*كاتب إسرائيلي: جريمة الحرب المقبلة- عدم منع حرب مع سورية*
أكد العميد احتياط شلومو بروم، وهو باحث كبير في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أنه على الرغم من آخر التطورات المتعلقة بالحدود الشمالية والأوضاع الداخلية في لبنان فإن رغبة عدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية أخرى ما زالت قوية لدى كل من إسرائيل وحزب الله والحكومة اللبنانية.
وكان بروم يعلق على حادث قيام جنود من الجيش اللبناني، يوم 3 آب الجاري، بإطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي، وما أسفر عنه من وقوع قتلى وجرحى في صفوف الجانبين.
وكتب يقول: لعل حادث تبادل إطلاق النار، الذي وقع في 3 آب 2010 بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، يُبرهن في الظاهر على هشاشة وقف إطلاق النار المستتب على الحدود مع لبنان منذ انتهاء حرب لبنان الثانية في العام 2006، ويَزيد من احتمال أن يؤدي سيناريو تتخلله حسابات خاطئة من جانب أحد الأطراف إلى اندلاع مواجهة عسكرية واسعة بين لبنان وإسرائيل. وفي وسائل الإعلام والساحة السياسية الإسرائيلية كان ثمة من سارعوا للإشارة إلى رابط قائم بين هذا الحادث وبين إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على عسقلان ومن سيناء على إيلات والعقبة، واستخلص هؤلاء من ذلك أن هناك يدا موجهة لكل هذه الأحداث، وهي إيران. غير أن تفحص سمات الحادث يقود إلى استنتاجات مختلفة، ويشير أولاً إلى استقرار وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية، والذي يستند إلى وجود ردع متبادل بين إسرائيل وحزب الله، وثانياً إلى عدم وجود رابط بين حادث الاشتباك على الحدود مع لبنان وبين إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وسيناء.
وبرأي بروم فإن خلفية الحادث تعود إلى الخلاف بين إسرائيل ولبنان حول رسم الخط الأزرق وإلى الواقع السياسي في لبنان. فالخط الأزرق الذي انسحبت إليه إسرائيل في العام 2005 لا يطابق في كل الأماكن خط الحدود الدولية المتفق عليه بين إسرائيل ولبنان. وقد نفذت إسرائيل، عند انسحابها الأحادي الجانب من جنوب لبنان (2000)، قرار مجلس الأمن رقم 425 الذي طالبها بالعودة إلى الحدود المعترف بها بين إسرائيل ولبنان قبل عملية الليطاني في العام 1978. هذا الخط رسم بالتعاون مع الأمم المتحدة وهو الخط الأزرق؛ الذي حدد على الأرض في قسم منه بموافقة إسرائيل ولبنان، فيما لا تزال هناك خلافات بين الجانبين حول رسم الخط على الأرض في مقاطع أخرى من الحدود. وهناك ميل لدى الجيش اللبناني نحو التعاطي مع أي نشاط عسكري إسرائيلي وراء الجدار الحدودي كانتهاك وتعد على الأراضي اللبنانية، حتى لو كانت واقعة في هذه المناطق، وهذا ينطبق على العملية التي قام بها الجيش الإسرائيلي لإزالة بعض الشجيرات على الجانب الآخر للجدار يوم الثالث من آب. وبحسب إدعاء اللبنانيين فإن مسار الخط الأزرق في هذه النقطة المحددة ما زال موضع خلاف بين الجانبين.
مع ذلك كان باستطاعة الحكومة اللبنانية أن ترد بشكل معتدل أكثر وأن تتقدم بشكوى لقوات "اليونيفيل" حول ما بدا لها كخرق من جانب الجيش الإسرائيلي بدلاً من فتح النار. غير أنها فضلت إظهار سياسة حازمة وتوجيه وحدات الجيش اللبناني العاملة في جنوب لبنان بمقتضى هذه السياسة. في الواقع ليس من الواضح ما إذا كانت قد صدرت تعليمات محددة من بيروت بفتح النار في هذه الحادثة الملموسة، غير أن من الواضح جداً أن السياسة الحازمة الموجهة من بيروت لعبت دوراً مركزياً في قرار القيادة العسكرية اللبنانية المحلية.
