي الذي وصفه الكاتب بأنه تعيين له أبعاد إستراتيجية. ففي نيسان المقبل سينهي قائد سلاح الجو، عيدو  نحوشتان، ولايته. والمرشح الأبرز لخلافته هو رئيس شعبة التخطيط في هيئة الأركان العامة، اللواء أمير إيشل. لكن في الفترة الأخيرة تتزايد الضغوط من جانب ديوان رئيس الحكومة لتعيين سكرتير  نتنياهو العسكري، يوحنان لوكير، قائدا لسلاح الجو.

ورأى بن دافيد أن "كلا منهما هو مرشح مناسب لكن ثمة من يتخوف من أن تأييد لوكير نابع من الرغبة في تعيين شخص يرى الأمور بشكل مطابق للقيادة السياسية في المواضيع الإستراتيجية، وفي المقابل فإن لإيشل سمعة كما لو أنه لا يخشى من دخول مواجهة مع المسؤولين عنه".

وشدد بن  دافيد على أن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس "يريد أن يرى إيشل قائدا لسلاح الجو واختيار شخص آخر سيومئ بأنه ليس رئيس الأركان هو الذي يحسم في التعيينات للمناصب الرفيعة في الجيش، وأن القيادة السياسية تريد تقليص المعارضة في صفوف الجيش الإسرائيلي لمخططاتها".