ومضى يقول: في اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية يبرر "حزب الله" وجود قوته العسكرية بإدعاء أنه حامي لبنان، لذلك سارع الحزب للإعلان بعد الحادث أن مقاتليه سيردون في المرة المقبلة على أي مساس أو تعد على الجيش اللبناني. ولقد سارع الجانبان، الإسرائيلي واللبناني، إلى منع اتساع نطاق الحادث وأعربا عن مصلحتهما في الحفاظ على الاستقرار على امتداد الحدود. ولعل رد الفعل اللافت بشكل خاص هو الذي صدر عن منظمة "حزب الله" التي لم يكن لها ضلع في الحادث، فضلاً عن ذلك فقد ادعى مسؤولون في المنظمة أن الحادث يعكس رغبة إسرائيل في جر "حزب الله" إلى مواجهة عسكرية واسعة، وهو ما يشير إلى أن الحزب غير معني بمثل هذه المواجهة، على الأقل في هذا الوقت.
إن هذا الأمر يعبر عن قوة وتأثير الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، والذي خلقته حرب العام 2006. ويستند هذا الردع إلى قدرة الجانبين على إلحاق ضرر جسيم بالجبهة الداخلية للطرف الآخر. وعلى ما يبدو فإن حزب الله، الذي اتهم بجر لبنان إلى حرب ألحقت بالبلد خسائر جسيمة، خدمة لمصالح أجنبية، غير مستعد لدفع الثمن العسكري والسياسي المترتب على جولة حربية جديدة، كما أن إسرائيل من جهتها لا تريد التسبب بخسائر في صفوف سكانها المدنيين.
يستدل من هذا التحليل أن الجيش اللبناني أيضاً لا يتلقى التعليمات من طهران وأن جذور وأسباب الحادث تكمن في الوضع القائم على الحدود وفي الوضع السياسي الداخلي في لبنان، ومن هنا لا توجد صلة أو رابط بين إطلاق الصواريخ على عسقلان وعلى إيلات وبين هذا الحادث، حتى وإن كان تصادف الأحداث يولد الانطباع بأن الحديث يدور على هجمة منسقة من عدة اتجاها.
وختم: إن الاستنتاج الأول المستشف من حادث الثالث من آب يشير إلى أن رغبة جميع الأطراف ذات الصلة - إسرائيل وحزب الله وحكومة لبنان- في تفادي الانجرار إلى مواجهة عسكرية ما زالت قائمة، وعليه فإن هذه الأطراف ستحرص على احتواء أية أحداث أو بؤر احتكاك. الاستنتاج الثاني يتمثل في أن مصلحة جميع الأطراف في هذا الأوان هي تقليص بؤر الاحتكاك، ولذلك يحب الإسراع في عملية الرسم والتحديد الدقيق للخط الأزرق على الأرض برعاية "اليونيفيل". الاستنتاج الثالث، هو أن قوات "اليونيفيل" تلعب دوراً إيجابياً يساهم في الاستقرار حتى وإن كانت عاجزة عن تلبية توقعات مبالغ فيها لدى الجانب الإسرائيلي، وفحواها أن تمنع بالقوة أي محاولة للمس بإسرائيل.
"إسرائيل ترتكب جريمة حرب إذا
لم تمنع اندلاع حرب مع سورية"
من ناحية أخرى أكد الكاتب الإسرائيلي إيال ميغد، في مقالة نشرها أمس الاثنين في الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت، أن جريمة الحرب المقبلة التي سترتكبها إسرائيل هي عدم منع اندلاع حرب مع سورية.
وجاء في مقاله:
ها هي جريمة الحرب المقبلة ترتكب الآن، قبل أن تندلع الحرب. وجريمة الحرب، هي أنهم لا يمنعون وقوع الحرب. هذه الحرب الحتمية المقبلة - مع التشديد على كلمة مع الأسف- هي حرب مع سورية. فتجربة الحياة والتاريخ يشيران بوضوح إلى أن عدم ملء الفراغ السياسي بخطوات سلمية، سيؤدي إلى امتلاء الفراغ بالحرب. إنه قانون الطبيعة تقريباً، تماماً كما في لعبة كرة القدم: فحين لا تستغل الفرص المتاحة لتسجيل الأهداف، فإنه يمكن دائماً المراهنة على أنك ستتلقى الأهداف في النهاية.
منذ العام 2003 والرئيس بشار الأسد يرسل إشارات إلى أنه مستعد للسلام، لكن إسرائيل لم تستجب له، في البداية بذريعة أنه ضعيف للغاية، ولذلك لا جدوى من المحاولة. وبعد أن أصبح قوياً أكثر، استبدلت هذه الذريعة بالادعاء أن "نوايا الأسد ليست صادقة".
رحلت حكومات وجاءت أخرى من دون أن يظهر شريك في الجانب الإسرائيلي. ظاهرياً ليس من الواضح كيف يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها برفض اليد الممدودة للسلام. فكل ما حلمنا به يتحقق: الأسد يؤكد في كل مناسبة ومكان تطلعه لـ "سلام شامل" واستعداده لإجراء مفاوضات "بدون شروط مسبقة". فهل كل ما أصرت عليه إسرائيل كان مجرد خداع؟! هل كل ما قيل طوال السنوات كان مجرد مراهنة بأن العرب لن "ينضجوا" أبداً للسلام؟! لقد أهدر وقت ثمين حين منع الأميركيون شارون وأولمرت من الدخول في مفاوضات مع سورية، والآن تضيع الفرصة لأن صانعي القرارات السياسية في إسرائيل لا يؤمنون بهذا السلام. إن السبب الرئيس في كون الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تحرك ساكناً تجاه هذا الموضوع، يرجع إلى حقيقة أن الجمهور الإسرائيلي لا يضغط عليها كي تستجيب للمغازلات السورية. فالسلام مع سورية لا يحظى بشعبية في إسرائيل.. لماذا؟ لأنه لم تسقط علينا بعد صواريخ سورية، وطالما لم تصل مثل هذه الصواريخ ولم يلحق بنا أي أذى، فما الذي يدعونا لمقايضة هضبة الجولان بما فيها من منتجعات ونبيذ وخيول وتزلج على الثلوج، بسلام واهن ومشكوك فيه؟! هذه الإجابة لن تسمعها من اليمين فحسب، بل ومن اليسار الإسرائيلي أيضاً. ولكن انتظروا، فما إن يَسقط هنا ألف صاروخ، حتى تتغير هذه المعزوفة سريعا. تماماً مثلما حدث بعد موجات الهجمات "الإرهابية" (الفلسطينية)، حين أبدت غالبية الجمهور الإسرائيلي استعدادها للتخلي عن يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وتناست دفعة واحدة كل روابطنا بأرض الآباء، سوف نجد الجمهور الإسرائيلي مستعدا للتخلي عن هضبة الجولان، وسيكف الشعب عن "وقوفه مع الجولان"، وسيستعاض عن السؤال "ما حاجتنا للسلام مع سورية" بـ "ما حاجتنا بهضبة الجولان"؟.
أجل، هكذا الأمر لدينا، نفهم بلغة القوة فقط. فآخر من لديه مصلحة في صنع السلام مع السوريين هو رئيس الحكومة، كائنا من كان وليس الحالي فقط، ولكن بشكل خاص وأساسي رئيس الحكومة الحالية. ليس من الصعب تصور أي ضجة ستقوم حال بدء المفاوضات مع السوريين، كما وليس من الصعب تصور انهيار ركائز الائتلاف الحكومي الحالي والمشاكل التي ستتفجر في مركز حزب الليكود. إن زعيماً حقيقياً وسياسياً حازماً فقط سيكون قادراً على تحقيق السلام.. وماذا بالنسبة للحرب؟ إن الحرب، بالنسبة لرئيس حكومة يفتقر إلى هذه الصفات، تشكل بالذات فترة سماح، عصر ذهبي بين الأزمان، ولم لا؟ فالشعب كله، اليمين والسار والوسط، يقف من ورائه. لكن المشاكل تبدأ بعد الطوفان، حين ننهمك في إحصاء آلاف القتلى، ويرغموننا على الجلوس على مائدة المفاوضات مع السوريين. عندئذٍ سيقول الجميع: خسارة، كان بمقدورنا الحصول على نفس الشروط من دون كل هذا الدمار والخراب وثكل الأبناء.